الأربعاء الأحمر… هكذا تتهيأ إيران لاستقبال سنة جديدة

يقترب عيد النوروز في إيران والذي تسبقه عادة احتفالات مختلفة تبدأ بـ"الأربعاء الأحمر" أو "الأربعاء سوري" أو كما يقال بالفارسية "چهارشنبه سوری".

ميدل ايست نيوز: يقترب عيد النوروز في إيران والذي تسبقه عادة احتفالات مختلفة تبدأ بـ”الأربعاء الأحمر” أو “اربعاء سوري” أو كما يقال بالفارسية “چهارشنبه سوری” . لكنّ احتفالات هذا العام تبدو مختلفة، على خلفية جائحة كورونا التي حرمت العالم من البهجة.

عندما تخبو الشمس عشيّة آخر يوم ثلاثاء من العام الفارسي، يبدأ الإيرانيون استعداداتهم للدخول في العام الشمسي الجديد من خلال إحياء “الأربعاء الأحمر” أو “أربعاء النار”، وتسميته الفارسية “جهارشنبه سوري”. ولا يمكن تفويت أصوات المفرقعات التي تُطلق يوم الأربعاء في مختلف مدن إيران وقراها، احتفالاً بالمناسبة وتعبيراً عن الفرح باقتراب عيد النوروز الذي يُحتفى به في 21 مارس/ آذار من كل عام. يُذكر أنّ المفرقعات راحت تكثر في السنوات الأخيرة، لتتسبّب في وفيات وإصابات تؤدّي إلى تشويه وبتر أطراف وفقدان أعضاء.

يشير خبراء إلى أنّ جذور الاحتفال بهذه المناسبة ليست واضحة في التاريخ الفارسي، ويستبعدون أن يعود هذا الاحتفال إلى مرحلة سبقت دخول الإسلام إلى بلاد فارس، معلّلين ذلك بمعطيات عدّة منها أنّ القفز فوق النار يمثّل إساءة بحسب المعتقدات الزرادشتية السائدة حينها.

لكنّ آخرين يعيدون جذور “الأربعاء الأحمر” إلى التاريخ الفارسي القديم، موضحين أنّ القدماء كانوا يحتفلون به قبل حلول عيد النوروز بستّة أيام، علماً أنّ تحوّلات عدّة طرأت على طرق الاحتفال بهذا اليوم على مدى القرون الماضية. ويرى هؤلاء أنّ المناسبة تناقلتها أساطير قديمة وصفت كيف يستقبل الفرس عامهم الجديد بطقوسهم التقليدية التي تمتدّ نحو شهر، من أبرزها “خانه تكاني” التي تقضي بتنظيف البيوت وتجديد الأثاث. وقد توارث أهل هذه البلاد طقوسهم تلك، لتكتظّ الشوارع والأسواق الإيرانية بالناس الذين يتهيّأون للعيد.

على الرغم من طغيان الجديد على احتفالات “الأربعاء الأحمر” في أيامنا هذه، غير أنّ إيرانيين كثيرين ما زالوا يتمسّكون بالطريقة الاحتفالية التقليدية، من خلال إشعال النار في الطرقات والأزقة وفي ساحات البيوت وعلى أسطحها بهدف القفز فوقها. وتجمع كل عائلة أو مجموعة من العائلات الحطب وتشعل النار فيها مع مغيب الشمس، ويقفز الأشخاص فوقها ثلاث مرات لدفع الشر والنحس والأمراض والهموم واستجلاب الصحة والسرور. وبينما قد لا يستحضر بعض الأشخاص الدلالات التاريخية لحظة القفز فوق النار، فإنّ آخرين قد يلقون أشعاراً شعبية تقليدية من قبيل “خذي لوني الأصفر وامنحيني لونك الأحمر، فليرحل الهم ويأتي الفرح و…”. والأصفر يدلّ على المرض والنحس فيما الأحمر على الصحة والنصيب الجيّد.

لطالما كانت للنار قدسية خاصة لدى القدماء في إيران، إذ عُدَّت رمزاً للتطهّر والحكمة والصحة والنور والنشاط، وهكذا فإنّ الهدف الأساسي من القفز فوقها هو التطهّر من الذنوب والأمراض والتخلص من النحس. بالتالي، يبقى إشعال النار والقفز فوقها في “الأربعاء الأحمر” أو “أربعاء النار” طقساً رئيسياً، من دون أن يكون الوحيد.

ثمّة تقاليد أخرى يمارسها الإيرانيون وتختلف من منطقة إلى أخرى، نظراً إلى اختلاف الثقافات في البلاد التي تضمّ المجتمع الأكثر فسيفسائية في الشرق الأوسط، بسبب احتضانه أعراقاً وقوميات عدّة من أمثال الفرس والأتراك والأكراد والعرب والبلوش والألوار وغيرها. ومن تلك التقاليد، عدد من الأطباق الخاصة، مثل “بلو هفت رنغ” (نوع من البيلاف) وحساء “آش رشته”.

ومن الطقوس الأخرى، نذكر “قاشق زني” والذي يغطي في خلاله بعض الناس رؤوسهم ووجوههم بأقمشة أو يلبسون أزياء معيّنة ثمّ يقصدون بيوت الجيران في الحارة، حاملين معهم ملاعق مع أوعية معدنية فيضربون الأوعية بالملاعق ويطلبون الطعام من صاحب البيت من دون التفوّه بأيّ كلمة. فيضع هو الشوكولاتة والمكسّرات والفواكه في الأوعية. وفي العادة، تمارس الفتيات والنساء اللواتي لديهنّ أمنيات معيّنة هذا التقليد، بهف تحقيقها. كذلك قد يلبس الشبان الشادور في ما يشبه المزح، ويتوجّهون إلى تلك البيوت طلباً للطعام.

“كوزه شكني” أو كسر الفخار تقليد شعبي آخر ما زال قائماً في محافظات شرقية. ويرمي الناس الفخاريات المستخدمة لتبريد المياه من أعلى أسطح المنازل في اتجاه الأزقة، ويستبدلونها بأخرى جديدة، وذلك بهدف دفع البلايا المتراكمة فيها. لكنّ لهذا التقليد أسباباً صحية كذلك، إذ كان القدماء يعتقدون أنّ الفخاريات لا تعود صالحة للاستخدام بعد عام، فيشترون الجديد منها ويرمون القديم. كذلك يكسر البعض الفخاريات بعد القفز فوق النار. واليوم، في محافظة خرسان الجنوبية شرقي إيران، يُمارَس هذا الطقس من خلال وضع الفحم والملح و”السكة” (العملة المعدنية) في داخل الفخاريات قبل رميها. ولكلّ من هذه الأشياء الثلاثة دلالة خاصة، فالفحم يدل على التعاسة والنحس، والملح على الحسد، والسكة على الرزق الوفير.

ويحلّ هذا العام مختلفاً عن الأعوام التي سبقته، فالاحتفالات بعيد النوروز والطقوس ذات الصلة فقدت نكهتها بسبب تفشّي فيروس كورونا الجديد في إيران كما في العالم، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد على خلفية التداعيات التي خلّفتها أزمة كورونا وكذلك العقوبات الأميركية. يُذكر أنّ الحكومة الإيرانية، ومع اقتراب الاحتفالات بعيد النوروز، أعلنت عن فرض قيود على حركة التنقل في داخل المدن وخارجها وسط مخاوف من موجة رابعة من الوباء.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى