هل سترجع إيران إلى أسواق النفط بحوالي 3.8 ملايين برميل يومياً؟

إن فوز جو بايدن سيعني بداية جديدة للمنطقة، وسيسفر عن تغيرات على المستوى السياسي. إلا أن التغيير الأهم يبدو أنه سيكون في أسواق النفط.

ميدل ايست نيوز: منذ انطلاق الانتفاضات الثورية في الشرق الأوسط، أو ما يعرف بالربيع العربي، والمنطقة تشهد سيولة وانسيابية وتغيراً في موازين القوى، وتراجعاً لدور الولايات المتحدة وعودة الدور الروسي من خلال البوابة السورية.
تعمق تراجع دور الولايات المتحدة تحت حكم ترامب أكثر مما نتج منه صعود قوى إقليمية أخرى، مثل تركيا وإيران، إلى جانب توحش الأنظمة القمعية. لذا فإن فوز جو بايدن سيعني بداية جديدة للمنطقة، وسيسفر عن تغيرات على المستوى السياسي. إلا أن التغيير الأهم يبدو أنه سيكون في أسواق النفط.
مما لا شك فيه أن أبرز اختبار ستواجهه العلاقات الأميركية – الخليجية في عهد بايدن، هو إعادة إبرام الاتفاق النووي الإيراني (عام 2015) ،بما يعني ذلك السماح للبنوك والشركات الأميركية أن تتعامل مع إيران، ووضع برنامج التسلح النووي الإيراني تحت الرقابة الدولية إلا أن الأهم هو أن تعيد إيران لعب دور فعال في أسواق النفط العالمية وصولاً الى تصدير ما يصل إلى مليوني برميل يومياً.

التوقيت ليس مناسباً لأسواق النفط أصلاً 

 
أسعار النفط العالمية تواصل تكبدها الخسائر وتتجه صوب ثاني انخفاض شهري بفعل تنامي المخاوف من أن ارتفاع الإصابات “بكوفيد – 19” في أوروبا والولايات المتحدة قد يلحق الضرر باستهلاك الوقود. وكشف استطلاع للرأي أجرته “رويترز”، أن أسعار النفط ستحوم في نطاق بين 40 و45 دولاراً للبرميل لبقية العام، فيما يتوقع المحللون طريقاً وعرة للتعافي في 2021 مع تسبب تسارع تفشي فيروس كورونا في تأجيج المخاوف بشأن الطلب من جديد. إلا أن عرضاً إيرانياً جديداً في الأسواق سيلحق المزيد من الضرر بالأسعار.
وكانت واشنطن قد شددت العقوبات الاقتصادية على طهران، عقب انسحابها من الاتفاق النووي في ايار (مايو) العام الماضي، وهي تحاول خنق اقتصادها بإيصال صادراتها النفطية إلى مستوى الصفر، من أجل ما تصفه واشنطن بـ”دفع إيران لتقديم تنازلات أكثر من التي قدمتها بموجب اتفاقها النووي عام 2015″.
الأسواق النفطية تأثرت بخروج إيران، أما صادرات إيران من النفط الخام فهبطت إلى نحو 100 ألف برميل يومياً في تموز (يوليو) الماضي، بفعل العقوبات الاقتصادية الأميركية، وتصاعد التوتر مع الغرب في منطقة الخليج. وبحسب “رويترز”، فقد صدرت إيران نحو 100 ألف برميل يومياً من الخام في تموز (يوليو)، بينما أظهرت بيانات من “رفينيتيف ايكون” أن شحنات النفط الإيراني بلغت 120 ألف برميل يومياً، إذا جرى حساب المكثفات، وهي نوع من الخام الخفيف.
وبديهي التأكيد أن هبوط الصادرات من إيران، عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، يؤثر في أي اتفاق عالمي لخفض إنتاج النفط بقيادة المنظمة. لكن أسعار النفط هبطت في 2019 تحت ضغط المخاوف من تباطؤ النمو العالمي والطلب. وتهاوي الطلب وأسعار النفط هذا العام بفعل تخمة معروض حلت بالسوق قبيل تفشي جائحة “كوفيد-19” في أنحاء العالم، إلا أنها بفضل تخفيضات الإنتاج أصبحت فوق الـ40 دولاراً للبرميل منذ فترة طويلة.

ما هي انعكاسات عودة إيران إلى السوق وإبرام اتفاق جديد مع إدارة بايدن؟

 
لقد أعلنت إيران أنها أنهت عمليات حفر 41 بئراً نفطية وغازية، في البحر والبر، خلال الأشهر الأربعة الماضية، رغم العقوبات الأميركية المشددة على قطاعها النفطي. وقال المدير المساعد للشركة الوطنية الإيرانية للحفر محمد آل خميس، إن حجم الآبار المحفورة بلغ 50 ألفاً و929 متراً، من دون أن يحدد مكانها. ومن المحتمل أن يحصل على دعم أكبر من الحلفاء الأوروبيين الذين أمضوا السنوات القليلة الماضية في محاولة يائسة لإبطاء زخم ترامب على المسرح العالمي.
وبخلاف عمليات الارتداد من مستويات منخفضة، ارتفعت أسعار النفط العالمية، بسبب توقع فرص أكبر لفوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، بالإضافة إلى تزايد احتمالات قيام تحالف “أوبك” بتأجيل زيادة الإنتاج المقررة مطلع العام المقبل.

في بيانات أولية أعلن معهد البترول الأميركي انخفاض المخزونات التجارية فى البلاد بحوالي 0.9 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 30 تشرين الأول (أكتوبر)، في أول انخفاض أسبوعي في غضون الثلاثة أسابيع الأخيرة، على خلاف توقعات الخبراء ارتفاع بنحو 0.9 مليون برميل. وبحسب تلك البيانات انخفض إجمالي المخزونات التجارية فى الولايات المتحدة إلى حوالي 489 مليون برميل والذي يعد أدنى مستوى منذ الأسبوع المنتهي في 10 نيسان (أبريل) الماضي، في علامة إيجابية على تسارع مستويات السحب في أكبر مستهلك للنفط في العالم.

مسألة الطلب العالمي 

خلال الأسبوع الماضي، قام مصرف جي بي مورغن JP MORGAN بخفض توقعاته، متوقعاً أن يصل الطلب العالمي لشهر  تشرين الثاني (نوفمبر) الى 890 الف برميل في اليوم والطلب العالمي لشهر كانون الأول (ديسمبر) الى 1.08 مليون برميل في اليوم، مما يخفض متوسط الربع الرابع من 20 إلى 6.39 ملايين برميل في اليوم ،اي حوالي 6.4 مليون برميل على أساس سنوي.

هل يمكن الأسواق أن تستوعب الطلب الأيراني؟

أسواق النفط العالمية تدخل الشتاء بـ 480 مليوناً من مخزون الخام مع الأشارة الى أن سعة التخزين المتراكمة وصلت الى 81 في المئة. أما العرض العالمي فيقارب 10 ملايين برميل في اليوم وهو معدل بلغ ذروته في الربع الأول من عام 2020، مع توقعات أن يستمر ذلك الطلب والانتعاش بوتيرة أسرع بكثير من المتوقع بموازاة عودة الإنتاج الليبي الى أسواق النفط العالمية ومن المرجح أن يجد السوق نفسه مرة أخرى في الفائض في منتصف 2021، مما يجعل إجمالي مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أقل من متوسطاتها لخمس سنوات في أيلول (سبتمبر) 2021.
مع فوز بايدن، فإن بنوك وول ستريت بما في ذلك Goldman Sachs Group Inc. و JPMorgan Chase & Co. و RBC Capital Markets LLC تتوقع مليون برميل يومياً أو أكثر من النفط الخام الإيراني يصل إلى السوق. وتظهر البيانات التي جمعتها بلومبرغ أن إيران لديها القدرة على ضخ حوالي 3.8 مليون برميل يومياً وهي تنتج فقط حوالي نصف هذه الكمية وتستهلك معظم النفط الخام نفسه. إن وصول النفط الإيراني إلى السوق سيولد مشكلة حقيقية لـ”أوبك”.

معضلة أوبك

اتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها مثل روسيا في نيسان (أبريل) الماضي على حجب 9.7 ملايين برميل يومياً أو نحو 10 في المئة من الإمدادات العالمية عن السوق. خفف التحالف تلك التخفيضات في أب (أغسطس)، لكنه يعيد تقييم خطته لمزيد من التدرج في كانون الثاني (يناير) 2021، في ضوء تجدد عمليات الإغلاق الوبائي في أوروبا وأماكن أخرى، بالإضافة إلى الانتعاش المفاجئ في الإنتاج في ليبيا مع استمرار الهدنة في الدولة التي مزقتها الحرب.

تسبب عامان من الانخفاض المنتظم في أسعار النفط ببروز أزمة بالنسبة لـ”أوبك” (منظّمة الدول المصدرة للبترول) أيضاً إذ حاول الوزراء البحث عن إطار عمل جديد للسياسات من شأنه أن يؤدّي إلى أسواق قوية. ومن المتوقع أن يحلّ تغيير في السياسة يهدف إلى زيادة عائدات النفط محلّ استراتيجية حصة السوق المعمول بها منذ أواخر عام 2014. هذا وأفاد خبراء “أوبك” في المؤتمر أن الانهيار الكارثي في عائدات النفط سيؤدّي إلى درجة أكبر بكثير من التعاون والتسويات بين الأعضاء في اجتماع 30 تشرين الثاني(نوفمبر) في فيينا مقارنة مع ما ظهر في السنوات القليلة الماضية.

ومع ذلك، سادت أيضاً شكوك بشأن قدرة “أوبك” على تخطّي مطالب الأعضاء التي لا تُعد ولا تُحصى للتوصل إلى اتفاق جدير بالثقة واُثيرت أيضاً المخاوف بشأن التقيّد بالاتفاق إذا تم التوصل إليه. وفي حال لم تنجح “أوبك” في تطبيق الاتفاق قد تنخفض أسعار النفط إلى أقل من 40 دولاراً للبرميل وسيطرح ذلك من جديد مسألة أهمية المنظمة وجدواها.

في الخلاصة يمكن أن تؤدي إعادة إيران الى السوق إلى تدمير اتفاقية تخفيضات “أوبك” وتتسبب في تراجع الأسعار. ومع ذلك، فإن عودة إيران السريعة إلى السوق، ولو فاز بايدن، ليس بالأمر المؤكد. قد تضطر صفقة للسماح للدولة الخليجية ببيع المزيد من النفط إلى الانتظار حتى الانتخابات الرئاسية في حزيرن (يونيو) المقبل. إذا وصلت حكومة أكثر تحفظاً إلى السلطة، كما يتوقع العديد من المحللين، فقد تقود طهران صفقة أكثر صعوبة مع الولايات المتحدة قبل الموافقة على استئناف المفاوضات بشأن برنامجها النووي. وقد يؤجل ذلك توقيت أي رفع للعقوبات.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى