بالصور.. حديقة حيوان إيرانية لحيوانات معدنية بلا أقفاص
خصّص إحسان وسهيل خمسة عشر شهرا لإكمال مشروع الحرف المعدنية ونحت ثلاثين حيوانا من الخردة، وهو ما يكفي لفتح حديقة الحيوان لاستقبال الجمهور.

ميدل ايست نيوز: ابتكر إحسان وسهيل صاني عروضا مذهلة من منحوتات حيوانات مصنوعة من المواد القابلة لإعادة التدوير. وهي ليست حديقة حيوانات بالمعنى المتعارف عليه، حيث يرى الزائر فيها أنواعا محتجزة محبوسة في أقفاص تقضي ببراءة عقوبة السجن مدى الحياة، بل هي حيوانات صنعت بالكامل من معادن الخردة.
ففي بلدة شأهرضا الإيرانية الصغيرة، الواقعة على بعد حوالي خمس مئة كيلومتر جنوب العاصمة الإيرانية، اختار النحاتان الشقيقان مكونات السيارات المعدنية والفولاذية واللحام معا وشظايا صدئة من المعدن المهمل. وربطا الآلاف من المحامل والتروس والعجلات المسننة والسلاسل والصواميل والمسامير مع بعضها البعض لإنشاء حيوانات متقنة تُحاكي شكل الكائنات الحقيقية.
من القبح إلى الجمال
ليس الحصان المجنح المعدني المستوحى من الأساطير اليونانية واللاما المصنوعة من سلاسل محرك سيارة مفكّكة والتمساح الذي تشكلت أسنانه من المسامير والصواميل والسلحفاة التي تحمل درعا مؤلفا من أقراص قابض السيارة سوى عدد قليل من المنحوتات المعروضة في حديقة الحيوان.
ووجد إحسان (39 عاما) الحاصل على درجة البكالوريوس في الإخراج المسرحي مكانه في النحت خلال أواخر التسعينات وأصبح بارزا في هذه الحرفة. وعندما كان طالبا في المدرسة الثانوية أثارت زيارته إلى مرآب لتصليح الشاحنات الثقيلة اهتمامه بصنع حيوانات معدنية من شظايا الخردة والسيارات التالفة.
واشترى الأجزاء من مالك مرآب وربطها ببعضها البعض بمساعدة عامل لحام لصنع أول تمثال صغير في شكل حيوان، بينما لم يكن على دراية بوجود مثل هذا الفن في العالم بسبب الوصول المحدود إلى الإنترنت في ذلك الوقت.
ومنذ ذلك الحين شرع إحسان وشقيقه الأصغر سهيل (31 عاما) في البحث عن المعادن الصدئة في ساحات الخردة.
ومع بداية الركود الناجم عن جائحة كورونا تفاوض الفنانان مع سلطات بلدتهما للحصول على دعم مالي لبناء حديقة حيوانات معدنية فريدة من نوعها في البلاد. ولأنهما من عشاق الحيوانات قرّرا إنشاء حديقة حيوانات، ولكن دون حيوانات فعلية.
ويقول إحسان “قرّرنا بناء حديقة حيوانات بمواد خردة لإظهار معارضتنا لحدائق الحيوان التقليدية، وفي نفس الوقت مساعدة المدينة على إعادة تدوير الأجزاء المعدنية المهملة من خلال هذا المشروع”.
حيوانات برية معدنية
كان الاهتمام بالتفاصيل هو أولوية هذين النحاتين اللذين أظهرا صبرا في جمع القطع والمكوّنات التي شكّلا منها نسيج الجلد واللياقة البدنية لكل حيوان.
ويوضّح إحسان “استخدمنا الغسالات لتمثيل البقع الدائرية على جسم الفهد أو لإظهار الجسم الكبير لفيل أو زرافة، مع وجود بقع كبيرة على جلد الحيوان، واستخدمنا أقراص القابض في السيارة”.
إنجاز مشروع الحديقة المعدنية تطلب خمسة عشر شهرا، وفيه يعرض النحاتان نحو ثلاثين حيوانا من بقايا الخردة
وخصّص إحسان وسهيل خمسة عشر شهرا لإكمال مشروع الحرف المعدنية ونحت ثلاثين حيوانا من الخردة، وهو ما يكفي لفتح حديقة الحيوان لاستقبال الجمهور.
وبعد أكثر من عام من الإجراءات الصحية لتطويق جائحة كورونا بدأت حديقة الحيوانات المعدنية الآن تتعافى من عمليات الإغلاق وشرع الزوار يتوافدون عليها لالتقاط صور بجانب الحيوانات التي تبدو كأنها تنبض بالحياة ويمكن أن تتحرّك في أي لحظة.
وتقول الزائرة زهرة شاهمنصوري وهي معجبة بعمل النحاتين “لم أر مجموعة من الحيوانات المعدنية مثل هذه من قبل، فهي تبدو حيوانات حقيقية عندما تنظر إليها”.
وساعدت بلدية شأهرضا النحاتين بمدهم بحوالي اثني وعشرين ألف دولار لتمويل مشروع حديقة الحيوانات المعدنية.
فن له تاريخه
بات النحت على المعادن، أو بعبارة أدق النحت على الخردة، نوعا من أنواع الفن التشكيلي الذي يتطلب الدقة والجهد، وقد يعمد البعض إلى تجميل بعض المعادن وتشكيلها، فيما يعمد آخرون إلى التعبير من خلال المنحوتات عن قضايا إنسانية راهنة أو تجسيد شخصية قد تكون تاريخية أو ذات أبعاد رمزية، أو نحت أشكال غريبة، لكن لكلّ واحد منها معناه وقراءته الخاصة به.
ويعرّف نحت الخردة بأنه فن تحويل القبح إلى جمال، فمن خلاله يتم تحويل المهملات المعدنية عديمة القيمة إلى أعمال فنية جذّابة، وهو أيضا فن “الفرصة الثانية” بمنحه المهمل من الأشياء حياة جديدة بل ومديدة أيضا.
وفن الخردة ليس جديدا، فقد عرفه النحات الأوروبي المعاصر خاصة بعد الحرب العالمية الثانية حين قام بتطويع نفايات المعادن والمخلفات المعدنية الصناعية ليشكّل منها أعمالا إبداعية، وكان من بين من اهتموا بهذا الفن بيكاسو الذي أبدع قطعة نحتية على شكل رأس ثور قدّمها عام 1943 في معرضه الأول بعد الحرب العالمية الثانية، وكان شديد الفخر بعرضها على الجمهور لتحظى المنحوتة بشهرة واسعة في الفن الحديث كنموذج لأبسط أسلوب فني غير مألوف يمكن أن يستخدمه فنان.
ومن التجارب الإبداعية المبهرة أيضا منحوتة الخروف للفنان نيومان نورتا عام 1951، حيث نجح في أن يحوّل الحديد القاسي إلى صوف ناعم يكسو جسد خروفه المعدني الشهير. ولا يقل روعة عن ذلك الفرنسي سـيزار الذي صنع تمثال جائزة أهم مسابقة للسينما في فرنسا، وقد عُرف باستخدام المكابس الضخمة وغيرها وتحويلها إلى أعمال نحتية ذات قيمة فنية عالية.
أما في العالم العربي فكان النحات المصري صلاح عبدالكريم من أهم النحاتين منذ أن أبدع “صرخة الوحش”، وذكرته موسوعة “لاروس” للفنون كرائد لهذا النوع من التشكيل على مستوى العالم.
وفي تونس يعدّ الفنان التشكيلي حمادي بن نيّة من بين أشهر فناني النحت بالمعادن من حديد ونحاس وألمنيوم، مطوعا الخامات الصلبة بين يديه لتغدو كأنها صلصال يشكّله كما يشاء، وهو يستحضر في جل منحوتاته المرأة بانفعالاتها وجمالها ودلالها.