إيران والصين.. شراكة تشوبها الحذر

ستظل إيران متشككة في مصداقية الصين كشريك اقتصادي استراتيجي وستسعى إلى تجنب الاصطفاف بشكل وثيق خوفًا من أن تصبح شديدة الاعتماد على بكين.

ميدل ايست نيوز: ستؤدي شراكة إيران الاستراتيجية مع الصين إلى زيادة التعاون الأمني ​​والاقتصادي بينهما، لكن طهران ستتجنب الانحياز الكامل لبكين خوفًا من أن تصبح شديدة الاعتماد على شريك واحد وحتى لا تفقد الغرب بشكل كامل، ما يعني أن الاتفاقية قد تساعد في دفع إيران لتحسين علاقاتها مع الغرب لموازنة العلاقات مع الصين.

ويعكس التوقيع على اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة، الذي يمتد لـ 25 عامًا، المصالح المشتركة بين طهران وبكين، بما في ذلك التعاون في “مبادرة الحزام والطريق”، وكذلك في مسائل الطاقة والدفاع. لكن إيران ستسعى إلى موازنة شراكتها مع الصين بتحسين العلاقات مع الدول الغربية، لضمان بقاء طهران “كجمهورية إسلامية لا شرقية ولا غربية”، كما قال “الخميني”.

ولم يتم نشر النص الرسمي للاتفاقية حتى الآن، لكن نسخة مزعومة من 18 صفحة من الاتفاقية بالفارسية ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي في يونيو/حزيران 2020، وتحدد الوثيقة المسربة عددًا من المجالات المختلفة التي يمكن أن تتعاون فيها الصين وإيران، بما في ذلك الاستثمار والتجارة والطاقة والبتروكيماويات والبنية التحتية والمسائل الدفاعية.

وقد ذكرت مجلة “إيكونوميست بتروليوم” في عام 2019 أن الشراكة المحتملة تشمل حوالي 400 مليار دولار من الاستثمارات في إيران، وهو رقم ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” أيضًا في يونيو/حزيران 2020. لكن الوثيقة المسربةلا تتضمن أرقاما محددة، ما يعني أن هذه الأرقام قد تكون غير واقعية. ومن المحتمل أن يرتبط مستقبل ذلك أيضا بعدة شروط، منها وضع العقوبات الأمريكية على إيران.

ولدى إيران والصين عدد من المصالح الاستراتيجية المشتركة التي تدفعهما للعمل مع بعضهما البعض في الأمور الاقتصادية والسياسية والأمنية، حيث تتعرض الصين وإيران لضغوط من الولايات المتحدة من خلال العقوبات والقيود التجارية. كما ينظر كلاهما إلى النظام الدولي بقيادة الغرب والولايات المتحدة على أنه غير عادل ويأملان في نزع هذه الهيمنة.

وتسعى إيران إلى استثمارات كبيرة في بنيتها التحتية أيضًا وهو الأمر الذي يتوافق مع إستراتيجية مبادرة “الحزام والطريق” الصينية بفضل الموقع الجغرافي لإيران وحقيقة أن الانشاءات هي جزء أساسي من خطة التحفيز الصينية لدعم التعافي الاقتصادي من “كورونا”.

كما تحاول إيران تعزيز قوتها العسكرية التقليدية والاستراتيجية، وهو أمر يمكن للصين أن تساعدها فيه جزئيًا، عن طريق زيادة الاستثمار التجاري الذي نعكس إيجابيا على الاقتصاد الإيراني. وبالنسبة لطهران، فإن استعداد الصين لمواصلة مستوى معين من واردات النفط الإيراني خلال ذروة العقوبات الأمريكية قد منح طهران أيضًا مجالًا ماليًا للتنفس.

ولدى إيران والصين مصلحة مشتركة في تقليص دور الدولار الأمريكي في التجارة الدولية باستخدام عملات بديلة، مثل اليوان الصيني، فضلاً عن إيجاد بدائل لمنصة “سويفت” ومقرها بروكسل والتي تدعم المدفوعات والمعاملات الدولية.

ومع ذلك، ستظل إيران متشككة في مصداقية الصين كشريك اقتصادي استراتيجي وستسعى إلى تجنب الاصطفاف بشكل وثيق خوفًا من أن تصبح شديدة الاعتماد على بكين. ولدى إيران تاريخ طويل من محاولة موازنة علاقاتها بين القوى المختلفة، وهي استراتيجية تضرب بجذورها في أيديولوجية الجمهورية الإسلامية القائمة على الاعتماد على الذات وعدم الانحياز.

لقد أجبرت البراجماتية المقترنة بالعقوبات إيران على أن تصبح أكثر اعتمادًا على الصين، لكن تجربة اعتماد طهران العميق على شركاء خارجيين آخرين – بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا – أثبتت أن تكلفتها تفوق الفوائد، ما جعل طهران تدرك تمامًا مخاطر القيام بذلك مرة أخرى، حتى مع الصين.

تدرك إيران أيضًا أن الصين لا تنظر إليها على أنها شريك شرق أوسطي فريد. وبالفعل، فإن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران ليست الأولى من نوعها بالنسبة للصين في الشرق الأوسط، حيث وقعت بكين اتفاقية مماثلة مع الإمارات في عام 2012. بمعنى آخر، تدرك إيران أن بكين لا تعتبر طهران شريكًا اقتصاديًا أكثر أهمية من خصومها العرب.

بالإضافة إلى ذلك، بالرغم أن المسؤولين الصينيين أعربوا عن أسفهم ورفضهم للعقوبات الأمريكية، لكن الشركات الصينية التزمت بالعقوبات إلى حد كبير. فقد تباطأت الاستثمارات الصينية في قطاع النفط الإيراني والقطاعات الأخرى الخاضعة للعقوبات أو تم تجميدها بسبب العقوبات الأمريكية.

وواصلت الصين مستوى معينًا من واردات النفط الإيراني، لكن هذه الواردات تراجعت بشكل كبير خلال ولاية الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، لتصل إلى مستوى منخفض يبلغ حوالي 200 ألف برميل يوميًا، حيث لم ترغب الشركات الصينية الكبرى في المخاطرة في ظل العقوبات الأمريكية.

علاوة على ذلك، تعد المنتجات الصينية بدائل شائعة للمنتجات الغربية في إيران، ما يجعلها المنتج الأجنبي الرئيسي الذي ينافس الصناعات المحلية وغالبًا ما يخفض أسعارها، ما يؤدي إلى استياء الشركات الإيرانية التي لا تستطيع مواكبة التنافس مع الشركات الصينية.

ومن الجدير بالذكر أن شركة النفط الوطنية الصينية العملاقة المملوكة للدولة انسحبت في عام 2019 من مشروع غاز جنوب بارس بسبب العقوبات الأمريكية. وقبل الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، طردت طهران أيضًا شركة النفط الوطنية الصينية من مشروع بسبب الاستثمارات المتوقفة. إن تاريخ الصين غير الموثوق في الوفاء بالوعود الاستثمارية والتجارية لإيران بسبب العقوبات الأمريكية سيدفع طهران إلى مواصلة السعي إلى التطبيع مع الغرب.

وتم تصميم الجوانب الاقتصادية والاستثمارية للشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين لتتوافق مع الاتفاق النووي الإيراني بالتزامن مع محاولات واشنطن وطهران لإحياء الاتفاق. في الواقع، تم اقتراح الشراكة للمرة الأولى خلال رحلة الرئيس “شي” عام 2016 إلى طهران، قبل حملة “أقصى ضغط” التي فرضتها إدارة “ترامب” ضد إيران. وجاءت رحلة “شي” بعد أقل من أسبوع من تخفيف العقوبات الأمريكية على إيران كجزء من الاتفاق النووي.

وفي ذلك الوقت، كانت إيران تأمل في أن يؤدي الاتفاق النووي ورفع العقوبات إلى زيادة استثمارات الدول الآسيوية والأوروبية في اقتصادها. وكان يُنظر إلى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الصين على أنها عامل تمكين للاستثمارات الصينية المهمة. وحتى اليوم، فإن الاستثمار الصيني الكبير في إيران سيكون، من الناحية العملية، مشروطًا برفع الولايات المتحدة للعقوبات.

من وجهة نظر بكين، فإن مثل هذه الشراكة تحفز إيران أيضًا على التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن الصين لا تريد أن تصبح إيران قوة نووية، لأن ذلك سيعقد علاقات بكين الاقتصادية مع القوى الإقليمية الأخرى في الشرق الأوسط، مثل السعودية والإمارات.

لكن الصين ستظل ضرورية لانتعاش الاقتصاد الإيراني حتى لو رفعت الولايات المتحدة العقوبات، حيث من المرجح أن تظل أي جهود إيرانية لكسب الاستثمار الأوروبي غير مجدية لعدة سنوات أخرى. فقد أُحبطت الشركات الغربية التي كانت على استعداد للاستثمار في إيران بموجب الاتفاق النووي بسبب قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الصفقة في عام 2018، بعد نحو عامين من رفع العقوبات. وسيجعل هذا الشركات الغربية متشككة بمجرد عودة تخفيف العقوبات، لا سيما أنه ستكون هناك أسئلة حول ما إذا كانت الصفقة ستنجو من تغيير محتمل آخر مع الإدارات الأمريكية القادمة. وسيمنح هذا الشركات الصينية ميزة كبيرة في الحصول على فرص مربحة.

في نهاية المطاف، ستؤدي الاتفاقية إلى تنشيط ودفع المزيد من المعارضة الإيرانية العامة للثقل الاقتصادي للصين مما يدفع القيادة الإيرانية إلى اتباع نهج متوازن في علاقتها مع الصين.

وستكون الصين في البداية أكثر اهتمامًا بالاستثمار في قطاع الطاقة والبنية التحتية الإيرانية في إطار “مبادرة الحزام والطريق”. ولكن بمرور الوقت، ستبدأ بكين في النظر إلى القوى العاملة الإيرانية الكبيرة المتعلمة والسكان كسوق أكثر أهمية في المستقبل. وسيكون أحد المجالات الأكثر ديمومة للتعاون الصيني الإيراني هو القضايا الاستراتيجية والدفاعية، حيث ستسعى إيران إلى تعميق التعاون في مجال التقنيات العسكرية.

وحتى في حال تخفيف العقوبات الغربية، فمن غير المرجح أن تتمكن إيران من الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الغربية. وما تزال العديد من المنصات العسكرية التقليدية لإيران أنظمة أمريكية كانت موجودة قبل الثورة الإيرانية عام 1979. وأدى افتقار إيران إلى المنصات العسكرية التقليدية الحديثة إلى تركيزها على قدراتها غير المتكافئة.

وتنظر إيران إلى الصين (إلى جانب روسيا) كخيار لتحسين جيشها التقليدي وتقديم المساعدة الفنية والاستثمارات لصناعة الدفاع المحلية. لكن من غير الواضح إلى أي مدى ستكون الصين على استعداد لتجاهل الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين الآخرين في الشرق الأوسط من خلال تسهيل مبيعات الأسلحة غير التقليدية مع إيران.

ومن المحتمل أن يبقي الواقع الفعلي لصفقات الأسلحة بين الصين وإيران متواضعاً. ولكن من وجهة نظر طهران، فإن أي زيادة في التعاون العسكري ستكون مؤثرة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الخليج الجديد
المصدر
Stratfor

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى