تبادل الشروط بين طهران وواشنطن: تأجيل الحل والمواجهة معًا
مجيء بايدن غير كفيل بحد ذاته بحل المعضلة، كما أن العودة المنتظرة إلى الاتفاق تبدو محاطة بالكثير من المشكلات ويواجهها الكثير من العقبات.
ميدل ايست نيوز: فيما تريد واشنطن أن تعود إيران إلى الالتزام ببنود الاتفاق وخاصة ذلك البند المتعلق بتخصيب اليورانيوم، تؤكد طهران أن الخطوة الأولى يجب أن تأتي من قبل الإدارة الأميركية حيث إن واشنطن هي التي انسحبت من الاتفاق وإن رفع العقوبات هو مفتاح أساسي لأهم أبواب العلاقة المؤصدة. ورغم جميع المساعي، تتراجع فرص التفاوض بين الجانبين في الفترة القصيرة المتبقية على حكومة روحاني قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، في يونيو/حزيران 2021.
لم تتوقف التأكيدات الإيرانية على مستويات عليا متعددة، بضرورة أن تبادر واشنطن إلى العودة إلى الاتفاق النووي حيث إنها هي من انسحبت منه. وكرَّر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، تصريحات سابقة بأن بلاده لن تتفاوض مع إدارة بايدن بشأن الاتفاق النووي؛ حيث سبق لإيران أن وقَّعت اتفاقًا بشأن برنامجها النووي في صيف 2015 مع (مجموعة 5+1)، وهو الاتفاق الذي انسحبت منه الإدارة الأميركية بقرار من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 2018، معيدًا كافة العقوبات التي كان من المفترض أن تُرفع عن إيران بموجب الاتفاق كما فرض عقوبات أخرى طالت كافة القطاعات الاقتصادية في إيران.
تتناول هذه الورقة آخر المواقف تجاه الاتفاق النووي الإيراني، في طهران وواشنطن، وتعكس هذه المواقف بصورة واضحة أن مجيء بايدن رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية غير كفيل بحد ذاته بحل المعضلة، كما أن العودة المنتظرة إلى الاتفاق تبدو محاطة بالكثير من المشكلات ويواجهها الكثير من العقبات.
الأكثر مقابل الأكثر أو الأقل مقابل الأقل!
ومع تداول عدد من السيناريوهات وبدء مباحثات أوروبية-أميركية، بشأن الاتفاق النووي، خرج المرشد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، ليؤكد بصورة حاسمة أن بلاده “لن تعود للامتثال للاتفاق النووي قبل رفع العقوبات الاقتصادية عنها بالكامل، وأن الولايات المتحدة يجب أن ترفع جميع العقوبات إذا كانت تريد من طهران العدول عن خطواتها النووية”.
وقال المرشد الإيراني في تغريدة على حسابه في تويتر: إن “إيران أوفت بجميع التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 وليس الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاثة… إذا كانوا يريدون من إيران العودة لالتزاماتها فيجب على الولايات المتحدة أن ترفع جميع العقوبات أولًا، ويبدو أن خامنئي يريد ما هو أبعد من قرار رفع العقوبات وهو التأكد من تطبيقها كشرط سابق للالتزام الإيراني “إذا تأكدنا من رفع كل العقوبات، عند ذلك سنعود إلى الالتزام الكامل”.
وتحدث الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بصورة منسجمة مع تصريحات المرشد الأعلى، قال الرئيس الإيراني: “إذا عادت مجموعة 5+1 إلى التزاماتها ضمن الاتفاق النووي، فإن إيران ستعود للعمل بجميع التزاماتها”، وقال خلال لقائه الدبلوماسيين الأجانب في إيران: إن من انسحب من الاتفاق النووي أولًا هو مَنْ عليه أن يتخذ الخطوة الأولى للعودة إليه، وإن إيران لم تشهد حتى الآن أي إجراء واقعي من قبل إدارة بايدن بشأن العقوبات.
ويبدو أن إيران قد غادرت مربع الحذر وهي تخاطب إدارة بايدن من خلال وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، الذي قال بأن الإدارة الأميركية لديها فرصة محدودة للعودة إلى الاتفاق، وأن السقف الزمني لهذه الفرصة ليس مفتوحًا بصورة دائمة.
في المقابل، يبدو أن إدارة بايدن لم تنضج خطة نهائية بشأن التعامل مع الاتفاق النووي، وما زال روبرت مالي الذي عيَّنه بايدن مندوبًا له للشؤون الإيرانية، يُجري مباحثات مع أطراف أميركية عدة، بعضها يحمل مواقف متشددة تجاه طهران. أما الرئيس الأميركي نفسه، فقد صرَّح بأن الولايات المتحدة “ستعاود الانضمام إلى الاتفاق الموقَّع عام 2015 إذا عادت إيران إلى الالتزام الصارم ببنوده، وأنها ستجعل ذلك نقطة انطلاق إلى اتفاق أوسع، يمكن أن يقيد قدرة طهران على تطوير الصواريخ وكذلك أنشطتها الإقليمية”.
وحمل حديث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الفحوى ذاتها إلى شبكة سي إن إن، وهي أن بلاده ستعود إلى الاتفاق النووي مع إيران إذا التزمت طهران بتعهداتها الواردة في الاتفاق.
إيران تغادر مساحة الحذر
في يناير/كانون الثاني من العام 2021، واصلت إيران خطوات تخفيض التزامها بالاتفاق النووي، وتطبيقًا لقانون صدر عن مجلس الشورى ويلزم الحكومة بعدد من الخطوات فيما يتعلق بالبرنامج النووي، استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، في خفض جديد لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي والذي ينص على ألا تزيد إيران نسبة التخصيب عن 3.67 في المئة.
قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، إن بلاده ستوقف العمل بالبروتوكول الإضافي للاتفاق النووي، إذا لم تنفذ بقية الأطراف التزاماتها، وقد تمنع إيران مفتشي الوكالة الدولية من مراقبة برنامجها النووي.
ويتصاعد القلق الغربي من مواصلة تنفيذ إيران لخطوات خفض الالتزام، خاصة مع تصريحات أخيرة لوزير الأمن والاستخبارات والأمن الإيراني، محمود علوي، بشأن نية بلاده امتلاك أسلحة نووية إذا استمرت الضغوط عليها، وقال علوي في مقابلة مع التليفزيون الرسمي الإيراني: “قال القائد الأعلى بوضوح في فتواه: إن الأسلحة النووية تناقض الشريعة وإن الجمهورية الإسلامية تعتبرها محرمة دينيًّا ولا تسعى لحيازتها”، ويستدرك علوي “لكن قطًّا محاصرًا يمكن أن يتصرف بشكل مخالف لما يفعله عندما يكون طليقًا، وإذا دُفعت إيران في ذلك الاتجاه فلن يكون الذنب ذنب إيران”.
وقد أثارت تصريحات علوي ردود فعل دولية، كان أبرزها ما صدر عن وزارة الخارجية الأميركية التي أكدت أن تصريحات محمود علوي تثير قلقًا لدى الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم الوزارة، نيد برايس، في مؤتمر صحفي عقده الثلاثاء: “من غير الواضح بالنسبة لنا حتى الآن ما إذا كان الوزير الإيراني يتحدث باسم أي طرف آخر فضلًا عنه شخصيًّا.. نحن بالطبع اطلعنا على هذا الكلام وهو مقلق جدًّا”، وأضاف برايس: “أود التشديد في هذا السياق على أن إيران لها التزامات في إطار معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية”.
وقد قوبلت تصريحات علوي أيضًا بنقد داخل إيران كان أبرزه ما نشرته وكالة تسنيم المقربة من الحرس الثوري، التي تساءلت ما إذا كان الوزير مدركًا لتبعات حديثه على مصالح الجمهورية الإسلامية، وقالت الوكالة في تعليقها: إذا كان للسيد علوي رأي شخصي حول قضايا مهمة في البلاد، فيمكنه الاحتفاظ به لنفسه أو تقديمه باسمه كشخص عادي عندما لا يكون متقلدًا لأي منصب، إلا أن الحديث وهو في منصب حساس كوزارة الاستخبارات، يجب أن يكون ضمن قواعد وأطر وتدابير، لا يستطيع الوزير الفاضل التحدث دون الالتفات إليها وبالنيابة عن الجمهورية الإسلامية.
وأضافت تسنيم: إن معارضة الجمهورية الإسلامية والمرشد الأعلى للثورة والسلطات الإيرانية لإنتاج واستخدام القنبلة النووية ليست موقفًا منافقًا لمجرد استرضاء أو خداع دبلوماسي للغرب. واعتبرت أن هذه التصريحات تتعارض تمامًا مع المصلحة الوطنية لأنها يمكن أن تقوِّي من ضغط الأطراف الغربية على إيران، والأهم من ذلك أنها تعطي مصداقية للإطار العدواني للأميركيين، وأشارت الوكالة إلى أنه لطالما شدَّدت إيران على أنها لا تنوي أبدًا صنع قنبلة نووية، ولم تتخذ أي إجراء للقيام بذلك، وشدَّدت على أن إطار التفاوض يجب أن يكون “صحيحًا” مقابل “شفافية” ؛ أي إن الغرب يقبل حق إيران في أي تخصيب صناعي غير محدود (وبصفة عامة لدورات الوقود الثقيل والمعدات، وما إلى ذلك) للاستخدام السلمي للطاقة النووية، مقابل الشفافية من خلال عمليات التفتيش وضمانات تلتزم بها إيران.
السيناريوهات
التصعيد ورفض التفاوض: قد تستمر حالة رفض التفاوض بصيغته المباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية داخل أوساط صنَّاع القرار الإيراني، لكنها لن تستمر إلى ما لانهاية وقرار التفاوض من عدمه رهن بمتغيرات عدة بعضها يتعلق بالجانب الإيراني وكثير منها يتعلق بالطراف المقابل.
ومن الواضح أن ما تبقَّى من فترة رئاسية لروحاني يعد بحد ذاته عامل تأخير لبعض الأطراف وقد يرجح الرئيس الأميركي الانتظار للتفاوض مع الرئيس الإيراني المقبل خاصة إذا صدقت التوقعات وجاء من داخل التيار الأصولي. أما داخل إيران فالمسألة في جزء مهم منها تتعلق بالسؤال الملحَّ اليوم المتعلق باستشعار وجود خطر يهدِّد بنية النظام، وذلك قد يدفع إلى ترجيح الاحتمال التفاوضي، لكنه في الوقت ذاته قد يحمل حالة تصعيد قصوى تجعل إيران تتجه لتعزيز جوانب عسكرية نووية في برنامجها النووي بصورة غير مسبوقة، وهو ما سيقابله ردود فعل قد تتضمن عملًا عسكريًّا ضد إيران، وسيعني بالتأكيد عودة ملفها النووي إلى مجلس الأمن وعودة العقوبات بإجماع دولي ضدها. وسبق لقائد القيادة الوسطى الأميركية، الجنرال كينيث ماكنزي، أن صرح بأن تحريك قوات بلاده في المنطقة يجري حسب الحاجة، ويتم بناء شراكات في مواجهة إيران، معتبرًا إياها مصدر عدم استقرار بالعراق وسوريا واليمن.
عودة أميركية كاملة والتزام إيراني كامل: وهذا السيناريو هو الذي ترغب فيه إيران، ويقوم على أن تعود الولايات المتحدة الأميركية إلى الاتفاق النووي وتزيل العقوبات المفروضة على إيران، وفي المقابل تتراجع إيران عن خفض التزاماتها وتعود إلى الالتزام الكامل بالاتفاق النووي، ولا يبدو هذا السيناريو ميسرًا بسبب كثرة العقوبات وتعقيد آليتها، فمنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، عام 2018، تم فرض عقوبات على إيران يبلغ عددها 751 تشمل شخصيات مدنية وعسكرية و259 مؤسسة مالية واقتصادية أهمها البنك المركزي وبنوك أخرى، والحرس الثوري وشركات الطيران والموانئ يضاف إليها أكثر من 800 سابقة كان من المفترض أن تُلغى بموجب الاتفاق النووي. يضاف إلى ذلك أن الرئيس الأميركي لا يبدو مستعدًّا للتخلي بالكامل عن سياسة الضغط الأقصى التي انتهجها ترامب، كما أن الحليف الإسرائيلي يعارض ذلك بصورة واضحة.
الالتزام المتبادل تدريجيًّا وجزئيًّا: إذا كان ترامب سعى لإجبار إيران على التفاوض مجددًا وتوقيع اتفاق جديد فإن الرئيس المنتخب، بايدن، لن يكون بمقدوره تجاوز العقبات التي وضعتها إدارة ترامب بشأن محاصرة إيران من خلال هيكلية العقوبات المعقدة. في المقابل، تؤكد طهران أنها لن تفاوض مجددًا على ملفها النووي، فضلًا عن رفضها التفاوض بشأن ملفات أخرى كبرنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي.
ولذلك، فإن سيناريو الالتزام الجزئي يقوم على عودة متدرجة إلى الاتفاق النووي من قبل الولايات المتحدة الأميركية والبدء بإزالة بعض العقوبات يقابلها عودة متدرجة من قبل طهران إلى الالتزام ببنود الاتفاق والتراجع عن خطواتها السابقة مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%. وقد نقلت وكالة رويترز للأنباء عن ثلاثة مصادر مطلعة أن الإدارة الأميركية تبحث مجموعة من الأفكار لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم في 2015، بما فيها اتخاذ واشنطن وطهران خطوات صغيرة دون الالتزام الكامل بالاتفاق، وذلك من أجل كسب الوقت.
تفاوض جديد واتفاق جديد: وهو السيناريو الذي تريده واشنطن وتؤيده بعض الأطراف الغربية والإقليمية، وفيه تسعى واشنطن لجعل الاتفاق أوسع من حيث القضايا التي سيشملها وهو ما تريده إسرائيل أيضًا، فيما تسعى أطراف إقليمية كالسعودية والإمارات إلى أن تكون طرفًا في هذه المفاوضات، وقد تحدث الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن ضرورة إشراك السعودية في المحادثات المبتغاة، لكن هذا السيناريو غير مقبول إيرانيًّا، فكما أنها ترفض التفاوض مجددًا بشأن برنامجها النووي، فهي تعتبر مشاركة أطراف إقليمية مثل السعودية في المفاوضات ضربًا من المستحيل.
خاتمة
يبدو أن فرصة التفاوض في الفترة المتبقية من عهد روحاني تتراجع، بفعل متغيرات عدة أهمها الشروط التي وضعها آية الله خامنئي وفي مقدمتها عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، وهذا غير قابل للتحقق في الأشهر القليلة المتبقية؛ حيث الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستُجرى في يونيو/حزيران من العام 2021.
وقد يرجح الرئيس الأميركي التريث وصياغة آلية جديدة للتعامل مع الرئيس الإيراني القادم والذي تقول مؤشرات عدة إنه سيكون أصولي التوجه. في الوقت ذاته، تنظر واشنطن بقلق شديد إلى خطوات إيران المتلاحقة بخفض التزامها بالاتفاق النووي، ولذلك قد تعمد إلى إجراءات رمزية لبناء الثقة بإزالة بعض العقوبات سعيًا لبناء الثقة وتجاوز عقبات التفاوض.
أما فيما يتعلق ببرنامجها الصاروخي، فلا يظهر أن إيران مستعدة من حيث المبدأ للدخول في مفاوضات بهذا الخصوص، ومؤخرًا أعادت مواقع للحرس الثوري نشر تصريحات سابقة، لقائد القوات الجوية في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، بأن البرنامج الصاروخي الإيراني خط أحمر ولن يُعطى الإذن لأي مسؤول للتفاوض بشأنه.
ومن المستبعد بصورة كبيرة أن تقبل طهران بمشاركة أطراف إقليمية في محادثاتها مع العالم الغربي وتطرح بديلًا عن ذلك محادثات إقليمية وثنائية مع دول كالسعودية، وقد تسهم محادثات من هذا النوع في الوصول إلى حل سياسي بشأن بعض القضايا مثل اليمن.