فلسطين في دائرة أولويات المرجعية الدينية في النجف الأشرف

موقف الإمام السيستاني يعدّ في واقع الأمر استمراراً وتكريساً للمواقف المبدئية الراسخة التي تصدرها المرجعيات الدينية حيال القضية الفلسطينية.

ميدل ايست نيوز: وجَّهت القيادة الفلسطينيَّة الشكر والتقدير إلى المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني، لموقفه الداعم للشعب الفلسطيني والرافض لخيار التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، خلال لقائه التاريخي الأخير في السادس من شهر آذار/مارس الجاري مع زعيم الفاتيكان البابا فرانسيس.

وانطوى ذلك الشّكر والتقدير الذي جاء عبر برقية وقّعها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ووصلت إلى مكتب المرجع السّيستاني عن طريق السفارة الفلسطينية في بغداد، على دلالات ومعانٍ كثيرة وكبيرة، وحمل بين ثناياه حقائق مهمّة للغاية لا يستطيع أيّ مراقب موضوعيّ أن يتجاهلها أو يغضّ الطرف عنها بأيِّ حال من الأحوال.

مما لا شكَّ فيه أنَّ شكر القيادة الفلسطينية وتقديرها عكسا أهمية موقف المرجع السيستاني وأثره الكبير في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني قيادةً وشعباً، في ظلِّ تخاذل العديد من أنظمة الدول العربية والإسلامية وحكوماتها، وانبطاحها أمام الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها “إسرائيل”، وهرولتها المحمومة لإبرام معاهدات واتفاقيّات التطبيع المذلّ والمهين مع تل أبيب، في الوقت الَّذي يتعرَّض الفلسطينيون كلّ يوم لشتى أشكال الانتهاكات الإنسانية من قبل المؤسَّسات العسكرية والأمنية في الكيان الصهيوني.

موقف الإمام السيستاني الداعم والمساند للشعب الفلسطيني يعدّ في واقع الأمر استمراراً وتكريساً للمواقف المبدئية الراسخة التي تصدرها المرجعيات الدينية حيال القضية الفلسطينية منذ إقامة الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين قبل أكثر من 70 عاماً. ومن البداية، رفضت المرجعيات الدينية احتلال فلسطين ومصادرة حقوق أبنائها رفضاً قاطعاً.

وهنا، من المهمّ جداً استحضار مواقف زعيم الطائفة الإمام محسن الحكيم، والشهيد السيد محمد باقر الصدر، والإمام الخميني (قدس الله أسرارهم)، ومراجع آخرين رفعوا الصوت عالياً لنصرة الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانبه بمختلف الأشكال والصور، فالإمام الحكيم أصدر فتوى أجاز فيها دفع الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، فضلاً عن مجمل مواقفه الداعمة للفلسطينيين في كل المحطات والمراحل والتحديات الكبرى، والشهيد الصدر كان حريصاً في مجمل أطروحاته على تبيان مظلومية الشعب الفلسطيني وضرورة الوقوف إلى جانبه.

أمّا الإمام الخميني، فقد تبنّى منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة الاسلامية في مطلع العام 1979 اتخاذ خطوات عملية بهذا الشأن، تمثّلت أساساً بقطع كل العلاقات مع الكيان الصهيوني، وإغلاق سفارته في طهران، وجعلها سفارة لدولة فلسطين، وتحديد يوم سنوي لإظهار الدعم والإسناد للقضية الفلسطينية، وهو آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك من كل عام، إذ أطلق عليه “يوم القدس العالمي”، فضلاً عن الدعم السياسي والجهادي والإعلامي المتواصل إلى يومنا هذا.

ولعلَّ موقف المرجع السّيستاني الأخير الداعم لفلسطين والرافض للتطبيع لم يكن الأول من نوعه، إذ إنّ المرجعية الدينية حرصت دوماً على إظهار التعاطف والتأييد والدعم المعنوي والمادي لكلّ الشعوب المظلومة والمضطهدة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، بيد أنَّ موقفها الأخير بدا متميّزاً، لأنه جاء خلال اللقاء مع زعيم ديني كبير يتمتّع بمكانة روحيَّة لدى الملايين من أتباع الديانة المسيحية في عموم العالم.

إنَّ أفضل وأكثر من وقف في وجه التطبيع المذلّ والمهين مع الكيان الصهيوني هو المرجعيات الدينية وأتباعها ومريدوها في العراق وخارجه، ومثل هذه المواقف المشرفة تعكس الأفق الواسع للمرجعية الدينية وحرصها على الانتصار للمظلومين والمضطهدين، أياً كانت انتماءاتهم وتوجّهاتهم ومعتقداتهم، وعدم التفريط في الثوابت الدينية والوطنية والإنسانية، مهما كانت الظروف والأحوال.

ولعلّ إشادة بابا الفاتيكان بنصرة المرجعية والطائفة الشيعية لأبناء المكوّن المسيحيّ في العراق خير شاهد ودليل على ذلك، إذ إن إثارة الفتن الطائفية وافتعال الحروب الأهلية بين أبناء الديانات والقوميات والطوائف المختلفة من بين أبرز أدوات القوى الكبرى لتفتيت الدول وتقسيمها وإضعافها وقتل روح المقاومة والإرادة فيها، وهو ما ينسجم تمام مع مبدأ تقوية الكيان الصهيوني وتعزيز تفوقه، وبالتالي ترسيخ الاحتلال وتكريسه وجعل التطبيع معه خياراً واقعياً لا مناص منه.

ومثلما يعدّ اتّساع محور الغضب ضد الكيان الصهيوني عامل قلق وفزع للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية وقوى دولية وإقليمية عديدة، فإنَّ مواقف المرجعيات الدينية بدعم القضية الفلسطينية ورفض الاحتلال والتطبيع تزيد القلق والفزع والخوف لدى تل أبيب ومن يدعمها ويساندها ويقف وراءها؛ ذلك القلق والفزع والخوف الذي لم تستطع الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية والأميركية إخفاءه وهي تشهد أصداء اللقاء التاريخي للسيستاني مع البابا في ذلك البيت المتواضع البسيط في أحد أزقة مدينة النجف الأشرف الضيقة، وعلى بعد بضعة أمتار من مرقد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع).

 

عادل الجبوري

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الميادين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى