التعاون الروسي – الإيراني في سوريا أمام اختبار “الحل السياسي”

موسكو كانت قد وصفت سابقاً، علاقتها بطهران بأنها «علاقةُ تنسيق وليس تحالفاً» كما قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف.

میدل ايست نيوز: بينما العالم مرتبك في مكافحة جائحة كورونا، وتبعاتها الاجتماعية والاقتصادية القاسية، ينشغل المهتمون بالشأن السوري، بتفسير طبيعة العلاقات الروسية – الإيرانية بشكل عام، وفي الميدان السوري بشكل خاص، إذ يحظى تحالف «الإخوة الأعداء» الذي بني بهدف تحقيق كل طرف منهما مصالحه الاستراتيجية، بالاهتمام بهدف تحليل الأحداث والتطورات التي تحصل وفهم سياقاتها، وخاصة ما يتعلق بالصدامات المتكررة بين قوات سورية محلية، بعضها محسوبة على طهران والأخرى على موسكو.

موسكو كانت قد وصفت سابقاً، علاقتها بطهران بأنها «علاقةُ تنسيق وليس تحالفاً» كما قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف «إن إيران ليست حليفة لموسكو وإن بلاده لا تستخف بأي طريقة بأهمية التدابير التي من شأنها ضمان أمن قوي لإسرائيل، وهي من أهم أولويات روسيا».

خلافات

بينما تعرّف إيران خلافها مع موسكو بأنه يأتي من البوابة الإسرائيلية، وهذا ما قالته طهران على لسان النائب السابق لوزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري حيث أكد على وجود اختلاف في وجهات النظر بين طهران وموسكو فيما يخص إسرائيل، وأكد في الوقت ذاته وجود مصالح مشتركة مع روسيا في سوريا.

وأضاف أنصاري «إسرائيل أدركت الآن تبعات الربط بين إيران وسوريا ولبنان، وتسعى إلى تحميل خططها للاعبين الآخرين في سوريا ومن جملتهم روسيا. الكيان الإسرائيلي يستغل العلاقات التاريخية بينه وبين روسيا لتحقيق أهدافه».

التحالف الذي فرض على الطرفين الروسي والإيراني، نتيجة الظروف والتقاطع في المصالح، لا يمكن حصر الصراع فيه، في الملف الإسرائيلي وحده، حسب خبراء ومراقبين، كما أن التباين فيه يندرج تحت بند الصراع ضمن الجبهة الواحدة.

الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي تحدث لـ «القدس العربي» عن الأهمية التي تحظى بها إيران في السياسة الخارجية الروسية منذ قدوم الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة «فقد نصت وثيقة مبادئ السياسة الخارجية الروسية الصادرة في كانون الأول / ديسمبر 2016 على أهمية إيران كدولة تستهدف روسيا التعاون معها في منطقة الشرق الأوسط».

ويقول إنه ومنذ شهر أيلول/سبتمبر 2015 عمل الجيش الروسي مع الميليشيات المدعومة إيرانياً في سوريا بتناغم كبير، عن طريق تقديم غطاء جوي روسي للقوات البرية الموالية لإيران، الأمر الذي أدى لتحقيق مكاسب عسكرية مهمة ومؤثرة، ولا يزال هذا التناغم والتنسيق عالي المستوى خاصة في شمال غربي سوريا.

هذا التناغم والتنسيق بين روسيا وإيران، لا يعنيان وفقاً لرأي عاصي نفي حالة التدافع بين الجانبين من أجل تحقيق أكبر قدر من المصالح الذاتية، لكن عملية التدافع داخل المحور الواحد لا يمكن وصفها في الوقت الراهن بـ «صراع» أو «صدام مباشر» حتى وإن اتخذت في بعض الأحيان شكل المواجهة غير المباشرة في سوريا.

وبرزت في سوريا محطات مهمة تدل على رغبة روسية في وضع إطار عام وواضح للنفوذ الإيراني، وليس إنهاءه أو إقصاء إيران بالكامل من المشهد، وأول هذه المحطات في شهر شباط/فبراير عام 2020 عقدت موسكو وطهران تفاهماً من أجل وضع إطار عام للتحرك في سوريا، يضمن التوافق على نقل غرفة العمليات المركزية للحرس الثوري الإيراني من مطار دمشق الدولي إلى كلية المدفعية في منطقة الراموسة غرب حلب، وعدم ممانعة روسيا للنشاط الإيراني على الأراضي السورية بشرط أن تحتفظ روسيا بقرار الحرب والسلم عليها.

ثم فتح روسيا للأجواء السورية أمام الضربات الإسرائيلية بين الحين والآخر، وذلك بهدف استخدام هذه الضربات كورقة ضغط روسية على إيران من أجل ضبط تحركاتها في سوريا وفق الرؤية الروسية، وإظهار نوع من التوازن بين اللاعبين الإقليميين.

كما تحدث في المحطة الثالثة عن المرونة الكبيرة التي منحتها روسيا للفيلق الخامس بقيادة أحمد العودة في الجنوب السوري، والتي تصل أحياناً إلى حد مهاجمة أذرع محلية سورية محسوبة على إيران، وذلك رغبة من روسيا في الحفاظ على «تكتل سني» يقف سداً في وجه التمدد الإيراني، كنوع من التطمينات لتل أبيب التي تتخوف من تعاظم النفوذ الإيراني في الجنوب، إلا أن تلك الصدامات تبقى حتى اليوم محصورة بين الفاعلين المحليين ولا تتطور إلى مواجهات بين القوات الإيرانية والروسية الرسمية، مما يتيح المجال لضبطها، خاصة وأن روسيا لم تسعَ لإخراج الميليشيات الإيرانية من الجنوب بشكل كامل، بل تعمل على ضبط نفوذها فقط.

الاختبار الحقيقي

وعلى الأرجح فإن الاختبار الحقيقي للتعاون الروسي – الإيراني في سوريا لم يأتِ بعد، والحديث هنا وفقاً للمتحدث يدور حول ترتيبات الحل السياسي النهائي، والاشتراطات التي تضعها الجهات الدولية المؤثرة مثل أمريكا وإسرائيل وبعض دول الخليج، والتي تتضمن مطالب بإخراج إيران من سوريا مقابل رفع العقوبات ودعم إعادة الإعمار، إذ أن مدى التجاوب الروسي مع هذه المطالب من عدمه ستكون له الكلمة الفصل في تحديد شكل العلاقة بين الطرفين.

ويمكن القول إن العلاقات بين الجانبين، وفقا لرأي المتحدث، قد تجاوزت منطقة الشرق الأوسط، وامتدت إلى مناطق تقع في صلب الأمن القومي للبلدين مثل منطقة بحر قزوين، وما يعرف بدول الطوق المحيطة بروسيا، مما دفع الدولتين للتأسيس لمشاريع اقتصادية مشتركة مهمة مثل إنشاء مجموعة من الخطوط البرية والبحرية والسكك الحديدية التي تعرف باسم «ممر الشمال / الجنوب» بالإضافة إلى وضع مشتركات للعمل في مجال الطاقة.

كما تتقاطع كل من موسكو وطهران في قضية مواجهة النفوذ الأمريكي والغربي المتنامي، وفي هذا السياق جاء الانحياز الروسي إلى النظام الإيراني في الاحتجاجات الشعبية الإيرانية المتكررة، حيث تعتقد موسكو أن أمريكا لها دور في هذه الاحتجاجات.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين − 6 =

زر الذهاب إلى الأعلى