مخاطر العمل العسكري ضد برنامج إيران النووي
أخطأ "بلينكن" عندما قال إن الدبلوماسية هي "الطريقة الأكثر فعالية" لمنع إيران من حيازة السلاح النووي، فيجب أن ندرك جميعا أن الدبلوماسية هي "السبيل الوحيد".
ميدل ايست نيوز: نظرا لأن المحادثات غير المباشرة لإعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لم تقدم شيء حتى الآن، تواصل الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية التهديد باتخاذ “خيارات أخرى”، بما في ذلك العمل العسكري، إذا فشلت المحادثات.
وجاء أحدث مثال على ذلك خلال مؤتمر صحفي بين وزير الخارجية الإسرائيلي “يائير لابيد” ونظيره الأمريكي “أنتوني بلينكن” في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وتعليقا على برنامج إيران النووي، قال “لابيد” إن “إسرائيل تحتفظ بالحق في التصرف في أي لحظة، وبأي شكل من الأشكال”، وأضاف: “نعلم أن هناك لحظات يتعين فيها على الدول استخدام القوة لحماية العالم من الشر”.
من جانبه، قال “بلينكن” إن “الوقت ينفد”، وأكد أن “إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها ونحن نؤيد ذلك بقوة”.
وما يشير إليه “لابيد” و”بلينكن” هو تأييد لهجوم غير مبرر ضد إيران بدعوى منعها من امتلاك سلاح نووي.
ويعد هذا مؤشرا على عدم فاعلية الدبلوماسية الأمريكية على مدى الأشهر الـ 6 الماضية، حيث يفكر مسؤولو الإدارة الآن في “خيارات” فشلت بالفعل أو لا ينبغي تجربتها أبدا.
وقال “بلينكن” إن الدبلوماسية لا تزال “الطريقة الأكثر فاعلية” للحفاظ على سلمية البرنامج النووي الإيراني، لكن سجل دبلوماسيته حتى الآن كان مخيبا للآمال.
فقد كانت إدارة “بايدن” بطيئة في الانخراط في المفاوضات، وغير راغبة في تقديم أي مؤشر على النوايا الحسنة، ورفضت أخذ زمام المبادرة في إعادة الانضمام إلى الاتفاق.
وردت حكومة “رئيسي” الجديدة في طهران على ذلك بالانخراط في تكتيكات المماطلة خلال الأشهر القليلة الماضية.
وبالرغم أن المفاوضات محبطة حتى الآن، فلا يوجد بديل واقعي من شأنه أن يعيد القيود على برنامج إيران النووي باستثناء التمسك بالمحادثات حتى الوصول إلى نهاية ناجحة.
وبينما يوجد تذمر من الجانب الإسرائيلي بشأن جدية حديث إدارة “بايدن” عن “خيارات أخرى” أو “طرق أخرى” إذا فشلت الدبلوماسية، يشير المسؤولون الأمريكيون إلى أن الولايات المتحدة تنظر إلى الهجمات الإسرائيلية على المنشآت والأراضي الإيرانية كدفاع عن النفس.
ومن خلال ذلك، تضع الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب بسبب تأييدها لهجوم إسرائيلي لا تستطيع السيطرة عليه.
وحتى لو كان هذا مقصودا ليكون بمثابة تهديد للمتشددين في إيران فقط، فإنه يمنح الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر للقيام بأي شيء تريد القيام به.
وعندما تستمر القيادة السياسية الإسرائيلية في التلويح بالقيام بعمل عسكري، فمن غير المسؤول أن تمنحهم الولايات المتحدة هذا الضوء الأخضر.
وكما قال “لابيد” خلال المؤتمر الصحفي: “بقول خيارات أخرى، أعتقد أن الجميع في إسرائيل والإمارات وطهران يفهم ما الذي نعنيه”.
وهنا يتضح التهديد بارتكاب أعمال عسكرية.
ومن المهم أن نفهم أنه لا يوجد شيء دفاعي بشأن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل بالفعل بما في ذلك تخريب المنشآت الإيرانية واغتيال العلماء الإيرانيين، ولن يكون هناك شيء دفاعي بشأن الهجمات العسكرية المباشرة على الأراضي الإيرانية.
ويجب أن نقول إن التمتع بالحق في الدفاع عن النفس ليس ترخيصا لبدء الأعمال العدائية ضد دولة أخرى بحجة أنها قد تشكل بعض الخطر في المستقبل.
ولم يكن الأمر دفاعا عن النفس عندما غزت الولايات المتحدة العراق، ولن يكون إلقاء القنابل على إيران دفاعا عن النفس.
وبغض النظر أن أي عمل عسكري “وقائي” ضد إيران سيكون انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية إلا في حالة الدفاع عن النفس، فمن المحتمل أيضا أن يؤدي إلى نتيجة عكسية بأن ترد إيران بمحاولة الحصول على سلاح نووي.
وحتى لو كانت إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية، فإن ذلك لن يمنح أي دولة أخرى الإذن بشن هجمات على أراضيها.
ونظرا لعدم وجود دليل على أن إيران تمتلك حاليا برنامجا للأسلحة النووية، فمن الواضح أن الضربات العسكرية على منشآتها النووية سيتم تصنيفها باعتبارها أعمال عدوانية إجرامية.
ولا شيء من شأنه أن يعطي الحكومة الإيرانية حافزا أقوى لبناء قوة ردع خاصة بها من الهجوم على البلاد.
ومثلما دفع الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي في “أوزيراك” قبل 40 عاما “صدام حسين” إلى السعي للحصول على أسلحة نووية بشكل جدي، فإن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية سيدفع طهران إلى اتخاذ القرار السياسي بالسعي للحصول على الأسلحة النووية.
ويعد استخدام القوة لحل القضية النووية طريقا مسدودا، ولكن يبدو أنه طريق ترغب الولايات المتحدة وإسرائيل في سلكه.
وتدعي إدارة “بايدن” أن الوقت ينفد أمام إيران، لكن لا يوجد خيار لاستعادة الاتفاق النووي دون تسوية دبلوماسية.
وقد فشلت عقوبات “أقصى ضغط”، كما اعترفت إدارة “بايدن” أكثر من مرة، لذا فإن إبقاء العقوبات كما هي أو زيادتها لن يحقق شيئا سوى تحفيز برنامج إيران النووي.
ولم ينجح التخريب السري إلا في استفزاز إيران لتخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى من أي وقت مضى وإنهاء تطبيقها الطوعي للبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وسيكون العمل العسكري غير قانوني وخاطئ، وسيضمن النتيجة التي منعها الاتفاق النووي بالفعل.
كما سيعرض القوات الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة لهجمات انتقامية ربما تشعل حربا أكبر.
وقبل أن انسحاب الولايات المتحدة منها، كانت خطة العمل المشتركة الشاملة قصة نجاح فيما يتعلق بمنع الانتشار، وكانت أيضا انتصارا لحل نزاع دولي طويل الأمد من خلال التسوية.
وأدى إبرام الاتفاق عام 2015 إلى خفض التوترات الإقليمية وجعل الحرب مع إيران أقل احتمالية بكثير، وليس من قبيل الصدفة أن التوترات الإقليمية واحتمال اندلاع الحرب قد تصاعدت مع تأزم الاتفاق.
وعندما كانت إدارة “أوباما” تعرض الاتفاقية على العالم للمرة الأولى، جادلت بأنه لا بديل أمام معارضيها سوى الحرب.
ومع تعثر المفاوضات حول استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، يتم تذكيرنا مرة أخرى بأن هذا هو البديل الحقيقي الوحيد الذي يتعين على الصقور تقديمه.
لكن “الخيارات” التي يتحدث عنها الصقور محكوم عليها بالفشل، وستكون تكلفة هذه الخيارات أكبر بكثير من تخفيف العقوبات من أجل إنقاذ الاتفاق النووي.
وكانت التسوية الدبلوماسية مع إيران هي الشيء الوحيد الذي حل القضية النووية قبل 6 أعوام، وهو الشيء الوحيد الذي سيعيد إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة الآن.
وتعني “الخيارات الأخرى” التي ذكرها “لابيد” و”بلينكين” مزيدا من الفشل وربما نشوب صراع جديد.
وفي هذا الصدد، أخطأ “بلينكن” عندما قال إن الدبلوماسية هي “الطريقة الأكثر فعالية” لمنع إيران من حيازة السلاح النووي، فيجب أن ندرك جميعا أن الدبلوماسية هي “السبيل الوحيد”.
دانييل لاريسون