ما إمكانية توقيع معاهدات عسكرية بين إيران ودول مجلس التعاون؟
إيران لديها بعض التخوفات من تطور التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل لينتج عنه اتفاقيات أمنية وعسكرية بالقرب منها.
ميدل ايست نيوز: بین إيران وبين معظم دول العربية الأعضاء في مجلس التعاون توترات سياسية وأمنية واضحة للعيان، إلا أنها تظهر بشكل جلي أكثر من حين لآخر.
وبعد تطبيع الإمارات والبحرين لعلاقاتها الكاملة مع إسرائيل، يبدو أن إيران لديها بعض التخوفات من تطور هذا التطبيع لينتج عنه اتفاقيات أمنية وعسكرية بالقرب منها، وهو ما قد يدفعها لحسابات سياسية وأمنية وجيو – استراتيجية مختلفة.
دعوة إيرانية للاتفاق
وفي خطوة عالية السقف في العلاقات الإيرانية، بعد سنوات من التوتر وصلت إلى حد القطيعة مع بعض الدول، أعلنت طهران استعدادها لتوقيع معاهدات عسكرية وأمنية مع دول مجلس التعاون من أجل الاستقرار في المنطقة.
وقال وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي، في تصريح لقناة “الجزيرة” القطرية (19 أكتوبر 2020)، إن بلاده على استعداد لتوقيع معاهدات مع دول الخليج في الجانب العسكري والأمني.
الدعوة تأتي بعد أن ركبت الإمارات والبحرين في قطار التطبيع ووقعت اتفاقيات سلام شامل مع “إسرائيل”، وسمحت السعودية في إطاره للطائرات الإسرائيلية بالمرور في أجوائها.
وزير الدفاع الإيراني حذر في الوقت نفسه من أي تهديد إسرائيلي ينطلق من المنطقة، قائلاً إنه “سيواجه برد واضح ومباشر”.
واعتبر أن التطبيع الإماراتي والبحريني “يشكل تهديداً مباشراً لأمن المنطقة الخليجية”، مضيفاً أن بلاده “حريصة جداً على عدم إطلاق سباق تسلح يحول المنطقة إلى برميل بارود”.
ومنذ إعلان التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل” ثم البحرين، لم تكن إيران مرحبة بالخطوة بل على العكس نددت بها بشكل فوري.
وفي بدايات التطبيع اعتبر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، إنما هو “تحالف بين الجانبين ضد إيران”.
وفي 7 سبتمبر 2020، ردت إيران على الوزير الأمريكي محذرة الإمارات من المضي في توقيع اتفاق التطبيع، مؤكدة أنه لن يضمن لها الأمن، معتبرة أن أبوظبي ترتكب أخطاء استراتيجية بالتطبيع مع “إسرائيل”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إن “إسرائيل غير قادرة على ضمان أمنها ولن تستطيع ضمان أمن الإمارات.
وتابع زاده قائلاً: “أبلغنا دولة الإمارات بشفافية وعبر كافة القنوات الممكنة بأن طهران لا تساوم على أمنها القومي”.
واستمرت إيران بالاستنكار والتنديد؛ حيث ضاعفت ذلك مع دخول البحرين في الاتفاق، محذرة المنامة على لسان الحرس الثوري الإيراني من “انتقام قاسٍ”، وقالت إن المنامة وأبوظبي ستتحملان منذ الآن مسؤولية أي تحرك إسرائيلي يهدد أمن المنطقة الخليجية.
خشية إيرانية
وتخشى إيران بشكل كبير من اقتراب “إسرائيل” من حدودها الواسعة مع دول مجلس التعاون، وتواجدها بالقرب من أهم المنافذ البحرية في العالم والتي تسيطر عليه إيران عبر مضيق هرمز.
ورغم أن الإمارات طمأنت إيران على لسان وزير الشؤون الخارجية أنور قرقاش مؤكدة أن التطبيع ليس موجهاً ضد إيران إنما هو قرار سيادي ومستقبلي يعزز موقع الإمارات بالمنطقة.
كما أكّدت أبوظبي غير مرة أنه لا يوجد اتفاق أمني وعسكري مع “إسرائيل”، إلا أن الكثير من المؤشرات تشير إلى نية “تل أبيب” إنشاء قواعد عسكرية في المنطقة.
فيما أن التطبيع برمته يمثل نوعاً من الحماية الإسرائيلية للدول “المطبعة” في وجه إيران وهو ما تبرره وسائل الإعلام المساندة للتطبيع عادة.
والتقارب الإماراتي الإسرائيلي الواسع ليس وليد اللحظة أو الشهرين الماضيين فقط، إنما كان يجري الحديث عنه خلال العامين الماضيين.
وكشفت وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية نشرتها هيئة البث الإسرائيلية “مكان”، في (17 أغسطس 2020)، أن الاتفاق يمهد لتكثيف التعاون العسكري بين الجانبين في البحر الأحمر، كما أنه يجعل من الممكن تعزيز تحالف عسكري بين دول مجلس التعاون؛ ومنها الإمارات والسعودية والبحرين.
وفي سبتمبر الماضي، كشف المحلل والصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، عن “اتفاقية أمنية وقاعدة إسرائيلية عسكرية في مملكة البحرين”.
وكتب كوهين، المقرب من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، على “تويتر”: “ويلاً وتعساً لملالي إيران، درة ولؤلؤة الخليج في حصانة كاملة عن عبث الملالي منذ الآن”.
ويبدو أن مثل هذه التحركات هي ما تثير مخاوف إيران، وهو ما تحاول أن تتجنبه إما عبر الاتفاق أو عبر التحذير من خطورته.
هل تتقارب إيران مع دول مجلس التعاون أمنياً؟
وإن كانت إيران تكثر في السنوات الماضية من أنها مستعدة للجلوس على طاولة الحوار مع السعودية أو غيرها من دول الخليج، إلا أن الواقع المستمر في توتره يشي بأن أي اتفاق أمني معها غير وارد الحدوث.
وإن كان قد سبق للإمارات أن وقعت مع إيران في أغسطس 2019 مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بمجال أمن الحدود البحرية، منفردة دون السعودية الحليف الأبرز لها في الخليج.
كما أن الزيارات الرسمية بين مسؤولين كبار في الدولتين قد يفهم أن دعوة الاتفاق الأمني موجهة للإمارات أكثر من غيرها خاصة في ظل العلاقات الاقتصادية والتجارية والتي تعد من بين الأقوى لإيران مع دول خليجية.
المحلل السياسي مفيد مصطفى، يرى في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن دول مجلس التعاون باتت مقسومة إلى معسكرين، “الأول هو معسكر السعودية الإمارات البحرين، والمعسكر الثاني هو معسكر عمان الكويت قطر”، مشيراً إلى أن الشرخ قد تعمق بين هذين المحورين بعد الأزمة مع قطر.
وأوضح أن المعسكر الأول “يميل إلى التصعيد مع إيران، وجزء من هذا التصعيد كان نتيجته التطبيع مع إسرائيل، كما يخوض هذا المعسكر حرباً بالوكالة مع ايران في اليمن ولبنان والعراق، وهو أيضاً منخرط بحملة ترامب المناهضة لإيران”.
لذلك استبعد “مصطفى” تماماً، أن يوقع هذا المعسكر معاهدات أمنية مع طهران بل الأرجح أن هذه الدول ستتجه إلى مزيد من التصعيد مع إيران.
أما المعسكر الثاني فيعتقد أنه “أكثر توازناً”، لكنه بذات الوقت استبعد أن تدخل كل من الكويت وعُمان بحلف أمني إيراني، “خصوصا بظل تغير الحكام في كل البلدين”، فيما رأى أن قطر ربما الدولة الوحيدة المرجحة للدخول بالمعاهدة الأمنية الإيرانية، “خصوصاً بعد الحصار الذي تعرضت له”، إلا أن ذلك الاحتمال بنظره “ضئيل جداً خصوصاً إذا بقي ترامب لدورة ثانية بالبيت الأبيض”.
وفيما يتعلق بإيران، يقول مصطفى: “لا شك أن طهران تشعر بالخطر والتهديد في حال قدمت قوات إسرائيلية للمنطقة، وقد عبر عن ذلك اللواء علي فدوي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، الذي قال إن أي خطوة لفتح أبواب المنطقة للكيان الصهيوني ستجلب الهزيمة والمذلة للدول التي تتعاون مع إسرائيل”.
ويقول إنه “ليس معلوماً إلى الآن من هي الدول التي تسعى إيران لتوقيع معاهدة أمنية معها ولكن بالتأكيد هي لا تحاول إرضاء الدول المطبعة”، مضيفاً: “تريد إرسال رسالة مفادها أنها جزء رئيسي من أمن المنطقة وأنها لن تسمح أن يكون لإسرائيل موطئ قدم بهذه المنطقة”.