تويتر يرسم صورة جديدة ثلاثية الأبعاد للموقف السياسي في العراق

شكلت تغريدتي محمد الغبان رئيس كتلة الفتح في البرلمان مفاجأة للكثيرين وأثارت كثير من ردود الأفعال المختلفة الأيجابية والسلبية.

ميدل ايست نيوز: كتب المحلل السياسي البارز “منقذ داغر” في مقال جديد عن مستقبل الصراع الإيراني و الأمريكي في العراق.

جاء في هذا المقال: كمتخصص في الرأي العام العراقي،أتابع عن كثب التطورات السياسية الأخيرة في العراق والتي تؤكد في كثير من الاحيان نتائج استطلاعات الرأي التي أجريها وتعكس هذا التدني الحاد في أهم عنصر من عناصر القوة الناعمة الايرانية في العراق والمتمثل بثقة العراقيين في ايران. بات من الواضح ان أيران وداعميها في العراق باتوا يتصرفون بطريقة مختلفة مؤخرا تعكس رغبة أقل في المواجهة والصدام ورغبة أكبر في علاقات اكثر مرونة وتوازن سواء مع العراق او مع المصالح الأمريكية في العراق.

شكلت تغريدتي محمد الغبان رئيس كتلة الفتح في البرلمان مفاجأة للكثيرين وأثارت كثير من ردود الأفعال المختلفة الأيجابية والسلبية. فبعد تغريدته الأولى التي دعا فيها الولايات المتحدة الى فهم موقف كتلته من تمرير الكاظمي في البرلمان بأنه موقف أملته الظروف الحرجة التي يمر بها العراق وأن على أمريكا الان الايفاء بتعهداتها لدعم العراق،تعرض الغبان (الذي كان هو معارضا لتعيين الكاظمي)إلى حملة هجوم كبيرة من الجهات القريبة من المحور الثوري الأيراني أتهم فيها بالتراجع عن مبادئ المقاومة ضد أمريكا! وعلى أثر هذه الحملة التي شُنت باللغتين العربية والفارسية،رد الغبان بتغريدة متهماً منتقديه بعدم فهمهم للسياسة ومحاولتهم أسقاط القيادات التقليدية في كتلة الفتح التي طالما كانت قريبة جداً من الموقف الأيراني الثوري المتشدد في العراق.

ولفهم حقيقة هذا التطور المهم،لا بد من وضعه في إطاره ثلاثي الأبعاد(العراقي-الأيراني-الأمريكي).

عراقياً

يأتي هذا التطور بعد تطورات مهمة شهدتها الساحة خلال السنتين الأخيرتين وسبق ان ذكرتها في اكثر من مقال،أهمها فقدان إيران لقوتها الناعمة التي طالما ساعدتها على كسب الشارع الشيعي في العراق.فمنذ ٢٠١٧ أشارت استطلاعات الرأي التي أجريناها هناك الى فقدان أيران لشعبيتها بشكل مستمر وحاد حتى وصلت نسبة الشيعة ممن يرون أن ايران شريك موثوق للعراق الى أقل من ٢٥٪؜ في نهاية عام ٢٠١٩ نزولاً من ٧٥٪؜ عام ٢٠١٦. كما ارتفعت نسبة الشيعة الذين يعتقدون ان لأيران أثر سلبي على السياسة العراقية لتصل الى أكثر من٨٠٪؜ في نهاية٢٠١٩. هذا الأتجاهات السلبية نحو إيران بين شيعة العراق والتي جاءت لأسباب عملية أقتصادية وسياسية،جعلت كل القوى السياسية الشيعية العراقية تعيد حساباتها. فقد ادى إغراق السوق العراقية(بخاصة في الجنوب الشيعي)ببضائع ايرانية رخيصة الى تدمير كثير من المصانع والمزارع العراقية نتيجة عدم قدرتها على المنافسة. كما عُدّت أيران التي كانت داعمة بشدة للحكومات العراقية السابقة والغارقة في الفشل والفساد،سبباً في تدهور الوضع السياسي والاقتصادي لأنها هي من كانت السبب الأساس في تنصيب تلك الحكومات.

جاءت أنتفاضة تشرين ٢٠١٩ في بغداد والجنوب لتؤكد هذه الحقيقة،فقد كان شعار (إيران بره بره)من بين أبرز ما رفعه المتظاهرون كما أن مطالبات المتظاهرين بتغيير كل النظام ولاعبيه الأساسيين أكدت لقوى الاسلام السياسي الشيعي التي طالما تسيدت المشهد السياسي أن أزاحتهم ستكون حتمية مالم يقوموا بتغييرات جوهرية استجابة لرغبة الشارع ومنها الموافقة على استقالة عبد المهدي،وهذا القبول على مضض لترشيح الكاظمي الذي طالما اتهمته قوى سياسية شيعية قريبة من ايران بأنه أمريكي بل وأتهمته بمقتل سليماني والمهندس.

جاء فقدان القيادة القادرة على توحيد البيت السياسي الشيعي، نتيجة اغتيال سليماني والمهندس بداية هذا العام ليضيف ورطة أكبر على الورطة التي وجد قادة التيار العراقي القريب من أيران أنفسهم فيها بعد أنتفاضة تشرين.لقد أدى غياب هذه القيادة التي كانت قادرة على ضبط ايقاع واختلافات مكونات الاسلام السياسي الشيعي في العراق،الى تفجر هذه الخلافات وظهورها للعلن.وما إشارة الغبان في تغريدته الثانية الى تلك الخلافات الا دليل مضاف على تلك الخلافات التي تجسدت ابتداءً في إنشقاقات البيت السياسي الشيعي نحو أستقالة عبد المهدي وأختيار بديل عنه.ثم جاءت جائحة كورونا وتداعياتها الأقتصادية الهائلة والتي تضاعفت وباتت تهدد الاقتصاد العراقي بالأنهيار بعد أن تفاعلت مع أنخفاض أسعار البترول،لتضيف عبئاً آخر لا يمكن للدولة العراقية ان تتحمله دون اللجوء لحلول وجراحات صعبة من أهمها طلب المساعدات الخارجية من الدول التي يمكن ان تساعد العراق وهي في مجملها دول لها مواقف متشددة ضد ايران ووكلائها في العراق.هذه الاسباب مجتمعةً جعلت الغبان وغيره من صقور مايسمى بمحور المقاومة مضطرين لإظهار مرونة وبراغماتية ماكان لأحدٍ ان يفكر بها قبل أشهر معدودة.

إيرانياً

لم يعد خافياً أن إيران باتت تعاني بشدة نتيجة تفاعل آثار العقوبات الاقتصادية الاميركية عليها،مع حالة غضب الداخل الايراني والتي جسدتها المظاهرات الشعبية الأخيرة مما جعل قوى التشدد الايراني في مواجهة مباشرة ليس مع الشعب فقط بل مع قوى الأعتدال الأيراني التي حملتها مسؤولية هذه المعاناة الشديدة أقتصادياً وسياسياً وأجتماعياً. وجاءت جائحة كورونا التي ضربت إيران بقسوة كونها أحد بؤر الوباء العالمية لتضيف مشاكل كبرى اقتصادية واجتماعية ايضاً. ثم جاء أغتيال سليماني رجل ايران القوي وعقلها المخطط لسياستها في المنطقة ليسبب فراغاً قيادياً كبيراً في كيفية ترتيب أوراق ايران الخارجية.ترافق ذلك مع حادث اسقاط الطائرة الاوكرانية من قبل الحرس الثوري والذي قوض كثيرا من مصداقية ايران وحرسها الثوري داخلياً وخارجياً.كما أن خسارة ايران لنفوذها وقوتها الناعمة ليس في العراق فحسب بل في أكثر من منطقة وأهمها لبنان الذي شهد مظاهرات شعبية كبرى كان من بين شعاراتها ايضاً إنهاء النفوذ الايراني،جعل قوى الاعتدال وقوى الدولة تربح جولة نزاعها مع قوى التشدد والثورة.

من هنا يمكن فهم تغريدة مرشد الثورة،السيد الخامنئي ،الأخيرة والتي أعتبر فيها الأمام الحسن(الذي عُرف في الموروث الاسلامي السني والشيعي بأنه عقد صلحاً مع معاوية وهو أشد أعداء الشيعة تاريخياً)بأنه أشجع شخص في التاريخ الأسلامي. فالأشارة واضحة هنا لأمكانية عقد أتفاق جديد مع الولايات المتحدة رغم كل التشدد الذي ساد الخطاب الأيراني تجاه الأدارة الأميركية خلال السنة الأخيرة.

كما يمكننا أستناداً الى ذلك فهم الموقف الايراني الذي لم يعارض ترشيح السيد الكاظمي المقرب من أمريكا كما يصنفوه.فأيران الدولة باتت تدرك حجم التهديد الذي يواجهها وصارت تنشد مساعدة الغرب لها للخروج من مأزقها بخاصة بعد أن أدركت بما لا يقبل الشك ان الأعتماد على الحلفاء والاصدقاء الصينيين والروس وحتى الأوربيين لم يستطع أن يوفر لها مخرج من المأزق الذي هي فيه الان .وهي تعتقد ان العراق قد يكون احدى بواباتها للتوصل للتفاهمات مع الغرب ومع أمريكا،بخاصة بعد ان تبين لها أن أمريكا ترامب ليست كأمريكا أوباما وأن تهديد قواتها في العراق لن يؤدي الا الى مزيد من الضغوط على ايران.

أمريكياً

كتبت قبل ثلاث سنوات تحليلاً للفرق الاساس بين ستراتيجية ادارة ترامب وستراتيجيات من سبقوه في التعامل مع إيران يكمن في أختلاف منظور المواجهة. كل الادارات السابقة منذ عهد بوش الأبن أعتمدت في مواجهتها مع إيران على مواجهة أذرعها ونفوذها في العراق والخليج وبلاد الشام في ذات الوقت الذي تتجنب فيه التصعيد مع إيران الثورة.وكانت المبادرة بأستمرار بيد إيران من خلال توجيه أذرعها وممثليها في المنطقة لتهديد النفوذ والمصالح الاميركية وبمختلف الوسائل وبخاصة باستخدام الميليشيات الثورية الموالية لها والتي يصعب على أمريكا مواجهتها دون الدخول في تعقيدات سياسية وعسكرية وحسابات معقدة.ونظراً لفقدان المبادرة فقد كانت الادارات الأميركية المتلاحقة تحاول أحتواء الخطر الايراني من خلال عدم التصعيد وترك حلفاءها في المنطقة ليواجهوا التمدد الايراني. بل بلغت الحالة في تلك المواجهة الى موافقة ايران على ترشيح حليفها القوي في العراق،نوري المالكي،لمنصب رئاسة الوزراء رغم خسارته لانتخابات ٢٠١٠ مقابل التعهد بعدم عرقلة الميليشيات الحليفة لايران لانسحاب القوات الاميركية من العراق. وفي مقابلته الشهيرة مع الاتلانتك في نهاية ولايته أكد أوباما على ضرورة جلوس ايران والسعودية للتفاهم على توزيع القوى في المنطقة وكأنما هما المسؤولان عن شعوب المنطقة! كما لم يتضمن الاتفاق النووي الايراني أي إشارة للحد من نفوذ إيران العسكري والسياسي والأقتصادي والذي كان أحد أسباب ظهور داعش.

أما أدارة ترامب فقد أعتمدت ستراتيجية نقل المواجهة للداخل الأيراني مع أستمرار الضغط على الأطراف. لقد أحدثت العقوبات الأقتصادية والسياسية الكبيرة على أيران تأثيرات سلبية هائلة بدأت آثارها بالظهور في نهاية ٢٠١٩ وما زالت تلك الآثار تتصاعد للآن. وحتى قبل جائحة كورونا وقبل الهبوط الحاد في أسعار النفط، فقد ظهرت بعض التقارير التي أشارت الى أحتمالات أنهيار الاقتصاد الأيراني مع بداية٢٠٢١!

وحينما جربت إيران ذات ستراتيجية التهديد التي اختبرتها بنجاح مع القوات الاميركية في العراق من خلال ميليشياتها أثناء ادارة أوباما،وجدت ردود فعل مختلفة تماماً تمثلت بمهاجمة تلك الميليشيات ومعاقبة قادتها وارسال رسائل واضحة ان لا نية لهم للتخلي عن نفوذهم في العراق هذه المرة!

سيناريو المواجهة المحتمل في العراق

يبدو ان الكاظمي سيعتمد سياسة الأحتواء المزدوج للنفوذين الأمريكي والأيراني في العراق. وسيتيح الحوار الستراتيجي بين العراق وايران في الشهر القادم فرصة ذهبية للكاظمي لتطبيق سياسته تلك. ليس مطلوباً من حكومة الكاظمي أن تكون موالية لأمريكا بل سيكون الأميركان راضين جداً لو أظهر العراق رغبة جدية في أن يكون مستقلا في قراره عن النفوذ الأيراني.وسيزيد هذا الرضا أذا تمكن الكاظمي من فرض سيطرته على مؤسسات الدولة العراقية وقلع جذور الدولة الموازية التي يقودها أصحاب السلاح والمال في العراق.

في المقابل فأن الأيرانيين سيكونون راضين جداً أذا لم تستخدم الأراضي العراقية لتهديد سيادتهم ودولتهم.وسيكونون أكثر رضا إذا ضمن العراق لهم علاقات اقتصادية طبيعية تساعدهم على الخروج من أزمتهم الخانقة. كما أنهم يطمحون ان يكون الكاظمي أحد مفاتيح جلوسهم مرة أخرى مع الأميركان للوصول الى أتفاق قد لا يرضي طموحهم الثوري لكن يلبي حاجاتهم الأقتصادية والسياسية الملحة.

أما على الصعيد الأمريكي، فأن هناك حاجة لأستثمار الحوار الستراتيجي المقبل مع العراق لأثبات حسن النية الأميركية. وفي الوقت الذي يجب على العراقيين ان لا يتوقعوا من الأميركان الكثير بخاصة في ظل الوضع الاقتصادي لاميركا بعد الجائحة،فأن على أميركا ان تثبت للغبان ومن وراءه أنها تثمن مصالحها الستراتيجية في العراق ومستعدة لمد يد العون الأميركية أقتصادياً اولا وعسكريا ثانياً لمواجهة احتمالات عودة داعش. أن مثل هذه الستراتيجية قد تساعد كثيراً في تعزيز وتقوية التيار البراغماتي الذي بدأ بالتنامي في أوساط الاسلام السياسي الشيعي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
IIACSS

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى