الفرص الضائعة.. إدارة ترامب وإيران وفيروس كورونا

قدم انهيار أسعار النفط لإيران تحديات إضافية فيما يتعلق باستيراد المعدات والمستلزمات الطبية الضرورية.

ميدل ايست نيوز: ظاهريا، ربما أتاحت جائحة الفيروس التاجي فرصة للولايات المتحدة وإيران للتراجع عن موقفهما الافتراضي الذي كان يدفعهما دفعا نحو الحرب.

وفي الفترة التي سبقت تفشي الوباء، أسقطت إيران طائرة أمريكية بدون طيار فوق الخليج، في يونيو/حزيران 2019.

وفي 3 يناير/كانون الثاني، أمر الرئيس “دونالد ترامب” بشن هجوم بطائرة بدون طيار لقتل الجنرال الإيراني “قاسم سليماني” ورفاقه في مطار بغداد.

وردا على ذلك، أطلقت إيران صواريخ على قواعد عراقية كانت تتمركز فيها القوات الأمريكية، وشنت الميليشيات الشيعية العراقية هجمات قتلت خلالها اثنين من أفراد الجيش الأمريكي وجرحت آخرين.

ونشأت بعض التوترات الشديدة بسبب القيود المالية والتجارية التي تفرضها إدارة “ترامب” على إيران، ومن جانبها، كانت واشنطن مصممة على دحر النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان وحماية حلفائها الرئيسيين في المنطقة، بما في ذلك (إسرائيل) والسعودية والإمارات.

وفي السطور التالية، نستعرض كيف استغل هذان الخصمان الوباء في خدمة أهدافهما الجيوسياسية.

حملة أقصى ضغط

قبل فترة طويلة من أزمة “كورونا”، كان لحملة “أقصى ضغط”، التي تبنتها إدارة “ترامب”، تأثير على قدرة الإيرانيين على استيراد الأدوية والمعدات الطبية.

وفي 8 مايو/أيار 2018، انسحب “ترامب” من خطة العمل الشاملة المشتركة، التي وقعتها إدارة “أوباما” عام 2015. وبعد عام تقريبا، ألغت الإدارة جميع الإعفاءات التي منحها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية بالنسبة للعقوبات الثانوية.

وبعد ذلك، لم تعد أي دولة أو شركة راغبة في تعريض نفسها لغرامات أمريكية ضخمة بسبب شراء النفط الإيراني، ما لم تحصل على إعفاء محدد ومحدود الوقت.

وتم تمديد عدد قليل من هذه الإعفاءات، وأدى إلغاء هذه الإعفاءات إلى تحويل نظام العقوبات الأمريكية من حظر تفرضه دولة على دولة أخرى إلى حصار عالمي على التجارة والاستثمار الإيرانيين.

وفي العام الذي تلي إلغاء الإعفاءات الثانوية، فقدت العملة الإيرانية نصف قيمتها مقابل الدولار.

وأصبحت الآثار الطبية للحصار المالي والتجاري الأمريكي أكثر حدة خلال العام الماضي. وفي 30 سبتمبر/أيلول 2019، صنفت الإدارة الأمريكية البنك المركزي الإيراني كمنظمة إرهابية، ما يجعل من المستحيل حتى على المنظمات الإنسانية تحويل الأموال إلى إيران دون التعرض لخطر فرض عقوبات.

وبعد أن تلقت واشنطن العديد من الاحتجاجات من المجتمع الدولي حول هذا الإجراء، أنشأت الولايات المتحدة قناة إنسانية عبر السفارة السويسرية في طهران في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2019، في إجراء تجريبي، ولم تسفر هذه التجربة حتى الآن عن أي تخفيف هام للعقوبات فيما يتعلق بالإمدادات الطبية.

وفي خريف عام 2019، أفادت “هيومن رايتس ووتش” أنه بالرغم من أنه من المفترض أن نظام العقوبات الأمريكية يسمح بإعفاءات طبية، لكن عمليا منعت هذه العقوبات البنوك والشركات الدولية إلى حد كبير من المشاركة في المعاملات التجارية أو المالية مع إيران، بما في ذلك المعاملات الإنسانية المستثناة.

إيران تواجه “كوفيد-19”

ومن جانبها، كانت السلطات الإيرانية بطيئة للغاية في الرد على خطر الوباء، الذي كان ينبغي أن تواجهه بكل قوة بحلول نهاية يناير/كانون الثاني، عندما أصدرت منظمة الصحة العالمية تقييما للمخاطر بمستوى مرتفع جدا بالنسبة للصين، ومرتفع على المستوى العالمي.

ومع ذلك، شجعت الحكومة الإيرانية الحشود على الخروج في 11 فبراير/شباط للاحتفال بمرور 41 عاما على قيام الجمهورية الإسلامية، ثم أجرت انتخابات برلمانية وطنية في 21 فبراير/شباط، على أمل فوز أغلبية من المتشددين.

وفي منتصف فبراير/شباط، كانت السلطات لا تزال تنكر وجود أي حالات، وحتى بعد الإعلان عن الحالات، وادعاء أحد النواب أن هناك 50 حالة وفاة في مدينة “قم” المقدسة، خرج نائب وزير الصحة “إيراج حريشي” على شاشة التليفزيون للإصرار على أنه لا حاجة لاتخاذ أي تدابير، بالرغم أنه كان يعاني نفسه بوضوح من الفيروس.

وتوفي عدد من المسؤولين الحكوميين وأعضاء البرلمان بسبب الوباء خلال هذا الربيع.

وحتى منتصف مارس/آذار لم تغلق الحكومة الإيرانية الأضرحة الدينية، التي يُعتقد أنها كانت سببا في نقل المرض في مدن مثل “قم”، وأصبحت إيران الدولة الأكثر تضررا في الشرق الأوسط ومركزا لانتشار الفيروس في أماكن أخرى في المنطقة.

وفيما يتعلق بالاستجابة الدولية لمحنتها، فإن ما أرادته طهران حقا هو تخفيف العقوبات. وغرد وزير الخارجية “جواد ظريف”، في 17 مارس/آذار، قائلا: “استنزفت العقوبات الأمريكية غير القانونية الموارد الاقتصادية الإيرانية، وأضعفت قدرة البلاد على محاربة كوفيد-19. إنهم يقتلون الأبرياء حرفيا”.

وقال “ظريف” إن فيروس “كورونا” كشف عن الطابع الاستبدادي والقمعي للعقوبات الأمريكية. ومع ذلك، كانت رسالة إدارة “ترامب” الموجهة لزعماء إيران هي أن تفشي الفيروس لن ينقذ إيران من العقوبات الأمريكية.

وبالرغم من نفي واشنطن فرض عقوبات على المساعدات الطبية، استمرت الشركات والمنظمات الإنسانية في مواجهة التهديد بفرض غرامة بقيمة 300 ألف دولار إذا فشلت في تلبية مواصفات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، مع الصعوبات في تأمين الإعفاءات المناسبة أو في العثور على بنك على استعداد لتحويل الأموال إلى إيران.

وفي منتصف مارس/آذار، أعلن “ترامب” أنه أرسل إلى دول مثل كوريا الشمالية وإيران يعرض عليها المساعدة في التعامل مع الوباء.

وفي 29 مارس/آذار، دعت الأمم المتحدة إلى تخفيف العقوبات خلال الوباء من أجل السماح للدول الخاضعة للعقوبات بمزيد من الفعالية لوقف التفشي.

وردا على ذلك، في 31 مارس/آذار، أرسل 34 عضوا في مجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ خطابا إلى إدارة “ترامب” يحثونه فيه على تعليق العقوبات خلال حالة الطوارئ الصحية العالمية، وأنه يجب على الإدارة “إيجاد طريقة لتقديم المساعدة مباشرة إلى الشعب الإيراني في مواجهة الوباء”.

ومع ذلك، لم يكن هناك ما يشير إلى أن إدارة “ترامب” ستخضع لمثل هذه الالتماسات، وقد عارض حلفاء الولايات المتحدة، مثل (إسرائيل) والسعودية والإمارات، أي تخفيف للعقوبات.

وفي هذه الأثناء، قدم انهيار أسعار النفط لإيران تحديات إضافية فيما يتعلق باستيراد المعدات والمستلزمات الطبية الضرورية.

وبحسب “رويترز”، أدى حصار إدارة “ترامب”، إلى جانب تراجع الطلب العالمي على النفط، بحلول ربيع عام 2020، إلى خفض مبيعات النفط الإيراني إلى 70 ألف برميل يوميا. ويعد هذا بالتأكيد جزءا ضئيلا من 2.5 مليون برميل يوميا كانت إيران تبيعها قبل مايو/أيار 2018، عندما انسحب “ترامب” من خطة العمل الشاملة المشتركة.

ومع ذلك، سيؤثر انخفاض الطلب العالمي في عام 2020 على الصادرات الأخرى أيضا، وكان للاقتصاد السيئ في إيران آثار على قدرة البلاد على شراء أجهزة التنفس ومعدات الحماية الشخصية للأطباء، وإنشاء وحدات جديدة للعناية المركزة.

ويرى البعض أن استمرار العقوبات الأمريكية خلال جائحة “كورونا”، عزز من علاقات إيران مع الصين.

ولأن التجارة بين إيران وأوروبا يعيقها التهديد بفرض عقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية على البنوك والشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران، اتجهت إيران منذ عام 2018 بشكل متزايد إلى الصين.

وفي عام 2019، حققت إيران ما يقرب من 20 مليار دولار في التجارة مع الصين، التي شكلت 20% من جميع الصادرات الإيرانية، و25% من وارداتها.

وبحلول أواخر مارس/آذار، كانت الصين تشحن 40 طنا من المساعدات الطبية إلى إيران يوميا، غير عابئة بالعقوبات الأمريكية.

وفي أبريل/نيسان، أكدت الصين لإيران أن البلدين في حرب معا ضد الوباء.

الخلاصة

وبالرغم من الدعوات التي وجهتها الأمم المتحدة والكونجرس لتخفيف حملة “أقصى ضغط” ضد الاقتصاد الإيراني أثناء الوباء، للتأكد من أن البلاد لديها الموارد اللازمة للحد من التفشي الشديد للفيروس، فقد أثبت البيت الأبيض أنه لا يخضع للضغوط في هذه المسألة.

وبالمثل، بالرغم من أن بعض المراقبين كانوا يأملون في أن تستخدم إيران حالة الطوارئ العالمية الخاصة بالصحة العامة كذريعة للتواصل مع واشنطن وبدء جولة جديدة من المفاوضات، شن المتشددون في طهران حملة دعائية ضد الولايات المتحدة مدعين أن الفيروس التاجي الجديد كان سلاحا بيولوجيا صنعه البنتاجون.

وكان الوباء أبعد ما يكون عن كونه وسيلة يستخدمها الجانبان لتقليل التوترات وإيجاد طريقة جديدة للمضي قدما، وكان بدلا من ذلك أساسا لواشنطن وطهران للاستمرار في تنافسهما العنيف أحيانا على النفوذ في الشرق الأوسط، وفي محاولات تسجيل نقاط الدعاية ضد بعضهما البعض أمام المجتمع العالمي.

وعزز هذا التعنت من قبل البلدين، مع معارضة تخفيف العقوبات المفروضة على إيران من قبل (إسرائيل) والسعودية والإمارات، فرصة الصين في دمج إيران بشكل أقوى في مجال نفوذها.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى