دعوات في إيران لترحيل محادثات فيينا إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية
دفع إقصاء الإصلاحيين والاعتداليين من التنافس الرئاسي كتّاباً ونشطاء سياسيين إلى مطالبة الحكومة بترحيل الاتفاق في المفاوضات إلى الحكومة المحافظة المقبلة.
ميدل ايست نيوز: تلقي الانتخابات الرئاسية الإيرانية الـ13، المقررة في 18 يونيو/ حزيران الحالي، بظلالها على المباحثات النووية غير المباشرة في فيينا بين طهران وواشنطن لإحياء الاتفاق النووي. فمنذ انطلاق هذه المفاوضات في 2 إبريل/ نيسان الماضي، ظلت الجهات المحافظة في إيران تتهم الحكومة بأنها تسعى إلى التوصل لأي اتفاق مع الولايات المتحدة بغية استغلاله في الانتخابات الرئاسية، لإيصال مرشحها المفضل إلى “باستور”، مقر الرئاسة.
لكن التطور المفاجئ الذي حصل في المشهد الانتخابي الإيراني بفعل استبعاد المرشحين البارزين، ما يسهّل فوز المرشح المحافظ الأوفر حظاً إبراهيم رئيسي، قضى على أي فرصة قد توظفها الحكومة في دعم مرشح مقرّب منها لإيصاله إلى الرئاسة، انطلاقاً من أي انفراجة حقيقية في فيينا. وهنا كان يجرى الحديث عن ميل أوساط حكومية متنفذة لدعم رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني في الانتخابات قبل أن يستبعد من السباق بعد تردد أنباء غير مؤكدة أمس الجمعة عن احتمال إعادة السماح له بخوض الانتخابات.
ودفع إقصاء الإصلاحيين والاعتداليين من التنافس الرئاسي وجعله مقتصراً على المحافظين، كتّاباً ونشطاء سياسيين بارزين إلى مطالبة الحكومة بترحيل الاتفاق في المفاوضات النووية في فيينا إلى الحكومة المحافظة المقبلة. وحتى هناك من يدعو أيضاً إلى انسحابها من هذه المفاوضات وترحيل الملف كله.
الصحافي والناشط السياسي الإيراني، أحمد زيد أبادي، كان في مقدمة أولئك الذين دعوا الرئيس حسن روحاني إلى الانسحاب من مفاوضات فيينا. ويقول زيد أبادي إن “المحافظين بحاجة شديدة إلى إحياء الاتفاق النووي والعودة إليه لأجل بيع النفط وصرف عوائده لتسيير شؤونهم”، مضيفاً أنهم، في الوقت نفسه، “لا يريدون تحمل مسؤولية العودة إلى الاتفاق وتبعاتها، ويبتغون تحميل الحكومة الحالية هذه المسؤولية، لتسويق الأمر بين أنصارهم على أنهم كانوا معارضين للعودة إلى الاتفاق، لكنهم مضطرون لتنفيذه لأن الحكومة السابقة تعهدت به”.
وهنا يتهم زيد أبادي المحافظين بممارسة “لعبة مزدوجة”، قائلاً إنهم “يريدون الاستفادة من منافع الاتفاق النووي، وفي الوقت ذاته يرفضون تحمل مسؤولية العودة إلى الاتفاق” بين أنصارهم.
وأعلنت أوساط محافظة متنفذة رفضها الاتفاق النووي بعد التوقيع عليه عام 2015 وظلت تعارضه، بالتالي فإن العودة إليه وتنفيذه في أي حكومة محافظة يشكل إحراجاً كبيراً لها بين أنصارها الرافضين للاتفاق النووي. ويدعو زيد أبادي حكومة روحاني إلى خلط أوراق المحافظين “من خلال وضعهم أمام مسؤولياتهم وتحملها، ليواجهوا أنصارهم المتشددين، حتى لا يستفيدوا من منافع الاتفاق من دون تحمل أي مسؤولية”، مؤكداً أن “التيار المحافظ ليس أمامه أي خيار إلا إحياء الاتفاق النووي، فلذلك أدعو الحكومة إلى إحالة الملف إلى هذا التيار نفسه”.
لكن مسألة التفاوض تحددها جهات عليا في البلاد، وليس من صلاحيات رئيس الجمهورية خوضها أو الانسحاب منها بمجرد إرادته، لذلك يضيف زيد أبادي أن “الطرف المحافظ يمارس لعبة معقدة، فمن جهة هو مضطر لإبداء المرونة، ومن جهة أخرى يريد التسويق للمتشددين في الداخل أنهم ظلوا على مواقفهم من دون أن مساومة أو مرونة”.
أما إذا نفضت الحكومة الحالية يدها عن الملف، فقد تكون وضعت المحافظين أمام مفترق طرق، حسب زيد أبادي، الذي أضاف أن “عليهم أن يختاروا حينها أياً من الطريقين ويتحملوا التبعات، وهذا يمكن أن يساعد في خلق تطورات داخلية إيجابية أيضاً إذا ما عادوا هم إلى الاتفاق ونفذوه ولجموا المتشددين منهم”.
لكن السؤال الأبرز هذه الأيام عما إذا كانت الحكومة ستستجيب لهذه الدعوات. وبرأي أحمد زيد أبادي فإنها لن تفعل ذلك. ويلفت إلى أنه “في ظل المشاكل (الاقتصادية) الكثيرة ونسبها إلى الحكومة، فروحاني يريد القول للرأي العام إنه بعد توليه الرئاسة رفع العقوبات، واليوم في نهاية ولايته سيلغيها مرة أخرى ليخرج من الساحة كبطل، ويشكل رصيداً له بعد الرئاسة والانتفاع من امتيازات ذلك لاحقاً”.
وفي معرض رده على سؤال عما إذا كانت واشنطن ترغب في مواصلة المشوار مع الحكومة الإيرانية الحالية أم أنها تفضل ذلك مع الحكومة المحافظة المقبلة، يقول زيد أبادي إنه “بالنسبة للأميركيين فالأمر ليس مهماً كثيراً أن يتفقوا مع الحكومة الحالية أو المقبلة، لأنهم يرون أن طرفهم الرئيس هو المرشد الإيراني.
مع ذلك، يضيف أن الإدارة الأميركية “قد تفضل الاتفاق مع الحكومة المقبلة حتى لا تتهرب من التزاماتها وتستخدم لغة مزدوجة تحمّل الحكومة السابقة المسؤولية”، لافتاً إلى أن “الأميركيين اذا أبدوا عجلة في أمرهم فتعود إلى مخاوفهم من قيام إسرائيل بإجراءات تعطل هذا المسار، ولا علاقة للأمر برحيل هذه الحكومة أو مجيء أخرى”.
أما الناشط المحافظ محمد صالح مفتاح فيرى أن “التفاوض مع القوى الخارجية له علاقة بالمصالح الوطنية، ولا يرتبط بالمصالح الحزبية والفئوية”، مؤكداً أن التيار المحافظ “لا يرغب أبداً في استمرار العقوبات حتى ليوم واحد، لكن يجب أن تكون نتيجة المفاوضات رفعها. وما يهمنا في تنافسنا الداخلي هو مصالح البلاد وليس إظهار الذات”.
ويضيف مفتاح أن “أداء الحكومة الحالية أوصل البلاد إلى مرحلة ليس لديها ما تقدمه، ولذلك لا يمكنها إجراء مفاوضات ناجحة”، مؤكداً “أننا لهذا السبب نعارض استمرار المفاوضات”.
وعما إذا كان المحافظون يرغبون في أن تفضي المفاوضات الراهنة إلى اتفاق في عهد روحاني، لتسلم الرئاسة من دون العقوبات في ظل مواقفهم الرافضة للتفاوض مع واشنطن، يقول مفتاح “إننا نريد رفعاً سريعاً للعقوبات التي تشكل ضغطاً كبيراً على المواطنين، وقللت قدرتهم الشرائية وزادت من الفقر”. لكنه يؤكد، في الوقت نفسه، أن “هناك شكوكاً بقدرة الحكومة الحالية على التفاوض”.
ويوضح أنه “مع اقتراب نهاية حكومة روحاني، فإن قدرتها التفاوضية تراجعت والطرف الآخر يسعى إلى ممارسة أقصى الضغوط عليها”، مشيراً إلى أن “التفاوض في هذه الظروف لا يعود بالنفع على الشعب، وإذا أدى إلى اتفاق فمن المستبعد أن يحل المشاكل” الاقتصادية.
ويستبعد الناشط السياسي المحافظ التوصل إلى اتفاق في مباحثات فيينا خلال الفترة المتبقية لولاية لروحاني، والتي تنتهي في 3 أغسطس/ آب المقبل، قائلاً “ربما تكون هناك مواقف نابعة عن الحرص على الشعب في المفاوضات، لكن لا ينبغي أن تفعل الحكومة في أيامها الأخيرة ما يخالف مطلب الشارع الذي سيتضح في نتيجة الانتخابات”.
ويضيف أنه “إذا اختار الشعب تياراً آخر لإدارة البلاد فيجب أن يرسم السياسة الخارجية انسجاماً مع برنامجه الذي حظي بدعم الشعب، ولذلك يجب أن تنتظر المفاوضات نتائج انتخابات إيران”.