تعميق العلاقات المصرية الإسرائيلية رغم الهواجس العامة
لا يزال الجمهور المصري، بالرغم من عدم عزوفه عموما عن التجارة مع إسرائيل، مترددا تجاه العلاقات الأكثر دفئا مع إسرائيل.
ميدل ايست نيوز: عمقت الحكومة المصرية تعاونها مع إسرائيل في الأمور الاستراتيجية والاقتصادية على أمل استئصال الخطر المتطرف من شبه جزيرة سيناء ودعم الاقتصاد المصري. وتتعلق هذه السياسة بشكل خاص بالغاز الطبيعي، الذي لديه القدرة على جلب عائدات النقد الأجنبي التي تشتد الحاجة إليها. وتم تسهيل العلاقات المتنامية من خلال الاجتماعات بين المسؤولين المصريين والإسرائيليين في الأشهر الأخيرة، ربما بهدف تلطيف الأجواء إدارة “بايدن” والديمقراطيين في الكونجرس الذين انتقدوا بشدة سجل مصر السيء في مجال حقوق الإنسان.
ومن جانبه، لا يزال الجمهور المصري، بالرغم من عدم عزوفه عموما عن التجارة مع إسرائيل، مترددا تجاه العلاقات الأكثر دفئا مع إسرائيل حتى إبرام اتفاق سلام عادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وإذا استمر رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” وحلفاؤه اليمينيون في الهيمنة على النظام السياسي الإسرائيلي، فمن غير المرجح أن تتحقق مثل هذه الصفقة. ومن ثم، من المحتمل ألا تغير القاهرة موقفها بأن حل الدولتين، على غرار مبادرة السلام العربية لعام 2002، هو المسار المفضل، بالرغم من ضغوط إسرائيل لاعتماد خطة “ترامب” المعروفة باسم “السلام من أجل الازدهار” لعام 2020.
التعاون الثنائي الحساس في سيناء
ولم تكن العلاقات الاستراتيجية بين مصر وإسرائيل قريبة من أي وقت مضى كما هي اليوم في عهد الرئيس “عبدالفتاح السيسي”، ويقال إنه و”نتنياهو” يتواصلان مع بعضهما البعض في كثير من الأحيان إلى حد ما. وفي ظل إدارة “السيسي”، تعاونت مصر وإسرائيل بشكل وثيق في إجراءات مكافحة الإرهاب، لا سيما ضد الجماعة الإرهابية الرئيسية في سيناء المسماة “ولاية سيناء”، المعروفة سابقا باسم “أنصار بيت المقدس”، التابعة الآن لتنظيم الدولة الإسلامية. وفي أذهان المسؤولين الإسرائيليين والمصريين، يجب هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بأي ثمن، ويجب احتواء حماس، الحركة الفلسطينية التي تسيطر على قطاع غزة.
وفيما يتعلق بالتعاون في السابق، سمحت إسرائيل بنشر وحدات عسكرية وتسليح مصري كبير في القسم الشمالي الشرقي من شبه جزيرة سيناء في معارضة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، التي تقيد عدد الأفراد والأسلحة المصرية في هذه المنطقة. ومن جانبها، ورد أن مصر أعطت الإسرائيليين الضوء الأخضر لشن ضربات جوية بطائرات بدون طيار وغيرها من الضربات الجوية في هذه المنطقة ضد أهداف متطرفة.
وأشار أحد التقارير إلى أن إسرائيل نفذت أكثر من 100 غارة جوية في سيناء بين عامي 2015 و2018. وعندما تم الكشف عن هذا النشاط العسكري الإسرائيلي في سيناء في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في أوائل عام 2018، كانت حكومة “السيسي” شديدة الحساسية تجاه هذه القضية، خوفا من رد الفعل الشعبي العنيف، حيث أصدرت نفيا شديدا.
وبسبب التعتيم الإخباري على التطورات الأمنية في شمال سيناء، من الصعب تحديد ما يجري في تلك المنطقة منذ ذلك الحين، لكن من المفترض أن هذه العلاقة العسكرية التعاونية مستمرة. وبالرغم من انخفاض الهجمات الإرهابية، لا يزال فرع تنظيم الدولة الإسلامية هناك يمثل تهديدا. وطالما لم يتم القضاء على هؤلاء المسلحين، فمن المحتمل أن يستمر هذا التعاون العسكري في سيناء بين مصر وإسرائيل.
وفي الوقت نفسه، لكل من مصر وإسرائيل مصلحة في احتواء حماس، المسؤولة عن قطاع غزة منذ عام 2006 عندما أسفرت المناوشات العسكرية عن طرد جماعة فتح القومية العلمانية من تلك المنطقة. ولطالما كان المسؤولون المصريون حذرين من حماس، التي انبثقت عن جماعة الإخوان المسلمين، حيث تظل جماعة الإخوان العدو الرئيسي المحلي والأيديولوجي لحكومة “السيسي”.
وتعتقد حكومة “السيسي” أيضا أن حماس غالبا ما تتجاهل العناصر المتطرفة في غزة التي تساعد التمرد الإرهابي في سيناء. ومن وجهة نظر إسرائيل، فحماس عدو لم يتخل عن العنف ولم يعترف بوجود إسرائيل. وتعاونت كل من مصر وإسرائيل في إغلاق الأنفاق التي تربط سيناء بغزة، والتي استخدمت لتهريب الأشخاص والبضائع في كلا الاتجاهين. كما أبقت مصر المعبر الحدودي بين غزة وسيناء مغلقا إلى حد كبير، وعموما لم تفتحه إلا لفترات معينة للسماح بالزيارات الطبية والعائلية.
ومع ذلك، لعبت مصر أيضا دورا مزدوجا فيما يتعلق بحماس. وبالرغم من أنها تفضل فتح في السياسة الفلسطينية، وهو الحزب المسيطر على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، فقد استضافت في كثير من الأحيان اجتماعات بين الفصيلين الفلسطينيين لدعم الوحدة الفلسطينية، حيث عقدت الاجتماعات في القاهرة في فبراير/شباط ومارس/آذار، تحسبا لانتخابات فلسطينية في وقت لاحق من العام.
وخلال هذا الوقت، فتحت مصر حتى المعبر الحدودي في رفح على الحدود بين غزة وسيناء للسماح لوفد حماس بالسفر إلى القاهرة وكبادرة حسن نية للفلسطينيين الذين يعيشون في غزة. ويبدو أن الإسرائيليين لا يمانعون أن يلعب المصريون دور الوساطة هذا، بل ويجدونه مفيدا، لأن هذه الروابط تسمح للقاهرة بنزع فتيل الاشتباكات العسكرية الدورية بين حماس وإسرائيل التي حدثت خلال العقدين الماضيين.
وفي منتصف يناير/كانون الثاني 2021، سافر مدير المخابرات العامة المصرية “عباس كامل”، إلى رام الله بالضفة الغربية للقاء الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، ورئيس المخابرات الفلسطينية “ماجد فرج”، ورئيس المخابرات الأردنية “أحمد حسني”.
ووُصف الاجتماع بأنه اجتماع لدفع عملية السلام ومناقشة الانتخابات الفلسطينية المقبلة. وبالرغم من عدم ورود ذكر لعقد “كامل” لقاء منفصل مع مسؤولي المخابرات الإسرائيلية، يبدو من المرجح أنه تم عقد لقاء، بالنظر إلى أن الحكومة الإسرائيلية كانت على بعد أميال قليلة فقط. وفي مايو/أيار 2020، سافر رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” إلى القاهرة للاجتماع سرا مع المسؤولين المصريين، وفقا لتقارير صحفية إسرائيلية.
وكان من المفترض أن يكون الاجتماع موجها لتنبيه القاهرة بخطط “نتنياهو” لضم الضفة الغربية. وفي حين لم يأتِ أي شيء من هذه الزيارة بسبب تعليق خطة الضم، إلا أن مثل هذه الاجتماعات تؤكد المشاورات الوثيقة بين البلدين.
تنامي الروابط الاقتصادية.. الغاز نموذجا
وبالرغم من وجود التجارة بين مصر وإسرائيل إلى جانب المشاريع المشتركة مثل المناطق الصناعية المؤهلة “اتفاقية الكويز”، التي تسمح بتصنيع المنتجات وتصديرها إلى الولايات المتحدة بدون تعريفات جمركية، منذ فترة طويلة، فإن الجديد هو العمل على مستويات ذات إمكانات كبيرة، مثل مشاريع الغاز المشتركة.
وفي عام 2005 بدأت مصر تصدير الغاز الطبيعي عبر سيناء إلى إسرائيل، لكن هذه الصادرات توقفت في عام 2012 مع ارتفاع الطلب المحلي في مصر على الغاز واستهداف المتمردين في سيناء خط أنابيب الغاز. والآن يبدو أن الغاز سوف يتدفق في الاتجاه المعاكس بكميات كبيرة.
وفي الشهر الماضي، سافر وزير الطاقة المصري “طارق الملا” إلى إسرائيل للقاء نظيره الإسرائيلي “يوفال شتاينتس”، وكذلك رئيس الوزراء “نتنياهو”، لمناقشة مشروع تعاوني كبير. وسوف يتم نقل الغاز من حقل “ليفياثان” البحري الإسرائيلي الكبير في شرق البحر المتوسط عبر خط أنابيب جديد في قاع البحر للوصول إلى منشآت التسييل في مصر.
ويتم حاليا إرسال الغاز من حقل “ليفياثان” إلى مصر عبر خط أنابيب يمتد إلى شبه جزيرة سيناء. والهدف من هذا المشروع الجديد، وفقا لمسؤول إسرائيلي، هو استخدام هذه المنشآت لتصدير الغاز إلى أوروبا، حيث يتزايد الطلب. ومما لا شك فيه أن إسرائيل ترى في هذا التعاون وسيلة لربط الاقتصاد المصري بإسرائيل حتى يفكر أي زعيم مصري مستقبلي مرتين قبل تقويض العلاقات الثنائية.
ومن وجهة نظر مصر، تتناسب هذه الصفقة مع خططها لتصبح مركزا إقليميا رئيسيا للغاز الطبيعي. وفي عام 2015، تم اكتشاف حقل غاز كبير يسمى “ظهر”، في المياه الإقليمية المصرية في البحر الأبيض المتوسط، وكانت مصر القوة الرئيسية وراء إنشاء “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي يضم قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية. ويهدف المنتدى إلى زيادة التعاون بين منتجي الغاز ودول العبور.
وما تشترك فيه معظم هذه الدول في الوقت الحالي هو معارضة رغبة تركيا في توسيع نطاق اختصاص مياهها الإقليمية في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبالرغم من وجود بعض التقارير الأخيرة التي تفيد بأن تركيا ومصر ربما تحاولان تحسين العلاقات، تشير تقارير أخرى إلى أن القاهرة قد لا تكون على استعداد تام. ولا يزال بعض المسؤولين المصريين قلقين بشأن دور تركيا في ليبيا واستمرار دعمها للإخوان المسلمين المصريين، الذين حصل الكثير منهم على ملاذ آمن في تركيا حيث بثوا هجمات إعلامية على حكومة “السيسي”. كما أن العلاقات التركية الإسرائيلية متوترة، ليس فقط بسبب قضية الغاز في البحر المتوسط ولكن بسبب دعم الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” لحركة حماس. ولم يغفل المراقبون أن إسرائيل شاركت في مناورات بحرية في وقت سابق من هذا الشهر مع اليونان وقبرص وفرنسا، وكلها لديها مشاكل مع تركيا.
وبعيدا عن التعاون في مجال الغاز، يأمل المسؤولون المصريون في جذب السياح الإسرائيليين للعودة إلى مصر، لا سيما إلى مدن المنتجعات في سيناء مثل شرم الشيخ. وفي أوائل شهر مارس/آذار من هذا العام، التقى وزير المخابرات الإسرائيلي “إيلي كوهين” مع نائب رئيس المخابرات المصري “ناصر فهمي” في شرم الشيخ وقال إن مصر تبذل “كل ما في وسعها” لجعل سيناء آمنة للسياح الإسرائيليين. ومن المثير للاهتمام، أن “كوهين” كان برفقة 60 من المسؤولين ورجال الأعمال الإسرائيليين، ما يشير إلى أن كلا البلدين يأملان في تعزيز السياحة في الأعوام المقبلة.
الجمهور المصري لا يزال فاترا تجاه تعزيز العلاقات
ومن الجدير بالذكر أن التقرير عن الاجتماع المذكور في شرم الشيخ تضمن حضورا إعلاميا ضئيلا للغاية “بناء على طلب مصر”. وبالرغم من رغبة الجمهور المصري في استمرار السلام بين مصر وإسرائيل، إلا أنه لا يزال غير مرتاح لفكرة الدفء بين البلدين طالما بقيت القضية الفلسطينية دون حل. ويدفع هذا المسؤولين المصريين، بمن فيهم “السيسي” نفسه، إلى التحرك بحذر في بعض الأحيان.
على سبيل المثال، ذكرت إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية أن “نتنياهو” أراد زيارة مصر قبل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، لكن “السيسي” طلب من الزعيم الإسرائيلي، بحسب ما ورد، التعبير عن دعمه لحل الدولتين كشرط مسبق لزيارة القاهرة، وهو أمر لم يكن “نتنياهو” راغبا في القيام به.
ووجد استطلاع عام 2020 أجرته مؤسسة “زغبي” المرموقة للخدمات البحثية بعض البيانات المثيرة للاهتمام حول مواقف الجمهور المصري تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية. وكشف السؤال “ما مدى أهمية أن يكون هناك حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟” أن 79% من المصريين يعتقدون أنه أمر “مهم للغاية”، وقال 15% إنه “مهم إلى حد ما”، في حين قال 6% فقط إنه “غير مهم إلى حد ما أو غير مهم على الإطلاق”. وفيما يتعلق بالسؤال حول إمكانية قيام إسرائيل بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، يعتقد 75% من المصريين أن التعاون مع إسرائيل يجب أن ينتهي إذا حدث ذلك.
وبالمثل، وجد “مؤشر الرأي العربي” الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في مسحه لعام 2019-2020 للمواقف العامة تجاه إسرائيل في مصر نتائج متطابقة تقريبا. فقد أجاب 85% من المصريين بأنهم يعارضون الاعتراف بإسرائيل، بالرغم من وجود معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل منذ عام 1979. علاوة على ذلك، يعتقد ما يقرب من ثلاثة أرباع المصريين أن قضية فلسطين تهم جميع العرب وليس الفلسطينيين وحدهم، ما يشير إلى أن عامة الناس في مصر لا يزالون على صلة كبيرة بالقضية الفلسطينية.
التكيف مع إدارة بايدن الجديدة ومحاولة استرضائها
ومع هذه المواقف العامة وقدوم إدارة “بايدن” الجديدة شعرت حكومة “السيسي” أنها في مأزق. ومن ناحية، يريد “السيسي” أن يُظهر لواشنطن أنه يمكن أن يكون مفيدا في عملية السلام وأن بإمكانه التعاون مع إسرائيل، وذلك جزئيا لصرف الانتباه عن سجل مصر السيء في مجال حقوق الإنسان، الذي أثاره وزير الخارجية “أنتوني بلينكين” والقادة الديمقراطيون في الكونجرس.
ومن ناحية أخرى، هناك حدود لمدى التعاون مع إسرائيل، خاصة إذا ظل الجناح اليميني هناك في صعود. ولا يمكن لـ”السيسي” أن يبتعد كثيرا عن مبادرة السلام العربية دون التعرض لرد فعل داخلي عنيف، لكن لا يمكنه الدخول في نزاع كبير مع إسرائيل خوفا من إفساد الروابط الاستراتيجية والاقتصادية الجديدة وإنهاء الدعم الذي تلقاه من المؤيدين لإسرائيل في الولايات المتحدة.
وفي غضون ذلك، أبدى “السيسي” استعداده لإظهار جانب ديني أكثر تسامحا في مصر من خلال السماح بتدريس اليهودية في المدارس المصرية، كجزء من دراسة الديانات الإبراهيمية الثلاث، ومن خلال توفير الأموال الحكومية لترميم بعض المعابد اليهودية في مصر التي كانت في حالة يرثى لها.
وتهدف هذه الإيماءات جزئيا إلى جذب السياح الإسرائيليين للعودة إلى مصر، لكنها تهدف أيضا إلى ترك انطباع إيجابي في واشنطن. ومهما كانت جديرة بالثناء، فإن هذه الإيماءات لا تعالج المناخ العام لحقوق الإنسان في مصر، الذي لا يزال يمثل إشكالية كبيرة، حيث يمكن أن يؤدي الاختلاف البسيط إلى السجن. علاوة على ذلك، إذا قرر “بايدن” وفريقه تأجيل العمل على دفعة كبيرة في عملية السلام، فإن فائدة مصر لواشنطن تصبح أقل أهمية، لأن القاهرة سيكون لديها أوراق أقل للعبها.
وبالتالي، في حين أن العلاقات المصرية الإسرائيلية المعززة يمكن أن تعمل لصالح القاهرة، فإن ما سيحدث فرقا حقيقيا لصالح مصر في واشنطن هو فتح المجال السياسي، وتحسين حقوق الإنسان، والحد من القمع.