هل بمقدور إيران تحمل المزيد من العقوبات والقيود الاقتصادية؟
ثمة أرقام متضاربة حول حجم الخسائر التي تكبدتها طهران في عائدات النفط ومشتقاته بسبب العقوبات الأميركية.
ميدل ايست نيوز: تتعرض إيران منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في الثامن من مايو/ أيار 2018 لحرب اقتصادية شرسة، عبر فرض عقوبات شاملة عليها، توصف بأنها تاريخية وغير مسبوقة، استهدفت جميع مفاصل الاقتصاد دون أن تستثني قطاعاً.
وبينما أبدى البعض تفاؤلاً حيال إنهاء العقوبات بعد مغادرة الرئيس الأميركي الأشد عداء لطهران، دونالد ترامب، السلطة ومجيء الرئيس الديمقراطي جو بايدن، إلا أنه لا تلوح بوادر في الأفق لإلغاء هذه العقوبات، حيث رهن بايدن هذه الخطوة في مقابلة أخيراً مع قناة “سي بي إس” الأميركية، بعودة إيران إلى طاولة التفاوض حول برنامجها النووي، وهو ما ترفضه طهران.
ورغم تشديد القيود على صادرات إيران النفطية، والتي تظهر الأرقام التي رصدتها “العربي الجديد” تهاوياً في معدلاتها في الأشهر اللاحقة للعقوبات، إلا أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين أخيراً تكشف تحسناً كبيراً لها وإن كانت تبعد عن مستويات ما قبل العقوبات بشكل لافت.
كما اتخذت إيران من دول الجوار والشركاء التجاريين الرئيسيين منفذاً لعبور صادراتها غير النفطية في مسعى للتخفيف من حدة الحظر الأميركي، بيد أن جائحة فيروس كورونا جاءت لتفرض سطوتها هي أيضا وتوارب الأبواب بعد فترات إغلاق لمواجهة الوباء، ما قلص من قيمة هذه الصادرات أيضاً.
ووسط هذه الأجواء، ثمة تساؤلات حول ما إذا كان بمقدور إيران تحمل المزيد من القيود وتداعيات كورونا، فضلا عما إذا كانت الولايات المتحدة ستخفف من ثقل العقوبات التي ينوء الاقتصاد الإيراني بحمل المزيد منها في مسعى لتهيئة الأرض للوصول إلى حل للأزمة.
وتشكل عوائد الصادرات النفطية الإيرانية بالنقد الأجنبي شريان الاقتصاد، إذ تحتاج البلاد البالغ عدد سكانها أكثر من 80 مليون نسمة، إلى نحو 70 مليار دولار سنوياً لتسيير شؤونها الاقتصادية وإنفاقها الضروري من دون احتساب ما هي بحاجة إليه لدعم وتمويل مشاريع إعمارية وبنيوية.
وبلغ متوسط عوائد إيران بالعملة الصعبة خلال السنوات العشر الأخيرة نحو 80 مليار دولار سنوياً، أي أنها كانت تغطي احتياجاتها الضرورية من النقد الأجنبي وكان هناك فائض، لكنها تراجعت خلال العامين الماضيين إلى مستويات قياسية وصلت إلى النصف.
وثمة أرقام متضاربة حول حجم الخسائر التي تكبدتها طهران في عائدات النفط ومشتقاته بسبب العقوبات الأميركية، إذ تحدث إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس الإيراني في وقت سابق من فبراير/ شباط الجاري، عن 100 مليار دولار، لكن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قال في سبتمبر/ أيلول 2020، إن إجمالي الخسائر الناجمة عن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة منذ عام 2018 بلغ 150 مليار دولار.
الولايات المتحدة من جهتها، قالت على لسان وزير خارجيتها، مايك بومبيو، خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن العقوبات خفضت عائدات إيران النفطية بمقدار 70 مليار دولار منذ مايو/ أيار 2018.
وللتدليل على حجم التأثير الكبير للعقوبات الأميركية على الصادرات النفطية الإيرانية يمكن الإشارة إلى تصريحات لرئيس منظمة التخطيط ورسم الموازنات، محمد باقر نوبخت أمام البرلمانيين الإيرانيين، خلال يونيو/حزيران 2020، حيث قال إن هذه الصادرات تراجعت من 119 مليار دولار عام 2011 إلى 8.9 مليارات دولار عام 2020.
وتشكل صادرات إيران من النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي والبتروكيميائيات، مصدراً رئيسياً لمواردها المالية الأجنبية، حيث كانت تؤمن أكثر من 90% من احتياجاتها النقدية الأجنبية.
وبحسب بيانات البنك المركزي الإيراني، بلغت الصادرات النفطية بعد رفع العقوبات عن إيران بموجب الاتفاق النووي عام 2016، 73 مليار دولار، قبل أن ترتفع عام 2017 إلى 85 مليار دولار بعدما استعادت الزخم في تجارتها الخارجية إثر رفع العقوبات. كذلك، فإن نحو 45% من الصادرات غير النفطية مرتبطة أيضا بالنفط، حيث تحسب السلطات الإيرانية صادرات البتروكيميائيات وغيرها من المشتقات ضمن الصادرات غير النفطية.
إلا أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي عام 2018، وإعادة فرض العقوبات على طهران بالتدرّج في دفعتين قويتين خلال شهري أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني في العام نفسه، بدأت تتغير خارطة الصادرات الإيرانية لتهبط بشكل قياسي.
وعليه، قلصت العقوبات صادرات النفط ومشتقاته خلال الربع الأخير من 2018 إلى نحو مليون و767 ألف برميل يوميا، مقابل مليونين و547 ألف برميل يومياً قبل ذلك التاريخ، كذلك تراجعت الصادرات غير النفطية.
واعتباراً من سبتمبر/أيلول 2018، لم تعلن السلطات الإيرانية عن أرقام التجارة الخارجية، فأصبحت أرقام الصادرات النفطية سرية، لكن النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، أشار في تصريحات أخيرا إلى أن الصادرات النفطية تراجعت على أساس نحو 82% في العام المالي الماضي من 21 مارس/ آذار 2019 إلى 21 مارس/ آذار 2020، مسجلة 8 مليارات دولار، مقابل أكثر من 44 ملياراً في العام السابق له.
وبالإضافة إلى تهاوي عائدات تصدير النفط، تعاني إيران في تحصيل عوائد التصدير، بسبب حظر شامل أيضاً على القطاع المالي والمصرفي، ولذلك اضطرت السلطات الاقتصادية للّجوء إلى المقايضات في التبادلات التجارية مع بعض الدول.
وفي هذه الأثناء جمد شركاء تجاريون رئيسيون لإيران عشرات المليارات من الدولارات من أرصدتها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بفعل الضغوط والعقوبات الأميركية. وكانت هذه الأرصدة عوائد صادراتها إليهم، وبالذات الصادرات النفطية قبل العقوبات.
وبحسب تقرير لصحيفة “جهان صنعت” (عالم الصناعة) الإيرانية، نشرته خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يصل حجم هذه الأموال المجمدة إلى 40 مليار دولار، 20 ملياراً منها لدى الصين، و7 مليارات لدى الهند و6 مليارات لدى كوريا الجنوبية وملياران لدى العراق ومليار ونصف المليار دولار عند اليابان. علما بأن تقارير إعلامية أخرى تتحدث عن نحو 100 مليار دولار حجم الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج.
لكن ثمة أدوات لجأت إليها إيران للالتفاف على حظر تصدير النفط والذي كانت إدارة ترامب تقول إنها تستهدف تصفيره، حيث أشار وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنه في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، إلى ارتفاع مطّرد في صادرات النفط ومشتقاته خلال الفترة القليلة الأخيرة، غير أنه لم يكشف عن حجمها، متحدثا أيضاً عن “تحقيق أعلى رقم قياسي في تصدير المشتقات النفطية”.
وأضاف زنغنه أن سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في تصفير الصادرات النفطية الإيرانية “قد فشلت”، قائلا إنه “لا يمكن الكشف عن حجم الصادرات في الوقت الراهن”.
غير أن رئيس لجنة تنظيم الموازنات في البرلمان الإيراني، إلياس نادران، نقل عن وزير النفط الإيراني قوله أخيرا إن بلاده “تصدر حالياً نحو 900 ألف برميل يومياً”، متوقعا ارتفاعه إلى 2.3 مليون برميل يومياً “إذا تغيرت الظروف السياسية”.
وبجانب محاولات فتح منافذ لتصدير النفط والحصول على النقد الأجنبي، سعت إيران إلى خلق منافذ تجارية للصادرات غير النفطية، غير أن البيانات الرسمية تظهر الاعتماد بشكل أكبر على دول الجوار وخمسة شركاء تجاريين رئيسيين.
وفق بيانات الجمارك الإيرانية، والتي اطلعت عليها “العربي الجديد”، صدرت إيران خلال الفترة من 21 مارس/ آذار 2020 حتى نهاية يناير/ كانون الثاني 2021، سلعاً غير نفطية إلى 128 دولة واستوردت من 112 دولة، لكن خلال هذه الفترة تصدرت القارة الآسيوية قائمة التجارة الخارجية الإيرانية بنحو 70%.
ولم تتغير خارطة الوجهات الرئيسية للصادرات غير النفطية الإيرانية خلال هذه الفترة عن العام الإيراني الماضي، إذ ظلت الدول الخمس، الصين والعراق والإمارات وتركيا وأفغانستان، تستقبل 76% من هذه الصادرات، غير أن موقع الإمارات ارتقى من المركز الرابع إلى المركز الثالث.
وبينما تشكل العقوبات الأميركية العامل الرئيسي لانكماش التجارة الإيرانية الخارجية، لكن تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا في البلاد منذ 19 فبراير/ شباط الماضي، كانت لها مفاعيل قوية ضاعفت تبعات العقوبات، نتيجة إغلاق الحدود لفترات طويلة وتراجع حركة التنقل للبضائع والأفراد مع العالم الخارجي، وخاصة مع الدول الجارة.
ووفق البيانات بلغت قيمة الصادرات غير النفطية حوالي 28 مليار دولار خلال الفترة من 21 مارس/ آذار 2020 حتى نهاية يناير/ كانون الثاني 2021، بينما بلغت في العام الإيراني الماضي نحو 41.3 مليار دولار.
وعلى وقع هذه المؤثرات، سجل الاقتصاد الإيراني خلال عامه المالي الماضي انكماشا بنسبة 7%، كما انكمش خلال الثلث الأول من العام المالي الجاري 3.5%، بينما ذكر معهد التمويل الدولي، في تقرير له في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن الاقتصاد الإيراني قد يحقق نمواً 4.4% في 2021 إذا رفع بايدن العقوبات.