أين تقف إيران من الاتفاق الأذربيجاني الأرميني؟

وجود 2000 جندي حفظ سلام روسي الآن، على بعد 100 كيلومتر فقط من الحدود الإيرانية، لا بد أن يجعل الكثيرين في طهران قلقين.

ميدل ايست نيوز: في 10 نوفمبر 2020، وقَّعت أرمينيا وأذربيجان “اتفاق وقف شامل لإطلاق النار” برعاية روسية علنية ودعم تركي ضمني، وذلك بعد المعارك الدامية بين قوات البلدين في إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه بينهما منذ نحو ثلاثين عاماً، حيث تمكَّنت أذربيجان في غضون 6 أسابيع من السيطرة على نحو 30% من أراضي الإقليم.

وفي حين ركَّز معظم التحليلات على ما تعنيه هزيمة أرمينيا وانتصار أذربيجان بالنسبة لكل من تركيا وروسيا، أظهرت الدلائل أن إيران ليست في وضع يحسد عليه في هذا الصراع، إذ تُمثِّل شروط وقف إطلاق النار المتفق عليها بين باكو ويريفان تهديداً لمصالح إيران على المدى الطويل.

التداعيات الجيوسياسية للاتفاق الأذربيجاني-الأرميني على إيران

ويتمثَّل أهمها في الآتي:

 1. تراجُع مكانة إيران الإقليمية التاريخية في القوقاز

لأسباب تاريخية، تَعتَبِر إيران نفسها مؤهلة للحصول على وضع خاص في جنوب القوقاز، إذ كانت كلٌّ من أرمينيا وأذربيجان جزءاً من الإمبراطورية الفارسية، لكن نتائج الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا تُضعِف دور إيران في القوقاز، وبالمقابل تدعم دور الخصمين التاريخيين: روسيا وتركيا، وأيضاً العدو الحديث إسرائيل.

فمن ناحية أولي، وعلى الرغم من أن روسيا وإيران تتمتعان بعلاقات جيدة في الآونة الأخيرة، إلا أنهما كانتا قوتين متنافستين في المنطقة منذ قرون. ورغم أن تحرُّك موسكو تجاه الأزمة منذ البداية اتسم بتوفير الدعم الفاتر لأرمينيا ورئيس وزرائها “نيكول باشينيان”، بسبب سياساته الرامية للتقارُب مع الغرب، لكن موسكو حرصت على الاحتفاظ بنفوذها في المنطقة من خلال توفير قوات حفظ السلام في قره باغ، وعلى طول ممر نخجوان-أذربيجان المقترح، عبر إيلاء مهمة حماية الأمن والسلام إلى قوات روسية خاصة، تنتشر على كامل المعابر، والممرات الحيوية. وستكون موسكو سعيدة أيضاً بانتهاء دور رئيس الوزراء باشينيان، الذي يبدو أن مسيرته السياسية قد شارفت على النهاية الآن. كما يبدو أنها تسترشد بهدفها الأوسع المتمثل في ضمان بقاء تركيا خارج المدار الغربي.

ومن ناحية ثانية، ستحتفظ تركيا بقوات في أذربيجان، وتتمتع الآن بوصول مباشر إلى بحر قزوين عبر ممر نخجوان -أذربيجان المقترح. ويمكنها الآن أيضاً أن تُمارِس تأثيراً مباشراً على آسيا الوسطى، وهي واحدة من أكثر طموحات الرئيس رجب طيب أردوغان. وتعمل أنقرة منذ فترة طويلة على استخدام ممر نخجوان لأغراض جيو-سياسية من خلال سرعة إعلان انقرة عن خططها لبناء خط سكة حديد إلى نخجوان بعد اتفاق 10 نوفمبر.

ومن ناحية ثالثة، ليس سراً أن إسرائيل وأذربيجان تتمتعان بتعاون جوهري في مجال الاستخبارات والطاقة والمسائل العسكرية، وأذربيجان هي واحدة من أكبر مُشتري الأسلحة الإسرائيلية. وفي الواقع، فإن انتصار أذربيجان في الحرب الأخيرة ضد أرمينيا سيؤدي إلى توسيع الحدود الإيرانية-الأذربيجانية بحوالي 130 كيلومتراً. وإذا عزمت إسرائيل على شنّ غارات جوية على المنشآت النووية الإيرانية، فمن المرجح أن تلعب أذربيجان دوراً حيوياً في هذا الإطار؛ إما كمحطة للتزوُّد بالوقود أو كنقطة انطلاق.

2. فَتْح جبهة جديدة في استراتيجية احتواء إيران بالأزمات

ظَلَّ جزء من حدود الدولة الأذربيجانية-الإيرانية تحت الاحتلال الأرمني منذ عام 1994. والآن بعد أن عادت هذه الحدود إلى سيطرة باكو، نشأت ديناميكية أمنية جديدة بين البلدين. كما أن وجود 2000 جندي حفظ سلام روسي الآن، على بعد 100 كيلومتر فقط من الحدود الإيرانية، لا بد أن يجعل الكثيرين في طهران قلقين. وبدأت إيران بالفعل في نشر المزيد من الأصول العسكرية على طول حدودها الشمالية.

وبصرف النظر عن الروابط التاريخية والدينية واللغوية القديمة والطويلة الأمد بين إيران والقوقاز، هناك 800 كيلومتر من الخطوط الحدودية التي تربط إيران بهذه المنطقة. ومقاطعات أردبيل الإيرانية وأذربيجان الشرقية لها 369 كم و200 كم من الحدود المشتركة مع جمهورية أذربيجان على التوالي. وسيتعين على إيران تكريس الوقت والموارد والقوات للتكيُّف مع الواقع الجيو-سياسي الناشئ على طول حدودها الشمالية مع أذربيجان، وقد يعني هذا تركيزاً أقل من إيران على أماكن أخرى مثل الخليج والعراق وسوريا.

3. تصاعُد مطالب الأقلية الأذرية في إيران

تُشكِّل الأقلية الأذرية في إيران ثُلث سكانها البالغ عددهم 84 مليون نسمة، وانطلاقاً من آرائهم القومية المتمحورة حول الفارسية، فإن الإيرانيين يرون أن إيقاظ الأذربيجانيين وتمكينهم يمثلان تهديداً خطيراً للأمن القومي والوحدة الوطنية في إيران. ومع صعود الخطاب القومي في أذربيجان على وقع الانتصارات الأخيرة في قره باغ، فإن إيران تتخوف من أن يطال المزاج القومي الأذري دعوات توحيد أذربيجان الكبرى، وخاصة مع تعاطف العديد من الأذريين الإيرانيين الواضح مع دولة أذربيجان في صراعها الأخير مع أرمينيا.

وفي حين أن المواقف الانفصالية قد تكون غير منطقية حالياً، لكن بالنظر إلى ذاكرة إيران التي لا تزال حديثة وإدراكها للضغط الوحدوي بقيادة أذربيجان في التسعينيات، فليس من مصلحة الأمن القومي الإيراني التعامل مع أذربيجان القوية والغنية والجذابة، التي يمكن أن تؤثر على الأقلية الأذرية وتُعزز رغبتها في الانفصال عن إيران مستقبلاً.

خلال الصراع الأخير لعبت طهران دوراً ثانوياً في مجريات الحرب، ولم يكن بإمكان طهران أن يكون لها رأي في تشكيل النتيجة التي قد تساهم في إحياء ذكريات الحربين الروسية الفارسية في القرن التاسع عشر. وتَكشَّفَ للشعب الإيراني أن بلادهم لم تعد تمتلك القوة الاقتصادية أو التطور التكنولوجي أو النموذج السياسي المغري للتأثير على منطقة كانت تحت النفوذ الفارسي منذ زمن الإمبراطورية الأخمينية قبل الميلاد.

5. الخسائر الاقتصادية جرَّاء تراجُع تجارة الترانزيت مع أذربيجان

لعقود من الزمان، حافظت أذربيجان على علاقات ودية مع إيران لتزويد منطقة الحكم الذاتي في ناختشفان، بل وزوَّدت إيران الإقليم بالغاز الطبيعي. لكن اتفاق قره باغ الجديد يُنهي دور إيران كجسر اتصال بين أذربيجان ونخجوان، ويحدّ من اعتماد أذربيجان على إيران للوصول إلى أعالي البحار، ويخلق فرصة جديدة لأذربيجان للتواصل مع أعالي البحار عبر تركيا. وقد أثار هذا بالفعل مخاوف في طهران، لأنه قد يؤدي في الواقع إلى قطع وصول إيران إلى أرمينيا وما بعدها إلى أوروبا عبر جورجيا، ويُقلِّص في الوقت نفسه إمكانية نقل الغاز الإيراني إلى أوروبا.

بالنظر إلى المشاكل الكثيرة التي تعاني منها إيران حالياً، لاسيما في ظل العقوبات الاقتصادية الأمريكية، فضلاً عن تداعيات جائحة فيروس كورونا، فإن آخر شيء كانت تحتاجه طهران هو تغيير الوضع الإيجابي الذي تمتعت به في جنوب القوقاز على مدى العقود الثلاثة الماضية.

ولذلك، فإن خيارات إيران في مواجهة التطورات الجديدة في القوقاز، تبدو محدودة، خاصةً إذا أخذنا في الاعتبار ما يأتي:  

1. أن إيران لا تملك إمكانية محاولة تخريب الاتفاق بزيادة التعاون مع أطراف ثالثة قد تكون متضررة من انتصار أذربيجان الأخير، لاسيما أرمينيا نفسها المُعرَّضة لهزَّات سياسية داخلية جراء الهزيمة التاريخية أمام أذربيجان.

2. أن إيران لا تبدو في وارد الدخول في مغامرة أو مقامرة استِعداء تركيا وروسيا في ملفات إقليمية أخري في الوقت الراهن، بالنظر إلى سياسة “الضغوط القصوى” التي لا تزال إدارة الرئيس دونالد ترامب تُمارسها ضد إيران حتى اللحظة الأخيرة، رغم خسارتها في الانتخابات الأمريكية.

3. أن محاولة إيران التكيُّف مع تداعيات الاتفاق وتقليل خسائره، ستكون الخيار الأكثر احتمالاً، على الأقل في المدى القريب المنظور، انتظاراً لاحتمالات تحسُّن الوضع الإقليمي لإيران، لاسيما في حال عودة الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس المنتخب جون بايدن للاتفاق النووي، وربما انتظاراً لاحتمالات تعثُّر تطبيق الاتفاق الأخير بين باكو ويريفيان، خصوصاً في ظل التعقيدات اللوجستية التي ستكتنف عملية تطبيقه على الأرض وظهور “شيطان التفاصيل” داخل الاتفاق.

 

إقرأ المزيد:

انزعاج إيراني من اتفاقية قره باغ و”فقدان إيران خط الوصول إلى أرمينيا”

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
مركز إمارات للسياسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى