سلاح ذو حدين.. هل تستعد إيران لمرحلة الرئيس العسكري؟

يقول المحافظون إن لديهم عددًا كبيرًا من المرشحين المحتملين، بما في ذلك المحاربون العسكريون الذين من المتوقع أن يشاركوا في المعركة الانتخابية في الأشهر القادمة.

ميدل ايست نيوز: أتاحت هزيمة “دونالد ترامب” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية فرصة للمعسكر الإصلاحي المعتدل في إيران لإعادة تقييم احتمالات فوزهم في السباق الرئاسي العام المقبل ويأتي ذلك وسط آمال في عودة إدارة “بايدن” إلى الاتفاق النووي، الذي انسحب “ترامب” منه في 2018.

ورأى بعض السياسيين الإصلاحيين في فوز “بايدن” فرصة للرد على حملة تدعو إلى انتخاب جنرال يميني من صفوف الحرس الثوري رئيسًا، وذهبوا إلى حد القول “لقد ذهب الحلم مع الريح”.

ومع ذلك، فإن اغتيال العالم النووي “محسن فخري زاده” في 27 نوفمبر/تشرين الثاني أضعف إمكانية انفراج سريع بين الولايات المتحدة وإيران وأعاد ترتيب المعادلات المحلية.

وبعد يوم واحد من الاغتيال، ظهر وزير الدفاع السابق،” حسين دهقان“، المرشح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021، على التليفزيون الرسمي بزيه العسكري للتحدث عن تداعيات الحادث، بالرغم أنه اعتاد الظهور بالزي المدني خلال الفترة الماضية.

وتم طرح فكرة الرئيس العسكري في البداية من قبل عضو في البرلمان السابق منذ حوالي عامين، ولكن بعد ذلك تم تداول الفكرة في دوائر الناشطين المحافظين والمنظرين. فمن وجهة نظر البعض، من أجل التعامل مع التحديات والمشاكل المستمرة وحلها من جذورها، فإن الشخصية العسكرية فقط هي القادرة على تنفيذ إصلاحات جذرية وحل الأزمات من خلال الاستفادة من تجربتها العسكرية واعتماد حكم مشدد.

اكتسب هذا الشعور شعبية وإلحاحًا أكبر في ضوء الأزمة الاقتصادية الحادة التي تفاقمت بسبب جائحة “كورونا”، سياسة “أقصى ضغط” التي انتهجها “ترامب” تجاه إيران. واحتدم الجدل بعد أن أعلن “دهقان” عن ترشيحه للرئاسة في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي حين أن المعسكر المعتدل امتنع حتى الآن عن تسمية أي مرشح للانتخابات المقبلة – ويرجع ذلك أساسًا إلى تراجع شعبية هذا المعسكر – يقول المحافظون إن لديهم عددًا كبيرًا من المرشحين المحتملين، بما في ذلك المحاربون العسكريون الذين من المتوقع أن يشاركوا في المعركة الانتخابية في الأشهر القادمة.

وعدّل البرلمان ذو الأغلبية المحافظة قانون الانتخابات، مما سمح للقادة المتقاعدين والحاليين في الحرس الثوري بالتقدم للانتخابات الرئاسية. وحظيت فكرة الرئيس العسكري بتأييد بعض النخب والخبراء المؤيدين للإصلاح الذين يعتقدون أن المسؤولين المنتخبين، بما في ذلك الرؤساء والمشرعون، يميلون إلى إعداد قوائم طويلة من الوعود الانتخابية يفشلون في الوفاء بها في نهاية المطاف بسبب محدودية قدراتهم.

ويضرب هؤلاء المثل بالرئيس الحالي “حسن روحاني”، الذي جاء بوعود بمزيد من الحرية المدنية والانتعاش الاقتصادي. لكن بصفته رئيسًا ضعيفًا، بدد “روحاني” الآمال في إجراء تغييرات ذات مغزى، وألقى باللوم مثل أسلافه على الدولة الإيرانية العميقة والعقوبات الأمريكية.

القائد “مخلص الشعب”

حتى سنوات قليلة ماضية، كانت مسألة دخول الشخصيات العسكرية إلى السياسة من المحرمات لأن مؤسس الجمهورية الإسلامية، منع القوات المسلحة من ممارسة السياسة. واليوم، يصر حتى قادة الحرس الثوري على أن الطريقة الوحيدة لتحقيق الازدهار الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتخفيف المشكلات الاجتماعية هي تعيين رئيس عسكري.

وافق “محسن رفيق دوست“، أحد مؤسسي الحرس الثوري الإيراني، في مقابلة في أكتوبر/تشرين الأول على أن ضابطًا عسكريًا كرئيس قد يكون قادرًا على “إنقاذ الناس”.

وأعرب بعض الخبراء المؤيدين للإصلاح عن دعمهم لفكرة رئيس عسكري للسماح للمعسكر الآخر بإثبات قوته، مما يشير إلى أنه في ظل هياكل السلطة العدائية الحالية، لا يمكن لأي رئيس تنفيذ أي إجراء ذي معنى.

وقال “سعيد ليلاز”، الذي عمل كمستشار للرئيس الأسبق “محمد خاتمي”، في مقابلة في وقت سابق من هذا العام: “بصفتها أقوى منظمة سياسية وأمنية اليوم.. يجب أن يمر مستقبل إيران بفترة حكم الحرس الثوري الإيراني لرؤية حلول للأزمات المستمرة والمساعدة في إدارة البلاد بشكل أكثر كفاءة وتماسكًا”.

وفي إشارة إلى “رضا شاه” – الذي أسس حكم سلالة “بهلوي” عام 1925 عبر انقلاب وأنشأ نظامًا سياسيًا في إيران بعد عقود من الاضطرابات قبل الإطاحة بابنه “محمد رضا بهلوي” في الثورة الإسلامية عام 1979 – دعا “ليلاز” أن يكون الرئيس العسكري أقرب إلى ما يمكن تسميته بـ “رضا شاه الإسلامي”.

“سيناريو خطير”

من جهة أخرى، أثارت الدعوات الموجهة لقادة عسكريين سابقين لخوض الانتخابات معارضة شديدة حيث يجادل المعارضون بأن مثل هذا السيناريو “خطير” ومن شأنه أن يؤدي إلى غضب الرأي العام. ويؤكد هؤلاء أن إدارة الدولة تختلف عن قيادة الوحدات والموارد العسكرية ولن تضمن النجاح على الساحة السياسية.

كما أنهم قلقون من أن رئيسًا عسكريًا قد يسعى إلى تقييد الحريات الاجتماعية والمدنية وتوجيه ضربة قاسية للديمقراطية الهشة بالفعل في إيران. وهناك مخاوف أخرى من أن رئيسًا عسكريًا قد يرغب في استعادة جوهر “القيم الثورية” من خلال اتباع تغييرات جذرية في الداخل وسياسة خارجية متهورة في الخارج.

ووصف العميد “إسماعيل كوثري”، النائب الإيراني السابق، الذي يقدم حاليًا المشورة لقائد الحرس الثوري الإيراني، هذه الحجج لوسائل الإعلام المحلية بأنها “قضايا مشتتة للانتباه” وأكد أن القائد العسكري يمكن أن يحمي مصالح البلاد بشكل أفضل.

وأضاف “إنهم يخشون من أن يصبح الضابط العسكري أكثر شعبية بين الجمهور بسبب تضحياته. إنهم قلقون من أن يتحمل الجيش المسؤولية، ويظهر المثابرة، ويقف ضد العدو بقوة أكبر”.

ولا يمانع البعض داخل معسكر الإصلاح في تولي رئيس عسكري، بحجة أن المجتمع الإيراني شهد منذ الثورة الإسلامية عام 1979، تحولات ضخمة. ويعتقد هؤلاء أن الرأي العام في إيران على دراية جيدة بما يجري في البلاد. وبفضل الدور المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي، فإن الرأي العام سيحاسب الرئيس العسكري وحكومته على أفعالهم. ويرى هؤلاء أن الرئيس العسكري سيضطر إلى إجراء تعديلات وتسويات لأنه سيكون في موقع المسؤولية، وفي حال حدوث خلاف ذلك، فإن ردة الفعل العامة ستكون ضده.

يخضع الفرعان التشريعي والقضائي حاليًا لسيطرة المحافظين الذين يستعدون لتوطيد سلطتهم من خلال تولي السلطة التنفيذية. ويعتقد هؤلاء أن رئيسًا قريبًا من أيديولوجيتهم سيسمح للهيئات الحاكمة الثلاث بإدارة البلاد بشكل أكثر فاعلية مع تخفيف المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.

وفي حين أن الحرس الثوري لديه موارد كبيرة تحت تصرفه، فإن الفرع التنفيذي لإيران يحكم المجالات الحيوية للاقتصاد وموارد النفط والغاز، فضلاً عن خزينة الدولة.

ويحذر النائب المخضرم “علي مطهري”، الذي استُبعد من الترشح للانتخابات البرلمانية في فبراير/شباط من تركيز السلطة بهذا الشكل، وقال لوسائل إعلام محلية “إذا تم تفويض السلطات العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية في نفس الوقت لشخص واحد، فسيؤدي ذلك إلى الاستبداد والفساد”.

سعى الحرس الثوري حتى الآن لحماية سمعته من خلال محاربة الفساد داخل صفوفه. وقد تعاملت المنظمة مع بعض هذه الحالات بصمت بينما تم الإعلان عن حالات أخرى. على سبيل المثال  قُبض على “محمد علي بورمختار”، النائب السابق وكبير قادة الحرس الثوري الإيراني، في أكتوبر/تشرين الأول بتهم تتعلق بالفساد المالي.

مستقبل السياسة الخارجية الإيرانية

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يتوقع العديد من المحللين أن يتبنى رئيس عسكري سياسة التحدي والقوة تجاه الغرب، بينما يسعى إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء إيران الإقليميين في العراق وسوريا. وقد يتطلع أيضًا إلى تطوير العلاقات مع الصين وروسيا، لمواجهة التهديدات الصادرة من واشنطن.

بدأت المواجهة بين إيران والولايات المتحدة بعد أن انسحب “ترامب” من جانب واحد من الاتفاق النووي لعام 2015 ما لحق ذلك من عقوبات مشددة على الجمهورية الإسلامية. وبالرغم من مواقف المتشددين المناهضة للغرب ورفضهم للاتفاق النووي، فقد يكونون في وضع أفضل لإعادة التواصل مع الولايات المتحدة إذا سيطروا على كافة أفرع السلطة، وخاصة مع دعم “خامنئي” الذي له الكلمة الأخيرة في جميع شؤون الدولة.

وفي مقابلة حديثة مع موقع “انتخاب” الإخباري، زعم وزير الخارجية الإيراني، “جواد ظريف”، أن المتشددين قدموا بالفعل مبادرات إلى الولايات المتحدة في محاولة لإقناع واشنطن بأن العمل مع إدارة يمينية في طهران سيكون أسهل من التعامل مع إدارة “روحاني” المغادرة.

وعلق الصحفي والمحلل السياسي البارز “أحمد زيد أبادي”، قائلاً: “أي شخص على دراية بالحكم يعرف بالفعل أنه بدون وجود علاقات معقولة مع العالم سيكون من المستحيل التخلص من العقوبات الأمريكية وإصلاح اقتصادنا “.

وأضاف “أبادي”، الذي قضى 6 سنوات في السجن بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009، “لا يمكن تطبيع علاقات إيران مع العالم إلا من خلال رجل عسكري له سلطات واسعة”.

وفي مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز“، استبعد الجنرال “دهقان” أي محادثات مع واشنطن، لكنه قال في مكان آخر: “إذا تم رفع العقوبات، فسنقرر بعد ذلك التفاوض مع الولايات المتحدة”.

فترة البونابرتية

يستخدم مصطلح “البونابرتية” لوصف استبدال القيادة المدنية بالقيادة العسكرية داخل الحركات الثورية أو الحكومات. ويعتقد “ليلاز” أنه سيظهر في المستقبل، نوع من “البونابرتية” في إيران “لإجراء إصلاحات اجتماعية وثقافية وتوحيد البلاد”.

وقال “ليلاز”، في مقابلته التي نُشرت في نوفمبر/تشرين الثاني: “أعتقد أن هذه البونابرتية ستستمر لفترة انتقالية تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات، وستفتح المجتمع الإيراني تدريجيًا.. وبالنسبة للسياسة الخارجية، أعتقد أن إيران ستغير نهجها وستواصل المنافسة بدلاً من المواجهة مع الولايات المتحدة تمامًا كما شهدناه في الصين وروسيا وفيتنام”.

سيكون من السابق لأوانه التكهن بكيفية تطور الأمور في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران 2021. وقد حاول المرشحون السابقون ذوو الخلفية العسكرية، مثل “علي شمخاني”، و”محسن رضائي”، و”محمد باقر جالباف”، وفشلوا جميعًا في ترشحهم للرئاسة في الانتخابات السابقة. عززت هذه الإخفاقات الرأي القائل بأن الناخبين في إيران قلقون من وجود رجل عسكري يشغل ثاني أعلى منصب في البلاد.

ومع ذلك، فإن تراجع الإقبال بشكل قياسي في الانتخابات البرلمانية في فبراير/شباط، أثار تكهنات بأن المرشح العسكري قد يتمتع بفرصة أفضل في الانتخابات المقبلة.

وإجمالا، فإن تولى شخصية عسكرية لمنصب الرئيس في إيران سيكون سلاح ذو حدين لمناصري هذا المفهوم السياسي. فإذا فشل في الوفاء بوعوده بمستقبل أفضل للشعب الإيراني، فإن ضغط الجمهور سيجبر أصحاب فكرة الرئيس العسكري على إعادة النظر، أما إذا أحدث التطبيق العملي للفكرة تحولا إيجابيا في السياسات، سيزداد المدافعون عن هذه الفكرة بين الشعب الإيراني.

 

إقرأ المزيد: 

هل يكون الرئيس الإيراني المقبل عسكرياً؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الخليج الجديد
المصدر
inside arabia

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة + 19 =

زر الذهاب إلى الأعلى