نقاش داخل إيران حول جدوى العودة إلى الاتفاق: ما مستقبل المفاوضات النووية؟

السيناريو الأكثر ترجيحًا نظرًا للمواقف الرسمية والراشحة من المفاوضات الأخيرة هو صيغة تضمن التدرج الأميركي في إلغاء العقوبات أمام التدرج الإيراني في الالتزام بالاتفاق النووي.

 ميدل ايست نيوز: مع انتخاب جو بايدن، شهدت المواجهة الأميركية-الإيرانية تغييرًا واضحًا علی مستويي الخطاب والسلوك، ما طرح توقعات جديدة حول مستقبل الاتفاق النووي الذي أفرغه الرئيس ترامب من مضمونه عام 2018.

انتقد الرئيس بايدن سياسة سَلَفه واعتبر حملة “العقوبات القصوى” ضد إیران سياسة فاشلة أجهزت علی الاتفاق النووي ومكاسبه دون الإتيان ببديل للحد من نشاط إيران النووي. وإذ عانت إيران ضغط تلك الحملة، إلا أنها قامت بالتراجع عن بعض التزاماتها النووية ما زاد من أدوات ضغطها؛ وهو ما تحتاجه لحمل الولايات المتحدة علی العودة للالتزام بالاتفاق.

وكان للمناوشات الإقليمية نصيب من معركة حافة الهاوية بين طهران وواشنطن في سنوات الرئيس ترامب. أعاد انتخاب بايدن الأمل في إحياء الاتفاق النووي لدى أنصار التراجع عن العداء المتبادل في كلٍّ من إيران والولايات المتحدة والمنطقة. وإذ أعلنت إدارة بايدن نيتها العودة للاتفاق بشروط مسبقة، أبدت إيران ذات الاستعداد لكن وفق المستجد المتجذِّر من واقع التراجع الأميركي عن الاتفاق النووي.

بذلك، وبوساطة أوروبية وتشجيع روسي-صيني، بدأت مفاوضات فيينا في الأشهر الأخيرة من عمر حكومة الرئيس روحاني، وتوقفت المفاوضات أثناء نقل السلطة في طهران. نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء علی أوجه الوفاق والخلاف حول إحياء الاتفاق النووي والسيناريوهات المطروحة أمام مستقبله.

العودة للتفاوض

مع انتخاب الرئيس بایدن وتنصيبه مجموعته للسياسة الخارجية وفريقه لإدارة الملف الإيراني، اتضحت اتجاهات سياسته الدافعة للتعامل مع إيران بغية إحياء الاتفاق النووي من جهة والتنسيق مع الحلفاء للحدِّ من كلفة العداء مع إبقاء الضغط قائمًا علی طهران من جهة أخرى. وأمام حدَّي سياسة الرئيس بايدن، اتسمت سياسة إيرانية بحدَّيْها، الضاغط أمام استمرار الضغط الأقصی، من جهة، والداعي لإحياء الاتفاق النووي، من جهة أخرى.

وما الاستراتيجية الإيرانية إلا استمرار لما مضی إذ رجَّحت إيران المواجهة علی الاستسلام أمام إدارة ترامب واتخذت سياسة عُرفت بالمقاومة الفعالة، مقاوِمةً الضغط الأقصی من جهة وفعالةً -في الجانبين النووي والإقليمي- لحمل واشنطن علی التراجع عنها، من جهة أخرى. في ظل استمرار السياستين السالفتين لدى إيران والولايات المتحدة، بدأت مفاوضات فيينا الهادفة لتخطي تلك الأولويات والاتفاق علی خطة عمل لإعادة إحياء الاتفاق النووي وعودة الأطراف للعمل به.

وكان الانتقال من سنوات المواجهة وحافة الهاوية إلی ترتيبات تفاوضية مؤشرًا إيجابيًّا بحدِّ ذاته شجَّع الطرفين علی القبول به واستثماره. وكانت المفاوضات خلف الأبواب المغلقة قد أثارت العديد من الشائعات وعلامات الاستفهام التي نبعت من تصريحات إيجابية تارة وسلبية أخرى من قبل مسؤولي الدول المشارِكة في تلك المفاوضات. واستمرت تلك المفاوضات لستة أدوار وتوقفت بشكل مؤقت أثناء نقل السلطة في إيران.

واتضح من المفاوضات وجود إرادة لتخطي الخلافات وإعادة العمل بالاتفاق النووي. ففي إيران، كانت القيادة الإيرانية، ومن خلفها إجماعٌ ظهر في الدوائر الاستراتيجية، قد أبدت ميلها لإحياء الاتفاق النووي، وإن بشروط. وعلی الجانب الأميركي، كان الرئيس بايدن وفريقه في الخارجية قد أوضح أكثر من مرة عبوره سياسة الرئيس ترامب ونيته إعادة العمل بالاتفاق النووي،وإن بشروط. بذلك، وعلی المستوى الاستراتيجي، لا يوجد ما يُعيق العودة في طهران وواشنطن ولكن لكلٍّ حساباته وشروطه.

في إيران، تُعتبر القضية النووية، بدءًا من الاتفاق النووي مرورًا بالتنصل الأميركي ووصولًا إلى المرحلة الجديدة من المفاوضات في فيينا، أهم حدث دبلوماسي في العقود الماضية. لا يُجافي الاستراتيجي الإيراني الواقع عند إيلائه المفاوضات النووية الأهمية القصوی في السياسة الخارجية الإيرانية مدركًا أن الكثير سيترتب علی إحياء الاتفاق النووي داخليًّا وخارجيًّا. بالإضافة لذلك، فإن إيقاف/إلغاء الضغط الاقتصادي والمالي علی الاقتصاد الإيراني المضغوط أصلًا يمثل أولوية رئيسية لطهران.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن منع التطور النووي الإيراني واقتراب طهران من السلاح النووي وإعادتها للحدود المرسومة في الاتفاق النووي يمثل أولويتها إزاء إيران في هذه المرحلة. ولا يعني اختلاف الأدوات في التعاطي مع إيران اختلافًا جذريًّا علی مستوى الاستراتيجية بين الإدارة السابقة والإدارة الحالية.

ومع وجود الإرادة المشتركة لإحياء الاتفاق، ورغم الأولويات والأهداف المختلفة بين إيران والولايات المتحدة، رسمت مفاوضات فيينا ملامح الحل وأوجه الخلاف بين الطرفين، وهو ما أطال تلك المفاوضات وزاد من القلق لدى مؤيدي إحياء الاتفاق النووي في الجانبين. فما أوجه الخلاف؟ ولماذا يتكلم البعض، ومنهم روبرت مالي علی الجانب الأميركي وعباس عراقجي علی الجانب الإيراني، عن صعوبة الموقف وخطر انهيار المفاوضات والاتفاق برمته؟

عقبات أمام الحل

لم تبتعد العقبات أمام الحلول المطروحة في المفاوضات عن سالفاتها إبَّان التوقيع علی الاتفاق النووي لعام 2015 لكن زادتها تعقيدًا. فرغم التأكيد علی العودة للالتزامات الموقَّعة سلفًا من قبل الجانبين، أبدى كلاهما تحفظات حول بعض البنود وطرح شروطًا عقَّدت مسار العودة للاتفاق.

في الإطار العام، فإن المقايضة تقوم بين الشفافية النووية (بعد عودة إيران لحدود اتفاق 2015) أمام إلغاء العقوبات المفروضة من قبل واشنطن في حقبة الرئيس ترامب. ورغم بساطة المقايضة، إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل. فالسؤال الأول هو: كيف يمكن التدرج في العودة للاتفاق؟ ومَنِ الطرف الذي يبدأ بذلك؟ والسؤال الثاني: هل ستقبل الولايات المتحدة بإلغاء كامل العقوبات المفروضة في حقبة ترامب أم تتمسك ببعضها؟ والسؤال الثالث: هل ستقبل إيران بالتراجع الكامل عن تطوير برنامجها النووي أم ستحتفظ ببعض أوجه ذلك التطور؟

ثمة توقعات طُرحت من قبل الإدارة الأميركية حول قبول إيران التفاوض حول باقي القضايا الخلافية بينها وبين واشنطن. وإذ يرى البعض في الولايات المتحدة أن من شأن حلِّ تلك القضايا تعزيز وضع الاتفاق في الداخل وضمان مستقبله بالتالي، تختلف الرؤية في إيران مع ذلك بشكل جذري. ترى الدوائر الاستراتيجية في طهران أنه في حين لم تفِ واشنطن بالاتفاق الموقَّع عام 2015 فمن غير المنطقي الوثوق بوعود -قد تصبح اتفاقيات- حول باقي القضايا الخلافية ويجري نقضها بعد حصول الولايات المتحدة علی ما تريد.

الطريق الأمثل، وفق المطروح من قبل الأغلبية في الدوائر الاستراتيجية الإيرانية، هو إعادة تفعيل الاتفاق ذاته وهو ما يتيح الطريق مستقبلًا لتفاهمات حول قضايا أخرى. واتضح بتنصيب روبرت مالي لإدارة دبلوماسية واشنطن تجاه إيران، أن الرئيس بايدن قبل بتفكيك القضايا الخلافية حاليًّا بغية إحياء الاتفاق النووي ثم الانتقال لغيرها. بذلك، انتقلت القضية من الإرادة لإحياء الاتفاق إلی القضايا والخلافات حول تفاصيل تلك العملية، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:

أولًا: يتضح من السياسة الداخلية والنقاشات الإيرانية والأميركية أن ثمة اختلافًا حول التدرج في إحياء الاتفاق النووي لا يمكن تجاوزه بسهولة. فالإيرانيون يطالبون بضرورة تراجع الطرف المخالف للاتفاق والمتنصِّل من الالتزامات عن سياسته وفق مبدأ البادئ أظلم، وهي رؤية يظهر شيء من الإجماع حولها في إيران ليس فقط علی المستوى الرسمي بل وعلی مستوى الشارع. أما أميركيًّا، فالرئيس بايدن، ورغم قوله بخطأ الإدارة السابقة بالخروج من الاتفاق وفشل العقوبات القصوى، يُبدي ضعفًا في مواجهة الانتقادات الداخلية والخارجية والبدء بإجراءات العودة للاتفاق النووي. فهو واضح في عدم رغبته دفع كلفة التفاهم مع إيران دوليًّا وإقليميًّا. وبذلك، تتضح معالم العقبة الأولی وهي مرتبطة بالإرادة الأميركية الغائبة، حسب الإيرانيين، وبعدم اهتمام الإيرانيين باتخاذ الخطوات اللازمة لإحياء الاتفاق النووي، حسب الأميركيين.

ثانيًا: ترتبط القضية الخلافية الثانية بعُقدة العقوبات، والمشكلة تكمن في تشعب وتداخل العقوبات النووية وغير النووية. فقد فرضت إدارة الرئيس ترامب علی إيران عقوبات متنوعة وتحت عناوين غير نووية لمنع وتعقيد عودة الإدارة اللاحقة للاتفاق النووي. ومن الصعب علی إدارة بايدن تمرير إلغاء العقوبات الموضوعة تحت عناوين كنقض حقوق الإنسان ودعم الإرهاب، في الكونغرس الأميركي. هذا بينما تری إيران أن الإبقاء علی أيٍّ من العقوبات المفروضة بعد توقيع الاتفاق النووي يُعد نقضًا للاتفاق؛ ما يبرر إبقاء إيران لبعض من التطورات النووية التي بدأت بعد تراجع الولايات المتحدة عن الاتفاق. فبالنسبة لطهران، لا يمكن توقع التزامها الشامل بالاتفاق دون عودة الأطراف الأخرى للالتزام به ككل. وبسبب استمرار إصرارها علی عدم إمكانية إلغاء العقوبات الموضوعة بعد الاتفاق، لا تجد إدارة الرئيس بايدن آذانًا صاغية في طهران للعودة للاتفاق.

ثالثًا: ترى إيران أن العودة للالتزام بالاتفاق النووي لا يمكن أن تؤمِّن مصلحتها القومية دون تقديم الولايات المتحدة ضمانات لعدم تراجعها عن الاتفاق وعدم استخدامها آلية الزناد، الموضوعة لمعاقبة إيران في حال تنصلها عبر نقل الملف النووي لمجلس الأمن وإعادة فرض العقوبات الأممية عليها بالتالي. والواضح من خطاب واشنطن أنه لا يمكن لرئيس حالي تحديد سلوك إدارة مستقبلية دون إطار قانوني يمنحه الكونغرس، وهو غير ممكن في ظل انقسامه حول القضايا المرتبطة بإيران. وقد تكلَّم مسؤولو الإدارة الأميركية صراحة عن عدم إمكانية ضمان الالتزام الأميركي بالاتفاق النووي مستقبلًا. بالتالي، ثمة نقاش إيراني داخلي حول جدوى العودة للالتزام في ظل الواقع الذي فرضه انسحاب ترامب من الاتفاق سابقًا. يجيب البعض بأن العودة والاستمرار بالالتزام لثلاث سنوات من قبل حكومة بايدن سيثبِّت وضع الاتفاق داخليًّا في الولايات المتحدة ويقلِّص من احتمالات تراجع الحكومة المقبلة عنه. ويرد أصحاب الرؤية الأولی بأن ذلك لا يضمن بأية حال من الأحوال استمرار الالتزام الأميركي.

إدارة جديدة وسيناريوهات متغيرة

مع انتخاب إبراهيم رئيسي خَلَفًا للرئيس روحاني، باتت النقاشات السابقة حول الاتفاق النووي أكثر أهمية؛ إذ انتقلت السلطة من أصحاب طرفٍ في تلك النقاشات إلی آخر انتقد غريمه طيلة المرحلة الماضية. فقد كانت أولوية الرئيس روحاني إحياء الاتفاق وإلغاء العقوبات والرُّقِي بالعلاقات الاقتصادية مع الدول الغربية وغيرها نتيجة لذلك.

بعبارة أخری، كانت إدارة روحاني تُولِي المستوى الدولي في علاقات إيران الخارجية الأولوية القصوى وتركز عليه بغية الرقي بباقي مستويات علاقات إيران الخارجية؛ وكل ذلك عبر بوابة الاتفاق النووي. بينما يُعد ابراهيم رئيسي وفریقه من دعاة الإقليمية في السياسة الخارجية -التركيز علی الإقليم بابًا لتقليص التهديدات الخارجية وفتح أبواب جديدة للتعاطي مع المستوی الدولي-.

نوويًّا، لم يخرج رئيسي وفريقه من السياق الإجماعي الذي أعلنه المرشد الأعلی الإيراني بالقول إنه ليس ضد مبدأ التفاوض وإنه يريد إحياء الاتفاق النووي، إلا أن الواضح أن إحياء الاتفاق النووي يعتبر بالنسبة له قضية مهمة بين باقي القضايا وليست محورًا في سياسته الخارجية، وكان الرجل قد أفصح عن ذلك بوضوح.

وكانت واشنطن، بحيطتها تجاه إدارة رئيسي، قد بدأت وحلفاؤها يستشعرون قلقًا من التريث البادي في سلوك الحكومة الجديدة إزاء الاتفاق النووي ومفاوضات فيينا. وكان التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي حذَّر من زيادة مخزون إيران من اليورانيوم المعدني، أتی في ذات السياق الغربي الداعي لعودة إيران السريعة للتفاوض. وإذ تُبدي حكومة الرئيس رئيسي تمنعًا في هذا الإطار، إلا أنها ما زالت في طور التشكيل والحصول علی ثقة البرلمان لوزرائها.

رغم ذلك، يعلم المتابع للسياسة الإيرانية أنه يجب عدم اعتبار تريث الرئيس الجديد غير مقصود. تُدرك حكومة رئيسي أن التمنع إلی جانب التخصيب عالي النسبة وجهان لعملة الضغط الإيراني علی أطراف الاتفاق وإعادة واشنطن لبيت طاعة الاتفاق النووي. إنها الأداة الأهم بجعبة الأدوات الدبلوماسية الإيرانية في هذه المرحلة.

كما أن الإدارة المنتخبة تُدرك أن أدوات الضغط الغربي علی إيران وصلت لذروتها في حقبة الرئيس ترامب ولا يوجد الكثير لزيادة الضغط علی إيران. بذلك، يمكن تفسير التريث والأريحية في سلوك إيران إزاء المخاوف الغربية.

مع مثل هذا الوضع، يمكن الحديث عن عدة أوجه قد تطغی علی المفاوضات النووية وإمكانية إحياء اتفاق 2015:

الوجه الأول: مدى قبول إيران رئيسي بإلغاء جزئي للعقوبات الموضوعة في حقبة ترامب وليس كلها: لا یبعث خطاب الرئيس وفريقه للخارجية علی القبول بطروحات فريق بايدن.

الوجه الثاني: حتی لو سلَّمنا بقبول حكومة رئيسي بالإلغاء الجزئي للعقوبات -إلغاء العقوبات النووية فقط- يبقی السؤال الأهم، وهو: هل ستكون إدارته علی استعداد لتجميد كامل النشاط النووي الذي بدأ بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، وتحديدًا منذ مايو/أيار 2019؟

الوجه الثالث: إن قبلت حكومة رئيسي بالتدرج لإحياء الاتفاق، وبالتالي جرى الاتفاق علی صيغة تضْمَن إلغاء العقوبات بشكل كامل لكن بصورة متدرجة، فهل ستلغي حكومة رئيسي جميع أوجه التطور المستجد في البرنامج النووي الإيراني؟

تضع هذه الأسئلة أربعة احتمالات مستقبلية:

قبول الولايات المتحدة إلغاء كامل العقوبات وإيجاد الآليات الداخلية الضامنة لذلك وتراجع إيران الكامل عن التطورات الجديدة في البرنامج النووي منذ مايو/أيار 2019 حتی اليوم. في هذا السيناريو، وهو مستبعد حسب الراشح من مفاوضات فيينا وخطابي إيران والولايات المتحدة الرسميين، نعود لوضع يُشبه عام 2016 من حيث التزام الجانبين بالاتفاق النووي.

قبول واشنطن إلغاء جزء من العقوبات (غير النووية) أمام تدرج إيراني والعودة الجزئية للالتزام. ولأن العودة الكاملة لا تأتي بضمانات تطبيق الاتفاق كما حدث سابقًا، ترجِّح إيران العودة المتدرجة بعد ضمان عمل الخطوات السابقة. ولإصرار واشنطن علی الإبقاء علی العقوبات غير النووية، يمكن اعتبار هذا السيناريو أحد السيناريوهات الأكثر واقعية في المرحلة الحالية.

قبول واشنطن إلغاء كامل العقوبات أمام إصرار إيراني علی التدرج في العودة للالتزام. هو السيناريو الأمثل لإيران لكنه بعيد عن الواقع إذ من المستبعد تراجع واشنطن عن أدواتها الضاغطة وقبولها تدرجًا إيرانيًّا في العودة للاتفاق أمام ذلك. أما إيرانيًّا، فإن هذا السيناريو الأكثر عدالة أخذًا بالاعتبار أن واشنطن هي الطرف الذي بدأ التنصل من الاتفاق وأن طهران بحاجة لضمان تأثير إلغاء العقوبات لا إلغاءها الشكلي قبل العودة للالتزام الكامل بالاتفاق.

قبول واشنطن إلغاءً جزئيًّا للعقوبات أمام قبول إيران العودة الكاملة للاتفاق. وهو السيناريو الأمثل لواشنطن لكنه مستبعد نظرًا لانعدام الثقة الإيرانية بوعود واشنطن.

يمكن توقع وصول الأطراف المعنية، بعد استئناف المفاوضات، إلی حلٍّ وسَط قريب للسيناریو الثاني بتفاصيل أكثر. هو السيناريو الأكثر احتمالًا بسبب غياب البدائل المقبولة، وهو ما دفع الجانبين للعمل علی إحياء الاتفاق النووي. إلا أن إرث الرئيس ترامب أثقل تلك الإرادة بتفاصيل أصبحت محورية في مفاوضات فيينا. ولغياب الثقة، يمكن القول بأن التدرج هو الحل الأكثر واقعية لإحياء الاتفاق النووي.

خلاصة

بعد انتخاب الرئيس بايدن، خاضت كل من واشنطن وإيران مفاوضات هدفت إلی إحياء الاتفاق النووي. وكان لسياسة الرئيس ترامب أثر لا تخطئه العين في الثقة المعدومة وفي البنود الخلافية وأطروحات الطرفين لحلها. وإذ أبرز واقع العودة إلی المفاوضات ميلًا لدى الطرفين لإحياء الاتفاق النووي، إلا أن اصطدام التفاؤل الأوَّلي بعقبات الواقع المستحدث بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق حال دون عودة التزام الأطراف الموقِّعة بالاتفاق النووي.

فقد حالت أسئلة عدة دون التسرع في ذلك ومنها الجهة التي ستبدأ بالعودة للالتزام وما إذا كانت العقوبات ستُلغی مرة واحدة وبشكل كامل أم ستُبقي واشنطن علی بعضها الموضوع تحت عناوين غير نووية، وما إذا كان إيران ستعود إلی الالتزام الكامل أم ستتدرج محاكاةً لتدرج واشنطن بإلغاء العقوبات.

لم يتغير موقف إيران الرسمي إزاء المفاوضات النووية بعد انتخاب السيد إبراهيم رئيسي خلفًا للرئيس روحاني إلا أن الواضح أن ثمة اختلافًا بين الإدارتين في إيلائهما إحياء الاتفاق النووي الأولوية. ففي حين ركزت إدارة روحاني علی إحيائه كمخرج رئيسي لقضايا السياسة الخارجية والاقتصاد في إيران، تنظر إلیه الإدارة الجديدة كقضية مهمة إلی جانب باقي القضايا ذات الأهمية. وإن كان ذلك لا يعني تغييرًا جذريًّا في الموقف الإيراني لكنه يعني عمليًّا زيادة الضغط الإيراني بالتمنع والتريث أمام أطراف غربية تتابع عن كثب وبتخوف تطور البرنامج النووي الإيراني.

بشكل عام، ووفق العراقيل والإرادات المتصارعة، ثمة سيناريوهات طُرحت بناءً علی متغيري، إلغاء العقوبات (الكامل أو المجتزئ) وعودة إيران إلی الالتزام (بشكل كامل أو متدرج). والسيناريو الأكثر ترجيحًا نظرًا للمواقف الرسمية والراشحة من المفاوضات الأخيرة هو صيغة تضمن التدرج الأميركي في إلغاء العقوبات أمام التدرج الإيراني في الالتزام بالاتفاق النووي. وستحدد التفاصيل والاتفاق عليها الفترة الزمنية المتبقية من المفاوضات.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
مركز الجزيرة للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى