فاينانشال تايمز: المحادثات النووية تزيد من حدة الصراع الداخلي في إيران على أعتاب الانتخابات الرئاسية

أدَّى الحديث عن احتمالات العودة إلى محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي إلى زيادة تعقيد المشهد السياسي الإيراني قبل الانتخابات الرئاسية.

ميدل ايست نيوز: تعرَّضت طهران لضغوط مكثفة على مدى السنوات الثلاث الماضية؛ فقد وقعت البلاد تحت وطأة العقوبات الأشد في تاريخها -استُنزف خلالها اقتصاد البلاد ليفقد نحو 200 مليار دولار على الأقل، وفقاً لمسؤولين، فضلاً على الأضرار التي لحقت بالإيرانيين العاديين- بالإضافة إلى التهديد الخطابي المستمر بضربات عسكرية أمريكية.

لكن هذه الضغوط، من جهة أخرى، زادت النظامَ -أو على الأقل عناصره المتشددة- جرأةً وقوة من نواحٍ كثيرة، استناداً إلى تمكُّنِهم من العبور بالبلاد خلال سياسة “الضغط القصوى” التي فرضتها إدارة دونالد ترامب دون انهيار النظام أو تدفق ملايين المتظاهرين إلى الشوارع للإطاحة به عبر مظاهرات حاشدة، بحسب تقرير لصحيفة The Financial Times.

في عام 2018، انسحب ترامب بالولايات المتحدة من الاتفاق النووي -خطة العمل الشاملة المشتركة- الموقع بين إيران والقوى العالمية قبلها بثلاث سنوات لكبح طموحات طهران النووية. ورغم امتثال إيران لشروط الخطة، اتهمتها واشنطن بانتهاك “روح” الاتفاق من خلال سياساتها الإقليمية والعسكرية. ولم تكتف الولايات المتحدة بذلك، بل فرضت على إيران عقوبات قاسية، ما زاد من إثارة الشكوك بأن الولايات المتحدة ترمي إلى تغيير النظام في طهران.

لا مجال للحديث عن تسوية كبيرة

انضمت إيران الأسبوع الماضي إلى محادثات في فيينا مع الأطراف الأخرى الموقِّعة على الاتفاقية النووية -الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والصين- لبحث مستقبل الاتفاقية. ورفضت طهران فرصةً طرحتها الإدارة الأمريكية لإجراء محادثات مباشرة معها. ومع ذلك، فإن فرص تحقيق تقدمٍ دائم في المفاوضات تبدو بعيدة. وقد جاء الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية يوم الأحد الماضي 11 أبريل/نيسان وإعلان طهران هذا الأسبوع أنها تخطط لزيادة تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء أعلى ليُفاقم شكوك الجانبين.

لكن حتى قبل ذلك، بدت رسالة طهران واضحة: لا مجال لتسوية كبيرة مع الدول الغربية أو قوى الإصلاحيين في الداخل. ويرجع ذلك بالأساس إلى أن النظام يخشى من أي بادرة قد تُفسَّر على أنها علامة ضعف تهدد استقرار النظام وولاء القوات التي تعمل بالوكالة عنه في لبنان والعراق وسوريا واليمن.

أدَّى وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض إلى تعقيد الأمور من بعض النواحي. فالرئيس الأمريكي والدول الأوروبية تريد العودة إلى الاتفاق النووي كما تريد طهران رفع العقوبات، لكن الولايات المتحدة تريد إلحاق شروط جديدة بأي اتفاق نهائي: كبح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية وسياساتها التوسعية في المنطقة.

ومع ذلك يقول الشخص ذو الصلة بالمرشد الأعلى الإيراني: “بعد نجاح النظام في تحييد أثر العقوبات الأمريكية، أصبح موقف إيران السياسي أقوى بكثير من ذي قبل. الولايات المتحدة لم تعد في وضعٍ يسمح لها بتحديد الشروط”.

الصراع على السلطة في الداخل

من جهة أخرى، أدَّى الحديث عن احتمالات العودة إلى محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي إلى احتدام الصراع على السلطة في طهران، وزاد من تعقيد المشهد السياسي الإيراني قبل الانتخابات الرئاسية المزمعة في 18 يونيو/حزيران، والتي يخشى الإصلاحيون أن يهيمن عليها الجناح المتشدد، لا سيما أن الانتخابات يمكن أن تشهد أقل نسبة مشاركة للناخبين في تاريخ البلاد الحديث. ويمكن لنتيجة كهذه أن تحدَّ من أي مجال للتفاوض بشأن الاتفاق النووي بعد الانتخابات.

ومع ذلك، يقول شخص محسوب على الجناح المحافظ المتشدد من داخل النظام، إن “التحديات مع الولايات المتحدة وإسرائيل أبدية… لقد فعل ترامب كل ما في وسعه، وشمل ذلك خفض صادراتنا النفطية إلى لا شيء تقريباً، لكن الجمهورية الإيرانية لم تنهَرْ”، ويضيف: “من ثمَّ لا يمكن لأي إصلاحيّ أن يحلم حتى بالتراجع عن السياسات الاستراتيجية للبلاد. والعلاقات مع الدول الغربية ليست جزءاً من عقيدة إيران الأمنية والاقتصادية. وحتى أوروبا لم تعد جذابة لإيران، إذ لم تعد قوية كما في السابق”.

“مولعة بفرض عقوبات”

عيّن المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي محددات العودة إلى الاتفاق النووي وجعل السبيل إلى ذلك واضحاً للجميع، سواء الحرس الثوري والقضاء والبرلمان- أو القوى المؤيدة للإصلاح المرتبطة بحكومة حسن روحاني.

وقال روحاني إن بلاده -التي لم تنسحب رسمياً من الاتفاق النووي- لن تلتزم بالشروط الكاملة للاتفاقية إلا إذا اتخذت إدارة بايدن الخطوة الأولى ورفعت جميع العقوبات. وحينها فقط، يمكن أن تتراجع إيران عن خطوات العودة إلى مسار البرنامج النووي الذي سلكته منذ عام 2019، وقد شمل ذلك تخصيب اليورانيوم بكميات أكبر ودرجات نقاء أعلى وتركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً. كما شدد خامنئي على أنه لا ينبغي إجراء مناقشات مع القوى الغربية بشأن القضايا غير النووية.

في المقابل، وعلى الرغم من ترحيب الولايات المتحدة بمحادثات فيينا باعتبارها خطوة إيجابية، فإن مسؤوليها أعربوا بالفعل عن إحباطهم من إحجام إيران عن مسار المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة. وقال مسؤول رفيع في إدارة بايدن بعد الجولة الأولى من المحادثات: “نعتقد أنه سيكون من الأفضل أن نجلس مباشرة مع الإيرانيين. فالمفاوضات غير المباشرة تجعل الأمر أبطأ وأكثر تعقيداً”.

من جانبه، قال محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني ومسؤول ملف التفاوض على الاتفاق النووي، لوسائل محلية في فبراير/شباط: “المشكلة تكمن في الولايات المتحدة نفسها، والأمر هنا لا يتعلق بإدارة معينة… فالولايات المتحدة مولعة بفرض العقوبات… وفرض الضغوط… وحتى البلطجة. لكن الآن لم يعد لديهم أي نفوذ على إيران. لقد جعلونا نستند إلى اقتصاد لا يعتمد على النفط، اقتصاد بلا نفط. والآن نسبة اعتماد اقتصادنا على النفط أقل من 20%. وهذا مكسب كبير”.

ظريف قد يكون أفضل أملٍ للإصلاحيين إذا خاض انتخابات 18 يونيو/حزيران. لكن الأمر يستلزم منه أولاً التنقل للحصول على الموافقة من المؤسسات القوية التي غالباً ما تستبعد المرشحين غير المرضي عنهم قبل الانتخابات بوقت طويل. ويخشى المحاقظون المتشددون من مزيج يشمل حكومةً إصلاحية الاتجاه في طهران وإدارةً ديمقراطية في واشنطن -كما كان الحال في السنوات الأخيرة من رئاسة باراك أوباما- واعتقادهم أن ذلك قد يمهد الطريق لتدخل أمريكي مستقبلي في إيران.

“الفرصة تأتي مرة واحدة”

ويلخص أحد المنتسبين إلى الجناح المحافظ في النظم الإيراني الأمرَ بالقول: “لقد حصلت الولايات المتحدة على الفرصة لمرة واحدة ولن يتكرر الأمر. لقد كان من حسن حظنا أن ترامب انتُخب لرئاسة الولايات المتحدة، وإلا لكان الإصلاحيون قد تحولوا إلى عمالقة يُهيمنون على كل شيء الآن”.

بدوره، يخشى المعسكر الإصلاحي من أن تغذي حكومةٌ متشددة في طهران وجهات نظر متشددة في واشنطن، وتثير كذلك قوى إقليمية مثل إسرائيل والسعودية، ما قد يعني مزيداً من الضغط الاقتصادي على إيران.

كان روحاني قد تعهَّد في أعقاب إنجاز الاتفاق النووي بإبرام المزيد من الاتفاقيات الدولية المماثلة في مجالات أخرى. لكن سياسات ترامب جاءت لتنسف بفاعلية جهود الرئيس الإيراني. والآن أصبحت درجات انعدام الثقة بين المعسكريين الإصلاحي والمحافظ أعلى بكثير، وهو ما يجعل انتخابات يونيو ذات أهمية حاسمة، خاصة بعد أكثر من 20 عاماً استمر خلالها تعطيل الإصلاحيين لخطط الجناح المتشدد في الهيمنة على الانتخابات في البلاد.

ونتيجة لذلك، سيكون للحرس الثوري -المسؤول قانوناً عن “حماية” النظام الإيراني و”مكتسباته”- كلمةٌ أقوى قبيل هذه الانتخابات وفي أي محادثات مستقبلية مع الولايات المتحدة.

مخاوف الإقبال على الانتخابات

ربما كان التهديد الأكبر لجميع الفصائل هو المشاركة المتدنية في اقتراع يونيو/حزيران. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن نسبة المشاركين قد تصل إلى 40%، خاصة مع اتجاه الشباب المتعلم لوسائل التواصل الاجتماعي بكثافة واستخدامها للتعبير عن سخطه من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وسياسات النظام بوجه عام.

وقد أدَّت المعاناة الاقتصادية إلى مفاقمة إحباط الناخبين. ويقول سياسيون إن كثيرين ممن صوتوا بانتخاب روحاني في 2013 أو 2017 لم يعد لديهم استعداد حتى للذهاب إلى مراكز الاقتراع هذا العام.

ومن ثم، يأمل الإصلاحيون بأن يؤدي عقد اتفاق مع الولايات المتحدة أو أي تخفيف للعقوبات خلال الشهرين المقبلين إلى دفع الناس للمشاركة في الانتخابات بأعداد أكبر.

بالإضافة إلى ذلك، يشير مراقبون إلى أن النظام خلُص إلى أن المشاركة المتدنية بدرجة محرجة، أي أقل من 50%، تضر بمصداقية النظام في الداخل وبموثوقية المفاوضين الإيرانيين في أي محادثات مع الولايات المتحدة. ولذلك عمل على تشجيع الإقبال الكبير على الانتخابات -على الرغم من أن ذلك من المرجح أن يأتي في مصلحة مرشح إصلاحي. وقال المرشد الأعلى لا ينبغي تضييع ولو “ساعة واحدة” وبذل أقصى الجهود لرفع العقوبات، وهو ما يشكّل تحدياً مباشراً الذين يريدون عرقلة الوصول إلى أي اتفاق جديد قبل يوم الاقتراع.

وفي خطابه العام الذي ألقاه في مارس/آذار، وصف المرشد الانتخابات بأنها “استثمار” للمستقبل. وأضاف أنه “كلما زاد الإقبال، زادت الفوائد” التي ستعود على الدولة ككل في جهود “التصدي لعدوها”.

 

قد يعجبك:

هل يحسم صراع القوى داخل إيران مصير الاتفاق النووي؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
عربي بست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى