الوكالة الدولية في طهران… اتفاق “تكتيكي” للعودة إلى مفاوضات فيينا
العقدة التي وقفت عندها الجولة السادسة باقية على حالها، وحتى حينه كانت إدارة بايدن مستعدة لرفع العقوبات المرتبطة بالاتفاق النووي فقط وهذه أهم نقاط الخلاف.
ميدل ايست نيوز: الموقف الإيراني على حاله من عمليات التفتيش على المنشآت النووية، وفق النتائج الأولية لزيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، الأحد الماضي إلى طهران، والتي أسفرت عن توقيع اتفاق “يسمح لمفتشي الوكالة بالصيانة الفنية والتقنية لأجهزة المراقبة (الكاميرات)، واستبدال بطاقات الذاكرة لهذه الأجهزة التي ستُختم من قبل الجانبين وتحفظ في إيران”.
وكانت طهران أعلنت في فبراير/شباط الماضي أنها لن تسمح للوكالة بالاطلاع على تسجيلات الكاميرات، وستسلم التسجيلات للوكالة في حال التوصل إلى تفاهم لإعادة إحياء الاتفاق النووي، ورفع واشنطن العقوبات المفروضة عليها.
وجاء تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، ليؤكد على أن موقف طهران لم يتغيّر، إذ قال إن إيران “تسمح بحسن نية بمواصلة عمل كاميرات المراقبة، لكن لن تسمح بوصول الوكالة إلى بيانات هذه الكاميرات”.
وأضاف أن وصول مفتشي الوكالة إلى هذه البيانات “سيكون متاحاً عندما يحصل اتفاق في فيينا حول الاتفاق النووي، فحينئذ إيران تستأنف بالكامل تنفيذ الاتفاق النووي”، لافتاً إلى أن البيان المشترك بعد لقاء المدير العام للوكالة الدولية مع رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي “كان واضحاً بقدر كاف”.
وهنا يجدر التوقف عند عدة نقاط مهمة في ما يخصّ هذه الزيارة التي جاءت بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أتت برئيس جديد هو إبراهيم رئيسي وحكومة جديدة، خلفاً لحكومة الرئيس السابق حسن روحاني التي بدأت رحلة الاتفاق النووي عام 2012. النقطة الأولى هي أنّ زيارة غروسي إلى طهران جاءت قبل يوم من اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعدما اتهمت الأخيرة في تقرير شديد اللهجة إيران بـ”عرقلة” مهام المراقبة التي يجريها مفتشوها، بعدما علقت طهران بعض عمليات التفتيش لأنشطتها النووية، في فبراير/شباط الماضي.
والنقطة الثانية هي أن الزيارة تسجل في إطار متابعة بعض القضايا بين الطرفين، وبالتالي فإن المواضيع التي بحثها الطرفان لم تكن جديدة، وجرى النقاش بشأنها على أرضية التعاون الثنائي. والنقطة الثالثة هي أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان قصير الأمد، ولا يمكن تحديد مدته حسب غروسي.
وهذا يعني أن قبول طهران بهذه الخطوة هو من باب التكتيك، وهو أمر معطوف على السلوك الإيراني تجاه الوكالة، إذ سبق لطهران أن أبدت مرونة مع الأخيرة حين كانت تفقد أوراق المناورة، ولجأت مرات عدة إلى دعوة مدير الوكالة، وحصلت اتفاقات مشابهة، ولكنها لم تصمد، ولا يبدو الأمر مختلف كثيراً هذه المرة.
