مسلسل طهران.. إيران في الدراما الإسرائيلية

مسلسل "طهران"، ليس عملاً درامياً يبتعد عن واقع حرب العقول المشتعلة بين إيران و"إسرائيل".

ميدل ايست نيوز: منذ مطلع هذا العام، وباغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، تصاعدت حدة التوتر بين طهران وتل أبيب. يظهر هذا التوتر الحاد في الخطاب السياسي الإسرائيلي، ووسائل الإعلام العبرية التي لا تكاد تخلو تقاريرها وبرامجها السياسية من تناول “الخطر الإيراني”. حتى أن “طهران” تحولت من مادة إخبارية سياسية إلى عمل درامي إسرائيلي، يُحاكي التطلعات الإسرائيلية بزراعة عميل موساد إسرائيلي في قلب العاصمة الإيرانية طهران واختراق المنظومة الأمنية الإيرانية.

يتألف مسلسل “طهران” من ثماني حلقات، من إنتاج شبكة التلفزيون الإسرائيلية العامة “كان”. وسبق المسلسل الذي عُرض بتاريخ 22 حزيران/ يونيو من هذا العام، موجة ضخمة من الإعلانات الترويجية له. كتبَ المسلسل “موشيه زوندر”، وهو كاتب الموسم الأول من مسلسل “فوضى”. ويُعدّ مسلسل “طهران” الأنجح في “إسرائيل”، إذ ذاع صيته في العالم خاصة بعد شراء “Apple TV” حلقات المسلسل مقابل مليون شيكل للحلقة، أي ما يعادل مليونين و317 ألف دولار للموسم الأول من المسلسل.

مسلسل “طهران”، ليس عملاً درامياً يبتعد عن واقع حرب العقول المشتعلة بين إيران و”إسرائيل“. فهو يأتي في سياق حرب، يسعى كلا الطرفان فيها إلى شن هجوم سيبراني على الآخر لاختراقه أمنياً ومعلوماتياً، فقبل أشهر تعرضت شبكة ميناء بندر عباس الإيراني لمحاولة اختراق إسرائيلية، لحقتها محاولة إيرانية لاختراق شبكة المياه الإسرائيلية. وجاء مسلسل “طهران” ليأخذ المشاهد الإسرائيلي إلى عاصمة “ألد الأعداء”، ليقدم لمحة عن هذه الحرب التي يقودها الموساد ضد الجهاز الاستخباراتي في الحرس الثوري الإيراني.

تقوم الحبكة الدرامية في المسلسل على الإثارة والتشويق منذ الحلقة الأولى. ففي المسلسل، يقرر الموساد إرسال الجاسوسة “تمار”، وهي إسرائيلية من أصول إيرانية، لإنجاز مهمة في طهران، تستهدف اختراق الرادارات وتعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية لتشن الطائرات الإسرائيلية هجوماً على المفاعل النووي الإيراني. ويرسل الموساد عمليته تمار عبر الخطوط الجوية الأردنية في رحلة تقلع من عمان إلى الهند، ولكن بسبب عطل مدبر في الطائرة تهبط هبوطاً اضطرارياً في طهران، لتنجح تمار بالدخول إلى الأراضي الإيرانية.

تدخل تمار شركة الكهرباء الوطنية الإيرانية بعد انتحال شخصية موظفة تعمل في الشركة، وأثناء قيامها بالمهمة تتعرض للتحرش ومحاولة اغتصاب من قبل مدير الشركة، فتقوم تمار بقتله، لتفشل في إنجاز مهمتها التي من المفترض أن تنجزها خلال 24 ساعة. تُثار الشكوك حول تمار لتتعرض للملاحقة من قبل “كمالي” المسؤول الأمني في الحرس الثوري. تجد تمار نفسها مطاردة على أراضي العدو، فتلجأ إلى خالتها التي اعتنقت الإسلام لتبدأ باكتشاف جذورها الإيرانية. ويساعد تمار “ميلاد” شاب إيراني مناهض للنظام، وتبدأ العلاقة بينهما بالتطور ليدخلا في علاقة عاطفية، وينتهي المسلسل بنهاية مفتوحة دون نجاح المهمة. ليُرجح إصدار مواسم أخرى من المسلسل.

سعى مسلسل “طهران” إلى الفصل بين إيران الدولة وإيران الشعب، وتقديمه جانبين منفصلين عن بعضهما البعض. فإيران الدولة مليئة بصور المرشد الأعلى آية الله خامنائي، لتكريس صورة هيمنة النظام وسيطرته ودكتاتوريته، ولتنبيه المشاهد بأن كل أسباب عداء “إسرائيل” لإيران إنما تعود للنظام القائم. وتُصوَّر إيران على أنها دولة مهووسة أمنياً، تنتشر في شوارعها كاميرات المراقبة وتقوم الجهات الأمنية بتتبع المعارضين، ما يجعل من القيام بأي تظاهرة دون تعطيل الكاميرات أمراً مستحيلاً.

أما إيران الشعب، فقد قدم المسلسل المجتمع الإيراني بصورة نمطية زائفة. فلم يغفل المسلسل لفت المشاهد إلى صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الشعب الإيراني. برز ذلك من خلال سائق للتكسي يشكو صعوبة الأوضاع الاقتصادية بسبب تحويل كل الأموال إلى المشروع النووي الإيراني، دون الإشارة بتاتاً إلى العقوبات المفروضة على إيران. وبالرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية فإن زوجة “كمالي”، المسؤول الأمني في الحرس الثوري، قادرة على اقتناء المجوهرات وتلقي العلاج في باريس، في إشارة إلى أن الأوضاع الاقتصادية السيئة لا تطال مسؤولي الحرس الثوري.

يسلط المسلسل الضوء على حياة الشباب المناهضين للنظام الإيراني، فهم محبون للحياة ويرفضون القاعدة الدينية المحافظة ويميلون للثقافة الغربية. يقود الشباب مظاهرات مناهضة للنظام ورافضة للحجاب، ويلبسون “الجينز”، ويقيمون حفلات جاز ورقص صاخبة يتخللها شرب الكحول وتعاطي المخدرات وعلاقات مثلية. أما الأشخاص الموالون للنظام فيَظهرون قساة، يلبسون اللون الأسود، ويعملون عادة لدى السلطات الإيرانية.

ولم ينسَ المسلسل المرأة الإيرانية، وتصورها فاقدة لأي دور في المجتمع الإيراني، فلا تتقلد المناصب العليا في الدولة، فضلاً عن أنها عرضة للتحرش والاغتصاب في أماكن العمل. في حين أن المرأة الإسرائيلية تظهر على أنها أكثر ذكاءً وشجاعة وكفاءة، وهي جزء من إدارة حرب العقول ضد العدو.

تركز الدراما الإسرائيلية في تقديم عملاء الموساد بصورة مثيرة للإعجاب لدى المشاهد. فتمار امرأة ذكية متميزة تجيد البرمجة واختراق الحواسيب ويغلب عليها النزعة الإنسانية. كما يُبرز المسلسل دور وحدة السايبر 8200، وقاعدة المعلومات التي يمتلكها حول القادة الإيرانيين، والقدرة الفائقة على جمع المعلومات من خلال عملاء الموساد المنتشرين في كل العالم. إلا أن المسلسل لم يهمل كفاءة الجهاز الأمني الإيراني وقدراته في كشف الاختراقات وامتلاكه قاعدة معلوماتية قوية تقوده للمشتبه بهم.

يُبهر مسلسل “طهران” المشاهد بالأجواء الإيرانية؛ فالشوارع، اللباس، الوجوه، واللغة الفارسية المستخدمة أكثر من العبرية، نجحت في اختراق الثقافة الإيرانية. “نتحدث بالفارسي أكثر من العبرية في مسلسل طهران لذا يروق لي أن أصف المسلسل على أنه إسرائيلي-إيراني”، هذا ما قاله كاتب المسلسل موشيه زوندر الذي اعتبر المسلسل أنه “إنتاج ثقافي مشترك”.

صُوّر المسلسل في مدينة أثينا اليونانية التي تحاكي طبيعتها مدينة طهران، وساهم أكاديميين ومتخصصين في الشأن الإيراني وعاملون في استخبارات الجيش الإسرائيلي متخصصين في الملف الإيراني، لرسم صورة أكثر دقة عن إيران. وخضعت بطلة المسلسل نيف سلطان، من أصول مغربية، لدراسة مكثفة للغة الفارسية لمدة أربعة شهور. كما شارك في المسلسل ممثلان مولودان في إيران هما نويد نغبان وشون توب. واللافت مشاركة الممثل الإيراني “شربين اللنبي”، وهو مقيم في لندن منذ عام 2007. يلعب اللنبي في المسلسل دور ميلاد، الشاب العلماني والهاكر والمعارض للنظام. ونشرت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية مقابلة أجرتها مع اللنبي، وسألته ما إذا كان المسلسل يقدم صورة إيجابية عن إيران، فأجاب أن “إيران بلد غامض للغاية وبالنسبة للإسرائيليين، والأمر نفسه ينطبق على العكس، وكأن سحابة من الغموض تفصل بين البلدين وتعمل كلا الاتجاهين. نحن أصدقاء ولسنا أعداء”.

حقق مسلسل “طهران” نجاحاً مدوياً، ولكنه لم يسلم من الانتقادات، فكتب بيري كنوري في جريدة “هآرتس” العبرية مقالاً حول المسلسل وصفه بأنه “خادع وزائف ولا يستحق كل هذه الضجة”. ويرى كنوري أن “مسلس طهران خلق توقعات كبيرة حتى قبل بثه بدقيقة واحدة، وعززت أول حلقتين هذا الحماس ، ولكن منذ الحلقة الثالثة بدأت تظهر نقاط الضعف والعيوب في العمل”. واعتبر كنوري أن المسلسل مبتذل ومتمحور حول التفوق العرقي فكتب، “حبكة طهران ممتعة لكنها مليئة بالصور النمطية، وتحفظ التفوق الإسرائيلي البطل على الهمجي الإيراني الأجنبي”. ويرى كنوري المسلسل بأنه “سلسلة من الهيجان والركض من مكان لآخر وهو ما حافظ على توتر المشاهد وتشويقه، لكن المسلسل نفسه لم يفعل شيئاً أكثر من ذلك”.

تشكل “طهران” هوس حقيقي لدى إسرائيل، واهتمام واضح بالمجتمع الإيراني والتطلع إلى اختراقه. والخطورة تكمن في نجاح المسلسل، وصعوده إلى العالمية، وهو ما يرسخ الصورة النمطية التي ترسمها إسرائيل عن إيران. فالدراما أحد أدوات الحرب الناعمة التي تتقن إسرائيل استخدامها لفرض رؤيتها وطمس الحقائق وتزييف الوعي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخندق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 − اثنا عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى