التّغييرات في قيادة “الإخوان المسلمين” بعد اعتقال محمود عزت: الدلالات والتداعيات المحتملة
أعلنت الجماعة عن تَرتيبات تَنظيمية تفرّد فيها "إبراهيم منير" باعتباره مسؤولاً أوّل فيها، ما يُثير تَساؤلاً حَول أَبعاد هذه الخُطوة ومدى قُدرتها على تجاوز أزمات التنظيم.
ميدل ايست نيوز: جاء حدث القبض على محمود عزت، نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، في إحدى شقق حي التجمع بالقاهرة، في 28 أغسطس 2020، ليُعيد الجدل مجدداً حول مستقبل الجماعة وهيكلها القيادي. وعلى إثر ذلك، أعلنت الجماعة عن تَرتيبات تَنظيمية تفرّد فيها “إبراهيم منير” باعتباره مسؤولاً أوّل فيها، ما يُثير تَساؤلاً حَول أَبعاد هذه الخُطوة ومدى قُدرتها على تجاوز أزمات التنظيم، وانعكاساتها المحتملة على مستقبله.
ماذا يحدث داخل التنظيم؟
عقب اعتقال عزت، ظلت الجماعة لمدة ثلاثة أسابيع تقريباً دون قيادة بديلة مُحددة، في ظل تأكيدات مُتحدثها الرسمي أن “أعمال الجماعة تسير بصورة طبيعية ومؤسسية ولا تتأثر بغياب قائد من قادتها”[1]. ومع أن اللائحة الداخلية للجماعة تُنظم مثل هذه الحالة، بإشارتها إلى أنه “في حالة غياب المرشد العام خارج الجمهورية أو تعذُّر قيامه بمهامه لمرض أو لعذر طارئ، يقوم نائبه الأول مقامه في جميع اختصاصاته” (مادة 4)، و”في حالة حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد لمهامه يحل محله نائبه الأول ثم الأقدم فالأقدم من النواب ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد” (مادة 5)، وهو في هذه الحالة “إبراهيم منير”، إلا أن واقع التفاعل مع الحدث يشير إلى حصول “أزمة مكتوبة” وعدم رضا تجاه هذا الانتقال القيادي من قِبل الأمين العام للجماعة د. محمود حسين وداعميه، وهو ما عبَّرت عنه عدة شواهد أبرزها بيان الجماعة الرسمي الأول الصادر في 14 سبتمبر2020، والذي أعلن تصدُّر “منير ” القيادة وقيامه بأعمال المرشد دون الحديث عن تفاصيل.
وقد فتح ذلك باب التكهنات حول إمكانية استمرار محمود حسين في المشهد الجديد من عدمه، وهو أمرٌ حسمه البيان الثاني الصادر في 17 سبتمبر الجاري، والذي أشار إلى إلغاء مسمى الأمانة العامة وتشكيل لجنة معاونة لمنير تضم في عضويتها محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد “وآخرين” دون تحديد أسمائهم لدواعٍ أمنية، بحسب تصريحات طلعت فهمي المتحدث الرسمي للجماعة[2]، والذي حرص أيضاً على “التأكيد على غياب صراع بين جبهتي حسين ومنير رغم الاختلاف في الرأي، وأن هذا التأخير يأتي لحتمية تمرير القرار على القواعد قبل الإعلان الرسمي عنه”. مُضيفاً “أن القيادة الجديدة إرتأت لتوحيد الجهود وتقصيراً لآليات العمل، أنه لاداعي لوجود الأمانة العامة لوجود معظم أعضاء مكتب الإرشاد بالسجن؛ فكان القرار وجود لجنة أحد أعضائها حسين”، وإن كان استمراره يعود في الواقع إلى أنه آخر من تبقى حُراً من مكتب الإرشاد.
ورغم التَقليديّة التي وسمت عَملية الانتقال القيادي في الجماعة، والمُتَّسِقة مع لائحتها التنظيمية، إلاّ أن هذا الانتقال يحمل في ظل المشهد الحالي أهمية تتصل بالتوقيت والرمز المتصدر لقيادة الجماعة. فتولي شخصية مثل إبراهيم منير قيادة الجماعة في هذه المرحلة ينطوي على الآتي:
- يُعد هذا التصدُّر لشخصية مثل إبراهيم منير سابقة تنظيمية داخل الجماعة؛ بمعنى أن يجمع شخص بين قيادة تنظيم الداخل والخارج ويتولى هذه المهمة من خارج مصر؛ فهو نائب المرشد وأمين السّر العام للجماعة الذي يُمثل مَكتب اﻹرﺷﺎد اﻟﻌﺎم ﺗﻤﺜيلاً كاملاً في كافة اﻟﻤﻌﺎﻣﻼت، ولكنه مُقيم بلندن بوصفه مسؤولاً عن مكتب الجماعة في العاصمة البريطانية، والتي تمثل مقراً لقيادة مجلس الشورى العام للجماعة. كما أن ذلك المكتب يتحكم في الكثير من أنشطة الجماعة المُختلفة. ومع حَجم مَشروعاته الضّخمة يظل أداة التمويل الحاضرة دائماً في حال وجود أزمات، ومن هنا تكون له سيطرة على تَوجيه عُموم الجماعة، إضافة إلى “التّنسيق بين الإخوان في الأقطار المُختلفة”[3].
- يُمثِّل هذا الانتقال القيادي فُرصة لإعادة خَلخلة هَرم القِيادة المزدوج وتوحيدها بعد طول صراع لم يُحسَم عبر سنوات نظريّاً لصالح طرف، وإن كان الأمر عملياً قد بدت موازين القوى تكون لصالح جبهة عزت-منير.
التداعيات
يمثل تغيير قيادة التنظيم في الوقت الراهن حدثا يملك في مضمونه مفتاحين لإعادة ترسيم بعض ملامح المرحلة المقبلة من حياة التنظيم على المدى المنظور، والتي يتداخل فيها التنظيمي بالسياسي.
- فمن الناحية التنظيمية، تُعيد التّغييرات الداخلية وغياب أطراف الصراع المباشرة ترسيم واقع جديد في ظل هذه الاستثنائية التي تعيشها الجماعة عبر تصدير قيادة جديدة لديها هامش حرية في ظل عملها من خارج البلاد، ما ستدفع بالتّبعية نحو مَسار مُكمِّل للتّغييرات الفوقيّة ينطوي على تغييرات مرتقبة في الهيكل التّنظيمي الدّاخلي، ومَسار مَركزي ضيق يهدف إلى تسهيل تمرير وتنفيذ القرارات التي تفرضها المرحلة المقبلة، خاصة مع انتهاء الوجود العملي لمكتب الإرشاد بالداخل المصري بعد اعتقال “عزت”، وما يترتب عليه من اختلاف الإجراءات التّنظيمية التّقليدية وتجاوز ذلك الخلل الهيكلي. وهو ما يُتوقع أن لا يُواجَه بمُقاومة عَنيفة، لاسيما في ظل حسم “منير” الكثير من جوانب صراع القيادة في السنوات الماضية بدعمه جبهة عزت وتحكمه عملياً في إدارة التنظيم. فعلى الرغم من “وجود عزت قائماً بالأعمال بالداخل، فإن إدارة الجماعة عملياً كانت تتم من الخارج؛ فالبيانات يكتبها محمود الإبياري المدير الفعلي للتنظيم ويراجعها أو ينظر فيها منير وحسين، ومن حولهما”[4].
وثمة اعتقاد بأن وضع “منير” الحالي، بوصفه مسؤولاً أوحد عن الجَماعة في الداخل والخارج، يَجعله يَملك بعض القُدرة على رأب التصدُّع التنظيمي و”إيقاف إزدواجية القرار وتأخره الحادثة أحيانًا، فضلاً عن الانفصال بين القيادة والقواعد”[5] عبر رمزيته التنظيمية لجماعة الإخوان وقدرتها المالية، خاصة أنه لم يكن طرفاً مُباشراً في أزمة القيادة التي برزت في السّنوات الماضية على الرغم من دعمه لجبهة عزت لاحقاً، وهو ما يُعزز موقفه كرابط بين الجميع في ظل قدرة مكتب لندن المالية واتصالاته السياسية. كما أن عدم وجود نواب له وتفرده عملياً بالإدارة عبر لجنته “السّرية” المُستحدثة سيُعطيه قدرة تنفيذية مركزية تُسهِّل له إمكانية إحداث قفزات تنظيمية في حال أراد تمرير أو اتخاذ قرار؛ خاصةً أنه مَنْ ينفرد بتحديد مُدة اللجنة، وهو أيضاً من يختار أعضائها، وقد ترك الباب مفتوحاً لتقييم الأداء واستبدال الأعضاء لو احتاج الأمر لذلك، وإن أقرّ بأن مجلس شورى الجماعة هو المراقب العام لمختلف الإجراءات القائمة[6].
- ومن الناحية السياسية، تزيد تلك التّغييرات من فُرص الإدارة السياسية لحراك التنظيم في ظل تواري الثّقل التّنظيمي لداعمي “العمل النوعي” مع الانقسامات الداخلية بين مُخططي هذا المسار، وتبدُّل الولاءات، إضافة إلى الأزمة المالية والضغوط الدولية المستمرة، إلى جانب نجاح السياسات الأمنية المصرية عبر السنوات الماضية في تحجيم مسار العنف الذي تنتهجه الجماعة إلى حد كبير، ليحُول كل ذلك إجمالاً دون تَطوير مَسار العُنف بوصفه خياراً استراتيجياً لعَجزه عن تحقيق نتيجة ملموسة. خاصةً مع تأكيد “منير ” على أن “الاجراءات المتخذة مُرتبطة بما آلت إليه أوضاع مصر الدّاخلية؛ فلم يعد الأمر يَحتاج لانتظار”[7].
وعليه، فالمتوقع أن يتم العمل على تَعظيم المَسارات السّياسية عبر تَكثيف التّركيز على أي حِراك سِلمي مُضاد للنّظام السياسي في مصر ودَعمه، في ظل تأكيد الجماعة أنها “لن تعقد صفقة مهما كان الأمر مع النظام، وأن انتظارها وقوع أحداث ما تساعد في إسقاطه هو أمر طبيعي”[8] .
خلاصة
تظل حدود فاعلية التغييرات القيادية الأخيرة في جماعة الإخوان المسلمين، وما تنطوي عليه من فُرص ومخاطر، مُرتبطة بطبيعة التفاعل المُقابل لها من قبل قواعد الجماعة والسلطة المصرية والمجتمع الدولي:
- فموقف قواعد الجماعة يظل غير محدد المعالم بعد تجاه هذه التغييرات، حيث يتوزع على عدة اتجاهات منها المُرحب باختفاء محمود حسين من تصدُّر المشهد القيادي في ظل الأزمات المختلفة التي لحقت بالجماعة تحت إدارته. ومنهم من يُظهر لا مبالاته وعدم اهتمامه بما حصل، في ظل رُؤيته بأن ما يحدث يعكس صراعات بين الكبار لا دور للقواعد فيها، خاصة مع إستمرار تأزم أوضاع عموم الأعضاء في الداخل أو في الخارج وبقائها دون حلول. ومنهم من سيدعم هذا التوجه، حيث أن تمدُّد نفوذ مكتب لندن عملياً في السنوات الماضية على مقاليد سلطة الجماعة تم عبر خَلق دوائر ولاء من مُختلف الأجيال، بتسهيل تَحقيقها مَكاسب مَادية ومَعنويّة مُتعددة من مَناصبها الداخلية بالجماعة.
- وتفاعل السلطة المصرية مع قيادة الجماعة الجديدة، يظل أمراً غير متوقع في ظل صفرية الصِّراع بين الطرفين، والموقف الحكومي الرسمي المناهض تماماً لأي حضور سياسي أو اجتماعي للجماعة في ظل تورطها في ممارسات عنف عبر السنوات الماضية وانعدام أوراق الضغط السياسية بيدها، والتي قد تدفع السلطة المصرية للتفاوض.
- ويمثل الموقف الدولي عاملاً حاسماً في تقريرِ مدى فعالية القيادة الجديدة وحدود قدرتها على تحقيق مكاسب سياسية للتنظيم من عدمه، خاصة في ظل التوجه الدولي نحو اعتبار “الإخوان المسلمين” تنظيماً إرهابياً، وهو الأمر الذي تحرص قيادة التنظيم الحالية على منع توسعه عبر نَفي اعتمادها خِيار العُنف والتأكيد على انتهاج مسار العمل السياسي. وهكذا، فإن تصدير منير وترميزه كقيادة مركزية للجماعة سيكون عاملاً مُحفِّزاً على تكرار محاولاتها عدم حظر الاخوان بوصفها جماعة إرهابية في دول أخرى، قياساً بما حصل في بريطانيا.
الهوامش
[1] انظر تصريحات المتحدث الرسمي للجماعة، في: https://cutt.us/ksVz6