العلاقة التنافسيّة بين إيران وتركيا
إن العلاقة بين الجارتين، إيران وتركيا، هي تنافسية ولا يمكن أن تصل إلى حالة العداء الاستراتيجي، نظراً للحاجة الاستراتيجية المتبادلة بينهما.
ميدل ايست نيوز: يمكن وصف العلاقة بين إيران وتركيا بأنها بين بلدين متنافسين. يتنافس البلدان على محيطهما، بما في ذلك العالم العربي، فقد ركزت أنقرة على مصالحها مع العرب، وتسعى نحو التهدئة مع دول الخليج، وتسرّع من عملياتها في شمال سوريا للقضاء على ما تعتبره الخطر الكردي، وذلك قبل الدخول في عملية مصالحة مع الحكومة السورية والاستفادة من استثمارات مرحلة إعادة الإعمار.
في المقابل، تركز إيران على الحوار مع دول الخليج، وتُجري مفاوضات مع السعودية بهدف استعادة علاقاتها الدبلوماسية.
وإذا تأملنا في السياسة التي اتبعتها إيران تجاه التحركات التركية في منطقة القوقاز، والدعم الذي قدمته أنقرة لأذربيجان ضد أرمينيا في حرب ناغورنو كراباخ، نجد أن طهران التزمت سياسة تنافسية براغماتية مع تركيا، فلم تقم بأي خطوات تضعها في عداء مع جارتها الشمالية – الغربية.
ويكشف الصمت الذي حل على الخارجية الإيرانية تجاه تشغيل تركيا سد “إليسو” على نهر دجلة، وتهديده الحياة في مدن إيران الجنوبية – الغربية، إلى درجة تهجير سكانها، أن طهران لا تريد خسارة تركيا أهدافاً تتعلق بمصالحها المشتركة معها.
وإذا تأملنا أيضاً الموقع الجغرافي، نجد أن البلدين متجاوران في الحدود، وهذا يفرض رؤية إستراتيجية في العلاقات، وأن كلاً من البلدين لا يريد خسارة الآخر، فيما التقارب بينهما يعزز من مكانتهما كقوتين إقليميتين أمام دول أخرى مثل إسرائيل والسعودية. وأيضاً يمنح البلدين استقلالية ذاتية أمام الهيمنة الأميركية التي لطالما سعت إلى تطويعهما.
شراكة استراتيجيّة
تحوّلت سوريا إلى ورقة للتصعيد أو التهدئة بين إيران وتركيا، فالزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو لطهران في 15 تشرين الثاني (نوفمبر)، كانت من أجل وضع “خريطة طريق لتأسيس تعاون طويل الأمد”، إذ إن الوقت قد حان لمرحلة ما بعد الحرب في سوريا، وهو وقت المصالح الاقتصادية.
والتقارب بين البلدين، يأتي خصوصاً تزامناً مع اقتراب اجتماع وزراء خارجية الدول الضامنة لمسار آستانة (إيران، تركيا، روسيا) في 20 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وذلك للنقاش حول إنهاء الأزمة في سوريا.
وعلى غرار خططها الاستراتيجية في التعاون الطويل الأمد مع الصين وأخرى منتظرة مع روسيا، تسعى طهران إلى اتفاق مماثل مع تركيا. ومن المتوقع أن تكون زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لطهران في نهاية السنة الحالية، وهي أيضاً موعد للتوقيع على هذا الاتفاق.
والعبارة التي نطق بها جاويش أوغلو في طهران “أين بيت الصديق؟ خانه دوست كجاست؟” – وهي للشاعر الإيراني سهراب سبهري – تكشف أن أنقرة تستعد لمرحلة جديدة من العلاقة مع طهران، تقوم على التفاهم حول العديد من القضايا والشراكة، بخاصة أن العداء مع إيران يمكن أن يعطل مشاريع تركيا في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى وغرب آسيا.
الوصول إلى مياه الخليج
وسط هذه التحولات في العلاقة بين البلدين، أعلنت طهران في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري عن عبور أول حمولة تجارية من الإمارات إلى تركيا عبر الأراضي الإيرانية. ويأتي هذا أيضاً وسط هرولة إيرانية وتركية للمصالحة مع دول الخليج.
وهذا يعني، أن كلاً من البلدين يتنافسان على المصالح الاقتصادية مع العالم العربي، فإيران لديها طموحات في الوصول إلى السوق السعودية، وأن يتحول ممرها “شمال – جنوب” إلى طريق إستراتيجي بالنسبة إلى دول الخليج للوصول إلى أوروبا.
تريد تركيا أيضاً الاستفادة من هذا الممر؛ بأن تصبح هي بوابته نحو أوروبا. وستركز الزيارات المنتظرة من مسؤولين إماراتيين لكل من إيران وتركيا خلال الأيام المقبلة، على المصالح الاقتصادية بين محور “الخليج – إيران – تركيا”، وهو ما يظهر أن المصالح الاقتصادية ستصبح نقطة إستراتيجية في العلاقة بين دول هذا المحور، بعيداً من الخلافات في الجوانب الأخرى.
أيضاً، يُعتبر تفعيل ممر “شمال – جنوب” الإيراني من خلال بوابة الخليج – تركيا؛ هو محاولة لفرض الرؤية التركية على هذا المسار الذي سعت إيران لتشغيله من خلال بوابات “الخليج – آسيا الوسطى – القوقاز – روسيا”؛ أي أن أنقرة قد فرضت وجودها داخل هذا المسار من خلال تصالحها السياسي مع دول الخليج.
الطّرف الثّالث
ليست سوريا ولا منطقة الخليج هما نقطة التقاطع الوحيدة بين إيران وتركيا. وإذا ما تم النظر إلى التحولات الجارية في منطقة القوقاز، نجد أن هناك تجدداً للمعارك بين أرمينيا وأذربيجان. كذلك هناك رغبة من جانب أرمينيا لزج إيران في أتون هذه الحرب، التي تحاول طهران التعامل فيها بحذر، خشيةً من الدخول في عداء خشن مع تركيا التي تساند أذربيجان.
وعملياً، وبصفته طرفاً ثالثاً؛ فقد حدد الموقف الروسي المتوازن من هذه الحرب، السياسة التي يجب أن تتبعها إيران في التعامل مع هذه الأزمة، إذ لا يمكن لطهران تخطي الدور الروسي فيها.
أيضاً، الموقف من إسرائيل يفرض على البلدين علاقة تنافسية، فإذا نظرنا إلى علاقتهما بروسيا داخل الساحة السورية، نجد أن روسيا تعتمد على تركيا بثقة أكبر من إيران، وذلك بسبب حالة التشويش التي تصيب سياسة إيران واقتصادها جراء العقوبات الأميركية وبسبب موقفها العدائي من إسرائيل. بينما تتمتع تركيا بعلاقة جيدة مع إسرائيل، ولها علاقات اقتصادية قوية مع روسيا، فضلاً عن نفوذها القوي بين مسلمي روسيا الاتحادية.
ويعتبر هذا التنافس بين إيران وتركيا على العلاقة مع روسيا، محدِداً أساسياً لمستقبل العلاقة التنافسية بين البلدين، فالموقف الروسي من خزانات الطاقة في منطقة القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى، هو ما سيحدد أياً من البلدين، إيران وتركيا، من سيقوم بالمشاركة في إدارة هذه الخزانات وإلى أي وجهة سيتم نقلها.
كذلك، العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية تؤدي دوراً في هذه المنافسة، فالدور الذي تؤديه تركيا في الحزام المحاذي لروسيا والصين، يأتي كدور بديل لإيران التي خرجت من وظيفة “الشرطي” للولايات المتحدة الأميركية. وهو الأمر الذي يدفع روسيا أحياناً للتقارب مع إيران خشية من الدور التركي في ملفات عديدة، مثلما نجد في حالة أفغانستان بعد رحيل القوات الأميركية من هناك.
المحصّلة
إن العلاقة بين الجارتين، إيران وتركيا، هي تنافسية ولا يمكن أن تصل إلى حالة العداء الاستراتيجي، نظراً للحاجة الاستراتيجية المتبادلة بينهما.
إن العلاقة مع طرف ثالث، مثل دول الخليج أو روسيا أو الولايات المتحدة الأميركية، تمثل نقطة ارتكاز في إدارة عملية التنافس بين البلدين، ويمكن أن يكون لهذا الطرف اليد العليا في ذلك.
إن نجاح إيران في تغيير سياستها تجاه الولايات المتحدة الأميركية، يمكن أن يساعدها في تغيير قواعد اللعبة التنافسية مع تركيا، إذ إنها بذلك ستشارك تركيا في وظيفتها، التي لعبتها من قبل كشرطي لأميركا في المنطقة. وهو أمر لا تدل المؤشرات الى إمكان حدوثه في المستقبل القريب.