هل يورط بينيت بايدن في حرب مع إيران؟
توريط أمريكا في مواجهة مع إيران يبدو الهدف الرئيسي للسياسة الإسرائيلية الحالية.
ميدل ايست نيوز: توريط أمريكا في مواجهة مع إيران يبدو الهدف الرئيسي للسياسة الإسرائيلية الحالية، خاصة أن تأجيج الأزمة الإيرانية سيمثل مصلحة شخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.
وتُظهر الخطابات التي ألقاها رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام طريقتين مختلفتين تماماً للأنظمة في تضمين أحد خصومها الدوليين داخل استراتيجيتها، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ففي خطاب مكون من حوالي 2000 كلمة، أشار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إشارة موجزة فقط لما سماه “النظام الصهيوني المحتل”، حيث ذكر جملتين حول ما فعله هذا النظام بالنساء والأطفال في الأراضي المحتلة وكيف حوَّل الحصار الإسرائيلي قطاع غزة إلى “أكبر سجن في العالم”، موجهاً نداءً لإجراء استفتاء “بمشاركة جميع الفلسطينيين من جميع الأديان والأعراق بما في ذلك المسلمون والمسيحيون واليهود”.
في المقابل، كرّس رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ما يقرب من ثلث خطابه الأطول قليلاً لانتقاد إيران وإلقاء اللوم عليها في كل شيء خطأ يحدث في منطقة الشرق الأوسط. قال بينيت إن إيران “تسعى للهيمنة” على منطقة “نشرت فيها مذابحها ودمارها”. وأعرب عن قلقه بشأن الأنشطة النووية المتزايدة لإيران – دون أن يذكر بالطبع كيف أن هذا النشاط الإيراني المتزايد كان نتاجاً مباشراً لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرمته مع إيران.
ومؤخراً هناك العديد من التهديدات الصريحة بالهجوم على إيران، مثل إعلان رئيس الأركان العامة الإسرائيلية أن إسرائيل قد “سرّعت” خططها لمهاجمة إيران، وتلا ذلك تخصيص إسرائيل 1.5 مليار دولار لتوجيه ضربة محتملة لها. لذلك يجب أن تؤخذ التهديدات الإسرائيلية على محمل الجد في ضوء مكانة إسرائيل بوصفها الدولة الأكثر قوة عسكرياً في المنطقة وسجلها في مهاجمة دول أخرى أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة.
حتى لو كان الأمر مجرد خطاب وليس هجوماً عسكرياً، فإن موقف إسرائيل تجاه إيران هو أحد أوضح الأمثلة على نظام يستخدم المواجهة كمحور للاستراتيجية الوطنية.
المواجهة بهذا المعنى لا تعني ممارسة الضغط على الخصم على أمل تغيير سلوكه بطريقة أو بأخرى أو تغيير العلاقات مع الخصم. بدلاً من ذلك، يعني ذلك استخدام التوتر والعداء المرتبطين بالمواجهة لأغراض أخرى. إنه يعني النظر إلى المواجهة على أنها شيء لا يمكن التغلب عليه أو تجنبه، بل يجب الحفاظ عليه كأداة لفن الحكم والكفاءة السياسية.
تشمل أغراض الحكومة الإسرائيلية من تأجيج المواجهة مع إيران ادعاء إسرائيل بعدم مسؤوليتها عن أي حالة من عدم الاستقرار أو غيرها من العلل في الشرق الأوسط، وتشمل أيضاً تحويل الانتباه الدولي عن السياسات والسلوك الإسرائيلي الذي يفضل القادة الإسرائيليون عدم الحديث عنه، خاصة فيما يتعلق باحتلال الأراضي الفلسطينية. عندما تطرح مثل هذه الموضوعات، يكون الرد الإسرائيلي المعتاد هو “لكن المشكلة الحقيقية في الشرق الأوسط هي إيران”.
ومن خلال تقويض أي دبلوماسية أمريكية مع إيران، تأمل إسرائيل أيضاً في منع أي تقارب أمريكي-إيراني والاستمرار في تقديم نفسها على أنها صديق أمريكا الحقيقي الوحيد في الشرق الأوسط.
وكان لافتاً أنه بينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو يهاجم الاتفاق النووي الإيراني وينتقد خطط بايدن للعودة له، فعلى العكس، فإن بينيت يسعى لجذب موقف بايدن تجاه إسرائيل، عبر إقناعه بضرورة اللجوء لحلول خشنة في حال تعثر إحياء الاتفاق النووي الإيراني عبر ما يعرف بخطة الموت بألف طعنة التي طرحها بينيت على بايدن.
وخلال لقائهما الأول الذي عُقد في 2 أغسطس/آب 2021 كان لقاء ودوداً، كان بينيت سعيداً بقول بايدن إنه إذا فشلت الدبلوماسية مع إيران، فهو مستعد لاستكشاف خيارات أخرى- مردداً دعوات بينيت لـ”الخطة ب”.
يؤدي التركيز على الملف النووي الإيراني إلى إبعاد النظر عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وابتلاع الضفة الغربية والقدس، وحصار غزة والممارسات العنصرية بحق الفلسطينيين، وكذلك التفكك في التركيبة الإسرائيلية الداخلية؛ حيث يعتمد ائتلاف بينيت الحاكم على أصوات معدودة لدعمه فيما يتربص به رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتيناهو، ويحتاج بينيت ليصبح بطلاً قومياً أمام اليمين الإسرائيلي ليتسنى له الصمود أمام هذا التحدي.
وفي هذا الإطار، كشفت قناة إسرائيلية أن قوة خاصة من مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) بدأت، الثلاثاء 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إجراء تدريبات في إسرائيل هي الأولى من نوعها استعداداً لمواجهة محتملة مع إيران.
حيث ذكرت القناة “12” (خاصة)، أن الوحدة الأمريكية الخاصة “Task Force 51″، وقبل نشرها في منطقة الخليج العربي، بدأت تدريبات مع وحدات “كوماندوز” (قوات خاصة) إسرائيلية.
تأتي هذه التدريبات في إطار ربط إسرائيل، في سبتمبر/أيلول الماضي، بالقيادة العسكرية المركزية الأمريكية (سنتكوم)، المسؤولة عن الشرق الأوسط، بما في ذلك الخليج العربي.
كما أوضحت القناة “12” أنه بعد انتهاء التدريب (لم تحدد تاريخاً) ستنتقل قوات “المارينز” إلى الخليج “لمواجهة تصعيد محتمل مع إيران.
في المقابل، يبدو النظام الإيراني بدوره يستخدم طريقة المواجهة الخارجية لتثبيت دعائم حكمه الداخلي، بدءاً من الترويج لفكرة الإمبراطورية الإيرانية التي تسيطر على أربع دول عربية “العراق، سوريا، لبنان، اليمن”، وتقديم قائد فيلق القدس الإيراني الراحل قاسم سليماني كبطل.
كما أن نجاح إيران في العبور من حملة الضغط الأقصى التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي تمثلت في شن عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية، ومنعها من تصدير نفطها بالكامل، جعل المتشددين الإيرانيين، الذين لطالما كانوا يعارضون الاتفاق النووي الإيراني، وأصبحوا الآن في السلطة، يرون أن الصفقة النووية لم تعد تضيف أي مزايا لطهران.
يقول دبلوماسي إيراني مقرب من وزير الخارجية أمير عبد اللهيان: “الإدارة الإيرانية الحالية لا تثق بنية بايدن لرفع العقوبات، وحتى إن قام بتخفيف بعض العقوبات، فهذا لا يعني عودة الاستثمار الأجنبي إلى إيران، لخوف الشركات العالمية من انهيار الاتفاق وانسحاب الولايات المتحدة منه في أي وقت كما حدث في السابق”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن القيادة الإيرانية حالياً لا ترى أي فائدة من استكمال المفاوضات النووية، خاصة في ظل حديث واشنطن عن ضرورة إبرام اتفاق أقوى وأطول، فيقول لـ”عربي بوست”: “إدارة إبراهيم رئيسي لا تعتمد على الاتفاق النووي لتحسين الاقتصاد، بل إنها تعمل على إيجاد موارد أخرى، مثل الاعتماد على الذات والانفتاح على الشرق، كما أن نية واشنطن لإبرام اتفاق جديد يمتد لسنوات طويلة ويقوض أغلب البرنامج النووي الإيراني، هو بمثابة عقوبة لإيران وليس اتفاقاً له مزايا اقتصادية”.
ولكن ليس في الشرق الأوسط وحده، يستغل الحكام الأزمات الخارجية لترسيخ قوتهم الداخلية.
فلقد استخدمت دول أخرى استراتيجية المواجهة لأغراض أخرى. لطالما كان تأجيج العداء تجاه خصم أجنبي طريقة مألوفة لتعزيز الدعم المحلي لنظام يواجه تحديات سياسية لأسباب غير ذات صلة. ربما كان هذا عاملاً في الخطاب العدائي السابق للحاكم الفعلي الشاب للمملكة العربية السعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث هدَّد بشن الحرب ضد إيران، بينما كان يحاول في الوقت نفسه ترسيخ حكمه في الداخل.
واستخدم نظام كيم جونغ أون في كوريا الشمالية بشكل دوري اختبارات الأسلحة أو غيرها من الإجراءات لخلق التوتر والمواجهة مع المجتمع الدولي بأسره، لحشد الدعم من السكان الفقراء ولجذب الاهتمام والمساعدة الدوليين.
ويرى موقع Responsible Statecraft الأمريكي أنه يجب أن تقاوم الولايات المتحدة الانجرار إلى أي لعبة يمارسها أي نظام يؤجج المواجهة. يجب أن تتذكر واشنطن أن الأغراض التي تخدمها اللعبة ليست مصالح الولايات المتحدة وقد تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، حتى لو قدم الطرف الذي ينتهج هذا النهج نفسه بوصفه حليفاً للولايات المتحدة.
ويختلف مدى قدرة الولايات المتحدة على ثني نظام ما عن ممارسة اللعبة على الإطلاق من حالة إلى أخرى.
فمن الصعب تصور تخلي نظام كيم، على سبيل المثال، عن تصريحاته السيئة التي تجذب الانتباه، والتي أصبحت عنصراً أساسياً في فن الحكم في كوريا الشمالية. كما أنه من غير المرجح أن تتراجع إسرائيل عن اعتمادها الكبير على ورقة إيران وتجسيدها على شكل وحش كبير يهدد أمنها، دون مراجعة جوهرية للسياسة الإسرائيلية تجاه الصراع مع الفلسطينيين، والتي بدورها ستتطلب تغييراً جوهرياً في السياسة الأمريكية من حيث صلتها بالسياسة الإسرائيلية.
في غضون ذلك، يجب على الولايات المتحدة ألا تسمح لإسرائيل أو لأي شخص آخر بشل قدرتها على إدارة دبلوماسيتها الخاصة التي تثبط المواجهة، مع إيران أو أي شخص آخر.
تعتبر المملكة العربية السعودية مثالاً على أن التغيير الأقل جذرية في سياسة الولايات المتحدة قد وفَّر بالفعل دافعاً للتراجع عن لعبة المواجهة.
فقد خفف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هذا العام من لهجته بشأن إيران، وأظهرت محادثات الحد من التوتر بين الرياض وطهران، التي توسط فيها العراق جزئياً، بوادر تقدم.
يرى موقع Responsible Statecraft “أن العامل الرئيسي الذي أدى إلى هذا التحول السعودي تجاه إيريران كان إنهاء إدارة بايدن الدعم الأمريكي السابق غير المرتبط بشروط، وحتى المتحمس، لموقف الرياض المؤيد للمواجهة مع إيران”.
ويضيف تقرير الموقع قائلاً “في الشرق الأوسط كما في أي مكان آخر، يكون الحوار وتخفيف التوتر دائماً أفضل لمصالح الولايات المتحدة من المواجهة والتهديدات بالحرب، فخفض التصعيد يجعل التجارة المعززة للازدهار أمراً ممكناً، ويقلل من فرصة المتطرفين لاستغلال الصراعات، ويقلل من فرصة أن تصبح الولايات المتحدة متورطة في حروب إقليمية”.
ما ينطبق على العلاقات على المستوى الإقليمي ينطبق أيضاً على المستوى العالمي على علاقات واستراتيجية الولايات المتحدة نفسها. ومع أن استغلال المواجهة الخارجية لأغراض سياسية داخلية ليس غائباً بالتأكيد عن الولايات المتحدة، فإن استراتيجية المواجهة تجاه القوى العظمى الأخرى التي تعد خصوماً أصبحت اليوم أكثر من مجرد عادة، فهي بقايا تفكير تشكل خلال أربعة عقود من الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي.
كان من الصعب التخلص من هذه العادة خلال الأيام الأخيرة من الحرب الباردة نفسها، عندما بدا أن بعض مرؤوسي رونالد ريغان مثل كاسبار وينبرغر وويليام كيسي على استعداد لإثارة تلك الحرب إلى الأبد حتى عندما كان رئيسهم ريغان والرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف يبحثون عن طرق لإنهائها.
العادات نفسها تشكل الآن الكثير من الخطاب حول العلاقات مع روسيا وخاصة الصين. كما يشير الكاتب الأمريكي دانييل لاريسون، قد تكون الولايات المتحدة تنزلق إلى حرب باردة مع الصين جزئياً بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن مثل هذه المواجهة أمر لا مفر منه. إذ إن العادات القديمة تموت بصعوبة، وبعض هذه العادات سيئة.