كيف تم التوافق سريعا على مصطفى أديب لتشكيل الحكومة وهل هناك تنسيق إيراني سعودي لنجاحه؟

أثار التوافق المفاجئ على شخصية خارج قُرعة المرشحين السياسيين لهذا المنصب تساؤلات كثيرة، ولا سيما حول خلفية ترشيح أديب لتأليف "حكومة المهمة".

ميدل ايست نيوز: تتسارع الأحداث في لبنان مع وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، بعد أن كلّف رئيس الجمهورية ميشال عون الدبلوماسي اللبناني مصطفى أديب تشكيل حكومة جديدة، بتأييد 90 نائبا من أصل 128، لتخلف حكومة الرئيس حسان دياب التي استقالت بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الجاري.

ونتيجة الضغط الفرنسي على القادة السياسيين في بيروت، أثار التوافق المفاجئ على شخصية خارج قُرعة المرشحين السياسيين لهذا المنصب تساؤلات كثيرة، ولا سيما حول خلفية ترشيح أديب لتأليف “حكومة المهمة”، بعد تزكيته من قِبل نادي رؤساء الحكومات السابقين الأربعة، والتبني الفوري له من قوى متعددة في طليعتها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر.

هذا الترشيح عزز مخاوف بعض القوى في لبنان من أن تكون حكومة مصطفى أديب نسخة منقحة من حكومة حسان دياب، أو أن ترسّخ تجربة عدم ترشيح “شخصية سنية بارزة في الساحة السياسية”، بموازاة الطرح الفرنسي لضرورة الذهاب إلى “عقد جديد” في لبنان.

أبرز المواقف المعارضة جاءت على لسان وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، الذي اعتذر عن المشاركة “في احتفالات النصر الإلهي التي تجري في القصر الجمهوري والمسماة بالاستشارات الملزمة”، وفق تعبيره، وتوجه باللوم سائلا: “هل هذه هي التسوية التي يدعو إليها رؤساء الحكومات السابقين مع النبلاء المدنيين الجدد؟”.

كيف تبرر القوى السياسية ترشيح مصطفى أديب؟

يرى مصطفى علوش عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل -الذي يرأسه سعد الحريري- أن ما دفع رؤساء الحكومات السابقين لتزكية مصطفى أديب، كان النزول عند رغبة الشارع الذي يطالب بترشيح شخصية مستقلة، لذا “جرى استبعاد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن تولي المهمة، فجاء تبني أديب بناءً على نصيحة فرنسية، كي لا يفتح شهية الأحزاب الأخرى على الانخراط في الحكومة”.

ولدى سؤال علوش إن كانت الطائفة السنية في لبنان تدفع ثمن عدم تمثيلها الحقيقي في رئاسة الحكومة، يجيب الجزيرة نت أن “السنة يدفعون الثمن ليس في لبنان وحده، وإنما في سوريا والعراق واليمن، نتيجة غياب التغطية الدولية وعدم وجود قيادة إقليمية ومحلية ترعى وجودهم وتحسّن شروطهم في لبنان والعالم العربي، لذا يكونون الحلقة الأضعف عند كل تسوية”.

في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان -المقرب من حزب الله- أن ترشيح مصطفى أديب هو إنتاج فرنسي، وأن كلا من رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) كانوا ينتظرون الحريري لتبني اسم مرشحه، تجاوبا مع إصرار ماكرون على التوافق قبل وصوله إلى بيروت.

لكن، هل ستكون حكومة أديب مقدمة لـ”عقد جديد” ينسف اتفاق الطائف؟

من وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي جوني منير، ثمّة “تضخيم” لدور حكومة أديب، إذ يرى أن “عمر مهمتها أقل من سنة، محصورة في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من لبنان والتحضير لانتخابات نيابية ومعالجة تداعيات انفجار مرفأ بيروت”.

وقال للجزيرة نت: “العقد الجديد ليس مرتبطا بالداخل اللبناني فقط، وإنما يتعلق بالتسويات الخارجية والصراعات في العراق وسوريا، ويكون بتشارك جميع القوى الأساسية في البلد، ثم الذهاب إما لتحسين اتفاق الطائف، أو للبحث في الطرح الفرنسي الذي يدعو لاحترام التعددية، مما يعني اللامركزية (الفدرالية)، بينما الشيعة يدعون إلى المثالثة، وهذا نقاش (يحتاج) سنوات طويلة قبل بلورته”.

وفي وقت كان يتبنى فيه تيار المستقبل مهمة الدفاع عن اتفاق الطائف، يعتقد مصطفى علوش أنه بعد “أن صار هذا الاتفاق عرضة للتشكيك، أصبح البحث في الدستور أمرا ضروريا”. لكن أي اتفاق تأسيسي -وفق علوش- لا بد أن يكون بصيغة “عقد وطني جديد” يُبنى على إعادة رسم الحدود الجغرافية.

أما توفيق شومان فيبدي وجهة نظر مختلفة، ويرى أن انفتاح أمين عام حزب الله حسن نصرالله على المبادرة الفرنسية، جاء تناغما مع موقف الرئيس ميشال عون الذي دعا لبناء دولة مدنية في لبنان، ويفسرها انفتاحا على السير نحو عقد لبناني جديد. وقال شومان إن “التواصل الفرنسي الإيراني رمى ثقله الحقيقي على المواقف الداخلية اللبنانية، وتبلور في موقف حزب الله، لكن الأمر يحتاج إلى غطاء إقليمي لن يتوفر قبل تسوية إيرانية خليجية”.

ويكشف شومان للجزيرة نت معلوماته عن محاولة الفرنسيين مدّ جسر التواصل بين الرياض وطهران في الشأن اللبناني، تأسيسا لتوافق غير مباشر “يسهّل عملية دفع اللبنانيين نحو حوار وطني، عبر استضافة فرنسا لقوى لبنانية فاعلة من أجل الحوار، ومن ثم تعديل بعض المواد الدستورية بناءً على تطوير اتفاق الطائف، وقد يذهب الفرنسيون بالأمر إلى النقطة الأخيرة”. ويرى شومان أنّ ثمة تنسيقا فرنسيا أميركيا حيال لبنان، و”أكثر ما يهم الأميركيين حاليا هو مسألة ترسيم الحدود جنوبا مع إسرائيل”.

إذن، هل ستنجح حكومة أديب المقبلة بهذه المهمات؟

حتى لو كان هناك تسهيل داخلي للحكومة نتيجة الضغط الدولي، يرى جوني منير أنها قد تكون مقبلة على الاصطدام المباشر مع الشارع إذا عجزت عن تنفيذ البنود الإصلاحية، وفي طليعتها ملف الكهرباء. أما توفيق شومان، فيتوقع أن تواجه الحكومة معوقات كبيرة في طريقها نحو الإصلاح، ولا سيما في حال تصاعد الضغط الأميركي قبل الانتقال إلى مرحلة الحوار الوطني لإنتاج عقد سياسي جديد.

في المقابل، يذهب مصطفى علوش إلى أبعد من ذلك، معتبرا أن الرهان على أداء الحكومة يتبيّن من خلال بيانها الوزاري وأسماء وزرائها. وقال مذكرا “تبقى المحطة الأبرز التي يتجاهلها كثيرون: ملف التجديد لقوات اليونيفيل عند الحدود اللبنانية مع إسرائيل، وهي مرتبطة بالموقف الأميركي في لبنان، لأن ما تطالب به أميركا نيابة عن إسرائيل هو توسيع نطاق عمل اليونيفيل لتطويق الوجود المسلح لحزب الله في المناطق الحدودية حسب قرار 1701”.

وهذه المحطة إذا وافق عليها لبنان، فإنها تعني “أن حزب الله وإيران أصبحا جاهزين للتسوية مع أميركا، وهو ما قد تترجمه الحكومة المقبلة في أدائها”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى