كيف رد الرئيس الأمريكي على عجرفة إسرائيل؟

أدت محادثات فيينا إلى مزيد من التوتر في العلاقة بين نتنياهو وبايدن التي توصف بأنها الأقل دفئاً بين رئيس أمريكي وإسرائيل.

ميدل ايست نيوز: لم يكن الهجوم الإسرائيلي الأخير على منشأة نووية إيرانية أول عملية إحراج يتسبب بها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لرئيس أمريكي ديمقراطي، ويُظهر هذا الهجوم ضمن أشياء أخرى أن العلاقة بين نتنياهو وبايدن أبرد من أي علاقة بين قيادتي البلدين منذ عقود.

وتمثِّل المحادثات النووية الإيرانية الحالية لحظةً حاسمةً للرئيس الأمريكي جو بايدن وأدت هذه المحادثات إلى مزيد من التوتر في العلاقة بين نتنياهو وبايدن التي توصف بأنها الأقل دفئاً بين رئيس أمريكي وإسرائيل وزعيمها طويل الأمد بنيامين نتنياهو، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

شنَّ بايدن حملته الانتخابية بناءً على تعهُّدٍ بالعودة إلى الاتفاق الإيراني، الذي توسَّط فيه الرئيس باراك أوباما، في مواجهة اعتراضاتٍ شديدة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لكن حتى بدء المحادثات هذا الشهر (أبريل/نيسان)، لم يكن من الواضح كيف سيتعامل أيٌّ من الزعيمين مع خلافاتهما في الرأي، أو ما الذي يمكن أن يحدث لتحالفٍ يشهد بالفعل حالةً من التغيُّر المستمر.

أدَّى هجومٌ على منشأةٍ إيرانية رئيسية، نُسِبَ على نطاقٍ واسعٍ لإسرائيل، إلى تفاقمٍ مفاجئ للخلاف المحتدم.

وضرب انقطاع التيار الكهربائي بدا أنه نجم عن انفجار مخطط له عمداً موقع تخصيب اليورانيوم الإيراني في نطنز مؤخراً، فيما وصفه مسؤولون إيرانيون بأنه عمل تخريبي قالوا إنه تم تنفيذه من قِبَل إسرائيل، فيما تفيد تقارير أمريكية بأنه قد يؤخر برنامج طهران النووي لمدة تسعة أشهر بعد أن كاد الإيرانيون يدخلون مرحلة جديدة في دورة إنتاج الوقود النووي.

ولم يعرقل هذا الهجوم، الذي يبدو أنه عملٌ تخريبي جرى تنفيذه قبل الجولة الثانية من المحادثات التي افتُتِحَت الخميس 15 أبريل/نيسان، المفاوضات عن مسارها. لكنه قد يجعل العلاقة بين نتنياهو وبايدن وحتى العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر حساسية لبايدن تحديداً، لأنها أظهرت أن مكانته مقيَّدة في محادثات إيران.

وأشاد بايدن بالمحادثات يوم الجمعة 16 أبريل/نيسان، وانتقد قرار إيران زيادة تخصيب اليورانيوم، الذي يُعَدُّ انتهاكاً للاتفاق.

وقال بايدن خلال مؤتمرٍ صحفي: “المناقشات جارية. أعتقد أنه من السابق لأوانه الحكم بشأن النتيجة، لكننا لا نزال نتحدَّث”.

وبشكلٍ عام، يشير الرئيس الأمريكي الجديد إلى أنه يشعر بميلٍ أقل من أسلافه، إلى إظهار التقارب مع إسرائيل. وأصبح الديمقراطيون بصورةٍ عامة أكثر تشكُّكاً في سياسات الدولة اليهودية في السنوات الأخيرة، بينما تحالَفَ القادة الإسرائيليون بشكلٍ وثيق، مع الحزب الجمهوري، وهو تحوُّلٌ مهمٌّ في العلاقة التي استمرَّت نحو 73 عاماً بين البلدين.

وجاء التعطيل بمنشأة نطنز النووية في الوقت الذي زار فيه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، إسرائيل يوم الأحد. وإذا كانت إسرائيل وراء الهجوم كما يعتقد المُحلِّلون، فمن الواضح أنها قد حدَّدَت توقيته ليس فقط لتخريب المحادثات الإيرانية الجارية في فيينا، ولكن أيضاً لإرسال رسالة إلى واشنطن بإحراج وزير الدفاع الأمريكي الزائر.

قالت كالي توماس، المتخصِّصة في شؤون الشرق الأوسط بمركز الأمن الأمريكي الجديد: “من يدري ما الذي حدث؟ لكن وجود وزير الدفاع في إسرائيل صباح الهجوم، يضع الإدارة في موقفٍ صعبٍ حقاً”.

ولم تعلِّق إسرائيل رسمياً على الهجوم، الذي وصفته إيران بـ”الإرهاب النووي” الذي ارتكبته إسرائيل. ونفى مسؤولون أمريكيون أيَّ تورُّطٍ لهم، ورفضوا توجيه اللوم.

العلاقة بين نتنياهو وبايدن قديمة، إذ يعرف الرئيس الأمريكي، نتنياهو منذ عقود، ولم ينسَ ما يعتبره إهاناتٍ سابقة من الزعيم الإسرائيلي، من ضمنها خطاب نتنياهو أمام الكونغرس والذي جادَلَ فيه ضد الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، حسب الصحيفة الأمريكية.

ودعا الجمهوريون آنذاك رئيسَ الوزراء الإسرائيلي المُتشدِّد إلى التحدُّث، دون استشارة أوباما أو بايدن، الذي كان آنذاك نائب الرئيس، وهو ازدراءٌ دبلوماسيٌّ كبير.

وعلى الرغم من أن العلاقة بين نتنياهو وبايدن كانت وثيقة، حيث كانا يربطهما صداقةٍ حميمة، فإنه بعد انتخاب بايدن، أبقى الرئيس الأمريكي، نتنياهو منتظراً لأسابيع قبل الموافقة على مكالمةٍ رسمية. وكانت الإشارة واضحة: الخط المفتوح لنتنياهو مع البيت الأبيض في عهد الرئيس دونالد ترامب قد أُغلِقَ.

كان التناقض مُذهِلاً، لأن ترامب ونتنياهو أظهرا تقاربهما تجاه بعضهما بطرقٍ غير مسبوقة. نقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس، على سبيل المثال، وهو ما قاومه رؤساء أمريكيون آخرون لعقودٍ مضت. وأيَّد السيطرة الإسرائيلية الدائمة على مرتفعات الجولان المُتنازَع عليها، وهي من المُحرَّمات القديمة الأخرى.

أما نتنياهو، فمن جانبه أظهر نفسه مع ترامب في مُلصقات حملته الانتخابية؛ لتعزيز مكانته، حتى إنه سعى لتسمية مستوطنة إسرائيلية باسم “مرتفعات ترامب”.

وكانت النتيجة هي توحيد إسرائيل، التي تتمتَّع بدعم الحزبين الحاكمين في أمريكا كشريكٍ مركزيٍّ للولايات المتحدة منذ تأسيسها عام 1948، مع الحزب الجمهوري بشكلٍ أوثق.

في الوقت نفسه، أبدى عددٌ متزايدٌ من الشخصيات الشابة داخل الحزب الديمقراطي، مثل النائبة رشيدة طليب (الديمقراطية عن ولاية ميشيغان)، استعداداً لانتقاد إسرائيل بقوةٍ أشد.

قد يقترب بايدن من إسرائيل إذا استُبدِل نتنياهو في مرحلةٍ ما وحلَّ محله زعيمٌ أكثر تصالحية وأقل ولعاً بالنزاعات. في غضون ذلك، يتجلَّى التحوُّل عن سنوات ترامب في تحرُّكاتٍ مثل قرار بايدن استئناف مدفوعات الدعم للفلسطينيين، وفي إعادة التزامه بهدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وعلى نطاقٍ أوسع، يبدو أن بايدن أيضاً أقل انغماساً بفكرة التوسُّط في السلام بالشرق الأوسط من معظم الرؤساء السابقين، الذي تولَّى العديد منهم مناصبهم وانجذبوا إلى العمل على ذلك. لم يتَّخِذ بايدن أية خطوة لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، ولم يشر إلى أنه يخطِّط لبادرةٍ جريئة لاحقاً.

وبصفة عامة، قلَّل بايدن من مكانة الشرق الأوسط كأولويةٍ إستراتيجية، حيث تسعى إدارته إلى إعادة توجيه قوتها في السياسة الخارجية إلى آسيا.

إن بايدن، السياسي الديمقراطي المُخضرَم، على درايةٍ جيِّدة بقوة المشاعر المؤيِّدة لإسرائيل واللوبيات التي تدعمها في الولايات المتحدة. لكن الإدارة لم تحدِّد مسؤولاً للاتصال الرسمي بالجماعات اليهودية. ولم يرشِّح بايدن سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل، على الرغم من أن مايكل أدلر، أحد المانحين البارزين، قد سعى لهذا المنصب.

ولا يبدو أن الإدارة تبذل كثيراً من الجهد لمعالجة مخاوف بعض الجماعات الموالية لإسرائيل بشأن استئناف الولايات المتحدة المحادثات مع إيران.

