جامع آيا صوفيا.. هل كان “عميل استخبارات” أميركي سببا في تحويله إلى متحف؟
استعرض موقع ميدل إيست آي في تقرير له- قصة تحول آيا صوفيا من جامع إلی متحف ثم إلی الجامع مجددا.
ميدل ايست نيوز: استعرض موقع ميدل إيست آي (Middle East Eye) البريطاني -في تقرير له- قصة تحول آيا صوفيا من جامع عمّره المصلون لأكثر من 4 قرون إلى متحف عام 1934، ليعود مجددا إلى وضعه السابق وتقام فيه اليوم أول صلاة جمعة.
ويقول الصحفي التركي يلدياراي أوغور (Yildiray Ogur) في تقريره إن بداية قصة تحويل أيا صوفيا من مسجد إلى متحف تعود إلى اجتماع عُقد في 12 يونيو/حزيران 1929 بأحد الفنادق الواقعة في “شارع الاستقلال” الشهير في إسطنبول.
وضم الاجتماع -الذي عقد ليلة ذلك اليوم- 8 من أشهر أغنياء الولايات المتحدة الأميركية، واتفقوا خلاله على إنشاء “المعهد البيزنطي الأميركي”، الذي سيكون السبب في تغيير مصير آيا صوفيا.
لكن العقل المدبر لفكرة تحويل المسجد إلى متحف هو الأميركي توماس ويتمور (Thomas Whittemore)، وهو أكاديمي شغوف بالفن البيزنطي، حيث تؤكد مصادر أنه يتعاون مع وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي أيه” (CIA)، حيث كانت له صلات بآلان دولس (Allan Dulles) أول رئيس مدني للوكالة.
شبكة علاقات
كانت لدى ويتمور شبكة علاقات اجتماعية واسعة، ضمت أغنياء أميركيين وأمراء روسيين، وكان متدينا ومثليا في الآن ذاته.
وتمكن ويتمور من تحقيق أول “إنجازاته”، في وقت كان العالم يتقدم بثبات نحو أزمة “الكساد الكبير” في فترة الثلاثينيات، حيث نجح في إقناع أغنياء أميركيين بأهمية إنقاذ القطع الأثرية البيزنطية الموجودة في إسطنبول.
لكن إنجازه الأكبر -حسب ميدل إيست آي- كان بعد ذلك بعامين، حيث تمكن من الحصول على إذن من أنقرة للكشف عن النقوش والفسيفساء البيزنطية الموجودة في آيا صوفيا.
وأصدر مجلس الوزراء التركي قرارًا بهذا الصدد في 7 يونيو/حزيران 1931، وقّعه كل من مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، وعصمت إينونو الجنرال التركي ورجل الدولة الذي شغل منصب الرئيس الثاني لتركيا من عام 1938 إلى 1950.
ووفق أرشيف المعهد البيزنطي الأميركي، فقد لعب سفير الولايات المتحدة الأميركية في أنقرة آنذاك جوزيف غرو (Joseph Grew) دورًا محوريا في الحصول على هذا الترخيص، وكان المسؤول الأميركي يعرف أتاتورك جيدًا، واشتهرا بظهورهما معا خلال خطاب إلى الرأي العام الأميركي عام 1927 لتقديم “تركيا الجديدة”.
ورحب الغرب بحفاوة آنذاك بقرار أنقرة السماح بالكشف عن النقوش البيزنطية بمسجد آيا صوفيا، لكن الشعب التركي لم تكن له القدرة ولا الإمكانية على استيعاب ما جرى، حيث تم اتخاذ القرار في سرية تامة، ولم تتمكن الصحف التركية من الوصول إلى معلومة بشأنه إلا بعد شهرين من صدور القرار، بفضل تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
في اليوم نفسه، نشرت الصحف التركية تقارير عن طيارين أميركيين توجها من نيويورك إلى إسطنبول، وعن رسالة أرسلها أتاتورك إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، كما كانت هناك تصريحات لمسؤولين محليين أتراك تؤكد أن الأشغال على فسيفساء المسجد لن تغير ملامحه.
تمكن ويتمور ومعاونوه خلال السنة الأولى من الأشغال من كشف كل النقوش الموجودة في باحات المسجد، لكن الجامع بقي مفتوحًا للصلاة، لذلك شكّل الأمر مسألة مستعصية على ويتمور وفريقه، فكيف سيمكنهم استكشاف باقي النقوش الموجودة داخل المسجد؟
ويتمور وأتاتورك
دعا أتاتورك ويتمور إلى مؤتمر كبير عُقد في أنقرة، والتقيا خلال اجتماع أعلن عنه لاحقا، حيث استمع الرئيس التركي إلى عرض قدمه الباحث الأميركي بشأن النقوش والفسيفساء البيزنطية.
انتشرت بعد ذلك الإشاعات بشكل واسع حول أشغال الحفر، مما اضطر السياسي التركي خليل إيثيم (Halil Ethem)، وأحد مؤسسي المعهد البيزنطي؛ إلى التصريح بأن المسجد لم تلحقه أي أضرار جراء الأشغال؛ في محاولة منه لتهدئة الجماهير.
وكانت أول وثيقة رسمية بشأن مساعي بدء تحويل آيا صوفيا من مسجد إلى متحف رسالة بتاريخ 25 أغسطس/آب 1934، كتبها وزير التربية والتعليم آنذاك عابدين أوزمين (Abidin Ozmen) إلى مكتب رئيس الوزراء.
وجاء في الرسالة “بناء على الأمر الشفهي السامي الذي تلقيته، أقدم هنا نسخة من أمر وجوب التخطيط لتحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف”. وقامت رئاسة الوزراء على الفور بإنشاء لجنة لهذا الغرض، وصاغت قائمة بالقرارات التي يجب اتخاذها خلال يومين.
وكشف أوزمين عن تفاصيل الأمر الشفهي الذي تلقاه خلال تصريح له بعد تقاعده عام 1949، حين قال “قيل لي بطريقة أكاديمية، من قبل أتاتورك بشكل خاص، إنه بدل الاحتفاظ به على أنه شيء ينتمي فقط إلى دين واحد وفئة واحدة، فإن تحويل آيا صوفيا إلى متحف مفتوح للزوار من جميع الدول والأديان سيكون أمرا مناسبًا”.
ونزل خبر تحويل المسجد إلى متحف كالصاعقة على الأتراك، وكان الجميع متفاجئين بالقرار، وأعلن مسؤول المتاحف التركي -في تقارير إخبارية- أنه هو نفسه لم يكن يدرك ما يحدث.
وانتقد هذا القرار المفاجئ حتى من قبل صحيفة “الجمهورية” (Cumhuriyet) اليومية المؤيدة لأتاتورك، حيث نشرت على صفحتها الأولى مقالا جاء فيه “علينا أن نعترف بأننا ما زلنا نشعر بالدهشة ونحن نطالع الصحف التي تتحدث عن أن آيا صوفيا سيتم تحويله إلى متحف. نسأل أنفسنا باستمرار هذا السؤال: أي متحف؟ آيا صوفيا نفسه هو أجمل متحف، وهو وحده يعد معلما تاريخيًا مميزا. لا يمكننا فهم تحويل هذا المعلم التاريخي إلى متحف”.
الدوافع الحقيقية
ويؤكد تقرير ميدل إيست آي أن العديد من النظريات صيغت بشأن الدوافع الحقيقية لتحويل آيا صوفيا إلى متحف؛ فقد رأى البعض أن القرار كان رسالة إلى الولايات المتحدة -وإلى الغرب بشكل عام- بأن النظام الجديد في تركيا علماني ومسالم، في حين رأى آخرون أن الخطوة بادرة حسن نية بعد توقيع اتفاق “وفاق البلقان” في السنة نفسها بين تركيا واليونان ويوغوسلافيا ورومانيا.
ويضيف أنه مهما كان السبب، فإن قرار تحويل مبنى بالغ الرمزية دينيا واجتماعيا في إسطنبول، من دون أي تدخلات خارجية كان مفاجأة، وسبب صدمة داخل المجتمع التركي، لذلك بقي حلم إعادة فتح آيا صوفيا كمسجد يراود المحافظين الأتراك فترة طويلة.
ويختم التقرير بأن قرار تحويل هذا المعلم التاريخي إلى متحف تم بين عشية وضحاها بمجرد أن زعيم البلاد رأى أن ذلك أمر مناسب، ولم يكن الشعب التركي ولا الصحف قادرين على رفع أصواتهم، في حين سخرت الدولة -من دون الاكتراث بأي شيء- كل مواردها لتحويل مشروعها إلى واقع.