حياة اللبنانيين بعد انفجار المرفأ.. صدمة وكوابيس وغضب
بدأت تظهر على الناس أعراض الصدمة جراء الانفجار، ومن بينها الكوابيس وومضات الذكريات المؤلمة والبكاء والقلق والغضب والإنهاك.

بعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع على الانفجار الهائل الذي أودى بحياة 181 شخصا في بيروت وحوّل أحياء بأكملها إلى خراب، لا تزال ساندرا أبي نادر تفزع لأقل صوت.
وتقول “منذ أيام قليلة، جرّبت فتح باب منزلي لكني شعرت بالخوف وصرخت. أحسست برغبة في الهروب”.
وتدرك ساندرا (18 عاما) حجم محنتها، لكنها غير مهتمة بطلب مساعدة من المتخصصين. وتقول بنبرة رصينة “اعتدنا التعامل مع مشاكلنا بأنفسنا”.
أسلوب ساندرا في التعاطي مع الأمر شائع في لبنان، البلد الذي أكسبته الحروب والصراعات الطائفية صلابة، ولا تزال الوصمة الاجتماعية فيه تهيمن على نظرة الناس إلى المشاكل النفسية.
لكن الانفجار عصف بلبنان في وقت حرج للغاية بعد أزمة اقتصادية طاحنة مستمرة منذ شهور زادت جائحة فايروس كورونا من شدتها.
ويحذر الأطباء الآن من وضع طارئ في الصحة النفسية على مستوى البلاد، حيث بدأت تظهر على الناس أعراض الصدمة جراء الانفجار، ومن بينها الكوابيس وومضات الذكريات المؤلمة والبكاء والقلق والغضب والإنهاك.
منظمة يونيسيف تقول إن أعراض الصدمة بدأت بالفعل تظهر على نصف الأطفال الذين عاينت حالاتهم في بيروت
ويقول الأطباء النفسيون إن العرض المستمر لصور الانفجار وتبعاته الدامية على التلفزيون اللبناني ووسائل التواصل الاجتماعي زاد من حدة المشكلة.
وقال جاد داعوق، وهو متطوع في جمعية (إيمبريس) غير الحكومية المعنية بالصحة النفسية ويتولى الرد على الهاتف في مركز للأزمات أقامته الجمعية “في كل مرة نقول إن الأمور لا يمكن أن تسوء أكثر في لبنان، لكن ذلك يحدث بطريقة أو بأخرى”. وأضاف “الكثير من الناس يشعرون باليأس حيال الوضع برمته هنا في لبنان”.
لقد كان الانفجار نقطة تحول. وتقول جمعية (إيمبريس)، التي عادة ما تستقبل ما يتراوح بين 150 و200 اتصال هاتفي في الشهر، إن عددا أكبر من الناس يتواصلون معها منذ انفجار المرفأ. وأرسلت الجمعية متطوعين للعمل بشكل مستمر في أحد الأحياء المتضررة وبدأت زيارات منزلية.
وتحرك الكثير من المتخصصين في الصحة النفسية في أعقاب الانفجار لتقديم خدماتهم ونشر نصائح على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن بعضهم يكافح هو نفسه لتجاوز الصدمة.
وقالت وردة بوضاهر الطبيبة النفسية “لم أسمع الأطباء النفسيين قط يقولون ‘لسنا مستعدين للحديث حاليا.. نحتاج إلى وقت للتعافي‘، لكن الصدمة أصابت الجميع… إنهم بحاجة لمداواة جروحهم قبل أن يتمكنوا من مساعدة الآخرين”.
وفي حين تصر ساندرا على أنها لم تذرف الدمع ولو مرة منذ الكارثة، لم تستطع إحدى قريباتها حبس دموعها وهي تروي ذكرياتها مع الانفجار الذي تسبب في إصابة ستة آلاف شخص وكان دويّه هائلا إلى درجة أن البعض سمعه في قبرص على بعد 160 كيلومترا.
وعندما وقع الانفجار، ركضت لورد فخري من المتجر الذي تعمل به إلى منزلها في حي الكرنتينا قرب المرفأ، وهو من أكثر المناطق تضررا، خشية أن تكون أسرتها قد راحت ضحية الانفجار.
نجا والدا لورد وأشقاؤها الستة، لكن شعور الفزع ظل يلازمها.
وبالنسبة لمن هم أكبر سنا في لبنان، أحيا الانفجار ذكريات الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى عام 1990 والحرب مع إسرائيل عام 2006 وغيرها.
وقالت علا خضر، وهي أخصائية في علم نفس الأطفال تبلغ من العمر 25 عاما، إن الكثيرين لم يعالجوا قط الصدمات التي تعرضوا لها ولا يعلمون كيف يمكنهم مساعدة أطفالهم.
وأضافت “الكثيرون يقولون لأبنائهم إن شيئا لم يحدث، إنها كانت لعبة”. وتابعت “يستحق الأطفال أن يعرفوا الحقيقة، ليس بأدق تفاصيلها، لكنهم يستحقون معرفة ماذا حدث بالضبط حتى يمروا بمرحلة الحزن اللازمة للتعافي ويستوعبوا الأمر كما ينبغي”.
ويقول الخبراء إن أعراض الصدمة تبدأ في الظهور بعد الحدث بعدة أسابيع مع خروج المرء من فترة “الكرب الشديد”. وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الجمعة الماضي، أن أعراض الصدمة بدأت بالفعل تظهر على نصف الأطفال الذين عاينت حالاتهم في بيروت.
وأوضح أب لبناني أنه عندما عاد ابنه البالغ من العمر أربع سنوات إلى المنزل لأول مرة بعد الانفجار، ابتكر لعبة أطلق عليها اسم “بريتند بوم” وفيها يتعرض بيت الألعاب لانفجار وعليه إنقاذ الأرانب من الزجاج المكسور.
وضرب انفجار 2750 طنا من نيترات الأمونيوم مرفأ بيروت مما أحدث دماراً هائلاً في المرفأ ومحيطه وفي عدد من شوارع العاصمة، كما تضررت العديد من المستشفيات في العاصمة وبات بعضها غير صالح للاستخدام.
وأسفر الانفجار عن سقوط أكثر من 180 قتيلا بينهم رعايا عرب وأجانب وعناصر من القوى الأمنية اللبنانية، وحوالي 6000 جريح بالإضافة إلى 30 مفقوداً.