من هو علي لاريجاني وكيف يمكنه خلط أوراق المحافظين في الانتخابات الرئاسية؟

ترشح رئيس البرلمان الإيراني السابق، علي لاريجاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لم يشكل مفاجأة، لكنه قد يحمّل المشهد الانتخابي مفاجآت.

ميدل ايست نيوز: ترشح رئيس البرلمان الإيراني السابق، علي لاريجاني، أمس السبت، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لم يشكل مفاجأة، رغم أنه جاء معاكساً لوعده السابق بعدم الترشح، لكنه قد يحمّل المشهد الانتخابي مفاجآت.

لاريجاني شخصية محافظة معتدلة، أكد خلال ديسمبر/كانون الأول 2019، أنه لا ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية، غير أنه عاد، أمس السبت، ليقول خلال تسجيله ترشحه بوزارة الداخلية، إنه كان متمسكاً بقراره بعدم الترشح، لكنه تراجع عن ذلك بعد تصريحات أخيرة للمرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي حول الانتخابات.

كذلك كشف عن إجرائه اتصالات مع مرجعيات دينية في مدينة قم قبل اتخاذ القرار بالترشح، ما شجعه على ذلك.

وترشح لاريجاني في 2005 للانتخابات الرئاسية كواحد من أبرز المرشحين عن التيار المحافظ، لكنه حل في المرتبة السادسة، فيما فاز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، أحد أكثر الرؤساء جدلاً في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

سيرة علي لاريجاني

ولد علي لاريجاني، عام 1957 في مدينة النجف الأشرف في العراق، منحدراً من التيار الأصولي، ويحمل شهادة الدكتوراه في الفلسفة الغربية من جامعة طهران، وهو صهر منظر الثورة الإسلامية ورجل الدين المعروف مرتضى مطهري الذي اغتيل في عام 1980 على يد مجموعة “فرقان” المعارضة.

علي لاريجاني وصل إلى رئاسة البرلمان منذ عام 2008، واستمر فيه حتى يونيو/ حزيران 2020، ليسجل باسمه أطول فترة رئاسة للمؤسسة التشريعية في البلاد. كذلك سبق أن تولى عدداً من المناصب في السابق، إذ كان رئيساً لهيئة الإذاعة والتلفزيون، ووزيراً للثقافة، وممثلاً للمرشد في اللجنة العليا للأمن القومي. وعُيِّن أميناً لمجلس الأمن القومي الأعلى في زمن نجاد، وقاد المفاوضات النووية مع الغرب، لكنه استقال من هذا المنصب بعد عامين (من 2005 حتى 2007) بعد خلافاته مع نجاد.

على الرغم من امتعاض بين المحافظين القاعدة الاجتماعية للحرس الثوري تجاه لاريجاني، لكن تربطه علاقات جيدة بالمرشد الإيراني الذي اختاره مستشاراً له بعد مغادرته منصب رئاسة البرلمان لـ12 عاماَ، فضلاً عن أنه أيضاً لديه علاقات جيدة مع قادة الحرس الثوري الإيراني، الذي انضم إليه عام 1982 وشغل منصب نائب رئيس أركان الحرس، وكان من قادته في الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.

وبات يقترب، منذ سنوات، من الإصلاحيين والمعتدلين (تيار الرئيس حسن روحاني)، رغم أنه ما زال يحسب على التيار المحافظ.

هذه الاستدارة وعدم اتخاذه مواقف واضحة ضد أحداث عام 2009 على خلفية الاحتجاجات على نتائج انتخابات الرئاسة وضد الزعيمين الإصلاحيين القابعين في الإقامة الجبرية منذ ذلك العام، أزعجت أطيافاً كثيرة بين المحافظين، ما جعله عرضة لانتقادات حادة، وصلت أحياناً إلى حد مقاطعة محاضراته، وحتى مهاجمته في 2013 في مدينة قم، حيث معقله الانتخابي. واتُّهِم وقتها أنصار نجاد بتدبير الحادث.

عائلة لاريجاني

عائلة لاريجاني من أشهر العوائل المتنفذة في عالم السياسة الإيرانية، بعد عقود من التواجد في الواجهة، إذ لم يسبق أن سجل تاريخ البلاد السياسي المعاصر حضور عائلة متنفذة مثلها، ليتولى اثنان من أبنائها رئاسة سلطتين من السلطات الثلاث في الدولة في آن واحد ولعشر سنوات، أي التشريعية التي أمسك زمامها علي لاريجاني لـ12 عاماً، والقضائية التي ترأسها شقيقه العالم الديني صادق لاريجاني لعشر سنوات، قبل أن يغادر هذا المنصب في ديسمبر/كانون الأول 2018 ليعيّنه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على رأس مجمع تشخيص مصلحة النظام.

وبالإضافة إليهما، تولى ثلاثة أشخاص من العائلة، هم فاضل وباقر ومحمد جواد، مناصب ومسؤوليات متعددة في إيران، والخمسة هم أبناء المرجع الديني ميرزا هاشم آملي لاريجاني.

وبدأ نجم العائلة يتراجع منذ الولاية الثانية لأحمدي نجاد، الذي شنّ هجوماً شرساً عليها، وسط اتهامات لبعض أبنائها بالفساد.

واتهم الرئيس السابق، من داخل قاعة البرلمان في فبراير/ شباط 2013، شقيق علي لاريجاني، فاضل بالفساد، ثم واصل هجومه على العائلة بعد مغادرته المنصب، ليوجه انتقادات لاذعة إلى رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني بعد اعتقالات ومحاكمات تعرض لها المقربون من نجاد.

وكان للخلافات الحادة التي برزت بين المحافظ صادق لاريجاني وزميله في التيار نفسه والرئيس الأسبق للسلطة القضائية محمد يزدي في أغسطس/ آب 2019، وتبادلهما رسائل حادة واتهامات بالفساد، أثر في إضعاف موقع عائلة “لاريجاني”، رغم جلسة مصالحة عقدت بين الرجلين داخل أروقة مجلس صيانة الدستور، باعتبارهما عضوين من الأعضاء الستة الفقهاء فيه.

مرشح التيار المحافظ إبراهيم رئيسي، هو الأبرز، وربما الأوفر حظاً حتى هذه اللحظة، لكن ذلك ليس مضموناً له حتى يوم الانتخابات في 18 يونيو/ حزيران، فالمشهد الانتخابي الإيراني قد تطاوله تقلبات ومفاجآت بعد ترشح لاريجاني.

الأمر يتوقف بالدرجة الأولى على التحالفات الانتخابية المحتملة بين لاريجاني والتيارين الإصلاحي والاعتدالي أولاً، ومدى تمكن لاريجاني من تشجيع العازفين عن المشاركة إلى التصويت ثانياً، ليشكل خطراً على الذي يعتبر حتى اللحظة المرشح بلا منازع في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

لكن حتى اللحظة لم تصدر إشارات من الإصلاحيين الذين تقدمت قيادات منهم بالترشح، أبرزهم إسحاق جهانغيري، باتجاه احتمال تحالفهم مع علي لاريجاني، لكن إذا وجدوا أن حظوظ جهانغيري ضئيلة، وأنه لا يمكنه منافسة رئيسي، فلا يستبعد أن يراجعوا حساباتهم خلال الفترة القليلة المقبلة، ليصطفوا خلف لاريجاني، رغم تأكيدات قيادات إصلاحية خلال الأشهر الأخيرة أنهم لن يتبنوا “المرشح المستأجر” كما حصل مع الرئيس الحالي حسن روحاني خلال عامي 2013 و2018، بعدما أصابتهم خيبة أمل من سياساته.

إلى ذلك، فإن مهارة لاريجاني الدارس للفلسفة، ولا سيما في الإلقاء والخطابة ومهاجمة الخصوم من خلال فن الكناية، تمنحه ميزة قد تمكّنه من اجتذاب الأصوات الرمادية غير المتحزبة، إليه.

وبدأ لاريجاني باستخدام لغة التصريح والكناية في مهاجمة خصومه منذ اللحظة الأولى من تسجيل ترشحه بالانتخابات، أمس السبت، فهاجم منافسيه، قائلاً إن “المجال الاقتصادي ليس المعسكر ولا المحكمة ليمكن إدارته من خلال إطلاق أوامر”. وهنا يبدو أنه قصد رئيس البرلمان الحالي القيادي السابق بالحرس الثوري محمد باقر قاليباف الذي انصرف عن الترشح لمصلحة رئيسي، ورئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي نفسه، فضلاً عن مرشحين آخرين من قيادات عسكرية سابقة.

هذه التصريحات واجهت رداً سريعاً من القيادي السابق بالحرس الثوري الإيراني، سعيد محمد، الذي قدم أوراق ترشحه أيضاً، الثلاثاء الماضي، فقال إن “لمن يدين هويته إلى المعسكر والمحكمة أقول إنه اليوم ستكون بداية لنهاية الأرستقراطية العائلية”، وذلك في إشارة إلى أسرة لاريجاني المتنفذة.

كذلك هاجمها أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، القائد العام الأسبق للحرس، محسن رضائي، قائلاً إن “الاقتصاد أيضاً ليس مجالاً للسفسطة”، مخاطباً لاريجاني بالقول: “إنكم سبب مشاكل الشعب. لو كان البرلمان والحكومة قد عملا بطريق صحيح، فهل كنا نواجه هذه المشاكل اليوم؟”.

وأضاف لاريجاني في خطاب الترشح أنّ “من السذاجة القول بإن القضايا الأساسية للبلاد يمكن حلها عبر تصرفات استعراضية وشعبوية والمفاتيح السحرية والبهلوانية”، في انتقاد للرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، الذي ترشح للانتخابات، ويتهمه البعض بممارسة الشعبوية والبهلوانية، فضلاً عن أن حديثه عن المفاتيح فيه انتقاد لسياسات الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي كان قد اختار “المفتاح” شعاراً لحملته الانتخابية.

لم يكتفِ لاريجاني بتلك الكنايات، لينشر تغريدة مثيرة بعد تسجيل ترشحه بوزارة الداخلية، لفتت انتباه المراقبين، حيث قال فيها: “الظروف الصعبة تتطلب قرارات شجاعة”، مرفقاً تغريدة بهاشتاغ “لا للمفتاح ولا للمطرقة”، وذلك في إشارة إلى “مفتاح” الرئيس حسن روحاني، و”مطرقة” رئيسي، لكونه قاضياً ورئيس السلطة القضائية.

ملامح سياسته الخارجية

وقال لاريجاني خلال مؤتمره الصحافي إن “الحكم الرشيد مرتبط برفع شعارات أقل وعقلانية مؤثرة وقدرة تنفيذية قوية”، معرجاً على السياسة الخارجية الإيرانية، وأضاف أن حل مشاكل بلاده الدولية “بحاجة إلى أشخاص مخضرمين لإخراج زمام شؤون الدبلوماسية من أيدي أصحاب الأفكار السيئة”.

وأكد لاريجاني الذي يشغل منصب مستشار المرشد الإيراني الأعلى أن “السياسة الخارجية يجب أن يكون هدفها تسهيل العلاقات الخارجية لأجل تحقيق التنمية الاقتصادية”، متهماً جهات لم يسمها بـ”إخراج إدارة البلاد عن مسار الحكمة والعقل”، و”تحميل تكاليف كبيرة على الشعب والإضرار بالتلاحم الشعبي”.

وأوضح أن “من يعد بالجنة في هذه الظروف المعقدة للبلاد فهو يكذب، فأولاً يجب إطفاء نار جحيم الخلاف والتعنت والتطرف”، مؤكداً أنه “لا ينبغي أن تسلَّم إدارة البلاد للمتطرفين والمسالمين”، مع حديثه عن ضرورة تجنب إطلاق “الشعارات الحادة” في الساحة الدولية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى