السعودية تقود حراكاً عربياً لإعادة تأهيل النظام السوري وفك عزلة الأسد
ما يثير الشكوك، حول هدف هذا الحلف المؤقت الذي فرضته المصالح، بقيادة المملكة العربية السعودية، هو توقيته بالنسبة.
ميدل ايست نيوز: في أول لقاء عربي من نوعه، جمع بين أربع دول تتقاطع مصالحها في المرحلة الراهنة، حول إعادة تأهيل النظام السوري، ومواجهة ما يوصف بأنه «تدخل تركي» في الشأن السوري، استضافت القاهرة في 26 من نوفمبر تشرين الثاني/ اجتماعاً رباعياً جمع مسؤولين من وزارات الخارجية لكل من مصر والسعودية والإمارات والأردن لمناقشة الملف السوري.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية بعد اللقاء، في بيان رسمي، أن الاجتماع ركز على بحث طرق تسوية «الأزمة السورية» وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254. حيث توافقت الدول الأربع على مبدأ رفض الدور التركي في سوريا، في حين أن بعضها يبدي مرونة تجاه النظام السوري، حيث أعادت الإمارات نهاية عام 2018 افتتاح سفارتها في العاصمة دمشق، فيما تجري مصر تنسيقاً وتواصلاً أمنياً مع استخبارات النظام السوري، دون إغفال جهودها المكثفة منذ عام 2018، من أجل استعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية، دون تحقيق أي جدوى بسبب الموقف الصارم الذي كانت تتبناه الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب حول فك عزلة النظام السوري.
حلف مؤقت
وفي محاولة سعودية، لمعاودة تحريك النشاط السياسي، بعد حياد وصمت دبلوماسي، بهدف مشاطرة، أو سحب البساط من تحت الفاعل التركي الرئيسي، الداعم للمعارضة السورية، استضافت العاصمة السعودية الرياض مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، حيث ناقش مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، العملية السياسية، وكتب بيدرسون على موقع «تويتر» أنه تبادل مع الوزير السعودي «الآراء حول الوضع على الاتجاه السياسي وآفاق التقدم بالعملية السياسية في سوريا» وأضاف: «نواصل بحث مدى تقدمنا نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وسبل المضي قدماً بذلك».
وما يثير الشكوك، حول هدف هذا الحلف المؤقت الذي فرضته المصالح، بقيادة المملكة العربية السعودية، هو توقيته بالنسبة لانعقاد الجولتين الرابعة والخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في العاصمة السويسرية، جنيف، إذ تقرر انطلاق أعمال الجولة الرابعة الاثنين 30 نوفمبر /تشرين الثاني حتى 4 ديسمبر /كانون الأول، على أن تليها الجولة الخامسة في يناير/ كانون الثاني من عام 2021، حيث أعلنت الأمم المتحدة رسمياً، والمكتب الإعلامي للجنة الدستورية، الدعوة لاجتماع أعضاء الهيئة المصغرة للجنة، 15 عضواً من كل فريق، يوم الاثنين، في مقر الأمم المتحدة، لمدة أسبوع، وستناقش الهيئة المصغرة خلال هذه الجلسات جدول أعمال الدورة الثالثة، حول الأسس والمبادئ الوطنية. وتناقش الجلسة الخامسة، المبادئ الدستورية «الأساسية للدستور السوري».
الخبير السياسي والاستراتيجي، د. فايز الدويري، من الأردن عبر عن أسفه لمشاركة الدول الأربع في اجتماع لبحث ملف هي أصلاً غير فاعلة فيه. وقال الدويري لـ»القدس العربي» «للأسف الدول التي اشتركت في ذلك اللقاء، جميعها ليست فاعلة بصورة كبيرة في الملف السوري، فاللاعبون الرئيسون هم روسيا وتركيا وايران وأمريكا من المقعد الخلفي». وحول قدرة الدول الأربع، التي تقاربت تحت حكم ظروف الواقع رغم ما بينها من تناقضات سياسية، في إحراز تقدم ملموس في التسوية السورية، قال الدويري «لا أتوقع أنهم يستطيعون أن يقدموا حلاً ناضجاً في الملف السوري، بمعزل عن الدور التركي أو الروسي أو الإيراني أو الأمريكي».
لا يقدم ولا يؤخر
وأجاب الدويري، عن دعم بعض هذه الدول، النظام السوري، وافتتاح أو تفعيل السفارة في العاصمة دمشق، حيث قال الخبير الاستراتيجي «ذلك لا يقدم ولا يؤخر، فهذه أجندة لمواجهة تركيا فقط، وليس لحل الأزمة السورية، لو أرادت هذه الدول الأربعة حل الازمة لاستطاعت فعل ذلك وتمكنت من حلها من عام 2012 و2013».
وأبدى د.فايز الدويري، اعتقاده أن هذا الاجتماع ليس أكثر من تحالف هذه الدول لمواجهة ما يقال لأنه التدخل التركي، في الشأن السوري، علما أن تركيا عندما تدخلت، كان ذلك وفق رؤية واضحة محددة، ونفذت أربع عمليات عسكرية بدءا من درع الفرات مرورا بغصن الزيتون ونبع السلام وليس انتهاء بدخول ادلب» وتساءل «أين كانت هذه الدول وما هي الاجراءات التي اتخذت لمواجهة تركيا إن كانوا جادين في ذلك».
وأكد الخبير أن هدف الدول الأربع المجتمعة تقاطعت عند «إعادة تأهيل النظام السوري» معتبراً أن الاجتماع لا يعدو كونه «تصريحات إعلامية لن تقدم ولن تؤخر، ولن يستطيعوا أن يغيروا أي شيء في الواقع السوري، ما لم يتم التوافق مع تركيا وروسيا بصورة رئيسية، وإيران بصورة جزئية، وكل ذلك تحت المظلة الأمريكية».
سورياً، اعتبر الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي أن هذه الدول لا يمكن لها أن تبني سياسات مستقلة في الملف السوري، معتبراً ان الاجتماع عقد بهدف بحث سبل فك العزلة عن النظام السوري.
وقال الباحث السياسي، للقدس العربي، إن سياسات الدول الأربع التي اجتمعت محكومة بمقررات المجموعة المصغرة حول سوريا، والتي أكدت مجدداً في بيانها الأخير الصادر في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ضرورة أن تكون العملية السياسية مطابقة لما جاء في قرار مجلس الأمن 2254 (2015) بما يشمل عودة آمنة للاجئين وإجراء انتخابات ضمن بيئة آمنة ومحايدة، وبالتالي، لا يُمكن لهذه الدول تبني سياسات مستقلة، بل العمل على هامش سياسات المجموعة المصغرة التي تشارك فيها السعودية والأردن ومصر.
تراجع سعودي
ورجح عاصي أن يكون الاجتماع قد ناقش فك العزلة عن النظام السوري لا سيما مع قرب انتقال السلطة في الولايات المتحدة إلى إدارة الرئيس جو بايدن. وأضاف «في حال أولت إدارة بايدن مزيداً من الاهتمام بالدبلوماسية وأدواتها في قضايا المنطقة بما فيها سوريا، فقد يشجع الدول العربية على توسيع هامش التحرك بما يُتيح إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية». وفي الرؤية المصرية، قال الباحث السياسي محمد عبادي من القاهرة، إن الدولة العربية تتطلع للدفع بحل يتوافق مع المخرجات الأممية فيما يخص الأزمة السوريّة، لاسيما بعد تعمق الدور التركي والإيراني في الأزمة السوريّة.
وقال عبادي لـ»القدس العربي»»عاودت الرؤية العربية تموضعها بقيادة المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات نظراً لحدوث عدد من المتغيرات أبرزها هزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات ووصول إدارة بايدن الديمقراطية. والمتغير الثاني يتمثل في تعمق الدورين التركي والإيراني في الأزمة السوريّة سواء على مستوى احتلال الأراضي وتواجد الميليشيات أو مستوى الحل السياسي.
كما أن الدول العربية الثلاث وفق رؤيته «كانت لها رؤية للحل في الأزمة الليبية في مقابل التوغل التركي، ما حقق نجاحاً نسبياً هناك، وهو ما يدفع لإعادة التجربة مرة أخرى في سوريا، خصماً من أجندات فاعلة كالأجندة التركية والروسيّة».
وأضاف «لاشك أنّ ما ساعد في تقديم هذه الرؤية هو تراجع المملكة العربية السعودية عن إسقاط بشار الأسد، والقبول بحلول وسط، تحفظ بقاء الدولة موحدة بلا ميليشيات أجنبية، وتُشرك المعارضة في الحكم بشكل أو بآخر، وكذلك التعاطي مع مسار كتابة الدستور السوري الجديد بمشاركة النظام وأطراف من المعارضة. وهنا نشير إلى أن الدور المصري الذي كان داعماً لسوريا النظام والدولة المركزية الموحدة، وهو ما واجه امتعاضاً خليجياً في أوقات سابقة، قبل أن تميل الدول الخليجية إلى الرؤية المصرية وتقبل بالأمر الواقع».