في الذكرى الخامسة لولادته، ما تبقى من الاتفاق النووي؟

أخفقت أوروبا في ترجمة تأكيداتها الكلامية المتكررة حول ضرورة إنقاذ الاتفاق، في خطوات عملية.

ميدل ايست نيوز: تحلّ اليوم، الثلاثاء، الذكرى الخامسة لولادة خطة العمل الشاملة المشتركة أو ما يُعرف بالاتفاق النووي المبرم بين إيران والمجموعة الدولية في فيينا في 14 يوليو/ تموز عام 2015، في وقت يترنح فيه الاتفاق وباتت فرص القضاء عليه، تحديداً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، العدو اللدود له، أقرب من أي وقت مضى.

وبينما تفضل جميع الدول التي ساهمت في التوصل للاتفاق، وكذلك إيران، تجنّب الإعلان عن انهياره، حتى لو كان الأمر عملياً كذلك، مراهنةً على احتمال حدوث تحول قد يساهم في إنقاذه لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لا تبدو طهران متفائلة من احتمال خسارة ترامب السباق الرئاسي الأميركي، في ظلّ ترجيحات بفوزه مجدداً.

إذ توقع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خلال الشهر الماضي، فوز ترامب بنسبة “تفوق 50 في المائة”، فضلاً عن أنّ إيران من جهة ثانية، لا تعول كثيراً على منافسه الديمقراطي جو بايدن، في حال فشل ترامب بالانتخابات، وهو ما أكدته وزارة الخارجية الإيرانية في وقت سابق، قائلةً إنها “لا تتصور أنّ بقاء ترامب أو ذهابه سيؤدي إلى تطور خاص”.

مع ذلك، لا يخفى أنّ إيران تأمل بانتهاء عهد ترامب في أقرب وقت ممكن، لكونه ألدّ الرؤساء الأميركيين عداوة لها، وقام بما لم يقم به نظراؤه من قبل.

ويعيش الاتفاق النووي اليوم حالة وفاة من دون دفن، ولم يبق منه الكثير، ليتحوّل إلى عنوان بلا مضمون وجسم من دون روح، إثر انهيار العمودين اللذين بُني عليهما، خلال العامين الأخيرين، وذلك بعد الانسحاب الأميركي منه يوم الثامن من مايو/ أيار 2018. إذ ترتب على هذا الانسحاب انهيار العمود الأول المتمثّل برفع العقوبات الأميركية، إذ أعادت واشنطن فرضها مجدداً بشكل أقسى من قبل، فيما بدأ العمود الثاني بالانهيار مع حلول الذكرى الأولى للانسحاب الأميركي في مايو 2019، بعد تدشين طهران تقليص تعهداتها النووية المنصوص عليها في الاتفاق النووي خلال خمس مراحل.

وجاءت العقوبات الأميركية المصفرة لمنافع طهران الاقتصادية من الاتفاق النووي، في إطار استراتيجية “الضغط الأقصى” الأميركية، بهدف إجبار الحكومة الإيرانية على اتفاق شامل يتخطى الملف النووي إلى جميع ملفات الصراع الإيراني الأميركي منذ أربعين عاماً، ولا سيما برنامج إيران الصاروخي ودورها الإقليمي.

وطاولت الضغوط القصوى ضدّ طهران منذ أكثر من عامين، الملفات آنفة الذكر بغية تحقيق ذلك الاتفاق المنشود أميركياً، ووصلت إلى ذروتها إقليمياً مع اغتيال أبرز جنرالات إيران، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني، مطلع العالم الحالي، قرب مطار بغداد.

غير أنّ الأداة الأهم لهذه الضغوط هي التي تستهدف الداخل الإيراني، عبر شنّ “حرب اقتصادية” شاملة، وضعت إيران أمام واقع صعب للغاية، وتقول طهران إنه أصعب من أيام حرب السنوات الثماني مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي. كما أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، أخيراً، أنّ بلاده تواجه “عامها الأصعب” على خلفية هذه العقوبات وتبعات انتشار فيروس كورونا الاقتصادية.

وأشعلت العقوبات أزمة اقتصادية أدّت إلى احتجاجات مطلبية خلال العامين الأخيرين، كانت أوسعها نطاقاً تلك التي شهدتها البلاد خلال نوفمبر 2019، على خلفية رفع أسعار البنزين ثلاثة أضعاف، واستمرت لثلاثة أيام قبل إخمادها. في المقابل، اتبعت إيران استراتيجية “الصبر الاستراتيجي” لعام كامل في مواجهة استراتيجية “الضغط الأقصى” الأميركية، منتظرة وقوف بقية أعضاء الاتفاق النووي، وتحديداً الأوروبيين، إلى جانبها. إلا أنها عادت وغيّرت استراتيجيتها لتتبنى استراتيجية “المقاومة الفعالة”، اعتباراً من الثامن من مايو 2019، مع حلول الذكرى الأولى للانسحاب الأميركي من الاتفاق، إذ أنهت التريث والانتظار في مواجهة تداعيات هذا الانسحاب.

وعليه، بدأت إيران تمارس ضغوطاً مضادة، لتبدأ منذ الثامن من أيار 2019 بتقليص تعهداتها النووية بالتدرّج على مراحل عدة، قبل أن تعلن، يوم الرابع من يناير الماضي، تنفيذها المرحلة الخامسة والأخيرة منها، مشيرةً إلى أنها أنهت كافة “القيود العملياتية” المفروضة على برنامجها النووي بموجب الاتفاق النووي.

ولامست الخطوات الإيرانية القيود الحساسة المفروضة على إنتاج اليورانيوم ومستوى تخصيبه، وإنتاج الماء الثقيل، إلى جانب تفعيل منشأة “فوردو” النووية التي تولي الأطراف الغربية حساسية كبيرة تجاهها، ورفع عدد أجهزة الطرد المركزي المسموح باستخدامها وفق الصفقة النووية، بالإضافة إلى التخلي عن قيود أخرى.

وعلى الرغم من هذه الخطوات الهامة، لكن طهران تجنّبت تصعيداً كبيراً في الملف النووي يعيد وضعية برنامجها النووي إلى ما قبل التوصل إلى اتفاق 2015. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تقم بعد برفع التخصيب إلى مستويات قياسية، مثلاً 20 في المائة أو أكثر، فضلاً عن أنها لم تنه بعد العمل “الطوعي” بالبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي بموجبه تخضع المنشآت النووية الإيرانية لرقابة “مشددة”، توصف بأنها غير مسبوقة في عمل الوكالة.

وإلى جانب الخطوات النووية، اتخذت طهران وضعية “الهجوم” في بقية الملفات المثارة في مواجهة ضغوط واشنطن، لتدخل الاستراتيجيتان الأميركية والإيرانية في مرحلة جديدة من المواجهة، وبأدوات جديدة، وهو ما رفع منسوب التوتر بين الطرفين إلى مستويات قياسية.

إذ تحولت الأجواء والمياه الخليجية خلال العامين الأخيرين إلى ساحة ساخنة للمناوشات “مضبوطة الإيقاع” بين الطرفين. ومن مظاهر هذه المناوشات، إسقاط الحرس الثوري طائرة مسيرة أميركية قال إنها اخترقت المجال الجوي الإيراني في 20 يونيو/ حزيران من العام الماضي، وكاد هذا التطور أن يفجّر مواجهة عسكرية بين الجانبين، بعدما أعلن ترامب أنه اتخذ قراراً بالردّ عسكرياً قبل أن يعود ويتراجع في الدقائق الأخيرة لكون “الرد غير مناسب على إسقاط طائرة غير مأهولة”، وفق قوله.

بالإضافة إلى ذلك، وقعت هجمات “غامضة” ضدّ ناقلات نفط في الخليج خلال العام الماضي، وسط اتهامات إيرانية وأميركية متبادلة بالوقوف وراءها. واستغلت الإدارة الأميركية هذا الوضع الأمني المضطرب في المياه الخليجية لتأسيس تحالف بحري في المنطقة لردع “التهديدات الإيرانية”، بحسب قولها، أواخر العام الماضي.

وفي خضم تصاعد التوتر بين الطرفين، دخلت أطراف إقليمية ودولية عدة على خط الوساطة بينهما لخفض التصعيد، في مقدمتها سلطنة عمان وفرنسا واليابان، وسط دعوات أميركية متزايدة لم تتوقف بعد للتفاوض مع إيران. لكن جهود الوساطة فشلت في إعادة الطرفين للمسار الدبلوماسي، بعد رفض طهران دعوات التفاوض، رابطةً هذا الأمر بجملة من الشروط، على رأسها إنهاء العقوبات، كما اعتبرت الدعوات الأميركية “استعراضية ومسرحية”.

أما على ضفة شركاء الاتفاق النووي المتبقين، فعُقدت اجتماعات متعددة للجنة المشتركة لهؤلاء الشركاء خلال العامين الماضيين، على مستوى الخبراء ومدراء وزارات الخارجية ووزراء الخارجية، ولكنها فشلت في إنقاذ الاتفاق.

كما أخفقت أوروبا في ترجمة تأكيداتها الكلامية المتكررة حول ضرورة إنقاذ الاتفاق، في خطوات عملية، إذ لم تتمكن من تفعيل آلية “إينستكس” المالية، التي أسستها خلال يناير 2019، للتجارة مع إيران بسبب معارضة الإدارة الأميركية لذلك، لتظلّ الدول الأوروبية على التزامها التام بالعقوبات الأميركية، رافضةً الوقوف ضدها، في موقف اعتبرته طهران “تقاعساً” عن تنفيذ تعهداتها الاقتصادية تجاه الاتفاق النووي.

وبعد وقف إيران العمل بمعظم التعهدات النووية وفشل جهود الوساطة بين طهران وواشنطن، انتقل الموقف الأوروبي شيئاً فشيئاً خلال الفترة الماضية إلى المسايرة العملية الواضحة للسياسات الأميركية، إذ اتجهت الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) نحو تفعيل آلية “فض النزاع” المنصوص عليها في الاتفاق النووي لحل الخلافات مع طهران والتي تعني إعادة الملف النووي لمجلس الأمن الدولي، إلا أنها من الناحية العملية لم تبدأ بعد بإجراءات تفعيل الآلية.

وقد بدأت الأطراف الأوروبية تتجه منذ فترة وجيزة نحو التصعيد مع طهران، وقد ظهرت بوادر هذا التصعيد في تمرير قرار ضدها في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال الشهر الماضي، داعيةً إياها إلى “التعاون الكامل والفوري” مع الوكالة في فتح موقعين مشتبه بهما أمام المفتشين الدوليين، وتطالب الأخيرة بفتحهما “سريعاً”، وكذلك في دعم أوروبا للحراك الأميركي القاضي بتمديد حظر الأسلحة على إيران في مجلس الأمن.
وبموازاة الضغوط الأميركية والأوروبية، تعيش علاقات إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية توتراً غير مسبوق.

واليوم وفي ذكراه الخامسة، يبدو فشل الاتفاق النووي في تحقيق مبتغاه ولا سيما إنهاء الملف النووي الإيراني، واضحاً أكثر من ذي قبل، وأخذت الأوضاع تعود إلى مرحلة ما قبل هذا الاتفاق، وسط تصاعد احتمالات عودة الملف إلى مجلس الأمن مرة أخرى كما كان الحال عليه قبل التوصل إلى الاتفاق. وتؤكد هذه العودة، إذا تمت، وهي واردة حسب تصريحات نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في وقت سابق من الشهر الحالي، نجاح ترامب في إعادة تدويل الملف الإيراني وخلق إجماع دولي ضد طهران مجدداً.

تمثل الأشهر المقبلة فترة حاسمة في تحديد مصير الاتفاق النووي شبه الميت، إذ تسعى واشنطن جاهدة إلى تمديد حظر الأسلحة على إيران الذي تفرضه الاتفاقية النووية بموجب القرار رقم 2231، سواء من خلال تمرير مشروع قرارها في مجلس الأمن في هذا الشأن، أو من خلال تفعيل آلية “فض النزاع”.

وعلى ضوء تلميحات روسية باستخدام حق النقض، ليس وارداً نجاح تمرير القرار، إلا أنّ الإدارة الأميركية في حال فشل الخطوة، قد تلجأ إلى تفعيل آلية “فض النزاع”، على الرغم من انسحابها من الاتفاق النووي، وهو الأمر الذي ستتم بموجبه إعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي ليعاد فرض العقوبات الأممية على إيران وإلغاء القرار 2231 وتمديد حظر الأسلحة الذي يفترض أن ينتهي في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تلقائياً.

وطهران من جهتها، في مواجهة هذه الخطوات، هددت بالانسحاب الكامل من الاتفاق والذهاب أبعد من ذلك، واحتمال خروجها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، الأمر الذي يوحي بأنّ الفترة المقبلة حبلى بتطورات دراماتيكية بشأن الاتفاق النووي من جهة، والصراع الإيراني الأميركي من جهة ثانية.

إلى ذلك، تشير حوادث أمنية “غامضة” في مواقع صاروخية ونووية وقعت أخيراً في إيران، إلى أنّ المواجهة دخلت مرحلة أخطر من سابقاتها، ومن ضمن أهدافها تعطيل البرنامج النووي الإيراني. وفي مقدمة هذه الحوادث، الانفجار “الغامض” الذي وقع في الثاني من الشهر الحالي في منشأة “نطنز”، وهي أكبر وأهم موقع لتخصيب اليورانيوم.

وأكد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أنه توصل إلى سبب هذا الانفجار، لكنه رفض الكشف عنه، وسط تلميحات إسرائيلية وتقارير غربية بأنه كان ناجماً عن “هجوم إسرائيلي” بتعاون مع الولايات المتحدة. ولا تستبعد طهران تورط جهات خارجية في انفجار “نطنز”، ليهدد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، أمس الإثنين، بأن رد بلاده سيكون “حاسماً ومهماً إذا ثبت تورط أي دولة أو كيان في الحادث”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى