أخطاء عسكرية إيرانية أدت إلى كوارث: تفاصيل غامضة وتحقيقات مؤجلة
الحادث ليس الأول من نوعه، وهو ما يفتح ملف أخطاء عسكرية ارتكبتها هذه القوات خلال العقود الأربعة التي تلت قيام الثورة الإسلامية عام 1979،
ميدل ايست نيوز: ارتكبت القوات المسلحة الإيرانية “خطأ عسكريا”، أمس الأحد، باستهداف مدمرة تابعة للجيش سفينة حربية إيرانية في مياه بحر عمان بصاروخ، لكن الحادث ليس الأول من نوعه، وهو ما يفتح ملف أخطاء عسكرية ارتكبتها هذه القوات خلال العقود الأربعة التي تلت قيام الثورة الإسلامية عام 1979، لكون هذه الأخطاء أدت إلى كوارث، قتل فيها العشرات من الإيرانيين والأجانب، وسط حالة غموض اكتنفت تفاصيل بعضها والتحقيقات بشأنها.
ورصد “العربي الجديد” أربعة أحداث عسكرية، ثلاثة منها جوية والآخر بحري، اعترفت السلطات الإيرانية ببعضها نتيجة أخطاء عسكرية، فيما ظلت أسباب الأخرى غامضة، وسط تعارض الروايات بشأنها.
الحادث الأخير، والرابع حتى اللحظة، وقع مساء أمس الأحد في مياه بحر عمان، بعدما قصفت مدمرة “جماران” الإيرانية سفينة “كنارك” الحربية بصاروخ عن طريق الخطأ، أثناء تدريبات عسكرية، إلا أن بيان الجيش الإيراني حول الحادث أبقى حيثيات ما جرى غامضة، حيث اكتفى بالقول إن ما حصل لسفينة “كنارك” كان نتيجة “حادث بحري” خلال تمارين عسكرية في المياه العامة الواقعة بين ميناءي جاسك وجابهار الإيرانيين، المطلين على بحر عمان، من دون الكشف عن تفاصيل ذلك.
وفي أول بيان أصدره الجيش الإيراني من خلال قيادة المنطقة البحرية الأولى فجر اليوم الاثنين، ذكر أن الحادث خلف قتيلا واحدا حتى تلك اللحظة، وعددا من الجرحى، إلا أن السلاح البحري للجيش أكد بعد خمس ساعات مقتل 19 عسكريا وإصابة 15 آخرين من جراء ذلك، مشيرا إلى أن المصابين بـ”صحة جيدة”.
وفيما سبق صحافيون إيرانيون مقربون من المؤسسات الإعلامية المحافظة بيان الجيش بذكر بعض تفاصيل ما حدث للسفينة المنكوبة، دعت المؤسسة العسكرية إلى “تجنب أي تكهنات قبل إجراء تحقيق دقيق من قبل فرق الخبراء”.
وكان الصحافي الإيراني المحافظ وحيد حاجي بور أول من كشف، منتصف ليل الأحد ـ الإثنين، عما يمكن أن يكون حصل لفرقاطة “كنارك” عبر “تويتر”، نقلا عن مصادره، قائلا إنه خلال التدربيات العسكرية، أحضرت الفرقاطة هدفا إلى منطقة نيران التدربيات لتقوم مدمرة “جماران” باختبار إطلاق صاروخ كروز باتجاه الهدف، مشيراً إلى أنه بعد إطلاق الصاروخ لم تكن السفينة بعيدة بما يكفي عن المنطقة، ما أدى إلى إصابتها بالصاروخ بدلاً من إصابة الهدف.
لكن حتى الآن لم يؤكد أو ينف الجيش الإيراني صحة هذه الرواية حول حقيقة ما حصل للفرقاطة المنكوبة، محيلا الكشف عن ذلك إلى نتائج تحقيقاته.
الخطأ الأكبر جسامة
وذكّر الخطأ العسكري الأخير بالآخر وهو الأكثر جسامة، وكان “كارثة كبيرة”، بحسب توصيف الرئيس الإيراني حسن روحاني، وقع قبل أشهر، يوم الثامن من يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما أسقط الدفاع الجوي التابع للحرس الثوري الإيراني طائرة مدنية أوكرانية من طراز بيونغ 737، بعد دقائق من إقلاعها من مطار “الإمام الخميني” الدولي جنوب العاصمة طهران بـ”الخطأ”، ما أدى إلى مقتل 176 راكبا، من جنسيات أوكرانية وكندية وأفغانية وسويدية وبريطانية، إلا أن معظمهم كانوا إيرانيين، بينهم 57 كندياً من أصول إيرانية.
أربعة أحداث عسكرية، ثلاثة منها جوية والآخر بحري، اعترفت السلطات الإيرانية ببعضها نتيجة أخطاء عسكرية، فيما ظلت أسباب الأخرى غامضة، وسط تعارض الروايات بشأنها
وكان خطأ إسقاط هذه الطائرة له ارتدادات داخلية وخارجية صعبة، لم تنته بعد، لكونه وقع في ظروف حرب عاشتها المنطقة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، بعدما قامت الأخيرة باغتيال أبرز الجنرالات الإيرانيين، قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، يوم الثالث من يناير/ كانون الثاني، حيث جاء إسقاط الطائرة بعد ساعات قليلة من هجمات صاروخية إيرانية على قواعد أميركية في العراق، ردا على عملية الاغتيال، فضلا عن أنه حدث أثناء دفن جثمان سليماني في مسقط رأسه بمدينة كرمان جنوبي البلاد. وعلى الصعيد الداخلي أدى التأخر في الكشف عن السبب الحقيقي لسقوط الطائرة بصاروخ لثلاثة أيام، وإرجاع ذلك إلى “عطل فني”، إلى امتعاض الإيرانيين واحتجاجات في بعض المدن، ومن جهة أخرى خطف الحادث الأضواء عن الهجمات على القواعد الأميركية، ومراسم التشييع الحاشد لجثمان سليماني، والتي أرادت السلطات الإيرانية الاستثمار فيهما في المواجهة الدائرة مع واشنطن.
واعترفت الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، في بيان رسمي، بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة الأوكرانية “عن طريق خطأ بشري غير متعمد”، يوم الحادي عشر من يناير/ كانون الثاني، وقدمت الاعتذار للشعب الإيراني وأسر الضحايا، إلا أن التأخر في إعلان السبب كان له مفعول كبير في ضرب ثقة المواطنين بالسلطات.
وعلى الصعيد الخارجي، أشعل سقوط الطائرة توترا وخلافات بين إيران وبعض الدول التي انتمى إليها الركاب، خصوصا أوكرانيا وكندا، وهي خلافات لا تزال مستمرة بشأن تعويض أسر الضحايا و”الصندوق الأسود” للطائرة، بعد رفض طهران تسليمه إلى الخارج، وطالبت به تلك الدول لمعرفة تفاصيل ما حدث، لكنها خلال شهر مارس/ آذار أعلنت عن استعدادها لإرسال الصندوق إلى دولة ثالثة، إلا أن ذلك تأجل بعد تفشي كورونا وإعلان كندا وبقية الدول عن تعذر سفر مندوبيها.
ولا تزال ملابسات الحادث غامضة، ولم تعلن السلطات الإيرانية بعد نتائج تحقيقاتها حول ذلك، وسط فرضيات متعددة طرحت عن سبب قيام الدفاع الجوي الإيراني بإطلاق الصاروخ.
وفيما أعلن قائد القوات الجوفضائية للحرس الثوري الإيراني، الجنرال أمير علي حاجي زادة، يوم التاسع من يناير/كانون الثاني الماضي، أن العسكري المسؤول عن الدفاع الجوي في غرب طهران اشتبه بأن الطائرة هي صاروخ كروز في أجواء كانت تتوقع طهران أن ترد واشنطن على هجماتها الصاروخية، إلا أن جهات إيرانية أخرى طرحت فرضيات أخرى مثل احتمال قيام الجانب الأميركي باختراق منظومة الدفاع الجوي الإيرانية.
مقتل الجنرال بابائي
أما الخطأ العسكري الثالث، فحصل يوم السادس من أغسطس/آب 1987، بعد قيام الدفاع الجوي الإيراني غرب البلاد بإطلاق النار “عن طريق الخطأ” على طائرة عسكرية كانت تقل رئيس عمليات السلاح الجوي للجيش، اللواء عباس بابائي، أثناء الحرب الإيرانية العراقية.
ويذكر مركز الدراسات الحربية الإيراني أن بابائي كان قد دخل الأجواء العراقية بطائرة F5 التدريبية انطلاقا من قاعدة مدينة تبريز الجوية، بغية القيام بمهمة استطلاعية، مشيرا إلى أن طائرته بعد العودة تعرضت لعملية إطلاق نار من قبل الدفاع الجوي الإيراني في منطقة مدينة “سردشت” غربي إيران، وأصيب من ناحية الرأس، قبل أن يتمكن الطيار من الهبوط بالطائرة داخل الأراضي الإيرانية.
وكان بابائي من أنشط وأبرز القادة الإيرانيين العسكريين إبان حرب الثماني السنوات بين إيران والعراق، وأحدث مقتله صدمة بين الإيرانيين آنذاك.
سقوط طائرة C 130
وشهد يوم التاسع والعشرين من سبتمبر/ أيلول 1981 مقتل عدد من أكبر القادة العسكريين الإيرانيين في حادث جوي في مدينة قم، على بعد 110 كيلومترات عن العاصمة طهران، كان له وقع كبير على مجريات الحرب الإيرانية العراقية بعض الوقت، حيث فقدت إيران أكثر من 30 عسكريا، من بينهم معظم قادة الحرب من الحرس والجيش، هم رئيس أركان الجيش، ولي الله فلاحي، ووزير الدفاع موسى نامجوي، وقائد سلاح الجو جواد فكوري، ونائب القائد العام للحرس الثوري يوسف كلاهدوز، وقائد قوات الحرس في مدينة خرمشهر جنوب غربي إيران، محمد جهان آرا.
وكان هؤلاء القادة العسكريون في طريقهم من مدينة الأهواز عبر طائرة C130 العسكرية إلى العاصمة لرفع تقارير عن مجريات الحرب الإيرانية العراقية لمؤسس الثورة الإسلامية آية الله الخميني، بعد عملية “ثامن الأئمة” التي تصفها طهران بأنها من أنجح عملياتها أثناء الحرب، إلا أن الطائرة بعد هبوطها الاضطراري في الصحراء انفجرت.
التحقيقات الإيرانية بشأن هذا الحادث عزت السبب إلى وقوع عطل فني أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وخلل في محركات الطائرة. وأكد ذلك محمود خرم دل، الطيار المساعد الذي نجا من الحادث، إلا أن هذه التحقيقات لم تحسم الجدل الذي ما زال قائما بعد مضي قرابة 40 عاما على وقوع الحادث، ومن الأسباب التي يطرحها بعضهم سقوط الطائرة بنيران إيرانية عن طريق الخطأ.
وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة “قانون” الإصلاحية، في عددها الصادر يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عن القائد العسكري المتقاعد هوشنغ صمدي، قوله إن إطلاق صاروخ من الدفاع الجوي تسبب بسقوط الطائرة، مشيرا إلى أنه كان من المقرر أن يكون من بين ركاب الطائرة المتجهين إلى طهران.
إلا أن موقع منظمة “نشر أعمال وقيم الدفاع المقدس” الإيرانية أفاد في اليوم نفسه بأن صمدي اتصل بالمنظمة نافيا صحة أجزاء من المقابلة التي نشرتها “قانون”، المرتبطة بإرجاع حادث الطائرة إلى إطلاق صاروخ من قبل الدفاع الجوي.
فضلا عن أن ثمة فرضيات أخرى حول سقوط طائرة C 130، في مقدمتها احتمال عملية تخريبية تقف وراءها منظمة “مجاهدي خلق” المعارضة، حسب ما ورد في تقرير بعنوان “لغز سقوط C130 لم يفك بعد”، لموقع نادي “المراسلين الشباب” التابع للتلفزيون الإيراني، نشره يوم 29 سبتمبر/أيلول 2018.