لبنان في نفق الانهيار: الدولار بـ10 آلاف ليرة

من المتوقع أن يعمد أصحاب المولدات الى منح المواطنين ساعات قليلة من الكهرباء في اليوم الواحد.

ميدل ايست نيوز: دخل لبنان رسمياً نفق الانهيار الشامل الذي رسم طريقه تدهور العملة الوطنية وخسارتها أكثر من 80% من قيمتها بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي لامس 10 آلاف ليرة اليوم الخميس.

ويأتي ذلك في ظلّ استمرار الحكومة اللبنانية في سياسة التجويع والتقاتل بين مكوّناتها على الحصص والمناصب والمواقع الإدارية والتعيينات القضائية، مقابل غياب أي خطة إصلاحية جدية وإنقاذية في مؤشرات تظهر كلّها أنّ البلاد أمام فقدان الدعم الدولي.

وبينما تكرر الحكومة اللبنانية، على لسان رئيسها حسان دياب، الإنجازات “الصوتية” وتتنكّر للواقع المأساوي الذي يعيشه لبنان، تلقي اللوم على إرث من الفساد السياسي والمالي من دون أن تستجيب للمطالب التي ينادي بها المحتجون يومياً في تحركاتهم الشعبية، وفقاً لمراقبين. وتتهرّب الحكومة من المسؤولية باللعب على وتر المؤامرات الخارجية، في وقت بدأت فيه مظاهر الانهيار تكبر وتضرب مرافق الدولة اللبنانية تباعاً ومختلف القطاعات وجميع الطبقات الاجتماعية.

أزمة الكهرباء

“لبنان أمام عتمة بعد أيام”، إذ إنّ اللبنانيين اعتادوا على انقطاع التيار الكهربائي وبات كل جيل يردّد عند السّاعة الثانية أو السادسة بشكل خاص “هلق دقيقتين بتيجي أو بتنقطع الكهرباء”. وبات المواطن يبرمج يومياته على هذا الأساس سواء لتدوير المكيف أو خزان المياه الساخنة أو الغسالة وغيرها.

وأبلغت مؤسسة الكهرباء وزير الطاقة والمياه، ريمون غجر، بأنّه من المستحيل أن تحافظ على استمرارية المرفق العام بغية إنتاج وتوزيع التيار الكهربائي إلى المشتركين نظراً لتزايد الصعوبات والمشاكل الملقاة على عاتقها والتي تثقل كاهلها، رامية الكرة في مرمى الوزير المختص، الذي أعلن، الخميس، أنّ التقنين سببه عدم توفر الفيول (نوع من الوقود) وتأخير تأمينه يعود بدوره الى أسباب قضائية بعد الحجز على الباخرتين.

الأسباب التي يتذرّع بها وزير الطاقة، ستطاول أيضاً “الكهرباء البديلة”، حيث يدرس أصحاب المولدات بعد سلسلة وقفات احتجاجية أمام وزارة الطاقة، الأسبوع الماضي، كيفية تأمين التيار الكهربائي للمشتركين في ظلّ ارتفاع سعر صرف الدولار وشح المازوت الذي يحتكر التجار مادته ويهرّب القسم الأكبر منه إلى سورية من خلال المعابر غير الشرعية التي يسيطر عليها “حزب الله” اللبناني ويستخدمها كممرّ لتكثيف التعاون السياسي والمالي والعسكري مع النظام السوري.

ومن المتوقع أن يعمد أصحاب المولدات الى منح المواطنين ساعات قليلة من الكهرباء في اليوم الواحد قد لا تتخطى الثلاث قبل إطفاء مولداتهم بشكل تام في حال لم تتدخل السلطات اللبنانية من أجل حلّ الأزمة.

قطاع الاتصالات مهدد

لم تقتصر الأزمة الاقتصادية على إغراق العاصمة اللبنانية بيروت ومختلف المناطق بالظلام، حيث إنّ أزمة المازوت طاولت قطاع الاتصالات التي من شأنها أن “تقطع المكالمات”، وقد أعلن المكتب الإعلامي لوزير الاتصالات، طلال حواط، أنّ الأخير أجرى سلسلة لقاءات واتصالات أمّن بموجبها مادة المازوت إلى سنترالات “أوجيرو” في جونية وجبيل ونهر إبراهيم (محافظة جبل لبنان)، والتي كانت مهددة بالتوقف عن العمل، وستبدأ عملية التوزيع والتفريغ في الخزانات. كما سيتم تزويد محطات الهاتف الخلوي “ألفا” و”تاتش” بمادة المازوت على كافة الأراضي اللبنانية.

رفع سعر ربطة الخبز

المشهد السوداوي لم يقف عند هذا الحدّ، بل وصل إلى رغيف الفقير، بعد قرار وزير الاقتصاد اللبناني راوول نعمة، رفع سعر ربطة الخبز إلى 2000 ليرة لبنانية بعدما كانت سابقاً 1500 ليرة بوزن 900 غرام، فيما أبقى سعر ربطة الـ400 غرام بألف ليرة. وهذه خطوة أتت بعد تهافت اللبنانيين، يوم السبت الماضي، على شراء الخبز فور إعلان أصحاب الأفران توقفهم عن توزيع الخبز على المحال وحصر عملية البيع داخل مراكزها، الأمر الذي أدى إلى وقوف المواطنين بطوابير طويلة للحصول عليه.

وفي سياق متصل، أعادت المؤسسة العسكرية النظر في لوائح الطعام التي تقدّم للجيش اللبناني أثناء وجود العناصر في الخدمة، إذ ألغت مادة اللحم بشكل كلّي من الوجبات التي تقدَّم للعسكريين وذلك بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والنقدية وارتفاع سعر صرف الدولار.

رفوف المتاجر فارغة

وعمد عدد من المتاجر إلى إقفال أبوابهم في ساعات مبكرة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وعدم قدرتهم على تسعير البضائع. وظهرت الرفوف فارغة في الكثير من المتاجر، لأسباب عدّة، أبرزها قيام أصحاب هذه المؤسسات بتخزين البضائع لبيعها بسعر أعلى أو نتيجة الشح في السلع المستوردة التي أدت في المقابل إلى ظهور سلع جديدة، منها السورية والإيرانية، في الأسواق اللبنانية، التي تشهد ارتفاعاً في البيع في الضاحية الجنوبية لبيروت (معقل حزب الله)، بأسعار رخيصة.

ويقول نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي، لـ”العربي الجديد”، إنّ المتاجر تعيش غالبيتها حالة من الذعر دفعت الكثير منها إلى إقفال أبوابها مبكراً.

وفرض ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنوني فوضى في تحديد الأسعار التي باتت عشوائية أيضاً وتتفاوت بين محل وآخر، حسب بحصلي، مؤكداً أن أسعار المواد الغذائية لم ترتفع بل هي انعكاس ونتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار.

من جهة ثانية، أعلنت كبرى الشركات التجارية في لبنان، الخميس، ومنها العالمية، مثل “Brands for less”، و”Mike Sport”، إقفال أبوابها بشكلٍ مؤقتٍ بانتظار حلّ أزمة الدولار.

عودة أزمة النفايات

ومن أضرار أزمة سعر صرف الدولار والفوضى التي تشهدها السوق السوداء والتي تعجز الحكومة اللبنانية عن وضع حدّ لها رغم الخطط التي وضعتها مع حاكم البنك المركزي والأجهزة الأمنية للجم تدهور العملة الوطنية وتوقيف الصرافين غير المرخصين، علماً أن الرؤوس الكبيرة التي تشغل السوق تستفيد من غطاء يحول دون توقيفها، حسب مراقبين، عودة أزمة النفايات إلى الشارع اللبناني، والتي ترجع إلى مطالبة المقاولين الذين يتولون عمليات التنظيف بقبض أموالهم.

القطاع الطبي في خطر

المشهد المأساوي وصل أيضاً إلى القطاع الطبي، سواء لناحية انقطاع الأدوية ما أفسح المجال لدخول الدواء الإيراني إلى لبنان، في خطوة تظهر بدء تنفيذ “مخطط” أمين عام حزب الله حسن نصر الله، للتوجه شرقاً. وأحدثت أزمة سعر صرف الدولار مشكلة كبيرة على صعيد الأدوية والأدوات الطبية المستوردة، ما ترجم في انقطاع مواد التخدير والبنج وغيرها لفترة من الوقت قبل تدخل المعنيين لوضع خطة آنية قصيرة المدى. وقد تعود الأزمة إلى الواجهة قريباً نظراً لاستمرار انخفاض سعر صرف الليرة.

تحركات شعبية غاضبة

وتستمرّ التحركات الشعبية في لبنان يومياً من خلال قطع الطرقات وتنظيم اعتصامات ومسيرات تدعو إلى استقالة الحكومة، التي أظهرت منذ اليوم الأول أنها استكمال للمنظومة السياسية نفسها القائمة على مبدأ المحاصصة ومقايضة مواقع الدولة، حسب مراقبين.

ويطالب المنتفضون بقضاء نزيه ومستقل يحاسب المسؤولين عن الانهيار وتفقير الشعب ونهب الأموال العامة وتهريب المليارات إلى الخارج بينما ودائع الناس محجوزة في المصارف.

وتتزامن هذه التظاهرات مع ارتفاع منسوب التحذيرات الدولية، وكان آخرها ما صدر عن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمام جلسة في البرلمان الفرنسي بقوله إن الأزمة الاجتماعية المتفاقمة من شأنها أن تؤدي إلى زيادة احتمالات تفجر أعمال العنف في البلاد، واضعاً الحكومة اللبنانية أمام خيار الإصلاحات كشرطٍ لمدّ المجتمع الدولي يد المساعدة للبنان.

لبنان أمام خسارة الدعم الدولي

يقول منير راشد، رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية، والذي عمل سابقاً في صندوق النقد الدولي، لـ”العربي الجديد”، إنّ المشكلة الأساسية في الأزمة التي يعاني منها لبنان هي غياب الإصلاحات، سواء المالية لتخفيض العجز أو الإصلاحات الهيكلية لحل أزمة قطاع الكهرباء ووقف الهدر فيه، والإصلاحات النقدية للخروج من أزمة الصرف في ظلّ ارتفاع معدلات الفقر والبطالة إثر تباطؤ النشاط الاقتصادي وإقفال الشركات أبوابها.

وأشار إلى زيادة كلفة المعيشة التي طاولت مختلف القطاعات مقابل خسارة الرواتب نسبة كبيرة جداً من قيمتها بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار وتقاضي الموظف راتبه بالعملة الوطنية ووفق سعر الصرف الرسمي، أي 1515 ليرة.
ويلفت راشد إلى أنّ صندوق النقد الدولي كان يبحث عن مؤشرات إصلاحية مسبقة قبل حتى البدء بتنفيذها، لكنه لم يلمس أي إرادة أو نية جدية في هذا الإطار.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى