ظهور الأخ الأكبر.. لماذا عاد بهاء الحريري للساحة اللبنانية الآن؟
أثارت عودته إلى الساحة العديد من التساؤلات حول علاقته بأخيه الأصغر سعد، القيادي السني الأبرز في لبنان، الذي يدين بالولاء للسعودية والإمارات.
ميدل ايست نيوز: التهديد المتمثل في أن النخبة اللبنانية ستركب موجة حركة الاحتجاجات في البلاد، أصبح أكثر وضوحًا اليوم بالنسبة للبنانيين مما كان عليه الأمر حين اندلعت المظاهرات في أول أكتوبر (تشرين الأول)، بحسب تقرير للصحافي كريم شهيب نشره موقع «ميدل إيست آي» البريطاني.
بدأت هذه المخاوف تتحقق يوم السبت الماضي؛ حيث شهدت احتجاجات ساحة الشهداء في بيروت مواجهة بين أنصار حزب الكتائب والقوات اللبنانية من جهة، وأنصار حزب الله وحركة أمل من جهة أخرى. لكن ضمن هذا الحشد كان يوجد مؤيدون لأحد أبرز الأسماء في لبنان، الرجل الذي تغيَّب عن المشهد السياسي لعدة سنوات، بهاء الحريري.
بهاء الحريري هو الأخ الأكبر لسعد الحريري، رئيس الوزراء السابق، ورئيس تيار المستقبل ذي الأغلبية السنية، وظل بعيدًا عن السياسة تمامًا تقريبًا منذ اغتيال والده رفيق الحريري عام 2005. ولكن منذ فبراير (شباط) الماضي بدأ قطب العقارات يعرب عن اهتمامه بالعودة للسياسة من خلال دعم منتدى شبابي يقوده عضو سابق في حزب عائلته.
أثارت عودته إلى الساحة العديد من التساؤلات حول علاقته بأخيه الأصغر سعد، القيادي السني الأبرز في لبنان، الذي يدين بالولاء للسعودية والإمارات.
نفوذ يتسع
يصف المنتدى السياسي والاقتصادي والاجتماعي – الذي تأسس في أبريل (نيسان) 2018 ومقره بيروت- نفسه بأنه مجموعة من جهات المجتمع المدني الفاعلة، التي تفسح مجالًا للشباب اللبناني لمناقشة القضايا الملحة، وإيجاد حلول سياسية. أسس هذا المشروع المحامي نبيل الحلبي الذي يرأس المعهد اللبناني للديمقراطية وحقوق الإنسان. ثم توسع المشروع في العام الماضي وافتتح مكاتب له في طرابلس، وعكار، وصيدا وعدد آخر من المحافظات اللبنانية.
وقال الحلبي إن هذا المشروع أُسِّسَ بدعمٍ من بهاء الحريري، الذي هو على صلة به منذ أكثر من عقد من الزمان. وقال الحلبي لتلفزيون الجديد: «عزل بهاء الحريري نفسه سابقًا عن الأحاديث السياسية والشؤون العامة، أما الآن فلديه رؤية للبنان، ولكن أؤكد لكم أنه ليس مهتمًا بأن يصبح رئيسًا للوزراء».
ومنذ ذلك الحين، أصبح الحلبي يؤدي دور المتحدث الرسمي باسم بهاء الحريري في وسائل الإعلام اللبنانية. ففي 10 مايو (أيَّار) أعلن أن الحريري ينوي إطلاق محطة تلفزيونية خاصة به في غضون الشهرين المقبلين.
وينقل التقرير عن أحمد حلواني، المنسق في فرع المنتدى في طرابلس، قوله: إنهم يريدون تحويل الشعارات إلى سياسات قابلة للتنفيذ. وأضاف متحدثًا لـ«ميدل إيست آي»: «هدفنا هو بناء دولة مؤسسات، نريد أن نترجم شعارات جميع الأحزاب إلى أفعال وليس مجرد كلام».
وعلى الرغم من دعمه للثورة اللبنانية ضد الفساد وسوء الإدارة السياسية، فإنه يعتقد أن الخلافات التي تفرق الجماعات المختلفة في الحركة الاحتجاجية تمثل مشكلة بحاجة إلى حل. وقال إن «مشكلة الثورة تشبه مشكلة لبنان نفسه» ووصفها بأنها مسألة «تنظيم وإدارة». وأضاف حلواني أن المنتدى تواصل مع مجموعات مختلفة من المجتمع المدني اللبناني، ووصف بعضها بـ«أصدقاء بهاء»، على الرغم من وجود خلافات واضحة بينهم.
وواصل أحمد حديثه لموقع ميدل إيست آي قائلًا: «نحن بحاجة للانتقال من الـ(أنا) إلى الـ(نحن). وأحث اللبنانيين أن يركزوا على نقاط التوافق بدلًا من نقاط الخلاف».
يواصل الكاتب تتبعه للمشهد فيقول: ولكن مسألة حزب الله تبدو أساسية هي الأخرى؛ إذ قال أنصار بهاء الحريري الذين شاركوا في مظاهرة السبت لـ«ميدل إيست آي» إنهم هناك للاحتجاج على أسلحة الحزب المدعوم من إيران. ويبدو أن المنتدى أصبح منصة للترويج لهذه السياسات وغيرها التي يدعمها الحريري.
وعلى الرغم من أن الشقيقين متفقان على تفكيك الجناح العسكري لحزب الله، وكانا قد اتهما الحزب سابقًا باغتيال والدهما، فإن سعد الحريري اتخذ نهجًا أكثر دبلوماسية في خطابه حول المسألة على مدى العقد الماضي. ولكن يبدو أن الخطاب الأكثر عدوانية أصبح نقطة قوة للحريري الأكبر؛ خاصة أنه تزامن مع اكتساب حزب الله وحلفائه أرضية سياسية.
وكان المستشار الصحفي لبهاء الحريري والرئيس التنفيذي السابق في إذاعة صوت بيروت، جيري ماهر، قد نشر تغريدة على موقع تويتر تحمل صورة لهما، وأشاد بالحريري الذي اعتبره «يقول ما لا يستطيع الآخرون قوله حول الفاسدين وعلاقتهم بأسلحة حزب الله». ووصف ماهر، في عمود قصير كتبه في صحيفة عرب نيوز السعودية منتصف مايو، بهاء بأنه «منقذ» محتمل للبنان.
من قطب أعمال إلى راعٍ سياسي
بثروةٍ مالية تصل إلى مليارَيْ دولار، حققت مساعي بهاء الاقتصادية نتائج أفضل بكثير من تلك التي حققها شقيقه الأصغر الذي انخفضت أصوله من حوالي 3.3 مليار في 2008 إلى نصف تلك القيمة اليوم.
فعلى عكس سعد وغيره من الأشقاء والأقارب، الذين غالبًا ما يجتمعون في العديد من المشروعات والقطاعات، يبدو أن بهاء قد سلك طريقًا آخر إلى حد ما بعيدًا عن أعمال عائلة الحريري.
إذ باع حصته في شركة الإنشاءات «سعودي أوجيه» المملوكة لعائلته، لأخيه سعد. وفي عام 2002، أسس بهاء «مجموعة الأفق القابضة» وهي شركة استثمار وتطوير عقاري لها عمليات في لبنان والأردن والسعودية، ومشروعات في لبنان والأردن. وقال بهاء الحريري لصحيفة «ديلي ستار» المحلية في 2014 إنه يرغب في الاستثمار في لبنان وسوريا والعراق بحلول نهاية العقد.
وفي الأردن، شارك على نحوٍ ملحوظ في مشروع العبدلي في عمان؛ وهو مشروع مشترك بين مجموعة الأفق والحكومة الأردنية. وهذا المشروع الذي تبلغ قيمته 5 مليارات دولار، هو تطوير لمنطقة وسط المدينة القديمة، وبما في ذلك افتتاح مراكز تسوق، ومكاتب، وشقق سكنية فاخرة.
ومع ذلك، يبدو أن السياسة لم تكن بعيدة عن بهاء. ففي مايو 2011، افتتح المجلس الأطلنطي الأمريكي مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، وكان بهاء راعيًا مؤسسًا للمركز.
وقال مصدر من واشنطن لـ«ميدل إيست آي» إن بهاء الحريري لم يستثمر الكثير من الوقت لحشد النفوذ والدعم في العاصمة الأمريكية، وليس واضحًا إن كان ذلك مجرد مصادفة أم أمرًا مخططًا له. وأضاف المصدر: «من الواضح أن بهاء يعرف أن دعمه للمركز يؤمِّن له نفوذًا في واشنطن لم يكن ليحصل عليه دون ذلك. فهذا هو السبب الرئيسي الذي يتبرع من أجله الأثرياء للمؤسسات البحثية. ويتضح مما سبق أن الأمر كان متروكًا له لاستغلال هذا النفوذ، والواضح أنه لم يفعل».
في الواقع، بقي بهاء بعيدًا عن الأنظار في مركز الفكر على الرغم من كونه عضوًا في المجلس الاستشاري أيضًا. وكان حضوره العلني في المجلس الأطلنطي قليلًا، باستثناء مقابلة قصيرة عام 2011 ناقش فيها قضايا سياسية واقتصادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على نطاق واسع. وعلَّق المصدر: «لم يذكر ولو لمرة واحدة طموحاته السياسية».
جس نبض الرياض
يواصل التقرير عن بهاء الحريري: منذ اغتيال والده عام 2005، وتعيين أخيه سعد خلفًا لأبيه لقيادة تيار المستقبل، يبدو أن أي اهتمام له في السياسة في ذلك الوقت – في حال وُجد – كان محدودًا.
لكن حدث ما غيَّر المشهد، ففي 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، أعلن سعد الحريري استقالته من رئاسة الوزراء على قناة العربية، مشيرًا إلى حزب الله وإيران وسلامته الشخصية كأسباب رئيسية للاستقالة.
عاد سعد الحريري إلى بيروت في وقت لاحق من ذلك الشهر، وألغى في النهاية استقالته التي انتشر على نطاق واسع أنها صدرت تحت ضغط سعودي. وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، أنييس كالامار، في تقرير لها إن المسؤولين السعوديين احتجزوا رئيس الوزراء بالقوة وأساءوا إليه لفظيًّا، بل وصل الأمر إلى ضربه.
ويبدو أن نهج سعد الحريري الأكثر دبلوماسية تجاه حزب الله قد أزعج السعودية؛ راعيه الرئيسي. ثم، وخلال تلك الفترة المضطربة، خرج الحريري الأكبر عن صمته، وأصدر بيانًا رسميًّا أيد فيه استقالة سعد الحريري، وأدان إيران وحزب الله «لسعيهما للسيطرة على لبنان»، وأثنى على السعودية.
ظاهريًّا، ربما يبدو ذلك تضامنًا من أخٍ لأخيه، إلا أن الكثيرين اعتبروا ذلك محاولة محتملة من بهاء لدخول الساحة السياسية في لبنان بعد أكثر من عقد على مقتل أبيه. وفي الوقت الذي كان فيه سعد محتجزًا في السعودية، ظهرت العديد من التقارير تحدثت عن وجود بهاء في الرياض أيضًا؛ حيث كانت الرياض تخطط لتعيين الأخ الأكبر رئيسًا لتيار المستقبل. وأضافت التقارير أن أفراد عائلة الحريري دُعُوا للتعهد بالولاء لبهاء، ولكنهم رفضوا ذلك.
وقال المحلل السياسي اللبناني، بشار الحلبي لـ«ميدل إيست آي»: إن بهاء على علاقة ممتازة مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وعلى علاقة جيدة مع السعودية. وأضاف أن هذه الخطوة أفسدت العلاقات بين سعد وبهاء في نهاية المطاف. يقول بشار: «كانوا يفكرون بجدية في تبديل المواقع؛ الأمر الذي أوصل العلاقة بين الشقيقين إلى نقطة اللاعودة».
اختار بهاء أن يرد على هذا الأمر في فبراير (شباط) الماضي – بعد ثلاث سنوات من حدوثه – قائلًا «إنه لا يمت للواقع بصلة». وأضاف أن أي شخص تلقى دعوة من المملكة لبَّاها، باستثناء أعدائها من الميليشيات الإيرانية وأعوانهم.
ويواجه لبنان اليوم أزمة اقتصادية غير مسبوقة، شلَّت البلاد وأثارت ثورة شعبية أطلق عليها ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول). ويبدو أنها كانت الحافز لبهاء ليدخل المعترك السياسي بنفسه. ومع ذلك، يبدو أن السعودية – وعلى الرغم من علاقتهما المتوترة – قد وضعت ثقلها الكامل خلف سعد وأعربت عن معارضتها لتفرقة السنة في لبنان.
