تمسك غربي بالدبلوماسية لمعالجة النووي الإيراني

في الأسابيع الأخيرة، تكاثرت إشارات المسؤولين الأميركيين، إلى البحث عن “بدائل أخرى” للتعاطي مع الملف النووي الإيراني.

ميدل ايست نيوز: في الأسابيع الأخيرة، تكاثرت إشارات المسؤولين الأميركيين، إلى البحث عن “بدائل أخرى” للتعاطي مع الملف النووي الإيراني، الذي جمدت المفاوضات بشأنه في فيينا منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، ويرجح أن تستأنف أواخر الشهر الجاري.

والبدائل الأخرى التي لوح بها كبار المسؤولين الأميركيين تعني من ضمن ما تعنيه؛ اللجوء إلى الوسائل العسكرية، ولكن ليس وحدها، إذ إن هناك بدائل أخرى مثل الهجوم السيبراني، أو استهداف الموقع بعمليات تخريب وتفجير، أو استهداف كبار الخبراء النووي الإيرانيين، وهي وسائل سبق استخدامها في السنوات والأشهر الماضية.

كذلك، فإن بيان القادة الغربيين الأربعة “الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا” الخاص بإيران يشير من بعيد إلى احتمال اللجوء إلى بدائل أخرى غير المفاوضات، وذلك بتأكيده أن الأربعة الكبار عبروا عن “عزمهم العمل بشكل يمنع إيران من إنتاج السلاح النووي، أو الحصول عليه”.

وبحسب مصادر أوروبية، فإن هذه الفقرة تبين “وحدة الموقف”، بين الأوروبيين والأميركيين حول الهدف النهائي الذي يتعين الحصول عليه، أي قطع الطريق على إيران للتحول إلى قوة نووية “ثانية” في منطقة الشرق الأوسط.

بيد أن الأربعة الكبار لم ينفضوا أيديهم من آلة الدبلوماسية التي لا تزال حتى اليوم المفضلة لديهم. وبيانهم المشترك الذي صدر السبت، عقب اجتماعهم على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين في روما، بالغ الوضوح، إذ ينص على أن “الوضع الحالي يبين ضرورة التوصل إلى حل متفاوض عليه من شأنه إتاحة عودة إيران والولايات المتحدة إلى احترام مضمون الاتفاق” النووي لعام 2015.

ويعني هذا التمسك بالخيار الدبلوماسي، كما يعني أن التلويح بتفعيل “الخيارات الأخرى”، إن على المستوى الأميركي الفردي، أو الجماعي (مع أوروبا أو غيرها) لم يحن أجله بعد.

وهذا ما أشار إليه الوزير أنتوني بلينكن في حديثه للقناة الإخبارية “سي إن إن” أول من أمس، بقوله إنه “لا تزال هناك نافذة لرجوع إيران إلى التفاوض”، وإن واشنطن وحلفاءها يعدون الدبلوماسية أفضل طريقة للتعامل مع “المخاطر والتهديدات الناتجة عن برنامج إيران النووي”. وبطبيعة الحال، رفض بلينكن، كما فعل قبله مسؤولون آخرون، إيضاح الظروف والمهلة الزمنية التي ستقفل معها النافذة المفتوحة.

ترى المصادر الأوروبية المشار إليها أن هناك ما يشبه “سباقاً مع الزمن”، بين التقدم المتسارع الذي ينجزه البرنامج الإيراني لجهة مراكمة كميات كبيرة من اليورانيوم مرتفع التخصيب وتطوير واستخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وإنتاج معدن اليورانيوم، والتضييق على المفتشين الدوليين من جهة، والعودة إلى التفاوض في فيينا من جهة أخرى.

وأشارت مصادر رئاسية فرنسية إلى أن مقاربات القادة الغربيين الأربعة “متطابقة” بشأن التحذير من أن استراتيجية إيران ومماطلتها في العودة إلى طاولة المفاوضات هدفها “كسب الوقت”، وإحراز تقدم إضافي نووياً. ونتيجة ذلك أن الفترة الزمنية الفاصلة بينها وبين الوصول إلى الحافة النووية “آخذة بالتقلص”.

وإزاء الممانعة الإيرانية، كان أمام القادة الغربيين المتمسكين بالخيار الدبلوماسي وبالمفاوضات طريقان: إما زيادة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية على إيران، والتلويح بالهراوة المسماة “خيارات أخرى”، أو الخروج من الطريق المقطوعة إلى فيينا بتقديم “عرض جديد”، پوهو ما أشارت إليه المصادر الرئاسية الفرنسية من شأنه تحقيق هدفين: الأول، التوصل إلى مقاربة جماعية لكيفية التعاطي مع طهران بحيث تضم مجدداً روسيا والصين اللتين تعمد إيران إلى إقامة شراكات استراتيجية متعددة الأبعاد معهما، وبالتالي إعادة توحيد مواقف “5 + 1”.

والثاني، إغراء المسؤولين الإيرانيين والتلويح لهم بمحفزات لم يتم طرحها حتى اليوم. وحتى أمس، لم يكن متوافراً الحصول على تفاصيل العرض الجديد. إلا أن المرجح، فرنسياً، أن تقبل الإدارة الأميركية التجاوب، أقله جزئياً، مع مطالب إيرانية متواترة، الأمر الذي أعاد وزير الخارجية الإيراني حسن أمير عبد اللهيان التأكيد عليه في حواره المطول أول من أمس مع الصحيفة الرسمية “إيران”، حيث طلب مجدداً الإفراج عن عشرة مليارات دولار محتجزة لدى واشنطن أو السماح لإيران باستعادة أموال عائدة لها في عدة بلدان ككوريا الجنوبية أو غيرها.

وليس من المستبعد أن ينص العرض الجديد على تجميد العقوبات عن قطاع اقتصادي معين. والثابت أنه إذا كانت هناك “بادرة” جديدة فإنها ستكون أميركية الجنسية، لأن إيران ما زالت تتهم واشنطن بـ”عدم الجدية” في التفاوض وتواظب على فرض شروطها القديمة – الجديدة وتريد ضمانات بشأنها قبل أن تشد الرحال إلى فيينا.

وفي أي حال، فإن اللافت أن إيران عادت مجدداً إلى المعزوفة التي روج لها وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف بتأكيده أن المحادثات “لا فائدة منها”، وأنه يكفي أن يصدر الرئيس بايدن “أمراً تنفيذياً” بالعودة إلى ما قبل خروج إدارة ترمب من الاتفاق، والتخلي من جانب واحد عن العقوبات التي أعادت فرضها أو العقوبات الجديدة التي فرضتها تحت تسميات مختلفة.

ثمة قناعة اليوم أن المواظبة على استحضار الخيارات البديلة والحديث أن جميعها “على الطاولة” لا هدف منهما سوى تحذير المسؤولين الإيرانيين ودفعهم لوضع حد للمناورة وإيجاد الأعذار لتأخير ساعة الحقيقة. والثابت أن الرئيس بايدن، وفق القراءة الأوروبية، ما زال متمسكاً بالخيار الدبلوماسي رغم استشعار إدارته بأن الوقت ينفد وأنه سيحل يوم يتعين فيه على واشنطن أن تحسم أمرها.

وليس سراً أنها تواجه ضغوطاً في الداخل والخارج، ولذا، فإنها تكثر من التشاور مع شركائها وحلفائها وتسعى لتوحيد المواقف، وهو ما فعله مؤخراً مبعوثها الخاص بإيران روبرت مالي، الذي قام بجولة شرق أوسطية والتقى الأوروبيين في باريس.

يبقى السؤال: متى ستغلق نافذة التفاوض؟ حتى اليوم، لم تتوافر أي شخصية مسؤولة لتجيب عنه بوضوح لأن تحديد تاريخ معين سيكون بمثابة “خط أحمر” أميركي وستكون له تبعاته. ولا شك أنه مرتبط بمدى تقدم إيران في برنامجها، وبما يعده الغربيون المدة الزمنية اللازمة لتقترب طهران من الحافة النووية. وعندها سيكون لكل حادث حديث.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى