هل تمنح عضوية «منظمة شنغهاي» إيران ورقة نفوذ أمام الغرب؟

منذ أن انضمت باكستان والهند إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» عام 2017 أصبحت المنظمة تضم أربع قوى نووية ذات برامج وأهداف أمنية مختلفة.

ميدل ايست نيوز: التصريحات الأخيرة للمسؤولين الروس والإيرانيين تشير إلى أن إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على العضوية الكاملة في «منظمة شنغهاي للتعاون»، وهي المنتدى الإقليمي الذي أطلقته الصين، وروسيا، وجمهوريات آسيا الوسطى عام 2001 (باستثناء تركمانستان)؛ لمكافحة ما يسمى بـ«الشرور الثلاثة»، وهي على وجه التحديد «الإرهاب، والنزعة الانفصالية، والتطرف».

وقد انتظرت إيران هذه اللحظة منذ أن أصبحت عضوًا مراقبًا في «منظمة شنغهاي للتعاون» عام 2005. وبعد التوقيع على معاهدة إستراتيجية متعددة الأبعاد مدتها 25 عامًا مع الصين، والاستعداد لعقد صفقة مماثلة مع روسيا في الأمد القريب، يمكن أن نرى انضمام إيران إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» بمثابة الخطوة الحاسمة الثالثة في اتجاه طهران القوي نحو الشرق.

لم يكن الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، شخصية بارزة في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الإيرانية. ولهذا السبب، وعلى عكس سلفه، لم يحدد بعد أبعاد إستراتيجية سياسته الخارجية، أو يحدد كذلك الأهداف التي يريد تحقيقها في الخارج. وعلى الرغم من ذلك فهو مُحاط بشخصيات كانت تنتقد خطة العمل الشاملة المشتركة.

وقد انتقدت هذه الأصوات نفسها إدارة روحاني لأنها لم تُولي الاهتمام الكافي للعلاقات مع روسيا والصين، ولم تستخدم العلاقات الموسَّعة المفترضة مع موسكو وبكين بوصفها وسيلة ضغط في المفاوضات مع الولايات المتحدة وأوروبا. وعلى الرغم من أن هذا المعسكر لم يوضح قط كيف سيُدفَع الغرب بالضبط لرفع العقوبات، أو قبول مطالب إيران الأخرى من خلال العلاقات الوثيقة المفترضة لإيران مع روسيا والصين، فقد حصلوا على أوراق اعتماد جديدة من أكبر صانع للقرار في البلاد.

وفي اجتماع قصير أخير مع روحاني ومجلس وزرائه انتقد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الرئيس روحاني مرةً أخرى لـ«ثقته» في الغرب؛ الأمر الذي يُنذر باستمرار الجمود في مفاوضات فيينا بشأن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.

ومن الجدير بالذكر أن مكتب المرشد الأعلى أصدر بعد ذلك ملفَ فيديو قصيرًا يظهر فيه آية الله خامنئي خلال اجتماع خاص عام 2012 مع رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام آنذاك، آية الله هاشمي رفسنجاني، وهو ينتقد إصرار رفسنجاني على إقامة علاقة مع الولايات المتحدة.

المرشد الأعلى حدد الملامح المركزية للمرحلة القادمة من السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، والاتجاه الذي يجب أن يتبعه رئيسي، وهو التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة باعتبارها نقطة محورية في السياسة الخارجية الإيرانية. وتتمثل مهمة رئيسي وفريقه في تعزيز العلاقات مع الدول غير الغربية، بما في ذلك الصين وروسيا.

وعلى هامش مراسم تصديق آية الله خامنئي على رئاسة رئيسي، أكد مستشار المرشد الأعلى في الشؤون الدولية علي أكبر ولايتي أن أولوية حكومة رئيسي يجب أن تكون «التطلع إلى الشرق» و«التعاون، والعلاقات الإستراتيجية مع الصين، والهند، وروسيا»، والتي يمكن أن «تساعد اقتصادنا في إحراز تقدم» على حد قوله.

منظمة شنغهاي للتعاون لن تقدم لإيران ما تحتاجه

ليست «منظمة شنغهاي للتعاون» تجمعًا إقليميًّا فاعلًا في مجالي التجارة والاقتصاد، لكنها في الأساس منصة لروسيا والصين لإدارة بيئتهما الأمنية المحيطة، وتحييد التهديدات المشتركة لأمنهما القومي، وسلامتهما الإقليمية الناشئة عن «الشرور الثلاثة» المتصورة. ومنذ أن انضمت باكستان والهند إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» عام 2017 أصبحت المنظمة تضم أربع قوى نووية ذات برامج وأهداف أمنية مختلفة.

وفي الأساس لا تشارك إيران الاهتمامات الأساسية لهذه القوى الأربع. وتختلف العضوية الكاملة في «منظمة شنغهاي للتعاون» اختلافًا بيِّنًا عن حصولها على صفة عضو مراقب؛ إذ يتعين على إيران أن تتعهد بالتزامات، وتتخذ مواقفَ رسمية خلال عمليات صنع القرار.

وقد يكون لزامًا على طهران بوصفها عضوًا كاملًا في «منظمة شنغهاي للتعاون» أن تعرب عن موقفها تجاه النزاعات الإقليمية بين الهند والصين وباكستان على سبيل المثال، وهي القضية التي لا تأتي ضمن الاهتمامات المباشرة لإيران. وسيكون للشريكين الاقتصاديين الرئيسَيْن لإيران – بكين ونيودلهي – توقعات متباينة من طهران.

وفي حين تفرض العضوية الكاملة التزامات إضافية، فإن الفوائد التي يمكن أن تجنيها طهران محل نقاش؛ وآية ذلك أن «منظمة شنغهاي للتعاون» لن تزود إيران بالقدرة على متابعة أجندتها وعلاج مخاوفها الأمنية في الشرق الأوسط، ولن تعمل الهيئة بوصفها أداة لإيران للهروب من العزلة الإقليمية.

بل على العكس من ذلك، قد يؤدي اكتساب بطاقة عضوية كاملة في «منظمة شنغهاي للتعاون» إلى تضخيم الانقسامات والعداء بين إيران والحلفاء العرب للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال تصوير إيران على أنها «دُمية» في أيدي الصين وروسيا.

وعلى الرغم من أن «منظمة شنغهاي للتعاون» ليست منظمة أمنية جماعية، فإنها تعتقد أن التطرف الإسلامي السني تهديدًا مشتركًا ينبغي كبحه. ولن يظل نهج إيران الشيعي في التعامل مع هذا الموضوع في منظمة شنغهاي بلا حساسيات، وخاصة في آسيا الوسطى.

وعلى الرغم من الجوانب اللطيفة الأخرى للتعاون المتعدد الأطراف التي تزعم المنظمة أنها تغطيها، مثل التجارة أو الأعمال المصرفية أو المساعدات الطارئة، فإن تاريخ المنظمة يكشف عن ميل إلى تعزيز الأجندة الأمنية المشتركة وتجاهل قضايا الخلاف. على سبيل المثال، بسبب المخاوف بشأن فقدان نفوذها، تُعارِض روسيا المقترحات الصينية بإنشاء منطقة تجارة حرة بين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون. ومن الواضح أن إيران لا تستطيع وضع أجندة غير متوافقة في هذا السياق.

وعمومًا يحجب تعزيز سياسات الأمن الخارجي في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية بالفعل الدبلوماسية الاقتصادية أو الفرص التجارية الجديدة. وفي ضوء هذا السياق من شأن إقامة روابط مؤسسية مع «منظمة شنغهاي للتعاون» باعتبارها عضوًا كامل العضوية أن يعزز هذا المسار غير المثمر لاقتصاد إيران وتجارتها.

وحتى إذا قررت إيران إعطاء الأولوية لتعددية الأطراف الأمنية على قضايا أخرى، فمن الطبيعي أن تعطي طهران الأولوية للشرق الأوسط، وإعادة تأهيل العلاقات المقطوعة مع أعضاء مجلس التعاون من خلال الحوار الإقليمي. ولن تساعد «منظمة شنغهاي للتعاون» في هذا الصدد.

إن الشرق الأوسط المضطرب والعداء المستمر بين إيران والولايات المتحدة والدول العربية يخدم في المقام الأول النفوذ، والمصالح الروسية، والصينية. وعلى النقيض من خطاباتهما وإيماءاتهما الدبلوماسية الحميدة (والجوفاء)، لم تَسْعَ موسكو ولا بكين مطلقًا إلى تشجيع إيران والمنطقة على إطلاق اتجاه حميد لأقلمة وحوار شامل من أجل إحلال السلام والاستقرار الدائمين.

وكان أحد الأسباب الرئيسة لإبقاء إيران خارج «منظمة شنغهاي للتعاون»، على الرغم من طلباتها المتكررة لقبول عضويتها منذ عام 2005، هو انخراط الجمهورية الإسلامية مع الغرب وأمل طهران في الانفتاح الاقتصادي والسياسي مع الولايات المتحدة وأوروبا في مراحل تاريخية مختلفة.

ولم تكن روسيا ولا الصين راغبتين في منح عضوية منظمة شنغهاي إلى بلد يتبنَّى سياسة خارجية موجهة نحو الغرب. ومن شأن العضوية الكاملة أن تعطي قدرًا كبيرًا من النفوذ وورقة مساومة في المنظمة.

ويبدو أن بروز الجمود الإستراتيجي بين إيران والغرب بشأن المسألة النووية، واستمرار طهران في رفض المفاوضات بشأن القضايا غير النووية (مثل أنشطتها الإقليمية، وبرنامجها الصاروخي)، أدَّى إلى إيجاد قوة دفع كافية لروسيا والصين لكي يدركا أنه «لم تعد هناك عقبة في طريق عضوية إيران الكاملة في المنظمة».

التصور الخاطئ لإيران حول الإقليمية الأوروآسيوية

حاولت إيران دومًا استخدام علاقاتها مع الصين وروسيا خلال سنوات التوتر مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية بوصفها وسيلة ضغط ضد العواصم الغربية؛ الأمر الذي يساعدها في تلقي الدعم الدبلوماسي ومدِّها بشريان الحياة الاقتصادي، والمعدات الدفاعية من موسكو وبكين.

ونجحت إستراتيجية طهران إلى حد ما، وساعدتها، على سبيل المثال، في النجاة من العقوبات المعوقة. ومع ذلك تمكَّنت إيران من عدم الانحراف بشدة عن شعارها الأساسي في مجال السياسة الخارجية، «لا الشرق ولا الغرب». ولكن يبدو أن الجمهورية الإسلامية تُغير مسارها بالاستعاضة عن الأعمال الرمزية بسياسات ملموسة. وهذا بدوره سيجلب مجموعة متنوعة من العواقب على السياسات الاقتصادية والخارجية والأمنية للبلاد.

تسعى إيران إلى تحقيق مشاركة هادفة في المؤسسات الاقتصادية والأمنية الأوروبية الآسيوية على أمل الحد من الضغوط التي تفرضها العقوبات الغربية، وربما لإحداث جلبة جديدة من أجل «المواجهة الدبلوماسية» ضد الغرب. ومع ذلك، تفتقر هذه العقلية إلى إستراتيجية محددة وسياسة متماسكة، وتتناقض في بعض الأحيان مع خطاب السياسة الخارجية الإيراني، الذي يعطي الأولوية للشرق الأوسط وتطوير العلاقات مع الجيران.

ويلفت الكاتب إلى أن هناك تصورًا خاطئًا في السياسة الخارجية الإيرانية مفاده أن مجرد كونها جزءًا من الكيانات الإقليمية المختلفة في المناطق المجاورة، بما في ذلك أوراسيا، فمن الممكن أن تكسر تلقائيًّا «جدار العقوبات» وأن يؤدي ذلك إلى علاقات خارجية مثمرة ومتنوعة. ومن الصعب تصور أي إنجازات حقيقية ذات مغزى سوف تنتج عن منصات متعددة الأطراف مثل «منظمة شنغهاي للتعاون»، والاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي، أو مبادرة الحزام والطريق، عوضًا عن العلاقات الثنائية بين إيران وروسيا والصين.

وبدلًا عن ذلك، فإن إصرار إيران على الحصول على مقعد في المنظمة لا يؤدي إلا إلى توليد المزيد من النفوذ لموسكو وبكين لتعزيز اعتماد البلاد المفرط على الشرق.

لا تؤديةالجهود الرامية إلى الحصول على مقعد في هذه المبادرات غير الفعَّالة إلى حد كبير إلا إلى إهدار الموارد الدبلوماسية المحدودة للبلاد، وذلك لأن روسيا والصين هما أصحاب المصلحة المهيمنين في تلك المبادرات ويكاد يكون من المستحيل على طهران السعي لتحقيق أهداف ملموسة وقابلة للتحقيق.

وعلى صعيد التجارة والاقتصاد، وهو الأمر الأكثر أهمية لإيران، فإن المبادرات الأوروبية الآسيوية الكبرى مثل الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي الذي تقوده روسيا ومبادرة الحزام والطريق الصينية لم تُحْدِث حتى تطورًا ذا شأن في العلاقات الثنائية بين بكين وموسكو، أو حتى التنسيق المؤسسي الإقليمي بين المبادرتين، على الرغم من الخُطَب الرنانة في هذا الصدد.

مبادرة الحزام والطريق والاتحاد الاقتصادي الأوراسي لا يعدوان كونهما مشروعين جيوسياسيين لحماية «مناطق نفوذ» الصين وروسيا تحت مظلة نظام عالمي متعدد الأقطاب. وبسبب التشابكات الإقليمية والدولية لإيران، سوف تعمل روسيا والصين بوصفهما قوتين انتهازيتين، وبدافع من طموحاتهما العالمية، على رعاية علاقة ناجحة مع إيران، بصرف النظر عن وجود طهران في المحافل المتعددة الأطراف.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
The Diplomat

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان + 17 =

زر الذهاب إلى الأعلى