ألغت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، وهي أكبر مجموعة من نوعها، مؤتمرها السنوي للسياسة هذا الربيع، بسبب جائحة كوفيد-19. وهذا يعني أن بايدن لم يكن مضطراً إلى مواجهة استقبالٍ مُتشكِّك مُحتمَل من المجموعة ذات الميول المُحافِظة.

لكن بايدن لن يحضر مؤتمراً عبر الإنترنت مُخطَّطاً له يومي السبت والأحد، من قِبَلِ مجموعة J Street، وهي مجموعةٌ ليبرالية مؤيِّدة لإسرائيل تدعم بقوةٍ سياساته، على الرغم من أن ليندا توماس غرينفيلد السفيرة لدى الأمم المتحدة، وسيدريك إل ريتشموند مدير المشاركة العامة لدى بايدن، سيتحدَّثان في المؤتمر.

وقال رئيس مجموعة J Street، جيمري بن عامي، إنه غير منزعج من غياب بايدن. وأضاف: “مازلت أعتقد أن هذه هي الأيام الأولى. أعتقد أننا لم نصل حتى إلى علامة 100 يوم، ولا أعرف أن لديهم كلَّ اللاعبين الأساسيين في أماكنهم”.

وقال بن عامي وآخرون، إن لدى بايدن سبباً للابتعاد عن نتنياهو بعض الشيء الآن. ولا تزال إسرائيل مشلولةً سياسياً، ومن المُحتمَل أن تتجه لخامس انتخابات في غضون عامين تقريباً، بينما يواجه نتنياهو نفسه المحاكمة بتهم فساد.

ومن جهتها، قالت كالي توماس، إن نتنياهو يعرف أنه يسير على طبقةٍ رقيقةٍ من الجليد مع الولايات المتحدة.

وقالت: “الجميع يرى كيف تجري الأمور. سيكون هناك تحوُّلٌ في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لا أعتقد ذلك فقط بسبب بايدن، ولكن لأن إسرائيل تلقَّت مزيداً من الانتقادات في واشنطن، خاصةً من الديمقراطيين خلال عهد ترامب”.

سرعان ما برز الخلاف حول إيران باعتباره ذروةً لهذه الديناميات الجديدة في العلاقة بين نتنياهو وبايدن.

نعم كان هناك مشكلة في العلاقة بين نتنياهو وبايدن قبل الهجوم الذي تعرَّضَت له منشأة نطنز، ولكن زاد الأمر بشكلٍ خاص بعد ذلك الحين.

أعلنت إيران أنها ستزيد تخصيب اليورانيوم إلى 60%، رداً على الهجوم الإسرائيلي. وهذا المستوى أعلى بكثيرٍ مِمَّا يسمح به الاتفاق النووي، وهو يزيد من تعقيد مهمة إحياء الاتفاق.

ويبدو أن نتنياهو يسعى إلى تخريب إحياء الصفقة، من خلال تقويض ثقة إيران بأنها تستحق الإحياء، وبأن الأمريكيين، حتى بعد ترامب، جادون في تسوية القضية من خلال الدبلوماسية بدلاً من فرض العقوبات، حسبما ورد في تقرير لموقع Slate.

مع تحديد إسرائيل كمصدر للهجوم، يتعين على إيران الرد بطريقة ما، مما سيسمح للسياسيين المناهضين لإيران- في إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية والإمارات- بتصوير طهران كقوة عدوانية لا ينبغي إعفاؤها من العقوبات.

كما أن نتنياهو لديه هدف سياسي شخصي بعد أن فشل للمرة الرابعة في الفوز بأغلبية، ويواجه احتمال المحاكمة بتهمتي الفساد والاحتيال، ويمكن أن تغير أزمة الأمن القومي البيئة السياسية المعاكسة التي يواجهها في أثناء محاولته تشكيل حكومة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.

وسعى المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون إلى إبداء الهدوء في أعقاب هجوم نطنز، ولم يعرقل الحادث زيارة أوستن أو اجتماعاً افتراضياً يوم الثلاثاء الماضي، بين مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ونظيره الإسرائيلي.

وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، جين بساكي، يوم الأربعاء: “ليست لدينا أيُّ تكهُّناتٍ إضافية نضيفها إلى سبب أو أصل الهجوم الذي وقع مطلع الأسبوع”. وأضافت: “ما ينصبُّ عليه تركيزنا هو مُضي المسار الدبلوماسي إلى الأمام”.

لكن ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان إيران والولايات المتحدة العودة إلى الاتفاق. وقال دبلوماسي مُطَّلِع على تفكير إسرائيل، إن كيفية تأثير هذه الأحداث التي تتكشَّف، على العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل غير مؤكَّدة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
عربي بست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى