ذ نشنال اينترست: يمكن أن تكون إسرائيل وروسيا في حالة حرب خلال عقد والسبب يتعلق بإيران
إسرائيل ترى قيمةً كبيرة في روسيا باعتبارها طرفاً يُمكن أن يفرض ضبط النفس على إيران، ويمكن أن يتحوّل إلى ورقة ضغط لإجبار القوات الإيرانية على الرحيل من سوريا.
ميدل ايست نيوز: كما كان الحال دائماً في الصراع العربي مع إسرائيل؛ لا يكمُن الخطر الحقيقي في الصراعات الإقليمية، بل في كيفية تصعيدها. فخلال حرب عام 1973، هدّد السوفييت بإرسال قواتهم إلى مصر في حال عدم موافقة إسرائيل على الهدنة. وقد ردّت الولايات المتحدة بالدخول في حالة تأهّب نووي. فهل يُمكن للغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا أن تُشعل فتيل الحرب بين إسرائيل وروسيا؟
تقول مجلة The National Interest الأمريكية إن إسرائيل ستظل مصممةً على مواصلة قصف القوات الإيرانية في سوريا، ضمن مساعيها لإبقاء قوات وحلفاء طهران بعيدةً عن حدود إسرائيل الشمالية. وفي الوقت ذاته، تمتلك روسيا آلاف القوات التي يُمكن أن تقع في مرمى النيران المتبادلة داخل سوريا -أو تتحول إلى طرفٍ في الحرب إذا سئمت موسكو تعرّض حليفها السوري للقصف المتواصل.
ولكن عندها، هل ستضطر راعية إسرائيل الكبرى -الولايات المتحدة الأمريكية- للتدخل في حال انفجار الأمور بين إسرائيل وروسيا؟
وهذا لا يعني أنّ تل أبيب وموسكو متلهفتان لخوض هذه المعركة؛ حيث قال مسؤولٌ بارز في الجيش الإسرائيلي خلال لقاءٍ مع مجلة ناشونال إنترست الأمريكية: “لا يرغب أيٌّ من الطرفين في خوض هذه المواجهة العسكرية. فسوف تكون المواجهة مضرةً بالطرفين”.
ومع ذلك، نقول المجلة الأمريكية إنه يُمكن تلخيص سياسة إسرائيل في السطور التالية: “سوف تفعل إسرائيل كل ما تراه ضرورياً لطرد القوات الإيرانية من سوريا. ولو لم تُعجب تلك السياسة روسيا، فسوف تكون المواجهة معها هي الثمن الذي يجب دفعه لضمان ألا تتحوّل سوريا إلى قاعدة صواريخ إيرانية جديدة على حدود إسرائيل”.
وقد صارت العلاقات بين تل أبيب وموسكو أكثر دفئاً من فترة الحرب الباردة. وقد أسفر عن ذلك تقارب يذكرنا بفترة الانفراجة في العلاقات بين الأمريكيين والسوفييت خلال السبعينيات؛ إذ إنّ هناك وداً ورغبة واضحة في التعاون على السطح. لكن الابتسامات تُخفي تحتها القلق والتشكك وتضارب المصالح الأساسية.
حيث قال مسؤول الجيش الإسرائيلي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “الجميع في إسرائيل يعرفون من هم الروس جيداً ومن هم حلفاؤهم. ويمكن القول بكل لطف إنّ الروس ليسوا حلفاءً لنا؛ إذ إنّ لنا حليفاً واحداً، وهو الولايات المتحدة. والروس هنا بأهدافٍ مختلفة تماماً عنا. فهم يدعمون نظاماً هدفه المعلن هو القضاء على إسرائيل -إن استطاع- وهم أيضاً جزءٌ من تحالفٍ يدعم إيران”.
إلا أن إسرائيل ترى قيمةً كبيرة في روسيا باعتبارها طرفاً يُمكن أن يفرض ضبط النفس على إيران، ويمكن أن يتحوّل إلى ورقة ضغط لإجبار القوات الإيرانية على الرحيل من سوريا. فبعد اجتماعٍ عُقِدَ في فبراير/شباط الماضي بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس فلاديمير بوتين لرأب الصدع عقب واقعة سقوط الطائرة الروسية Il-20 في سوريا، زعم مسؤولون إسرائيليون أنّ بوتين وافقهم الرأي على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من سوريا. وبالنسبة لموسكو، فإنّ العلاقات مع إسرائيل تمنحها نفوذاً أكبر في الشرق الأوسط، بالتزامن مع تقليل أمريكا لوجودها في المنطقة.
ومع ذلك، فقد أدان الكرملين الغارات الإسرائيلية في سوريا باعتبارها “غير قانونية”؛ حيث إن سوريا كانت وما زالت حليفاً روسياً لأكثر من 50 عاماً، إذ كانت الغارات الجوية الروسية من أهم أسباب إنقاذ النظام المتعثر للرئيس السوري بشار الأسد من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المعارضة. وقد خدم 63 ألف جندي على الأقل من القوات الروسية في سوريا منذ عام 2015. ورغم وعود بوتين منذ عام 2016 بانسحاب القوات الروسية، لا تزال روسيا تحتفظ حالياً بأكثر من خمسة آلاف جندي ومقاول عسكري خاص في سوريا، مع عشرات الطائرات والمروحيات.
وترغب روسيا في البقاء داخل سوريا؛ إذ إنّ ميناء طرطوس السوري يُعتبر القاعدة البحرية الروسية الوحيدة على البحر المتوسط: ووقعت موسكو ودمشق عام 2016 على اتفاقٍ مدته 49 عاماً، يسمح للسفن الروسية التي تعمل بالطاقة النووية أن تُدير عملياتها من هناك. فضلاً عن أنّ الطائرات وصواريخ أرض جو الروسية تُدار من داخل قاعدتين جويتين على الأقل غرب سوريا.
