مقهى في الأهواز الإيرانية يعيد لذة مطالعة الكتب الورقية لزبائنه

تضم مكتبة المقهى بين جنباتها كتبا باللغتين العربية والفارسية لجذب الزبائن وتشجيعهم على القراءة، بعيدا عن الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي.

ميدل ايست نيوز: “رغم كثرة المقاهي والمطاعم على ضفتي نهر كارون بمدينة الأهواز (جنوب غربي إيران)، فإن المتميز منها نادر”، هذا ما شكل حافزا للشاب فاضل خميسي لافتتاح مقهى الكتاب “كارون”، ليكون اسما على مسمى ورافدا ثقافيا، بعد أن ارتوت المنطقة من مياه النهر العذبة.

وبمجرد دخول المرء هذا المقهى، يتبادر إلى ذهنه أنه في مكتبة أو متحف تراثي أراد القائمون عليه أن يجعلوا من جلوس الزبائن وتناولهم القهوة فيه فرصة لاستنشاق رائحة الكتب المركونة على رفوف قريبة من طاولات الطعام.

علاقة عكسية

فكرة تدشين مقهى الكتاب كانت تراود أستاذ اللغة العربية في مدارس الأهواز فاضل خميسي منذ أعوام؛ عندما رأى علاقة عكسية بين الإقبال المتزايد على المطاعم والكافتيريات من جهة وخلو مكتبات المدينة من جهة أخرى، مؤكدا أنه يعتبر مشروعه هذا ثقافيا أكثر منه اقتصاديا.

ويقول خميسي للجزيرة نت إن “مشروع مقهى الكتاب يضع الاهتمام بغذاء الروح والعقل أولويته الأولى، وإن غذاء الجسم يحتل المرتبة الثانية فيه”، مضيفا أنه حرص منذ اليوم الأول على توفير الهدوء اللازم لتشجيع الزبائن على المطالعة مع فنجان قهوة أو شاي أو طعام.

وأوضح أنه اشترى نحو ألف و500 كتاب لتقديمها مجانا للراغبين في المطالعة، وأن زبائن المقهى أسهموا بدورهم في تزويد المكتبة الفتية بمئات الكتب الأخرى خلال فترة وجيزة جدا.

خير جليس

وتضم مكتبة المقهى بين جنباتها كتبا باللغتين العربية والفارسية لجذب الزبائن وتشجيعهم على القراءة، بعيدا عن الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي، لتعيد لهم لذة المطالعة والعودة إلى صديق قديم كان لهم خير جليس، لكنهم افتقدوه خلال السنوات الأخيرة لأسباب عدة، قد يكون انتشار الإنترنت والهواتف الذكية في مقدمتها.

وينظم المقهى بين الفينة والأخرى أنشطة ثقافية وأدبية، لا سيما رعاية مراسم توقيع الكتب حديثة النشر في المدينة، فضلا عن تقديمه خدمات متعددة أخرى لجميع الفئات العمرية، وفق صاحب المشروع فاضل الخميسي، الذي يرى أن المقهى حقق نجاحا فاق توقعاته بجذب شريحة كبيرة من صناع الثقافة والأدب، مما أدى إلى تحوله إلى ملتقى فريد من نوعه للمثقفين والأدباء الأهوازيين.

ويتميز المقهى “بتوفير فرصة الاستمتاع بتصفح أوراق الكتب”، بعد أن فقدها الشارع الإيراني في الآونة الأخيرة، وفق الشاب محمد (أحد رواد المقهى) الذي يقول إن متعة زيارته الأولى للمقهى قبل تفشي جائحة كورونا بقيت حاضرة في ذهنه، وظلت تلح عليه لارتياده بين الفينة والأخرى.

وعبر محمد للجزيرة نت عن قناعته بأن مثل هذه المشاريع الثقافية تشكل فرصة ذهبية لبناء الذات وتطوير المهارات في بيئة مفعمة بالطاقات الإيجابية، موضحا أن مدينته كانت وما زالت بحاجة ماسة لمثل هذه المشاريع الثقافية لاستقطاب جميع شرائح المجتمع وتحفيزهم على القراءة بعيدا عن صخب الحياة وزحمة الأعمال.

ثقافتان متداخلتان

أما الشابة “شهلاء”، التي دأبت على ارتياد المقهى مع أسرتها؛ فترى أن اللوحات الفنية المعلقة على جدران المقهى “تقص تاريخا عريقا يكاد ينسى ويذهب هباء منثورا لولا الاهتمام الخجول به”، مؤكدة أنها تقضي أوقاتا لا بأس بها تمعن النظر خلالها في الصور التاريخية، لا سيما التي توثق زي المرأة الأهوازية قديما، فهي تضع التاريخ والفن إلى جانب تذوق المطعم والمشرب.

وقالت للجزيرة نت إنها تحرص على قضاء بضع ساعات من أيام العطلة بشرب القهوة، والتلذذ بطبق شهي في مقهى الكتاب؛ لتشجيع الأطفال على ثقافة القراءة باعتبارها أفضل سبل الوعي والحصول على المعرفة وفتح أبواب التفكير.

ورغم أن الجيل الجديد يعتبر أن الكتب الرقمية والمطالعة عبر الشاشة تفي بالغرض المنشود -حسب شهلاء- فإن جيلها يفضل القراءة التقليدية واحتضان الكتب الورقية، تعبيرا عن تقديره مصادر الثقافة، وعبرت عن سعادتها لاحتواء مكتبة المقهى على عناوين مختلفة من الثقافتين العربية والفارسية.

وتتداخل الثقافتان العربية والفارسية في ربوع إيران عموما، وفي مدينة الأهواز خاصة، لكن ما أطيب اجتماعهما هذه المرة على الكتاب، الذي طالما شكّل قاسما مشتركا لمزج الثقافتين أكثر فأكثر، حتى بلغ مزج خلطات القهوة والمشروبات الساخنة الأخرى لتتناسب مع كل شرائح الزوار.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر − 6 =

زر الذهاب إلى الأعلى