ما واقعية دعوة عون لإلغاء “طائفية” الحقائب السيادية؟
أثار اقتراح الرئيس اللبناني ميشال عون، إلغاء الحصص الطائفية بالوزارات السيادية في الحكومة اللبنانية، تساؤلات بشأن واقعية هذه الدعوة، وأسبابها.
وكان عون قال إن الثنائي الشيعي “حزب الله وحركة أمل” يتمسكان بحقيبة وزارة المالية، وأضاف: “كتلتا التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة تصران على التمسك بوزارة المالية وعلى تسمية الوزير وسائر وزراء الطائفة الشيعية الكريمة. ويسجّل لهما التمسك بالمبادرة الفرنسية”.
وأكد عون في تصريحات نشرها عبر حسابه بـ”تويتر” وجود أزمة في تشكيل الحكومة، محذرا أنه “مع تصلب المواقف لا يبدو حل في الأفق” ولجأ إلى استخدام تعبير قوي بالقول إنه إذا لم تحل الأزمة فنحن ذاهبون “إلى جهنم”.
صحف لبنانية علقت على مقترح عون، ووجهت انتقادات وقالت صحيفة النهار: “اذا كان رئيس الجمهورية اللبنانية لا يملك حين يختار مخاطبة مواطنيه، سوى دق جرس الإنذار من أننا رايحين على جهنم إذا لم تتشكل الحكومة الجديدة فلماذا اذن الاستغراب ان يعم الجمهورية سؤال واحد وهو لماذا اطل الرئيس ميشال عون على الناس ما دام على هذه السوية من العجز والارباك واليأس؟”.
وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها اليوم: “إذا كان رأس هرم الدولة، والمؤسسات الدستورية بلغ هذا القدر من العجز أمام تداعيات أزمة تأليف الحكومة الذي بدا ظاهراً وصادماً في مؤتمره الصحافي، فهل ترانا أصبحنا أمام استعادة أشد سوءاً وخطورة للازمات السياسية المفتوحة أم سنكون هذه المرة أمام ازمة حكم ونظام لا أحد يدري حدود مضاعفاتها وتفاعلاتها الخطيرة؟”.
وأشارت إلى أن دلالة بدت في بيان عون وهو أنه “بدا مدركا من الحرف الأول لبيانه أن أي مبادرة أو اقتراح حتى منه، لن يبدل حرفا في الأزمة التي رمى كل تبعاتها على فريقي رؤساء الحكومات السابقين، الداعمين للرئيس المكلف مصطفى أديب من جهة، والثنائي الشيعي من جهة أخرى، وبرأ صفحته وصفحة تياره ضمنا منها”.
من جانبها قالت صحيفة الأخبار المقربة من حزب الله، إنه: “لم تنجح مساعي رئيس الجمهورية بإحداث خرق ما في الجمود الحكومي. فثنائي حزب الله وحركة امل متمسك بمطالبه بالمشكلة، برأي الثنائي، لم تعد مجرد صراع على حقيبة المالية بل باتت معركة على الشراكة الوطنية وعلى وجهة الحكومة المقبلة، التي تريدها واشنطن، بواجهة رئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة”.
ووصفت الصحيفة ما يراد بأنه “حكومة انقلابية على نتائج الانتخابات النيابية، وعلى التمثيل الشعبي لفريق المقاومة. وهذا الانقلاب، يؤكد الثنائي، أنه لن يمرّ. وبسبب غياب أي تشاور محلي، وفي ظل إطفاء باريس محركات مبادرتها، أتى تحذير رئيس الجمهورية من الذهاب إلى جهنم”.
ولفتت إلى أن المبادرة الفرنسية وصلت إلى أفق مسدود، فخرج يوم أمس محاولاً إنعاشها من خلال اقتراح يدرك مسبقاً أنه ولد ميتاً. فقد عرض إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سُمّيت سيادية واضعاً اقتراحه هذا في إطار السير نحو الدولة المدنية.
طرح، كان من الممكن أن يكون موضع ترحيب من ثنائي حركة أمل وحزب الله، لو أنه لم يمس بجوهر مطلبهما الحصول على حقيبة المالية. الذي بات واضحاً أن ثمة تصعيداً أمريكيا مباشراً عبر العقوبات على الحزبين بدافع تضييق الحصار عليهما، وغير مباشر عبر رؤساء الحكومات السابقين، ولا سيما سعد الحريري وفؤاد السنيورة”.
لكن الصحيفة قالت “غير أن ذلك لا يضع حزب الله في مواجهة عون، وفق المصادر، ولا يتناقض مع وثيقة التفاهم. على العكس، يتفهم الحزب تمسك رئيس الجمهورية بهذه المبادرة انطلاقاً من أنه يراها الفرصة الأخيرة، فضلاً عن تفهّم حساسية الرئيس تجاه أي معركة يخوضها رئيس مجلس النواب نبيه بري”.
من جانبه قال الكاتب اللبناني نبيه البرجي: “هناك أزمة دولة في لبنان، وليست أزمة حكومة وهناك خلاف كبير وتناقض بين القوى حول المفاهيم الجوهرية للدولة الطائفية، أهي علمانية أم غير علمانية وبالنسبة لنا ندور في حلقة مفرغة.
وقال البرجي لـ”عربي21“، الكثير من الاجتهادات تطرح لما يجب أن يكون عليه الوضع في لبنان، وماكرون يتحدث عن حاجة لبنان لإعادة هيكلة كل المفاهيم السياسية للدولة برمتها، وعون وحلفاؤه وخصومه حتى، يتحدثون عن المناورة وعدم طائفية الحقائب، لكن الطبقة السياسية هي ذاتها التي كرست هذا الحال والطائفية.
وأضاف: “سابقا كان التيار الحر يتمسك بالطاقة والحريري بالمواصلات وبري بالمالية، ثم يخرجون للحديث عن توافق، والمعنى الصحيح له هو التواطؤ”.
وبشأن اقتراح عون، قال البرجي: “دستور الطائف نص على تشكيل هيئة سياسية لإلغاء الطائفية، وهو توجه استراتيجي في الدستور اللبناني من أجل مستقبل البلاد، لكن ما يجري منذ سنوات عودة للوراء وتكريس للمذهبية السياسية، وما صدر عن الرئيس دوران بحلقة مفرغة، صمت فيها خلال كل الحكومات السابقة وجاء ليعترض الآن”.
ورأى أن مقترح عون “ليس واقعيا، ويجب إجراء إصلاحات بنيوية في الدولة، في ظل تغير الديمغرافيا والمعطيات بلبنان والإقليم، على خلاف ما كان عند تأسيس البلاد، وحدوث انحسار ديمغرافي لدى العديد من الطوائف في البلاد”.
وتابع التيار الوطني الحر تمسك على مدى السنوات الماضية، بالحقائب السيادية دون شكوى، لكن وصلت تحذيرات إلى قيادات التيار الوطني الحر، بأنه ربما تفرض عقوبات أمريكية على رأس التيار جبران باسيل، بسبب تحالفه مع حزب الله وهذا يوضح سبب تبدل بعض المواقف.
من جانبه قال الكاتب قاسم قصير، إن الدعوات لإلغاء الطائفية في الحقائب الوزارية، يجب أن تشمل كافة الوزارات، وليس حقائب بعينها.
وأوضح قصير لـ”عربي21″، أن بعض الأطراف السياسية تحاول معالجة الأزمة، عبر الطلب بخصم وزارات بعض الجهات، لكن المطلوب أن نتحدث عن تغيير شامل بكامل الآلية، وليس الاجتزاء، لكن هذا الأمر سيفتح باب كبيرا للنقاش في لبنان على كافة الصعد.
وبشأن الاتهامات لحزب الله وحركة أمل، بالتشبث بحقيبة المالية، من أجل التحويلات المالية، قال قصير: “هذا غير صحيح، فالوزارة لا علاقة لها بهذا الشأن، وهذه مهمة الجمارك ومصرف بيروت وغيرها من القطاعات، لكن الفكرة هي أن المالية، تعد الاداة التنفيذية الوحيدة لشيعة لبنان، لضمان وجود فيتو بيدها بشأن قرارات الدولة”.
وأضاف: “كافة المراسيم بالدولة يجب أن يشملها توقيع وزارة المالية، ووجودها مع أمل وحزب الله ضمان لاشراكهم في القرار السياسي”.
وشدد الكاتب اللبناني، على أن استمرار الوضع السياسي في لبنان على هذا الحال، “سيدخل البلاد بسجال بين الوزارات التي يطالب بها المسلمون السنه والشيعة، وكذلك المسيحيون” مشددا على ضرورة إطلاق حوار حقيقي يفضي لحل يحمي لبنان من الانهيار، ويحفظ حقوق الجميع بالمشاركة في السلطة. في ظل أزمة حقيقية.
ولفت إلى أن عون استخدم تعبيرا “قاسيا”، حين تحدث عن “جهنم” مشيرا إلى أن البلد ربما تدخل أزمة خطيرة، على الصعيد الأمني والاقتصادي، في ظل الضغط الأمريكي المتواصل.