هكذا سعت إسرائيل لإحباط المشروع النووي الإيراني
كشف تقرير موسّع للخبير في الشؤون الاستخباراتية، الأسس الرئيسية في سياسة إسرائيل لإحباط مشروع الذرة الإيراني.
ميدل ايست نيوز: كشف تقرير موسّع نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” أمس الجمعة في ملحقها الأسبوعي، وأعده الخبير في الشؤون الاستخباراتية، رونين بيرغمان، الأسس الرئيسية في سياسة إسرائيل لإحباط مشروع الذرة الإيراني، معتبراً أنّ تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، ووزير الخارجية غابي أشكنازي، حول التفجيرات التي وقعت في مفاعل نطنز في محافظة أصفهان بوسط إيران أخيراً، تركت شكاً ضعيفاً في هوية الطرف المعني بضرب الجهد النووي الإيراني بشكل كبير، لافتاً إلى قول أشكنازي: “ما نفعله لمنع إيران نووية هو أمر يفضل عدم الحديث عنه”.
ويكشف التقرير أنّ “أول من التفت إلى خطورة المشروع الإيراني، وشخّص بدء طهران التوجه نحو حيازة سلاح نووي هو رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين في العام 1993، مع بدء إيران العمل على هذا المشروع بالاعتماد على مدير مشروع الذرة لباكستان، عبد القدير خان”.
وقال بيرغمان إنّ رابين هو من وضع الملف النووي الإيراني على سلم أولويات الأمن والاستخبارات في إسرائيل، فيما حوّل بنيامين نتنياهو الذي انتخب بعد اغتيال رابين، الملف النووي الإيراني إلى الموضوع الرئيسي على جدول الأعمال.
ويلفت التقرير إلى أنّ التحول الرئيسي في هذا السياق بدأ في عهد حكومة أرييل شارون، بعد أن عين الأخير مئير داغان رئيساً للموساد عام 2002، وإقراره إصلاحات وتغييرات تنظيمية وهيكلية في عمل الموساد وفي تحديد المهام الملقاة على عاتقة، بما في ذلك نقل العمليات إلى داخل الدول البعيدة، خصوصاً بعد أن كشفت مجموعات “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة لوكالة المخابرات الأميركية حقيقة وجود مفاعل نطنز في أواخر العام 2002.
وخلافاً للتصريحات الإسرائيلية المختلفة التي تروّج للخيار العسكري ضدّ المشروع النووي الإيراني، تكشف الصحيفة أنّ شارون كان من قرر عدم الاتجاه لهذا الخيار في ذلك العام، وتبنى عام 2004 خطة رئيس الموساد داغان لضرب المشروع الإيراني من خلال عمليات سرية مختلفة، ووضع استراتيجية انطلقت من أنّ القرار بتطوير سلاح نووي في إيران هو بالأساس قرار سياسي، إذ إنه فقط من خلال تغيير النظام أو احتلال إيران يمكن إغلاق هذا المشروع. وبما أن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن معنية بهذا الخيار، فقد تقرر أنّ الخيار الوحيد المتبقي أمام إسرائيل هو إقناع القيادات السياسية في إيران بعدم جدوى المضي قدماً في مشروعها النووي، وحتى يتحقق ذلك ينبغي مواصلة العمل بكل ما هو متاح لضرب هذا المشروع.
وقد وضع الموساد خمسة أسس لاستراتيجية منع المشروع النووي الإيراني وهي: إحباط سياسي عبر ضغوط دولية، إحباط سياسي داخلي عبر تشجيع جماعات المعارضة للوقوف ضد النظام، إحباط اقتصادي من خلال منظومة عقوبات دولية تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني، إحباط ذكي في إشارة للعمليات السرية، وإحباط عنيف.
لتنفيذ هذه الاستراتيجية، قام رئيس الموساد مئير داغان بانقلاب جديد على تقاليد الموساد وعقيدته العملياتية، ووافق للمرة الأولى على التعاون مع أجهزة أجنبية، خلافاً للعقيدة التي كان أرساها رئيس الموساد الأسبق مئير عميت في ستينيات القرن الماضي، وبضمن ذلك موافقة الموساد على تبادل معلومات مع أجهزة أجنبية وتزويدها بمعلومات مهمة. وتوضح هذا التغيير تصريحات نتنياهو في العامين الماضيين في أكثر من مناسبة عن “المعلومات القيّمة” التي سلمها الموساد لأجهزة استخبارات غربية، بما فيها الفرنسية والأميركية، والتي ساعدت إما في الوصول إلى جماعات من تنظيم “داعش”، أو إحباط عمليات كان مخططا لها على الأراضي الأجنبية.
وفي هذا السياق، يكشف التقرير عن قيام الموساد بالاستعانة بعناصر أجنبية لتنفيذ عمليات، كما حدث في لبنان عند تجنيد عناصر شيعية ومسيحية وسنية، عبر استغلال الحروب الداخلية والتوتر بين هذه الجهات خلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وبعده، بما في ذلك خلال حكومة شارون بين عامي 2002 و2004، إذ جنّد الموساد عملاء من داخل لبنان لتنفيذ عمليات تصفية في هذا البلد، بدءاً بتصفية قيادات رفيعة في “حزب الله” ممن كانوا على علاقة بجماعات فلسطينية وقاموا بتدريبها خلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت في سبتمبر/أيلول عام 2000. من هنا، كان الطريق مفتوحاً لاعتماد الأسلوب نفسه ضدّ إيران ومشروعها النووي، عبر البحث عن عملاء من داخل إيران نفسها.
ويشير التقرير إلى العمليات الأولى التي وقعت في العام 2008، بعد بدء التعاون الأميركي مع الرؤية الإسرائيلية، من خلال سلسلة عمليات قرصنة إلكترونية وزرع فيروس ذكي ألحق ضرراً بالغاً في خطة الذرة الإيرانية، ناهيك عن تعزيز التعاون بين الموساد والولايات المتحدة في سلسلة من الهجمات والعمليات التي هدفت لإتلاف المعدات والأجهزة التي كانت إيران تشتريها لمشروعها النووي من مختلف أنحاء العام.
إلى ذلك، يشير تقرير بيرغمان، وإن كان يعتمد الأسلوب الإسرائيلي الممجوج المتبع بالصحف الإسرائيلية تحت تعبير “وفق تقارير أجنبية”، أو “إذا صحت التقارير الأجنبية”، إلى مشروع تصفية وقتل علماء الذرة الإيرانيين، على الرغم من أن ذلك أمر مخالف للقانون الأميركي، وعليه فإنّ الولايات المتحدة لم ترغب بمعرفة التفاصيل ولم توجه أي أسئلة أو استفسارات بهذا الشأن. ويضيف بيرغمان أنّ رئيس الموساد الأسبق مايكل هايدن أبلغه أنّ الولايات المتحدة “لم ترغب بالمعرفة لا تلميحاً ولا عبر الابتسامات الهازئة” التي تؤكد العمليات.
ويصل رونين بيرغمان إلى القول إنّ الموساد أعد قائمة بأسماء علماء الذرة الإيرانيين، وأنه بدءاً من العام 2007 وصاعداً، تمّ محو “الأسماء من القائمة”، في إشارة لاغتيال أصحابها. ومن بين هؤلاء أردشير حسين فار الذي توفي في 14 يناير/كانون الثاني عام 2007 في ظروف غامضة في مصنع يورانيوم في أصفهان. وفي 12 يناير 2010 قتل العالم النووي الإيراني مسعود محمدي بعد تفجير دراجة بخارية مفخخة قرب منزله في طهران، وقد اتهمت إيران الموساد الإسرائيلي بالمسؤولية عن العملية. وقد اعترف مواطن إيراني لاحقاً يدعى مجيد جمال باشي، أنه تم تجنيده من قبل الموساد وتدريبه في مقر للأخير على طريق تل أبيب القدس، على تركيب قنابل مفخخة مقابل 120 ألف دولار.
وقد زاد الموساد في العمليات اللاحقة من مستوى المخاطرة والمجازفة، من خلال إيهام المجندين بأنهم يعملون لصالح جهة أخرى غير الموساد.
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2010، نفّذ الموساد عملية اغتيال مزدوجة في قلب العاصمة طهران استهدفت إحداها العالم الإيراني مجيد شهرياري، والثانية فريدو عباسي ديواني. وفيما قتل شهرياري، فإنّ العبوة التي انفجرت في سيارة ديواني أدت فقط لإصابته بجروح. وشكلت هذه الفترة تركيزاً من الموساد على إخافة ودب الرعب في قلوب العلماء الإيرانيين الذين يعملون في مشروع الذرة الإيراني.
وفي 23 يوليو/تموز عام 2011، تمّ اغتيال العالم درويش رضائي نجاد في العاصمة طهران. وبعد العملية بأسابيع، نقلت مجلة “دير شبيغل” الألمانية عن مصدر استخباراتي إسرائيلي، قوله إنّ هذه العملية كانت الأولى التي يقرها رئيس الموساد الجديد (آنذاك) تمير باردو.
وطاولت العمليات اللاحقة كلا من الجنرال حسن طهراني مقدم، رئيس قسم تطوير الصواريخ في الحرس الثوري، والذي قتل معه في التفجير الذي استهدفه في نوفمبر 2011، 16 من رجاله. وبعد ذلك تمّ اغتيال المهندس الكيماوي مصطفى أحمد روشان في يناير 2012، والذي عمل في مفاعل نطنز. وبحسب التقرير، فإنّ سلسلة العمليات المذكورة أخافت العلماء في إيران، وقسم كبير منهم طلب الانتقال للعمل في المشاريع المدنية.
وانتقل الموساد في هذه المرحلة، بحسب التقرير، لتجنيد عملائه من صفوف المعارضة الإيرانية بالذات، لإبعاد الشبهات عن إسرائيل حتى لو وقع العملاء بقبضة إيران.
لكن غيّر الاتفاق النووي مع إيران الذي تبلور في العام 2015 من الصورة الكلية لمشروع الذرة الإيراني وموقف المجتمع الدولي منه، وجعل من ادعاءات واتهامات رئيس الحكومة الإسرائيلية ضدّ الاتفاق، هامشية وغير ذات صلة، إلى أنّ قام الموساد بعملية سرقة أرشيف الذرة الإيراني في يناير من عام 2018، والذي عرضه نتنياهو على وسائل الإعلام العالمية وأمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وشكّل مبرراً وذريعة للرئيس الأميركي دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وقد ردت الأخيرة على الخطوة الأميركية بالعودة تدريجياً لمشروعها النووي، فيما عاد الموساد لعملياته ضدّ هذا المشروع، وآخرها بحسب التقرير، التفجيرات في مفاعل نطنز التي وصفها رونين بيرغمان بأنها “لكمة تركت الإيرانيين مصدومين”.