مساعد وزير الخارجية الأمريكي في لبنان حاملا تسوية جديدة لترسيم حدود لبنان البحرية
تمسّك بري في أكثر من مناسبة بالإشارة إلى أنّ المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود أصبحت في خواتيمها.
ميدل ايست نيوز: بعدما تحول إلى صالة استقبال الوفود الأجنبية والعربية في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، في 4 أغسطس/ آب، شهد لبنان، الجمعة، يوماً طويلاً من اللقاءات والاجتماعات والجولات، بعد وصول عدد كبير من الدبلوماسيين للإشراف على عملية تسليم مساعدات ولإجراء محادثات حول المستقبل السياسي للبلاد، في ظلّ استقالة الحكومة وعدم دعوة الرئيس اللبناني ميشال عون، حتى الساعة، لاستشارات نيابية ملزمة.
وحلّت تلك الوفود حاملة معها المواقف المعلنة والمسرّبة، مرفوقة بـ”الأساطيل العسكرية” والتي حملت مساعدات إنسانية وغذائية وطبية وحقائب مفاوضات مشروطة بإصلاحات وربما صفقات وتسويات.
وبعد عشرة أيام على فاجعة المرفأ، كانت الأنظار موجّهة اليوم إلى مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ديفيد هيل، باعتبار أنه يحمل معه تسوية جديدة يعوّل عليها لحلّ الكثير من الأزمات ومنها تشكيل الحكومة، وتتمثل بـترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة.
وغاب الملف عن لقائه مع الرئيس اللبناني، بينما حلَّ طبقاً رئيساً على طاولة مباحثات رئيس البرلمان نبيه بري الذي تلقّى من الزائر الأميركي تأكيداً على تقدّم حاصل في مسار الترسيم الذي يعتبره الأخير فرصة يحتاجها لبنان كما المنطقة.
وتمسّك بري في أكثر من مناسبة بالإشارة إلى أنّ المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود أصبحت في خواتيمها، وسبق أن أثار الموضوع في حديث صحافي قبيل زيارة هيل إلى لبنان.
وهذا ما يستغربه الخبير العسكري، العميد المتقاعد أمين حطيط، في حديث مع “العربي الجديد”، إذ يلفت إلى أنّ “هناك تعقيدات كثيرة لا تزال موجودة وتحول دون وصول الملف إلى خواتيمه، سواء لناحية مفهوم الأراضي المحتلة أو المتنازع عليها أو لناحية مفهوم الحدود البرية الثابتة، هل هي للترسيم أو التثبيت كحق للبنانيين؟ وأيضاً في مفهوم المنطقة الاقتصادية، لأنه حتى الآن لم توافق إسرائيل على التخلي عن كامل الجزء اللبناني المتنازع عليه”.
ويشير حطيط إلى أنّ “هيل بحث الموضوع مع بري وليس مع عون، لأن الملف عندما جرىت إثارته للمرّة الأولى قبل ستّ سنوات، حصل نوعٌ من التوافق الوطني بأن يمسكه رئيس البرلمان بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية على أن يطلع عليه “حزب الله” بشكل مستمرّ، وحصلت محاولات لاستعادته من جانب رئاسة الجمهورية التي لها الحق الدستوري بالتفاوض الخارجي لكنها لم تنجح وبقيَ الملف عند رئيس البرلمان”.
ويرى حطيط أنّ الحلّ سيكون مع مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر الذي من المنتظر أن يزور لبنان، نهاية الشهر الحالي.
ومضى قائلاً “فإذا نجح هيل بمهمته ووجد أن الأجواء إيجابية ومناسبة، عندها سيأتي شنكر ومعه الصيغة النهائية للاتفاق ليأخذ موافقة لبنان ويعرضها على إسرائيل وإذا لم يحصل على نتائج ترضي أميركا أعتقد أن زيارة شنكر ستكون وقتها عرضة للأخذ والرد”.
من جهته، يقول مدير “المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات”، العميد الركن خالد حماده، لـ”العربي الجديد”، إنّ “بري يضع مسألة ترسيم الحدود بخدمة النفوذ الإيراني في لبنان، وكل الكلام عن الترسيم يبدو بمثابة جزء من التسوية الأميركية الإيرانية”.
وتابع قائلاً إنّ “رئيس البرلمان اللبناني دائماً ما يتحدث عن عدم التنازل ورغم ذلك تم تلزيم حقل كاريش (حقل غازي إسرائيلي في بقعة متنازع عليها مع لبنان)، وكذلك المربع 72 الإسرائيلي الذي يقع بجزئه الأكبر في الداخل اللبناني ستفض العروض من أجله الشهر المقبل، ولبنان لم يحرّك أي ساكن، والرئيس بري يدرك ذلك”.
ويضيف حماده أنّ “الرئيس بري وبغض النظر عن نتائج الترسيم، لا يحق له كسلطة تشريعية أن يتفاوض في الموضوع، فهو قابضٌ على الملف ويضعه في جيبه، وسط غموض حوله وصمت الدولة اللبنانية عن تفاصيله”.
وأضاف “بالتالي، فإنّ الترسيم يصبح في المرحلة النهائية إذا كان قد دخل كجزء من التسوية الإيرانية الأميركية والرئيس بري يعطي للأميركيين مقابل تحسين الشروط الإيرانية في لبنان، وذلك كله في ضوء الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت وتحوم حوله الكثير من الشبهات ولا سيما المرتبطة بوجود أسلحة داخله”.
ويلفت مدير “المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات” إلى أنّ “الصفقة السياسية لم تحصل بعد، ولكن بالنظر إلى ما يجري منذ وقوع الانفجار في الرابع من أغسطس من وجود دولي وعسكرة في المنطقة نلاحظ مؤشرات ترسيم حدود ودولة لبنانية جديدة”.
بدورها، أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، من قصر بعبدا، أن بلادها قدمت مساعدات كثيرة وسوف تقدم المزيد، لا سيما المعدات التي تساعد على رفع الأنقاض واستكمال أعمال الإغاثة ومسح الأضرار، معلنة أنه سيشارك في كل هذه المهمات نحو 750 عسكرياً فرنسياً. وأشارت إلى أن خبراء فرنسيين سيساعدون في التحقيقات الجارية لكشف ملابسات انفجار مرفأ بيروت.
وفي الإطار ذاته، أعلن هيل أنّ مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي سيشارك في التحقيقات. وقال مصدر مطلع على جولة هيل لـ”العربي الجديد”، إنّ الزيارة على القادة السياسيين كانت إيجابية بمجملها وتطرقت الى الإصلاحات المطلوبة من لبنان للحصول على المساعدات، وتم التطرق الى عمل المحققين الدوليين المشاركين في التحقيق بالكارثة التي حلّت وأوقعت ضحايا من جنسيات مختلفة وعلى دولهم أن تتقصّى بدورها عن الحقيقة.
وأشار المصدر إلى أنّ هيل شدد أمام القادة السياسيين، ومن ضمنهم رئيس “تيار المستقبل”، سعد الحريري، الذي التقاه الجمعة، على ضرورة التعاون سوياً من أجل إنقاذ لبنان، وتشكيل حكومة مستقلّة تلبّي رغبة الشعب اللبناني. ولاحظ هيل عندما تفقد بيروت لدى وصوله الخميس كما فعل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنّ اللبنانيين لم يفقدوا فقط ثقتهم بالمسؤولين بل يريدون فرض أشد العقوبات بحقهم ووصلت مطالبات بتعليق مشانقهم وإعدامهم، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة تمنح الناخب حق تقرير مصيره من جديد.
من جهة ثانية، أطلع المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، الرئيس اللبناني على المداولات التي حصلت في مجلس الأمن حول التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب “يونيفيل” (المتوقع نهاية شهر أغسطس/ آب)، مشيراً إلى أنّ النقاش كان إيجابياً وأن الرسائل التي وجهها عون حول الموضوع ونقلت إلى أعضاء مجلس الأمن “كان لها التأثير الإيجابي في سير المداولات”. ولفت إلى أن فرنسا بدأت العمل على إعداد مسودة أولية لقرار مجلس الأمن سيتم التشاور في شأنها مع الدول الأعضاء في المجلس بالتنسيق مع مندوبة لبنان الدائمة في نيويورك، السفيرة أمل مدللي.