هل يكون لمسقط دور جديد في التهدئة بين واشنطن وطهران؟

نجحت سلطنة عمان في عقد أكثر من اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، وهو ما يجعلها قادرة على إنهاء التوتر بينهما.

ميدل ايست نيوز: مع إعلان إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن عزمه العودة للاتفاق النووي مع إيران، برزت على الساحة الدولية والإقليمية عدة مبادرات للتقريب بين واشنطن وطهران على أمل إنهاء الأزمة التي أحدثتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق.

من بين هذه المبادرات مبادرة جاءت من مسقط، حيث أعلن وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، الخميس (11 فبراير)، أن بلاده مستعدة للمساعدة في إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني الموقَّع في 2015، والذي يواجه ضغوطاً منذ عام 2018 عندما انسحب ترامب منه، لكنه ذكر أنه يشعر بأن خطوط الاتصال الأمريكية الحالية مع طهران قد تكون كافية.

وبحسب ما أوردته وكالة “رويترز”، قال بدر البوسعيدي: إن “مسقط تتمتع بعلاقات طيبة للغاية مع كل من طهران وواشنطن، ومستعدة للمساعدة إذا لزم الأمر”.

وأضاف: “أعتقد أن القنوات مفتوحة مباشرة بين فرق السياسة الخارجية في واشنطن وإيران”، موضحاً: “لا أرى سبباً يحول دون إعادة تفعيل تلك القنوات”.

وسبق أن سعت السلطنة، التي لها محطات قوية في الوساطة بين القوى الكبرى، خاصة بين الولايات المتحدة وإيران، إلى التهدئة إبان حكم ترامب وضبط حالة التوتر.

ففي 30 ديسمبر 2020، عقدت واشنطن ومسقط جلسة مباحثات تهدف، وفق ما نشرته وكالة الأنباء العُمانية، إلى “استدامة التنسيق الأمني، بما يؤدي إلى تعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين، وتوطيد العلاقات الاستراتيجية المتينة التي تربط البلدين الصديقين”.

وجاءت المباحثات حينها في ظل تصاعد التوتر في المنطقة، وزيادة الحشد الأمريكي للقوة العسكرية، التي كان آخرها إعلان القيادة الوسطى الأمريكية نشر قاذفتين من نوع “B-52H” في قواعدها بالشرق الأوسط، إضافة إلى تصريحات مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية، بأن استعراض القوات الأمريكية لقوتها في المنطقة يأتي في هذا التوقيت لتحذير إيران.

تعقيدات

وكانت وكالة “رويترز” ذكرت في تسريبات جديدة أن الولايات المتحدة  تبحث عن مجموعة من الأفكار حول كيفية إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

وأضافت الوكالة، نقلاً عن “ثلاثة مصادر مطلعة”، أن هذا البحث يتضمن خيار اتخاذ خطوات صغيرة بين الجانبين دون الالتزام الكامل لكسب الوقت.

لكن إيران ترفض اتخاذ الخطوة الأولى، وترى أن واشنطن هي المسؤولة عن التوتر في علاقات الدولتين بسبب انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018، وإعادة فرض العقوبات عليها.

وخلال لقاء مع شبكة “سي إن إن” أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن الرئيس بايدن “كان واضحاً جداً حول هذا الموضوع، فإذا عادت إيران إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، فإننا سنفعل الشيء نفسه، ومن ثم سنعمل مع حلفائنا وشركائنا في محاولة لبناء اتفاق أطول وأقوى، وأيضاً جلب بعض هذه القضايا الأخرى، مثل برنامج الصواريخ الإيراني، مثل إجراءاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة التي تحتاج إلى معالجة أيضاً”.

لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني رد على بلنيكن بأنه إذا عادت مجموعة 5+1 إلى التزاماتها ضمن الاتفاق النووي، فإن إيران ستعود للعمل بجميع التزاماتها.

ووسط هذه التعقيدات قد يكون لمسقط دور فعلاً في التقريب بين واشنطن وطهران، خاصة أن الولايات المتحدة تنظر إلى سلطنة عُمان على أنها شريك إقليمي ودولي دائم ومُهم، حسبما جاء في التقرير السنوي للخارجية الأمريكية لعام 2019، وهو ما يعطيها قوة في التدخل وتهدئة التوتر الحاصل الآن في المنطقة.

القوة الناعمة

المحلل السياسي والإعلامي العُماني، أحمد الشيزاوي، أكد أن المراقب للسياسة العُمانية على مدى العقود السابقة يعلم أن السلطنة لا تبادر في سياساتها الخارجية إلا إذا طلب منها وساطة أو احتضان للقاءات تقرب طرفين متخاصمين.

وتبدو سياسة سلطنة عُمان، وفق حديث الشيزاوي لـ”الخليج أونلاين”، مستمرة على ذلك حتى في ظل السلطان هيثم بن طارق، ووزير الخارجية الجديد الذي خلف يوسف بن علوي “مهندس الوساطات الأمريكية الإيرانية السابقة”.

وعن ضمان نجاح  السلطنة في تهدئة الاحتقان في المنطقة، أوضح الشيزاوي أن ذلك يعود إلى الطرفين الإيراني والأمريكي، إن “كانا فعلاً يبحثان عن حلول وتهدئة”.

وأشار الشيزاوي إلى أنه، في حالة توفرت النوايا الحسنة، ثمة وسائل ووساطات كثيرة يمكن استثمارها، إذا كانت عُمان أو أي دولة أخرى تملك مقومات للتهدئة في المنطقة.

وتتميز سلطنة عُمان، حسب الإعلامي العُماني، بعلاقة طيبة ومعتدلة بين الطرفين الإيراني والأمريكي، وأيضاً بعدها عن ملفات الصراع الإيراني الخليجي، وقدرتها على خلق التوازن من خلال ما نلمسه من سياساتها طوال العقود الماضية.

وتتصرف عُمان، كما يؤكد الشيزاوي، على أنها “القوة الناعمة التي ترتكز وتستند إلى عمقها التاريخي والثقافي والسياسي، الذي خلق منها دولة رزينة في سلوكياتها الدبلوماسية، وجعلها تفهم سلوكيات الدول المجاورة لها”.

ويوضح بالقول لـ”الخليج أونلاين”: “لخصت عُمان سياستها الخارجية وقوتها الناعمة إلى صانعة للسلام أولاً، والاستقرار في الداخل والخارج، ساعية إلى استقرار الإقليم والجوار”.

وعن إمكانية اندلاع حرب بين إيران والولايات المتحدة، رأى الشيزاوي أن سياسة أمريكا خلال العقود الماضية تُظهر أنها لا تبحث عن حرب مع ايران؛ لأن المكاسب التي تحصل عليها في الأوضاع الحالية أكثر منفعة للأمريكان.

“واستطاع الأمريكان توظيف إيران كأداة ضغط على دول مجلس التعاون لاستنزاف مواردها حتى أصبحت هذه الدول أرضاً خصبة لبيع الأسلحة الأمريكية، مستثمرة في ذلك الخلاف مع إيران”، والحديث للإعلامي العُماني.

وتوقع الشيزاوي أن السيناريو الأقرب هو دخول أمريكا وإيران في جولة من المفاوضات وبعض العقوبات ربما ستستمر سنوات.

وأردف بالقول: “أما إذا ما دخلت أمريكا حرباً مع إيران ودخل الخليج مرحلة الفوضى وعدم الاستقرار، فسيكون دول مجلس التعاون أكبر جائزة مقدمة من أمريكا لإيران”.

وأشار إلى أن هناك قلقاً جديداً أمام إيران في المنطقة إلى جانب الوجود الأمريكي، وهو الاحتلال الإسرائيلي، وذلك يعود إلى فشلها خلال العقود الماضية في بناء علاقة مع جيرانها العرب.

ولم تستطع إيران، كما يرى الشيزاوي، من خلال دبلوماسيتها الخارجية أن تكون صديقة للخليج العربي وشريكاً تكاملياً اقتصادياً وأمنياً بعيداً عن الأجندة التوسعية والقيم العقدية.

نجاحات عُمانية

تمتلك سلطنة عُمان دبلوماسية قوية تجعلها قادرة على تخفيف حدة التوتر في المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران، وتجنب اندلاع حرب بين البلدين، حيث نجحت جهودها في العديد من الملفات التي تدخلت بها خلال السنوات الماضية.

وعملت السلطنة على التوصل إلى اتفاق بين أمريكا وإيران في عام 2011؛ لإطلاق سراح ثلاثة أمريكيين اعتقلوا في إيران، ودفعت مسقط كفالة الأمريكيين التي حددت قيمتها بمليون دولار.

وفي عام 2014، استضافت السلطنة مباحثات علنية بين واشنطن وطهران، بمشاركة الاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف الوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، وهو ما نجحت فيه.

وتمكنت السلطنة من تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإيران في الوصول إلى الاتفاق النووي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وهو ما يعد الحدث الأبرز عالمياً في ذلك الوقت.

وسجل للوساطة العُمانية نجاحات دبلوماسية في الإفراج عن أمريكيين وبريطانيين احتجزهم الحوثيون عقب اندلاع حرب اليمن عام 2015، إضافة إلى دورها مؤخراً في أكتوبر 2020 بالإفراج عن أمريكيين مختطفين لدى الحوثيين.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخلیج أونلاین

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى