صندوق التنمية الوطني الإيراني: تقدير حجم المدخرات، والسيناريوهات المتوقعة
يشكل صندوق التنمية الوطني مدخرًا سياديًا لادخار الفائض من مبيعات النفط السنوية، بغية استخدامها في الأعوام التي تقل فيها الإيرادات النفطية.
ميدل ايست نيوز: ثمة اختلاف كبير في تقدير حجم مُدّخرات صندوق التنمية الوطني الإيراني، وتتسع فجوة هذا الاختلاف بشكل أكبر بين المصادر الداخلية والخارجية. وقد أوردت تقارير صادرة في العام 2018 عن صندوق النقد الدولي أن مدخرات الصندوق بلغت 91 مليار دولار، لكن تقارير أخرى صدرت عن نفس المنظمة، أشارت في عام 2019 إلى أن حجم مدخرات الصندوق يبلغ 85.5 مليار دولار. بينما تبدو تقديرات المصادر الداخلية مختلفة تمامًا؛ ففي حين تعلن مصادر في الصندوق إلى أن الحكومة دفعت 170 مليار دولار حتى العام 2013 للصندوق، فإن مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني أكد في تقرير في العام 2014 أن الحكومة السابقة كنست مدخرات الصندوق، وأن مدخراته في ذلك العام لم تتجاوز 17 مليار دولار، وهو ما تؤيده أرقام صادرة عن الصندوق. هذا فيما أشارت مصادر رسمية إلى أن مدخرات الصندوق انخفضت إلى نحو 22 مليار دولار في سبتمبر 2013، ثم إلى نحو 12 مليار دولار في أكتوبر 2017.
ولعلّ عدم الشفافية في حيثيات عمل الصندوق، ومصادره، وغموض آليات تحققها، وكيفية إدارتها، تعدُّ من أهم الأسباب التي ينشأ عنها هذا الاختلاف الشاسع في تقدير حجم المدخرات؛ إذ تشير الأخبار إلى فشل عدة محاولات برلمانية لمراقبة الصندوق، والتحقيق في حساباته. لكن من الواضح أن النظام الإيراني يفضل استمرار هذه الضبابية التي تحكم حالة الصندوق الذي يلعب دورًا لافتًا في صمود إيران بوجه الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات؛ مما يجعل من المستحيل معرفة اللحظة التي ينهار فيها الاقتصاد الإيراني، بسبب عدم معرفة حجم المصادر التي يستند عليها للصمود بوجه الضغوط. ولذلك، يبدو من المهم جدًا تقدير حجم المدخرات الواقعية التي يتضمنها الصندوق، وحجم الحصة التي يمكن للنظام استخدامها من تلك المدخرات في الأوقات الحرجة.
ما هو “صندوق التنمية الوطني” الإيراني؟
صندوق التنمية الوطني الإيراني هو صندوق ثروة سيادية شكلته حكومة الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في عام 2010، بعد أن قامت بحلّ “صندوق الادّخار القومي”، وهو تجربة مماثلة قامت بها حكومة الرئيس محمد خاتمي في عام 1998. ويشكل صندوق التنمية الوطني مدخرًا سياديًا لادخار الفائض من مبيعات النفط السنوية، بغية استخدامها في الأعوام التي تقل فيها الإيرادات النفطية، وبغية استخدامها في تحريك القطاع الاقتصادي الخاص، وبعض القطاعات البنيوية. وكان القانون الداخلي للصندوق، استنادا إلى بنود البرنامج الخماسي للتنمية، يقضي أن تقوم الحكومة بإيداع 20 بالمئة من مجموع مبيعات النفط السنوية على الصعيد الدولي والداخلي في الصندوق، على أن يتم إضافة 3 بالمئة إلى هذه النسبة كل عام، وذلك في سبيل خفض الاستناد على النفط في الموازنة العامة، وادخار فائض المبيعات؛ إلا أن الحكومات لم تُبدِ التزامًا كبيرًا بزيادة هذه النسبة، مما جعلها في بعض الأحيان تتوقف عند 20 بالمئة.
ويتكفل الصندوق بـعدة وظائف أهمها: “منح قروض إلى القطاع الخاص”، و”ضخ منح مالية في المشاريع التنموية البنيوية”، ويمكن “استخدام مصادره في دعم الموازنة العامة في حال حدوث عجز” ناجم عن المبيعات النفطية أو أي عجز تراه الجهات المعنية بالصندوق سببًا في سده من مصادر الصندوق، على أن يكون للبرلمان أو للقائد الأعلى الحق في استخدام مصادر الصندوق في المحورين الأخيرين، بينما يكون الحق في المحور الأول من نصيب إدارة الصندوق.
وأشار وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، مؤخرًا إلى الصندوق في معرض حديثة عن أزمة كورونا في إيران؛ حيث أكد أن “إيران ليست بحاجة إلى مساعدات دولية لمكافحة فيروس كورونا، لأنها تمتلك مصادر عدة، منها صندوق تنمية ضخم، تبلغ قيمة مدخراته نحو 90 مليار دولار”. وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني طلب في رسالة إلى القائد الأعلى الإيراني من أن يستعين بنحو مليار دولار من مصادر الصندوق لدعم القطاع الصحي في وجه الفيروس الذي يعصف بالبلاد.
مجمل هذه الأحداث أعادت إلى السطح سؤالًا يبدو في غاية الأهمية عن طبيعة هذا الصندوق، وحجم مدخراته الحقيقي، خصوصًا وأنه يلعب دورًا رئيسًا في سد ثغرات الموازنة العامة (يقدر حجم تعويل موازنة العام الجاري على مصادر الصندوق بما بين 3 و7 مليارات دولار في عدة سيناريوهات، مشكلة نحو 7 حتى 16.5 بالمئة من حجم الموازنة العامة، بينما كان حجم التعويل على مصادر الصندوق خلال العام الماضي نحو 18 بالمئة). كما يلعب الصندوق دورًا بارزًا في دعم قطاعات سيادية منها القطاع العسكري.
حجم إيرادات الصندوق المتوقعة
طيلة عشر سنوات على تدشين صندوق التنمية الوطني، اختلفت نسبة الإيداعات التي كلفت مشاريع الموازنة الحكومة بعزلها لصالح صندوق التنمية الوطني، وفق حالة الاقتصاد، ومبيعات النفط، ووفق سياسات الحكومة في التعامل مع مصادر الصندوق؛ فبينما كانت النسبة وفق مشروع الموازنة عند 20 بالمئة في عام 2010 و2011 فإنها كانت عند 23 بالمئة في عام 2012، وعند 26 بالمئة في 2013، وعند 28 بالمئة في 2014. لكن النسبة انخفضت مجددًا إلى 20 بالمئة خلال عامي 2015 و2016، قبل أن تشهد ارتفاعا إلى 30 بالمئة في 2017، و32 بالمئة في عام 2018، لتستقر في العام الفائت والعام الجاري عند 20 بالمئة. أما على صعيد الإيرادات الناجمة عن مبيعات النفط الداخلية، فإن مشاريع الموازنة خلال العقد الماضي أطلقت يد الحكومة في استخدام حصة الصندوق في تنمية برنامجها لترشيد الدعم.
وتبين متابعة مبيعات النفط الإيرانية خلال العقد الماضي أن إيران باعت نحو 620.5 مليار دولار من النفط بين عامي 2010 و2019، لتكون حصة صندوق التنمية الوطني عند 147.5 مليار دولار، بناء على معدل حصة الصندوق السنوية طيلة هذا العقد. ويضاف إلى ذلك نحو 8.5 مليار دولار (نصف ما تبقى في حساب صندوق الادّخار القومي قبل حله) ليكون المجموع عند 156 مليار دولار. إلا أن هذه الحسابات لا تأخذ بالحسبان بعض المعطيات التي من شأنها أن تخفض التقديرات بخصوص ممتلكات صندوق التنمية الوطني؛ إذ تشير الأرقام إلى أن الحكومة استنفدت بموجب بند في مشروع الموازنة حصة الصندوق خلال عامي 2015 و2019 على أقل تقدير. هذا بينما تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الصندوق أن مجموع مدّخرات الصندوق في عام 2011 كانت أقل من 100 مليون دولار؛ مما يعني أن الحكومة استخدمت نحو 25 مليار دولار من مصادر الصندوق في عامي 2010 و2011. هذا وتشير مصادر في مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني أن مجموع ما بقي في الصندوق عند تسلم الرئيس روحاني سدة الحكم كانت عند 16 مليار دولار فقط.
ويعني كل ذلك أن مجموع مداخيل الصندوق في أفضل حالاته يتراوح بين 96.02 مليار دولار و119.82 مليار دولار.
سُبُل استخدام مصادر الصندوق
بينما تشير دوائر الصندوق إلى أن مجموع القروض والمنح والمساعدات التي قدمها الصندوق طيلة العقد المنصرم (2010 – 2019) بلغت 111 مليار دولار، فإن متابعة الأخبار وتحليل مشاريع الموازنة تظهر أن الأهم من بين كل تلك القروض والمنح هي تلك التي تم تقديمها ما بين عامي 2015 و2019، لأنها لم يتم استرجاعها للصندوق، بموجب قوانين الصندوق التي تمنح فرصة تتسع لسبعة أعوام على الأقل قبل استنفاد القروض.
- تشير الأرقام إلى أن حكومة روحاني استنفدت بإذن من البرلمان أو بإذن من القائد الأعلى نحو 33.02 مليار دولار من مدخرات الصندوق ضمن برامج دعم للموازنة، أو لمختلف القطاعات البنيوية والعسكرية والصحية، أو لمعالجة الأزمات التي وقعت خلال الأعوام الثلاثة الماضية (2017 -2019) وذلك خلال 11 جولة من استخدام مصادر الصندوق على مدار هذه الأعوام. فيما تشير مشاريع الموازنة العامة إلى أن الحكومة حصلت على منحتين رياليتين من الصندوق (مقابل المنح بالدولار) مجموعهما 70 ألف مليار تومان، تعادلان نحو 11.25 مليار دولار من مدخرات الصندوق؛ ليكون المجموع نحو 44.27 مليار دولار.
- إضافة إلى ذلك، تشير معطيات الصندوق إلى أن إدارته قررت تقديم نحو 37.2 مليار دولار من القروض إلى القطاع الخاص خلال الأعوام الخمسة الماضية، لم يحن موعد استرجاعها حتى الآن بموجب آجال العقود. هذا فيما بلغ مجموع القروض الريالية (مقابل القروض بالدولار) التي منحها الصندوق، طيلة الأعوام الخمس الماضية نحو 46.2 ألف مليار تومان؛ مما يعادل نحو 6.7 مليار دولار. هذا إلى جانب نحو 500 مليون دولار من القروض المترسبة التي لم يتم استرجاعها من الأعوام الفائتة؛ مما يجعل مجموع القروض التي قدمها الصندوق للقطاع الخاص خلال العامين المنصرمين نحو 43.9 مليار دولار.
- إلى جانب ذلك، تشير معطيات الصندوق الرسمية أن صندوق التنمية الوطني رصد نحو 6.06 مليار دولار من أرصدته خلال عامي 2018 و2019 لما أطلق عليه بالاستثمار الدولاري في البنوك؛ مما يعني منحها لمستوردي البضائع، بوصفها ضمانا لهم في البنوك الدولية، دون أن يذكر تفاصيل عن عودتها إلى الصندوق.
يبين مجموع ذلك أن حكومة روحاني استخرجت ما بين 88.17 و94.23 مليار دولار من مصادر الصندوق خلال العامين الماضيين، في إطار برامجها التنموية، ودعم الاقتصاد، وسد عجز الموازنة العامة، ومنح قروض للقطاع الخاص في مشاريع كبرى. ويجعل هذا مما تبقى من مصادر في الصندوق بين 25.59 و19.53 مليار دولار.
الاستنتاجات العامة
- يشكل صندوق التنمية الوطني واحدًا من أهم المصادر التي تستند إليها مختلف مؤسسات النظام السياسي في إيران من أجل دعم الاقتصاد، ودعم المشاريع البنيوية، والتنموية في البلاد. كما أنه شكل خلال الأعوام الأخيرة واحدًا من أهم المصادر التي تستند عليها الحكومة في موازنتها العامة، بصفتها مصدرًا من مصادر الموازنة العامة، ومصدرًا من أهم مصادرها في سد العجز.
- يلعب صندوق التنمية دورًا كبيرا في دعم صمود الاقتصاد الإيراني أمام الضغوط الناجمة عن العقوبات، بوصفه مصدرًا رئيسًا من المصادر التي يمكن أن يستند عليه الاقتصاد الإيراني. ورغم أن الحكومة ومؤسسات النظام تحاول التظاهر بعدم اللجوء إلى مصادر الصندوق في هذا الإطار، فإن ملاحظة المعطيات تبين أن الحكومة لجأت 13 مرة خلال الأشهر الخمس والعشرين الماضية إلى مصادر الصندوق لاستنفاد أكثر من 44 مليار دولار من مصادره لسد الثغرات الناجمة عن ضغوط العقوبات في جسد اقتصادها المتهالك.
- تحول الضبابية التي تحكم البيانات الحكومية حول مدخرات الصندوق، دون معرفة حجم مدخراته بشكل دقيق. والملاحظ في الأمر أن الجهات الرسمية في إيران تفضل استمرار هذه الضبابية من خلال الابتعاد عن الإعلان الرسمي لحجم مدخرات الصندوق، والتوجه نحو إظهار بيانات وتصريحات متناقضة بهذا الشأن. وأغلب الظن أن الضبابية والتعارض في التصريحات الرسمية حول حجم مدخرات الصندوق خطوات مرسومة تهدف إلى تضليل الجهات الدولية بشأن حجم المدخرات الحقيقي للصندوق.
- بالنظر إلى الهوة الشاسعة بين تقديرات المنظمات الدولية عن حجم مدخرات الصندوق، والبيانات الصادرة عن إدارة الصندوق، فإن رصدًا دقيقًا للأرقام، وللنظام الداخلي للصندوق، تظهر أن الأرقام الصادرة عن المؤسسات الدولية، ورغم إصابتها فيما يتعلق بحجم إيرادات الصندوق، إلا أنها ستظل أرقامًا مبالغًا بها، لأنها لا تأخذ بالحسبان استنفاد مصادر الصندوق في دعم البرنامج التنموية، ودعم الموازنة من جهة، كما أنها لا تأخذ بالحسبان أن حوالي 43.9 مليار دولار من مصادر الصندوق، لا يمكن الاستناد إليها، لأنها تبقى مصادر مقفلة بموجب قوانين الصندوق، التي ترصد هذه المبالغ في أرصدة البنوك، لقاء قروض للقطاع الخاص، حتى حين استنفاد تلك القروض. وإذا أخذنا بالحسبان هاتين النقطتين، فإن كلا من المصادر الفعلية، والمصادر المتاحة للصندوق، ستكون أقل بكثير مما تذكره تلك المصادر الدولية، وهي أقرب إلى مواقف صادرة عن مسؤولين في إدارة هذا الصندوق السيادي.
- أخيراً، وفي حال استمرت العقوبات المفروضة على إيران لعام آخر، إلى جانب تطورات اقتصادية أخرى أهمها انخفاض أسعار النفط، والضغط الناجم عن تفشي فيروس كورونا، وفي حال حاولت الحكومة سد حاجاتها في الموازنة العامة، ودعم القطاع الخاص بنفس الوتيرة السابقة، فإنه من المتوقع جدًا ألا تكفي المصادر المتبقية من صندوق التنمية الوطني لسد الحاجة (مما يمكن اعتباره سببًا من أسباب مقاومة القائد الإيراني الأعلى في وجه طلبات الحكومة باستنفاد مصادر الصندوق)؛ ما يجعلنا أمام صندوق فارغ (نتيجة عدم إيداع مبالغ جديدة فيه أثر انخفاض مبيعات النفط، واحتمال تكرار تجربة العام الماضي في استنفاد مصادر الصندوق بشكل كبير في سد العجز في الموازنة).
السيناريوهات
السيناريو الأول: لجوء النظام إلى الصندوق؛ يفترض أن تلجأ الحكومة إلى مصادر الصندوق خلال العام الجاري لسد عجز الموازنة، وللقيام ببعض المشاريع التنموية، كما تلجأ المؤسسات الثورية إلى مصادره لدعم قطاعات سيادية؛ منها القطاع العسكري، والقطاع النووي. وفي حال افترضنا أن التوقعات بشأن نسبة العجز توقعات واقعية، فإن ذلك يعني أن الحكومة ستضطر إلى استخدام 10 حتى 15 مليار دولار من مصادر الصندوق، لسد العجز، ولسد بعض الثغرات الأخرى في الموازنة العامة. وفي حال افترضنا ذلك، فإن السيناريو يتوقع توقف العمل ضمن مشاريع بنيوية وسيادية على صعيد النفط، والبتروكيماويات، والثروة المائية، والزراعية، خلال العام الجاري، والعام الذي يليه، كما يتوقع انخفاض مصادر الصندوق إلى أقل مما يمكن استخدامه في دعم الاقتصاد، والحكومة خلال العام المقبل (أقل من 10 مليارات دولار).
السيناريو الثاني: معارضة خامنئي، والبرلمان، للجوء الحكومة إلى الصندوق؛ وهو السيناريو الذي ترجحه التطورات أكثر من غيره، ويفترض أن تقاوم مؤسسات الثورة، والمؤسسات السيادية، والتشريعية، لجوء الحكومة إلى مصادر الصندوق لسد عجز موازنتها. وفي هذا الإطار سيقاوم القائد الأعلى الإيراني منْح الإذن للحكومة، باستخدام مصادر الصندوق، إلا في بعض القطاعات السيادية الحساسة، مثل القطاع العسكري، كما يقاوم البرلمان منْح الحكومة رخصة التصرف في مصادر الصندوق، وهما خطوتان متوقعتان تماماً في ظل مناورة خامنئي الأخيرة في مقاومة طلب الحكومة في اللجوء إلى مصادر الصندوق لدعم القطاع الصحي، كما في ظل هيمنة المحافظين على البرلمان؛ مما يجعله معارضا لقرارات الحكومة على هذا الصعيد. وعلى مستوى الحكومة، فإن السيناريو يتوقع أن تتوجه الحكومة نحو خطوات بديلة لسد العجز في الموازنة، عبر بيع المزيد من الأوراق، وعبر استنفاد طاقة البورصة، وأخيراً عبر سياسة تقشف تحرم القطاع الخاص من نسبة كبيرة من القروض من الصندوق، والضغط على المدينين للصندوق، بإعادة الديون إليه. وفي هذا الحال يمكن افتراض أن الحكومة تستطيع الإبقاء على مصادر الصندوق على ما هي عليه، حتى نهاية العام الجاري، دون أن يعني ذلك احتمال ارتفاع مصادره بأي حال من الأحوال، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتمالات الناجمة عن سياسة التقشف التي ستتخذها الحكومة، واحتمال عدم كفاءة البورصة الإيرانية في توفير مصادر نقدية جديدة، تحتاج الحكومة إليها في سد العجز في موازنتها.
السيناريو الثالث: رفع مصادر دخل الصندوق؛ ويفترض السيناريو أن تستطيع الحكومة رفع مصادر الصندوق خلال العام الجاري، وذلك من خلال أداء ديون مترتبة على عاتقها، ومنها حصة الصندوق من مبيعات النفط الداخلية خلال عامي 2018 و2019، والضغط على القطاع الخاص لأداء ديون تقع على عاتقه، إلى جانب التوقف عن استنفاد مصادر الصندوق خلال العام الجاري، وفق السيناريو الثاني. وعلى الرغم من ذلك، يبقى هذا السيناريو ضعيفًا في ظل التطورات الاقتصادية، واستمرار العقوبات المفروضة على إيران، وانخفاض أسعار النفط؛ ما يجعل الحكومة غير قادرة على رفع مصادر الصندوق، كما يجعل القطاع الخاص غير قادر على إعادة ديونه إلى صندوق التنمية الوطني.
وبشكل عام يمكن القول إن المنافسة ستكون بين السيناريو الأول الذي يدعمه الواقع، متمثلًا في سلوكيات الحكومة، وتطورات واقعية على الصعيد الاقتصادي، منها الضغوط الناجمة عن العقوبات، والضغوط الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، وأزمة كورونا؛ مما يجعل الحكومة مضطرة للجوء إلى مصادر الصندوق، لضمان الصمود في وجه العاصفة، والسيناريو الثاني مدعوماً بإرادة الحكومة، ورغبتها في الاعتماد على مصادر أخرى (متمثلة في استنفاد طاقة سوق الأسهم في بيع أصول حكومية غير مربحة، وفي بيع المزيد من الأوراق المالية) لدعم موازنتها العامة؛ إلا أن خطواتها تبقى غير مضمونة، ومرشحة للإخفاق، كما تترك أثراً اقتصاديًا واجتماعيًا بالغًا على جسد المجتمع الإيراني، ومع ذلك، لا يمكن استمرارها في المحصلة لفترة طويلة من الزمن.