مواقف الولايات المتحدة وإيران والمساومات
تريد إيران الحفاظ على قدرتها على امتلاك أسلحة نووية دون امتلاك أسلحة نووية بالفعل.
ميدل ايست نيوز: أعلنت إيران أنها لن تحضر الجولة الأولى من المفاوضات بشأن إعادة الاتفاق النووي. وتقول طهران إن العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” يجب أن ترفع أولا لبدء المحادثات. ومن الواضح أن هذا التكتيك يهدف إلى تحسين موقف إيران التفاوضي مع الولايات المتحدة. لكن هذا الموقف يجب أن يكون ذا مصداقية، وأن يُقرأ بهذه الطريقة من كلا الجانبين.
وتعتبر إيران أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في موقف ضعيف فيما يخص هذه القضية باعتبار أنه لطالما أكد أن التخلي عن الاتفاق النووي كان خطأ سيصححه في أول فرصة، لذلك يحتاج “بايدن” إلى إحياء الاتفاقية الأصلية أو استبدالها بشيء مماثل.
وتتفهم إيران السياسة الأمريكية مثلها مثل أي طرف آخر، وقد أثبتت أنها مفاوض ممتاز. وإذا اعتقد المسؤولون الإيرانيون أن “بايدن” مضطر لاستعادة الاتفاقية، فسوف يجعلون ذلك صعبا قدر الإمكان.
ومن أفضل الطرق للتفاوض أن تبدو غير عقلانيا. ويعتقد الفاعلون العقلانيون أنهم منطقيون ويعملون على افتراض أن نظرائهم يعتقدون أنهم منطقيون أيضا. وقد يكون المفاوض عقلانيا، لكن إظهار أوراقه بطريقة معقولة يمنح الطرف الآخر خارطة طريق لكيفية تسوية المحادثات. وتبرع إيران في الظهور بمظهر المقدم على الانتحار، في حين أنها في الواقع تخشى الإبادة النووية مثل أي دولة أخرى.
وعلى سبيل المثال، لا تتوافق الدعاية الإيرانية حول إبادة إسرائيل مع الواقع. ولدى الإسرائيليين ترسانة نووية كبيرة، ولديها خبرة في التعامل مع التهديدات الإيرانية المحتملة. وسيتم الكشف عن أي هجوم إيراني مخطط له في وقت مبكر من العملية، وستقوم إسرائيل بشن هجوم استباقي. بعبارة أخرى، فإن أسوأ مكان يمكن أن تكون عليه إيران هو الاقتراب من استكمال سلاح نووي، وفي الحقيقة يعرف القادة الإيرانيون ذلك.
من ناحية أخرى، فإن قيمة البرنامج النووي كبيرة بالنسبة لإيران. وتلعب طهران دائما دور من يحاول امتلاك سلاح نووي، دون إعطاء أي مؤشر على اقترابها من امتلاكه بالفعل. وهذا هو السيناريو المثالي لإيران. فهي تحاول التهديد دون إجبار أي جهة على اتخاذ إجراءات محفوفة بالمخاطر. وبذلك يمكن لإيران التفاوض بشأن تنازلات مقابل عدم بناء سلاح نووي، دون أن تتعرض للتهديد المباشر بالإبادة النووية.
وفي الوقت نفسه، تحاول إيران أيضا إبراز قوتها بطريقة أكثر فعالية من خلال تقديم الدعم لعدد من التنظيمات في المنطقة مثل “الحوثيين” في اليمن، و”حزب الله” في لبنان، و”حماس” في غزة، والفصائل المدعومة إيرانيا في كل من سوريا والعراق. ويعتبر ذلك التكتيك الأبرز للسياسة الخارجية الإيرانية وأكثرها فعالية حيث تستطيع من خلاله ممارسة الضغط على الدول العربية وإسرائيل والقوات الأمريكية التي لا تزال منتشرة في المنطقة.
أما الأسلحة النووية فهي مفهوم نظري مصمم لتضخيم قوة إيران، حيث تعتمد قوتها الحقيقية على قدرتها على زعزعة استقرار بعض البلدان. وتحمل هذه الاستراتيجية في طياتها مخاطر ضئيلة مقارنة ببناء سلاح نووي. لذلك تريد إيران الحفاظ على قدرتها على امتلاك أسلحة نووية دون امتلاك أسلحة نووية بالفعل، بينما تورط إسرائيل والدول العربية والأمريكيين في عمليات سرية يصعب مواجهتها.
ويخدم رفض مناقشةالاتفاقية النووية الأصلية غرضين، فهو يختبر الرئيس الأمريكي الجديد لرؤية مدى حاجته إلى هذه الاتفاقية، كما يسمح للإيرانيين بتصعيد أولوياتهم الفعلية باستخدام الرغبة الأمريكية في إحياء الاتفاق.
ولا يوجد تداعيات سلبية حقيقية بالنسبة لإيران. فما تحتاجه طهران أكثر من أي شيء آخر هو رفع العقوبات التي دمرت اقتصادها، وولدت بدورها معارضة سياسية لمخططي الاتفاقية الأولى.
وقد عززت حالة عدم اليقين بخصوص الاتفاق الجديد من التحالف الناشئ بين الدول العربية وإسرائيل، وهو تحالف دفاعي اسمي ربما، لكن كما تعلم إيران جيدا يمكن أن يتحول إلى هجوم مباغت.
وسياسيا، إذا أراد “بايدن” الوفاء بوعوده، فعليه إحياء نسخة من المعاهدة القديمة وقد وقرأ الإيرانيون هذه الحاجة كفرصة لانتزاع التنازلات لا سيما رفع العقوبات، ولكن أيضا على المدى الطويل، التقليل من تهديد من القوات المتواجدة في الخليج. وهذه أمور حاسمة بالنسبة لإيران.
لكن مشكلة “بايدن” هي أنه لم يبدأ الحكم بعد. وتعد الأشهر القليلة الأولى لأي إدارة جديدة امتدادا لحملتها الانتخابية. وهكذا، أمر “بايدن” بشن غارة جوية على الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا لإثبات استعداده لضرب عملياتها السرية.
ويراقب الإيرانيون بعناية ليروا ما إذا كان الجناح اليساري للحزب الديمقراطي هو الذي سيحكم أم أن الوسط هو الذي سيحكم. وعلى سبيل المثال، بعد التزام حملته الانتخابية بحقوق الإنسان، طارد “بايدن” ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” بشأن مقتل “جمال خاشقجي”، قبل محاولة معالجة أي صدع في العلاقات.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى التحالف العربي الإسرائيلي لصد الطموحات الإيرانية السرية، لذا فهي بحاجة إلى أن تكون السعودية جزءا منه.
ويجب على جميع الرؤساء أن يكتشفوا كيفية الموازنة بين وعودهم وما يجب عليهم فعله. وبهذا المعنى، يواجه “بايدن” مشكلة؛ فقد تعهد بإحياء اتفاق لم يعالج مشكلة إيران حقا، ويجب عليه أن يفعل ذلك ليُظهر للأوروبيين أنه ليس “ترامب”، بينما يجب عليه في الوقت ذاته أن يوضح للإيرانيين أنه لن يتخلى عن استراتيجية “ترامب” دون مقابل. وستجعل إيران هذا الأمر صعبا عليه قدر الإمكان.