سباق الهجن في دول الخليج، رياضة وسياسة وثقافة
يغذي اقتصاد سباق الهجن جزءا من الاقتصاد الوطني وحتى الخليجي.
ميدل ايست نيوز: بعد ليلة قضيناها في مخيم برمال آل وهيبة التي تطل على مدينة بدية، في ولاية الشرقية بالجنوب الشرقي لسلطنة عمان، استيقظتُ مع ثلة من الرفاق العمانيين على الساعة الرابعة والنصف فجرا، قبيل شروق الشمس. حان الوقت لكي نتوجه نحو ميدان السباق الذي يقع على بعد بضع كيلومترات شمال المدينة والذي يمتد على مسافة كيلومترين وسط منطقة مسطحة وجافة، وتحيط به بعض أشجار الطلح وكثبان رملية متواضعة.
سباقات عديدة منتظرة اليوم، وقد تم توزيع الهجن1 على الميدان وفق أعمارها التي تتراوح في هذه الجمعة بين سنة وخمس سنوات. ويتم تحضيرها من قبل مالكيها أو من قبل عمال من شبه القارة الآسيوية.
يقوم هؤلاء بوضع الركبي الآلي على ظهر الهجن والذي عوّض منذ بداية سنوات الألفين الأطفال -وكانوا عادة من شبه القارة الآسيوية، يستغلون لهذا الغرض نظرا لخفة وزنهم. بعد أن تم التخلي عن هذه الممارسة نظرا لتعارضها مع حقوق الأطفال وبسبب تعرض هؤلاء لعدة حوادث خطيرة، تم وضع مكبر صوت على الركبي الآلي حتى يتسنى لمدربي الهجن أن يطلقوا نفس الصرخات التي كان يطلقها الركبي فيما مضى، بواسطة جهاز اتصال لاسلكي.
يمول الاتحاد العماني للهجن البنية التحتية لميدان السباق. أما تنظيم المسابقة، فيتم بفضل ما يدفعه كل مالك بحسب عدد الهجن المشاركة. وفي ميدان بدية، تساوي مشاركة الجمل الواحد 70 ريال عماني (181 دولار) ما يسمح بتمويل السباق.
عندما انتهى تحضير الهجن، عدنا إلى سياراتنا رباعية الدفع، ثم شغلنا المحرك وضبطنا ترددات الراديو على تلك التي يبث عليها المعلق. ارتفعت الشبكة التي كانت تمنع الهجن الخمسة عشر من التحرك وينطلق السباق الأول. انطلقنا بدورنا على يمين ميدان السباق، وزدنا في السرعة لنتابع الهجن الأولى. يتقدم السباق، ونرى في الجزء الخلفي لسيارات رباعية الدفع رجالا يشجعون جمالهم المفضلة. أما المدربون، فيستعينون بالركبي الآلي لتطبيق خطتهم. وباقترابنا من خط النهاية، ينهال الركبي الآلي أكثر فأكثر بالسوط على الجمل، ويسرع المعلق في كلامه إلى أن يجتاز جمل سالم بن حمدان الوهيبي خط الوصول قبل الآخرين بقليل.
مالكون ورجال أعمال
يمثل ميدان السباق واجهة خاصة بالنسبة للمربين، لإبراز جمالهم وبيعها بأغلى الأثمان للمالكين الكبار. وقد يصل ثمن جمل شاب ذي نتائج جيدة إلى آلاف الريالات العمانية. يتمركز “اقتصاد الهجن” حول البث التلفزيوني والشبكات الاجتماعية، وتنسج الحوارات في كامل بلدان الخليج لا سيما من خلال تطبيق “واتساب”. إذ يقوم المشترون بمتابعة ما يحدث في ميادين السباق الجانبية في الخليج بهدف اقتناء هجن جديدة تمتاز بالخصال التي يبحثون عنها. حتى أن ثمن بعض أجناس الهجن المتواجدة في عمان أو في باقي الجزيرة العربية قد يصل إلى ما يقارب 40 ألف ريال عماني (حوالي 103 ألف دولار)، ما يجعل من أصحابها رجال أعمال حقيقيين.
تتعايش حول ميدان بدية مسارات حياة عديدة. بعض أصحاب الهجن كرسوا وقتهم لتربية الجمال والخرفان، بينما يقوم البعض الآخر بهذا النشاط بالموازاة مع عملهم في الإدارة أو صناعة البترول أو -منذ زمن ليس بطويل- في السياحة. فانفتاح عمان يستقطب أكثر فأكثر من المسافرين الذين يبحثون عن مشاهد مغايرة، في هذه المنطقة الصحراوية المشهورة بكثبانها التي تصب على بعد مئة كيلومتر من هنا في المحيط الهندي.
هكذا يغذي اقتصاد الهجن جزءا من الاقتصاد الوطني وحتى الخليجي. وتساهم ميادين السباق في توزيع مال الفئات العليا على مدار السنة في مناطق مندمجة بقلة في نظام العولمة.
“المضمرين”، في ظل السلطة
من ميدان السباق إلى أشهر المسابقات، يوجد شخص ذو أهمية مركزية في بناء قيمة الهجن، ألا وهو المدرب الذي يطلق عليه اسم “المضمر”.
يعمل “المضمرون” في الخفاء على فوز أصحاب الهجن. فأسماء مثل سالم بن فاران المري أو سعيد بن شطيط الوهيبي2، وعلي بن جميل الوهيبي وسلطان بن محمد الوهيبي، جميعها تركت أثرها في مجال الهجن. هذه الأسماء البدوية -والتي تنتمي في هذه الحالة إلى قطر وعمان- تذكرنا بجوهر سباق الهجن اليوم. فقد عمدت سلطات الخليج إلى هذه اللعبة التي كانت حاضرة خلال الاحتفالات التقليدية، لتمنح البدو والهجن دورا اجتماعيا جديدا انطلاقا من السبعينيات. ففي تلك الفترة وأمام تطور مجتمعاتهم، خسر البدو والجمال مكانتهم في هذه المنظومة الجديدة ووجب إعادة إدماجهم.
بفضل العائدات الاقتصادية المتأتية من صناعة المحروقات في السبعينيات، أخذت سباقات الهجن منحى جديدا. فقد أصبح هذا النشاط محاطا بعناية ويهدف إلى “مخاطبة” أهالي الخليج الذين وجب عليهم إيجاد مكانهم في مناطق تشهد تغيرات سريعة. وهكذا وفي ظل هذه الهندسة الاقتصادية التي بنيت حول هذا المجال، باتت ميادين السباق أماكن سياسية بالأساس.
تحت إشراف الملوك والأمراء والسلاطين
اعتبرت ساحات الهجن الكبرى أعمدة سياسية من طرف سلطات شبه الجزيرة العربية. وهي تبدو مراكز اقتصادية تلعب دور الواجهة بالنسبة لأهالي المناطق الداخلية من البدو، كما أنها تضع في قلب اللعبة وجوه السلطة. توجد هذه الميادين في مناطق صحراوية تمت حمايتها من أي مشروع حضري مبالغ فيه، حتى يتمكن الزائر من الغوص في محيط البدو. يتراوح طول مسافات السباق في هذه الميادين بين ثمان وعشر كيلومترات وتوجد نقاط انطلاق مختلفة، ما يمكن من اقتراح أشكال سباقات متعددة خلال الفترة المتراوحة بين سبتمبر/أيلول ومارس/آذار. يساهم أصحاب الهجن من الأثرياء -وأولهم رجال العائلات الملكية- في اقتصاد ميادين السباق الجانبية بحثا منهم على الامتياز والهيبة، وذلك من خلال اشتراء هجن شابة أبرزت قوتها. وقد تأسست هكذا علاقة سلطوية بين المركز والهوامش، وهي لعبة توازن خاصة بمجتمعات الخليج، فمن خلال هذه الفضاءات يتم نسج رموز علاقات السلطة.
في هذه الأماكن التي تكون فيها المكانة الأولى للهجن، تتم السباقات تحت إشراف الملوك والأمراء والسلاطين وولاة العهد، كما تذكرنا بذلك صورهم الحاضرة في مدخل الميادين. ونجد بصمتهم في المهرجانات الكبرى على غرار “مهرجان ولي العهد” في دبي. ويمثل سباق الهجن فرصة للظهور في ثوب قائد القبيلة، في قلب فضاء الصحراء.
كما تمثل هذه السباقات فرصة للعودة إلى هوية عميقة، لمحاولة موازنة اختلاط مدن الخليج المعولمة3، ما يجعلها تبدو دون رابط محلي. هكذا تساهم هذه المهرجانات في بناء “سردية قومية” حول شخصيات الدولة، من خلال حضور حيوان يرمز لتاريخ شبه الجزيرة العربية وكذلك من خلال العروض الموسيقية والرقص المتأتية من التراث الثقافي والتي ترافق أحيانا هذه السباقات. كما تلعب هذه الأحداث دورا في استعراض اللقاءات الديبلوماسية بين بلدان الخليج، كما كانت في الماضي فرصة لالتقاء مختلف الشيوخ، وتندرج بذلك في إطار التواصل السياسي لدول شبه الجزيرة العربية.
بحثا عن الهيبة
علاوة عما تغذيه هذه السباقات بالنسبة للخيال والهوية، فهي تمكن الأعيان من بسط سلطتهم على مجتمعهم. فبفضل ثروتهم، تتمتع الشخصيات المشهورة لا سيما السياسية منها بعدد مهم من أحسن الهجن. صحيح أن هذا شغف حقيقي بالنسبة لهم، لكنه يمكنهم كذلك من بسط هيمنتهم والحفاظ على هيبتهم لدى الشغوفين الآخرين بهذا المجال على الصعيد الإقليمي. وهكذا يصبح ميدان السباق مرآة للمجتمع إذ يحظى الفائز بصيت ويكرر المعلق اسمه ويعيد سرد طريقة فوزه مرات عديدة.
الحصول على هذه الهيبة ليس بالهين، إذ يتراوح ثمن أحسن الهجن اليوم بين مليونين و250 ألف دولار، وثلاثة ملايين وثلاثمئة وثمانين دولار. ويعود ذلك لثراء العائلات الملكية والغنية بالمنطقة، ولكن كذلك لإعادة توزيع هذه الثروة على مكونات أخرى من المجتمع. ونجد من بين كبار أصحاب الهجن، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، والشيخ حمدان بن محمد المكتوم ولي عهد دبي، والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان أمير أبو ظبي… وكثيرا ما تُذكر أسماؤهم عندما نتحدث مع أشخاص يعملون في مجال سباق الهجن. فقد تركوا بصمتهم في هذا المجال تماما كما “المضمرين”.
وقد ذهب عدد من هؤلاء إلى الاستثمار في الوسائل العلمية للإحاطة التامة بمعرفة الحيوان وتحسين أدائه. وقد شهدت دبي والشحانية (قطر) في سنوات 2010 إنشاء مخبر أبحاث ومستشفيات مخصصة للهجن.
نجوم نادي باريس سان جيرمان
نرى على الشاشة نيمار وكليان مبابي وإدينسون كافاني وهم يصرخون في الأجهزة اللاسلكية تشجيعا للهجن، إذ تقمص لاعبو نادي كرة القدم باريس سان جيرمان ولساعات قليلة دور مدربي الهجن في ميدان السباق. وهكذا يجد النادي الذي اشترته قطر للزيادة من إشعاعها الدولي مكانه في عالم سباق الهجن. لكن إلى حد الآن، لا يعدو الأمر أن يكون تخطيطا سياحيا نظريا للغاية بالنسبة لقطر، لكنه يمثل بالنسبة لدبي مجالا اقتصاديا مهما.
بالنسبة لدول الخليج، يمثل سباق الهجن طريقة لنشر خطاب مغاير بالقرب من جمهور سياحي لم يألف هذا الواقع. وسط عرض سياحي مؤطر وموحد للغاية بين المراكز التجارية وبعض الزيارات الثقافية ورحلات إلى الصحراء ونشاطات بحرية، تبدو سباقات الهجن نشاطا جذابا وغريبا بالنسبة للسياح الذين يأتون لعيش تجارب “خارقة للعادة”. كما تود سلطنة عمان جلب سياح يبحثون عن رحلات في أماكن جديدة لها علاقة بالطبيعة، وهو أمر يساعد عليه سباق الهجن.
يجد هذا المجال الاستراتيجي في مفهوم الجغرافيا السياسية بين دول الخليج مكانه في الأجندات الدولية لعدة بلدان التي تسعى إلى بناء صورة “غريبة” لنفسها من خلال سباق الهجن، إذ تبدو في صورة المكان النائي الذي لم يتغير بفعل عوامل خارجية، وهو أمر يجلب السياح، في خلط بين تقديم الثقافة المحلية والفرجوية.