الاتفاق النووي الإيراني في الطريق المسدود: 3 سيناريوهات أميركية

تكثفت التصريحات الصادرة عن مسؤولين أميركيين بأن واشنطن تُعد بشكل "نشط" مع حلفائها، "بدائل" للاتفاق النووي، في حال انتهت المفاوضات إلى فشل.

ميدل ايست نيوز: تسير مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني في طريق شبه مسدود. هذه هي الخلاصة التي توصل إليها دبلومسيون من فرنسا، بريطانيا، وألمانيا، الدول الثلاث التي تشارك في مباحثات “5+1” إلى جانب روسيا والصين.

وصدر هذا التقييم الأوروبي يوم الجمعة الماضي، في ختام الشوط الثاني من الجولة السابعة للمفاوضات، التي تجري بطريقة غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، وسط تضارب في المواقف بين طهران وبقية المشاركين في المفاوضات.

وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوفد الإيراني علي باقري كني، أنه “تم إحراز تقدم جيد”، وأن المفاوضات ستستمر بعد توقف لأيام عدة، قابله موقف أوروبي مختلف، فإنه يؤكد أنه “لم يتسن حتى الآن الدخول في مفاوضات حقيقية”.

وقال دبلوماسي أوروبي: “نضيع وقتاً ثميناً في مناقشة مواقف إيرانية جديدة، لا تتماشى مع خطة العمل الشاملة المشتركة، أو تتجاوز ما تنص عليه”. وأقرّ بأنه جرى الاتفاق على جولة جديدة “تجنباً لإعلان الفشل”.

بوليتيكو: محادثات فيينا تعود إلى نقطة البداية وواشنطن قدمت “عرضا جيدا” لإيران

المفاوضات تراوح مكانها، بسبب تراجع إيران عن التزامات قدمتها في الجولات الست السابقة، وهي تتمسك اليوم بما حصلت عليه من تنازلات قدمتها الأطراف الأخرى، وتطالب بالمزيد.

وأهم نتيجة خرجت بها وفود الولايات المتحدة وأوروبا في ختام الجولة السابعة، هي أن فرص إحياء الاتفاق النووي تبدو غير متوافرة الآن، نظراً إلى الفجوات الكبيرة في ما يتعلق ببعض النقاط الخلافية، منها سرعة ونطاق رفع العقوبات عن إيران، وزمن وكيفية تراجع الأخيرة عن خطواتها النووية.

وحيال ذلك، تكثفت التصريحات الصادرة عن مسؤولين أميركيين بأن واشنطن تُعد بشكل “نشط” مع حلفائها، “بدائل” للاتفاق النووي، في حال انتهت المفاوضات إلى فشل.

خيار الدبلوماسية مع إيران ينفد

وتؤكد المواقف الأميركية حتى الآن، أن الخيار الأمثل هو الدبلوماسية. وتحدث الرئيس الأميركي جو بايدن عن احتمال أن تحصل مواجهات عسكرية في الشرق الأوسط، قائلاً في خطاب أمام قمة مجموعة العشرين في روما في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن الولايات المتحدة سترد على الهجمات الإيرانية على المصالح الأميركية في دول مثل سورية، لكنه ألمح ضمنياً إلى أن أميركا تفضل استخدام النفوذ الاقتصادي، بدلاً من القوة العسكرية.

وأوضح بايدن أنه وزعماء أوروبيين في القمة اتفقوا على أن الدبلوماسية هي أفضل طريقة للمضي قدماً في التعامل مع إيران. وقال: “اجتمعنا لتأكيد إيماننا المشترك بأن الدبلوماسية هي أفضل طريقة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وناقشنا أفضل السبل لتشجيع إيران على استئناف المفاوضات الجادة بحسن نية”.

وهذا ما تعمل له واشنطن منذ وصول الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض في مطلع العام الحالي. ووفقاً لذلك، قامت هذه الإدارة بتجاوز قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق في عام 2018، وعملت خلال الجولات الست السابقة ما بين نيسان/إبريل ويونيو/حزيران الماضيين، على إنجاز مشروع اتفاق جديد، وافقت عليه حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، وتحفظ عليه البرلمان الإيراني الذي يحظى المحافظون فيه بالأغلبية.

ولدى وصول هؤلاء إلى الحكم بقيادة الرئيس إبراهيم رئيسي، اتبعوا نهجاً جديداً للتفاوض يقوم على مراجعة النقاط كافة، وأعطوا الأولوية لرفع العقوبات. ومع ذلك، استمرت واشنطن بالمفاوضات، وبدأت بالتوازي تلوح بالخيارات الأخرى أو “الخطة ب”، بسبب استمرار برنامج إيران النووي في التسارع.

وتؤكد المواقف الأميركية أن واشنطن قد لا تجد أمامها خياراً سوى اتخاذ إجراءات إضافية. وينسحب الأمر على الأطراف الأوروبية المشاركة في المفاوضات التي تتحدث عن أن الوقت ينفد لإنقاذ الاتفاق، الذي وصفوه بأنه أصبح “قذيفة فارغة” إذا لم تتقدم المفاوضات.

وذهبت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس بعيداً، عندما حذرت من أن استئناف المحادثات يمثل “الفرصة الأخيرة للجمهورية الإسلامية للجلوس إلى طاولة المفاوضات بقرار جاد”، مضيفة أنه “لا يزال هناك وقت لإيران للموافقة على هذا الاتفاق”.

تشديد العقوبات على إيران

لم تحدد الإدارة الأميركية بدقة الإجراءات الأخرى التي تدرسها في حال فشل الجهود الدبلوماسية. وصدرت تصريحات عن مسؤولين أميركيين تفيد بأنهم سينظرون في خيارات أخرى، يمكن أن تتضمن زيادة في العقوبات، بما في ذلك استهداف مبيعات النفط الإيراني إلى الصين، وعمليات سرّية لتخريب برنامج إيران النووي، أو العمل العسكري.

ولم يستبعد وزير الخارجية أنتوني بلينكن الخيارات العسكرية، عندما تحدث إلى جانب نظيره الإسرائيلي يئير لبيد لدى زيارته إلى واشنطن في أكتوبر الماضي من أجل الحصول على تطمينات من إدارة بايدن، بأنها لن تتراجع عن جوهر مواقف ترامب حيال إيران، ولن تعود إلى سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما التي أنتجت الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015.

وقال بلينكن خلال زيارة إلى إندونيسيا أخيراً: “نواصل في هذا اليوم، متابعة الدبلوماسية، لأنها تظل في الوقت الحالي الخيار الأفضل، لكننا نتواصل بنشاط مع الحلفاء والشركاء بشأن البدائل”.

بدوره، أعرب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن قلقه “بشأن تصرفات الحكومة الإيرانية في الأشهر الأخيرة، سواء من استفزازاتها المستمرة، أو افتقارها للمشاركة الدبلوماسية البناءة”، متحدثاً إلى جانب وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس، الذي زار واشنطن أثناء الشطر الثاني من مفاوضات الجولة السابعة، ليتداول مع المسؤولين الأميركيين حول احتمال توجيه ضربة عسكرية لبرنامج إيران النووي.

وحصل غانتس على تعهد أوستن “بالعمل عن كثب مع جميع شركائنا في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك إسرائيل أولاً وقبل كل شيء، لضمان أننا نعمل معاً لمواجهة التهديدات الإيرانية”، وقال “سندافع عن أنفسنا وسندافع عن أصدقائنا وسندافع عن مصالحنا”.

وليس من الواضح ما إذا كانت تصريحات الوزير الإسرائيلي، تعني أن الولايات المتحدة لن توافق إذا شنّت إسرائيل ضربات عسكرية ضد إيران، في حال رأت تل أبيب أن طهران على وشك أن تكون قادرة على توفير المواد اللازمة لصنع سلاح نووي.

ضرب منشآت إيران النووية: خيار أخير

وأورد تقرير لوكالة “رويترز” عن مسؤول أميركي وصفته الوكالة بالكبير، من دون الإفصاح عن هويته، بأن قادة الدفاع في الولايات المتحدة وإسرائيل تباحثوا حول تدريبات عسكرية محتملة من شأنها التحضير لأسوأ سيناريو ممكن لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، إذا أخفقت المساعي الدبلوماسية، وإذا طلب ذلك قادة البلدين.

وبعد أيام من لقاء الوزيرين الإسرائيلي والأميركي، حصل عطل إلكتروني، أدى إلى توقف محطات البترول الإيرانية عن العمل، ونسب رئيس منظمة الدفاع المدني الإيرانية، العميد غلام رضا جلالي، هذا الحادث إلى هجوم قامت به إسرائيل والولايات المتحدة.

الخيارات العسكرية والأمنية هي آخر ما ستلجأ له واشنطن، ولذلك بدأت بتنشيط آلية العقوبات الاقتصادية لتكون جاهزة في حال تعثر المساعي الدبلوماسية.

وأكد مسؤولون في الإدارة أن الولايات المتحدة سترسل وفداً مشتركاً بين الوكالات، بقيادة أندريه جاكي، رئيسة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية، إلى الإمارات، لتشديد تطبيق العقوبات على إيران، التي احتلت المركز الخامس في قائمة شركاء الإمارات التجاريين من حيث قيمة تجارة إعادة التصدير في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي.

وحدد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، مهمة الوفد بأنه “سيركز على التعامل مع القطاع الخاص والمسؤولين الحكوميين الرئيسيين في الإمارات لمناقشة شركات القطاع الخاص والمؤسسات المالية التي تسهل عدم الامتثال للتجارة الإيرانية، التي تمر عبر الإمارات العربية المتحدة أو تمسها بطريقة ما”، كاشفاً أنه ستكون هناك “وفود إلى دول شريكة أخرى في الأسابيع المقبلة”.

ويهدف التحرك الأميركي إلى تطبيق عقوبات جديدة، ووضع آليات لمكافحة التحايل على العقوبات، ويشمل ذلك التكيف والتشدد لإنفاذ العقوبات، واستباق محاولات الالتفاف عليها.

وأول بلد معني من خارج المنطقة هو الصين، الطرف في الاتفاق النووي الإيراني، وأكبر مستورد للنفط الإيراني على الرغم من العقوبات الأميركية. وهناك مناقشات أميركية مع المسؤولين الصينيين، بما في ذلك على أعلى المستويات، في ما يتعلق بامتثال بكين للعقوبات الأميركية والدولية على قطاع الطاقة الإيراني.

وصدرت إشارات أميركية إلى أن الصين تتفهم الموقف الأميركي، وصرح مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية للصحافيين خلال الشوط الثاني من الجولة السابعة، بأن الصين وروسيا تشاركان مخاوف الولايات المتحدة وأوروبا بشأن تزايد عدم امتثال إيران للاتفاق، والطريقة التي تعامل بها مفاوضو الحكومة الإيرانية مع محادثات فيينا.

وقال المسؤول إنهم “فوجئوا تماماً بالدرجة التي تراجعت فيها إيران عن التزاماتها السابقة ومطالبها الجديدة”.

وعلى العكس من ذلك، ذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية، أن التقارب الإيراني مع الصين، يولد لدى طهران الإحساس بأن مواجهة العقوبات ممكنة، في وقت لا ترى الحكومة الإيرانية الجديدة في التسوية مع الولايات المتحدة وأوروبا أولوية قصوى.

وبرز ذلك في مفاوضات الجولة السابعة التي مارست فيها طهران لعبة اللحظة الأخيرة، ومثال ذلك الموافقة على تركيب كاميرات المراقبة في موقع “تيسا” في منطقة كرج غرب طهران، بين شوطي المفاوضات، بعد صدور تصريحات أميركية وأوروبية عن عدم تعاون إيران مع وكالة الطاقة الذرية.

العقوبات الأميركية والدولية على إيران كبيرة لدرجة أن التهديد بالمزيد يفقدها ميزتها. ويعتقد ثلاثة من كل خمسة إيرانيين بأن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على إيران إلى أقصى درجة ممكنة، وفقاً لاستطلاع للرأي العام أجرته جامعة ماريلاند الأميركية في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الماضيين. وبالتالي، فإن انهيار المحادثات، سيزيد من خطر التصعيد العسكري. وهذا هو السيناريو الأسوأ لإدارة بايدن.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 17 =

زر الذهاب إلى الأعلى