التوترات المستقبلية
يواصل الكاتب تقريره قائلًا: ولكن بدأت التوترات داخل تيار المستقبل بالظهور منذ تأييد سعد الحريري لميشيل عون، المدعوم من حزب الله، رئيسًا للجمهورية عام 2016، إذ كان قرارًا انتقده حتى الموالون لسعد.
وتعهد على إثر هذا الأمر رئيس قوى الأمن الداخلي ووزير العدل أشرف ريفي، الذي ترك الحزب في وقت سابق من ذلك العام، بمواصلة السير على درب رفيق الحريري، وانتقد في الوقت نفسه سعد الحريري وتيار المستقبل لبيعه لبنان «للمشروع الإيراني».
وكان ريفي قد حقق فوزًا على الحريري والأحزاب الأخرى في طرابلس في الانتخابات البلدية، ولكنه خسر خسارة فادحة في الانتخابات البرلمانية عام 2018. وريفي الذي رشحه سعد الحريري بنفسه لرئاسة الحكومة قبل سبع سنوات، وجد نفسه اليوم على هامش المشهد.
ولكن يبدو أنه وبهاء ربما يصبحان حليفين محتملين. فالاثنان تجمعهما علاقات دافئة منذ فترة تولي ريفي رئاسة قوى الأمن الداخلي، عندما استنتج أن حزب الله والحكومة السورية مسؤولان عن اغتيال رفيق الحريري. وفي المقابل، زوَّده بهاء بسيارات مصفحة لحمايته.
يعود الكاتب للمحلل السياسي بشار الحلبي الذي تحدث لـ«ميدل إيست آي» قائلًا: «إن أعضاء تيار المستقبل السابقين الساخطين مثل: ريفي ونبيل حلبي، هم أهداف رئيسية لبهاء. وهناك أيضًا أشخاص من السنَّة يشعرون بأن وضعهم في لبنان قد جرى إضعافه، وأنهم لا يحظون بتمثيل عادل في الدولة».
وبعد اشتباكات بين أنصار بهاء وريفي من جهة، ومؤيدي حزب الله وحركة أمل من جهة أخرى في 6 يونيو (حزيران)، التقى سعد الحريري بمفتي لبنان لتهدئة الأوضاع، ثم قال إن هناك متسللين يريدون سفك الدماء وإحداث مشكلات في البلاد، ملمِّحًا إلى ريفي وأنصار شقيقه بهاء الأكثر تصادمية.
ولكن محللين قالوا لـ«ميدل إيست آي» إن بهاء يواجه في هذه المرحلة معركة شاقة. ويقول الحلبي إن بهاء يجد صعوبة في النجاح كمناهض للمؤسسة ومنفذ حقيقي لإرث والده الراحل. وأضاف الحلبي: لقد تبنى بهاء قضية الحركة الثورية، معتقدًا أنها الوسيلة التي يمكن بها أن ينسلخ عن أخيه، ويزيح عن كاهله عبء السياسة «الحريرية». ولكنه في الوقت نفسه يريد الاستفادة من إرث والده؛ لأنه لا توجد طريقة أخرى للعودة.
وقال المصدر من واشنطن إنه بالإضافة إلى المعارضة التي يواجهها بهاء من عائلة الحريري، يبدو أن الولايات المتحدة راضية نسبيًّا عن الوضع الراهن في لبنان، وليست مهتمة بالتصعيد «طالما الإسرائيليون بخير، وهم كذلك».
يضيف المصدر: بينما يُنظر إلى أخيه الأصغر على أنه ليس مثاليًّا، فإن له اليد العليا في العلاقات المتينة مع الولايات المتحدة، والحكومة الحالية – وإن كانت تحت سيطرة حزب الله – فهي مقبولة من وجهة النظر الأمريكية إلى حد ما. ويختم الكاتب مع المصدر الذي يقول: يريد بهاء اشتباكًا مع حزب الله، ولكن شعبيته ودعمه الإقليمي محدودان، وليست لديه قدرة عسكرية، والأمريكيون ليسوا أغبياء.