ويبدو الاتفاق بالنسبة لطهران خطوة إجرائية، بل هو حاجة إيرانية أوروبية، إذ تعتبر الدول الأوروبية الثلاث؛ فرنسا، بريطانيا، وألمانيا، أن دخول الوكالة إلى مواقع الأنشطة النووية “أساسي لنجاح الجهود التي نبذلها لإحياء الاتفاق النووي”، وهذا ما يفسر تصريح المنسق الأوروبي للمفاوضات بشأن الاتفاق النووي، إنريكي مورا، الذي وصف إعلان إيران والوكالة عن التوصل للاتفاق بأنه “خطوة إيجابية”، بينما لم يصدر أي موقف من الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي المحادثة التي أجراها وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب، مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يوم الإثنين الماضي، لم يصدر عن راب أي موقف تجاه الاتفاق، واكتفى بتهنئة اللهيان بمنصبه.
وهناك الكثير من القضايا الخلافية، إذ لا تلخّص مسألة كاميرات المراقبة كل شيء، ومنها أن إيران تجاوزت الحد المسموح لها بتخصيب اليورانيوم بـ16 ضعفاً، وهناك مواقع لم يتم السماح لمفتشي الوكالة بدخولها. وقد جاء في تقرير للوكالة مطلع مارس/آذار 2020، أن “إيران لم تسمح بوصول الوكالة إلى موقعين، ولم تشارك في مناقشات جادة للإجابة على أسئلة الوكالة المتعلقة بمادة نووية وأنشطة ذات علاقة نووية، لم يتم الإعلان عنها”.
والجديد في الأمر، هو أن توقيع الاتفاق بين الطرفين جاء في اللحظة التي حكمت فيها أوساط دولية على مباحثات فيينا بالوصول إلى طريق مسدود، بعد ست جولات بدأت في الثاني من إبريل/نيسان الماضي، وكانت الأخيرة في 20 يونيو/حزيران الماضي، وجرى تجميد هذه المباحثات عند خلاف واضح في الموقف بين واشنطن وطهران حول من يبدأ الخطوة الأولى.
وتطالب إيران واشنطن، قبل الالتزام بنصوص الاتفاق النووي، رفع جميع العقوبات الأميركية المفروضة عليها وليس فقط التي تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي في سبتمبر/أيلول 2015، وأعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فرضها عام 2018، بينما تصر الولايات المتحدة على التزام إيران الشروط التي وضعها الاتفاق قبل أي خطوة.
ووسط هذا الشد والجذب، كانت التوقعات تشير إلى استئناف المفاوضات بعد أن يتم تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة، غير أنّ الفرصة لم تسنح لتنازل كبير من أحد الطرفين الأميركي والإيراني، بل سبق لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن هدد بالانسحاب من المفاوضات، وذلك قبل نهاية أعمال الجولة السادسة.
وفسر الوزير الأميركي موقف بلاده بأنه نابع من استمرار السلطات الإيرانية في تطوير برنامجها النووي، وقال إنه “قد يصبح قريباً عقبة لا يمكن التغلّب عليها إطلاقاً”. وأضاف: “إذا استمروا في تشغيل أجهزة طرد مركزية أكثر تطوراً، بشكل مستمر على مستويات أعلى وأعلى، فسنصل إلى نقطة صعبة للغاية من الناحية العملية” للوصول إلى الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، بصيغته وبنوده الأصلية.
وساد الاعتقاد بأنّ طهران ستحرك الملف بعد أداء الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي اليمين الدستورية، في الخامس من أغسطس/آب الماضي، لا سيما وأن رئيسي أعتبر أن إحياء الاتفاق النووي هدف أساسي في الفترة الأولى من حكمه.
ولكن حظوظ هذه الفرصة بدأت بالتراجع بسرعة مع تنامي التيار المعارض في الحزب الجمهوري للعودة إلى الاتفاق. وقد قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أمام المؤتمر السنوي للحزب الجمهوري في يونيو الماضي، إن بايدن رفع عقوبات عن إيران وأفرج عن أموال.
وحصل ذلك فعلاً في يونيو الماضي، إذ قامت وزارتا الخارجية والخزانة بـ”رفع العقوبات عن ثلاثة مسؤولين سابقين في الحكومة الإيرانية، وشركتين سبق لهما المشاركة في شراء أو حيازة أو بيع أو نقل أو تسويق المنتجات البتروكيماوية الإيرانية، نتيجة التحقق من التغيير في الوضع أو السلوك من جانب الأطراف الخاضعة للعقوبات”، وهو ما اعتبرته أوساط مراقبة أنه زاد من تشدد إيران، فيما ساعدتها الأموال المفرج عنها لترتيب أوضاعها. ويبدو أن تشدد المعارضة الجمهورية بات أكثر تأثيراً على الرئيس الأميركي بعد الانسحاب من أفغانستان، ممّا سيجعل هامش إدارته في التفاوض مع الإيرانيين أضيَق.
وفي حين أن بايدن شخصياً كان يسعى للتوصل إلى اتفاق مع طهران، وكلف عدداً من مسؤولي إدارته بهذه المهمّة، اليوم، انحسر هامش المناورة لديه.
وبالنسبة لواشنطن، فإن انتقال الملف النووي من وزارة الخارجية إلى الرئاسة ومجلس الأمن القومي في طهران علامة لا توحي بانفراج، وذلك بالنظر إلى أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، صاحب كلمة الفصل في النظام، أعطى الموافقة على نقل إدارة المفاوضات النووية من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى وزارة الخارجية في عام 2012، ودعا في إحدى خطاباته إلى “المرونة البطولية”، وهو ما عُد الضوء الأخضر لخروج المفاوضات الأميركية الإيرانية التي كانت تجري في سلطنة عمان، من السر إلى العلن وقتها.
وتعطف واشنطن على ذلك موقفين هامين صدرا عن كل من الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف قبل مغادرتهما الحكم بوقت قصير. وكانت البداية من ظريف الذي أكد في مقدمة تقرير قدمه إلى البرلمان في يوليو/تموز الماضي، على أهمية خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي) بين إيران والقوى الكبرى حول البرنامج النووي.
وقال: “لا يوجد اتفاق من دون نقص لأي من أطراف الاتفاق؛ كل طرف قد يكون مستاء من جزء فيه. هذه طبيعة أي اتفاق، ومن أجل التوصل لأي اتفاق من الضروري فهم هذه الحقيقة، وهي: من دون النظر إلى الحد الأدنى المقبول من مخاوف ومطالب جميع الأطراف، لا توجد إمكانية للتسوية”.
وجاء تقرير ظريف في صيغة نصائح للرئيس الجديد من أجل تنازلات متبادلة مع واشنطن. وبعد أسبوعين من ذلك جاءت تصريحات روحاني، الذي قال إن القانون المعروف بقانون “رفع العقوبات وضمان المصالح القومية”، الذي تم تمريره في البرلمان الإيراني نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عرقل مسار المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وحال دون رفع العقوبات الدولية عن بلاده.
وأضاف، أن الحكومة الإيرانية توصلت إلى تفاهمات مع مجموعة “1+5” (بريطانيا، فرنسا، أميركيا، الصين، وروسيا وألمانيا) خلال المفاوضات النووية في فيينا، لكن قانون البرلمان منع الخارجية من الوصول إلى النتيجة النهائية، مؤكداً أنه “لولا ذلك لكانت العقوبات رفعت في مارس الماضي”.
إيران لا تثق بالوكالة الدولية، وعلى الرغم من أن الاتفاق معها تقني، فإنه يمكن أن يسهل استئناف مفاوضات فيينا. إلا أن العقدة التي وقفت عندها الجولة السادسة باقية على حالها، وحتى حينه كانت إدارة بايدن مستعدة لرفع العقوبات المرتبطة بالاتفاق النووي فقط، وليس جميع العقوبات، وهذه أهم نقاط الخلاف. وفي حين يبدو سقف الطموحات الإيرانية عالياً، لم يتقدم المسار السياسي بين واشنطن وطهران.