وتقول “ناشونال إنترست” إن إسرائيل تستطيع التعايش مع الروس كجيران، ولكن ليس الإيرانيين؛ حيث حذّر مسؤولون إسرائيليون من خطة طهران لنشر 100 ألف جندي من قواتها وحلفائها داخل سوريا. بينما يُهدّد حزب الله إسرائيل بالفعل من الجبهة اللبنانية، بترسانته الصاروخية التي تتجاوز الـ130 ألف صاروخ. ويُمثّل انضمام سوريا إلى لبنان كقاعدةٍ للصواريخ الإيرانية كابوساً بالنسبة لإسرائيل.
بينما قال مسؤول في الجيش الإسرائيلي: “يمكننا -بل وننوي- أن نجعل تحقيق ذلك أمراً شديد الصعوبة، وسنجعل ثمنه أغلى مما يرغب الإيرانيون في دفعه”. وهذا هو ما كانت المقاتلات الإسرائيلية تفعله حين هاجمت “أهداف إيران وحزب الله مئات المرات”، حسبما أعلن نتنياهو عقب هجومٍ مدمر على مستودعات الأسلحة الإيرانية بالقرب من مطار دمشق الدولي في يناير/كانون الثاني.
تقول المجلة الأمريكية: هناك بالطبع آليات موضوعة لمنع الاشتباك، مثل الخط الساخن بين الجيشين الإسرائيلي والروسي، يقول المسؤول الإسرائيلي الكبير في الجيش: “نحن صارمون جداً بشأن مشاركة المعلومات حول أنشطتنا مع الروس، لضمان أن تكون صورة عملياتنا واضحةً أمامهم”. ورغم ذلك، لم تكن هذه الإجراءات كافيةً لتجنّب إسقاط طائرةٍ روسية.
وربما كانت الطائرة Il-20 المنكوبة موجودةً في التوقيت الخاطئ بالمكان الخاطئ. ومع ذلك، فليس من الصعب التنبؤ بتداعيات تكرار مثل هذا السيناريو المميت.
ولنكُن واضحين، فلا يمكن للجيش الإسرائيلي أن يتفاخر بقدراته أمام الجيش الروسي أو يُسارع للتصرف بعدوانية، فهي من القوى العظمى العالمية التي تمتلك أكبر ترسانة أسلحةٍ نووية على الكوكب. لذا شبه مسؤول الجيش الإسرائيلي، إسرائيل بـ”الفأر” في قصة The Mouse that Roared.
ومع ذلك، فإنّ إسرائيل ليست مجرد فأر، بل هي فأرٌ كبير: صغير الحجم وواسع النفوذ ولا يخشى استخدام أسلحته. وما يجعل المعركة الإسرائيلية الروسية شديدة الخطورة في الواقع هو أنّها ليست مجرد تخيلات. فبعد حرب عام 1967، تم إرسال مقاتلين روس إلى مصر. مما أسفر عن واقعةٍ سيئة السمعة عام 1970 في كمينٍ جوي منصوب جيداً فوق قناة السويس، حين نجح الإسرائيليون في إسقاط خمس طائرات من طراز MiG-21 -يقودوها طيارون روس- في ثلاث دقائق فقط.
وعلى الجانب الآخر، ليست روسيا بحاجة إلى قتال إسرائيل من أجل الإضرار بها. فبالطبع لم يبدُ على مسؤول جيش الاحتلال الإسرائيلي القلق بشأن الاشتباك المباشر بين القوات الروسية والإسرائيلية، بل كان قلقاً أكثر من اختيار روسيا تزويد خصوم إسرائيل -مثل إيران وسوريا- بأسلحة متقدمة. ففي أوائل السبعينيات، زود الاتحاد السوفييتي مصر وسوريا بالعديد من صواريخ وأسلحة الدفاع الجوي، التي تسببت في خسائر فادحة للطيران الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973. ولو أرادت روسيا ذلك، فسوف تتمكن من رفع تكلفة العمليات الجوية الإسرائيلية بشكلٍ كبير.
وكما كان الحال دائماً في الصراع العربي-الإسرائيلي (أو الإيراني-الإسرائيلي)؛ لا يكمُن الخطر الحقيقي في الصراعات الإقليمية، بل في كيفية تصعيدها. فخلال حرب عام 1973، هدّد السوفييت بإرسال قواتهم إلى مصر في حال عدم موافقة إسرائيل على الهدنة. وقد ردّت الولايات المتحدة بالدخول في حالة تأهّب نووي.
وفي حال اندلاع المواجهة بين الإسرائيليين والروس، أو في حال هددت موسكو باستخدام القوة العسكرية ضد إسرائيل؛ فهل من الممكن أن تخاطر الولايات المتحدة بفقدان هيبتها عندما لا تتدخل من أجل دعم أحد أقدم حلفائها؟ وهل من الممكن أن ترد روسيا انتقاماً لإسقاط طائرةٍ روسية أخرى أو موت جندي روسي آخر؟
وهذا ما يقودنا إلى السؤال النهائي: هل يمكن أن تؤدي التوترات بين إسرائيل وروسيا إلى مواجهةٍ بين القوات الأمريكية والروسية؟ ففي النهاية، سيتعيّن على أحد الأطراف أن يتنازل. لكن إيران لن تُضحي بمواقعها على حدود إسرائيل، ولا تستطيع روسيا على الأرجح إجبارهم على ذلك. بينما إسرائيل مصممةٌ على إيقاف إيران.
وفي النهاية يقول مسؤول الجيش الإسرائيلي: “لقد أثبتنا على مدار أكثر من 70 عاماً أن لا أحد يستطيع الاستهانة بنا”، حسب تعبيره.