ما الذي تريده إيران وإسرائيل من التهديدات الأخيرة؟

اتخذت التهديدات الإيرانية الإسرائيلية نبرة أكثر تصعيداً خلال الفترة الأخيرة وذلك مع تواتر أحاديث عن دنو التوصل إلى اتفاق مؤقت بشأن البرنامج النووي الإيراني.

ميدل ايست نيوز: اتخذت التهديدات الإيرانية الإسرائيلية نبرة أكثر تصعيداً خلال الفترة الأخيرة وذلك مع تواتر أحاديث عن دنو التوصل إلى اتفاق مؤقت بشأن البرنامج النووي الإيراني، الذي تقول تل أبيب إنه تجاوز الخطوط الحمراء.

ويرى مراقبون أن نبرة التصعيد الأخيرة من الجانبين إنما تأتي في سياق المخاوف التي يعانيها الطرفان في اللحظة الراهنة، ورغبة كل منهما في الحصول على أكبر مكاسب ممكنة خلال فترة المفاوضات.

وشهدت الأسابيع الأخيرة تهديدات ومناورات عسكرية من الجانبين، وذلك بالتزامن مع استمرار تعثر مفاوضات فيينا الرامية لإحياء الاتفاق النووي المجمّد منذ 2018.

ولم يتمكن المفاوضون في فيينا من التوصل إلى اتفاق بسبب تمسك الولايات المتحدة باتفاق يعالج مخاوف تتعلق بقوة إيران الصاروخية وبسلوكها في المنطقة، وأيضاً بسبب ما يقول الغرب إنه نكوص من الحكومة الإيرانية عما قدمته الحكومة السابقة من تنازلات.

وحالياً، ورغم عدم وضوح الرؤية، فإن التسريبات الغربية تتحدث كلها عن اتفاق مؤقت يمهد لاتفاق أطول وأكثر صرامة مقابل تخفيف العقوبات عن إيران لتحسين أوضاعها الاقتصادية التي أرهقتها تلك العقوبات.

لكن صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية قالت، في نوفمبر 2021، إن المسؤولين في تل أبيب أبلغوا نظراءهم الأمريكيين أنهم يخشون أن يتحول الاتفاق المؤقت إلى اتفاق دائم دون معالجة المخاوف الإسرائيلية.

تهديدات متبادلة

في ظل هذه المخاوف قالت حكومة الاحتلال، خلال الأسابيع الأخيرة، إنها لن تلتزم بأي اتفاق بين إيران والغرب ما لم يفكك قدرات طهران النووية الحالية ويضع قيوداً على برامجها الصاروخية، التي تقول “إسرائيل” إنها باتت تحاصرها من كل اتجاه.

وفي نوفمبر الماضي، خصصت الحكومة الإسرائيلية 1.4 مليار دولار لرئيس أركان الاحتلال، أفيف كوخافي، لبدء التسليح والمنافسة الحربية لضربة محتملة.

كما تعرضت العديد من المنشآت الإيرانية النووية المهمة بالفعل لهجمات سيبرانية وتفجيرات مدبرة ألحقت بها الكثير من الأضرار خلال العام الجاري، وقد أدى تفجير أبريل 2021 إلى خروج منشأة “نطنز” الاستراتيجية من الخدمة لنحو 9 أشهر، بحسب مسؤولين أمريكيين.

وفي حين لم تعترض الولايات المتحدة على التوقيت الذي حددته تل أبيب للتحرك عسكرياً ضد البرنامج النووي الإيراني، أجرت القوات المسلحة الإيرانية هذا الأسبوع مناورات “الرسول الأعظم”، التي قالت إنها كانت تحذيراً جاداً ومباشراً للإسرائيليين.

وشملت المناورات، التي استمرت 4 أيام على سواحل الخليج العربي، إطلاق صواريخ باليستية وأخرى من نوع كروز على ما قال قادة إيران العسكريون إنه “عدو محتمل”، فيما أكد رئيس أركان الجيش الإيراني، الجنرال محمد باقري، (الجمعة 24 ديسمبر 2021) أنها أصابت أهدافها بدقة.

قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي، تحدث خلال نهاية المناورات بنبرة تهديد أعلى، حيث قال في تصريح نقله التلفزيون الرسمي (الجمعة 24 ديسمبر 2021)، إن الفارق الوحيد بين المناورات وبين الواقع هو “تغيير زاوية اتجاه الصواريخ”.

ووجه سلامي، ومثله باقري، تهديدات علنية للجانب الإسرائيلي، وقالا: إن “القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية ستقطع يدهم (الإسرائيليون) إذا أقدموا على أي حماقة”.

وفي السياق نفسه هدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (السبت 25 ديسمبر 2021) برد حاسم وشامل في حال تعرضت بلاده لأي عدوان، وقال رئيسي إن الرد الإيراني سيغير المعادلات الاستراتيجية في المنطقة.

تهديد أثناء المفاوضات

وجاءت تهديدات رئيسي صبيحة استئناف مفاوضات فيينا الرامية لإحياء الاتفاق النووي الموقع بين إيران ودول الغرب الكبرى والولايات المتحدة عام 2015، الذي أصبح مجمّداً منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منه عام 2018.

وفي حين تدرك دولة الاحتلال أنها لم تعد قادرة على صرف إدارة جو بايدن عن المفاوضات فإنها تعمل حالياً على دفع الولايات المتحدة نحو انتهاج آلية أكثر تشدداً خلال المفاوضات، بما يضمن تفكيك قدرات إيران النووية، بحسب ما نقلته “واشنطن بوست” عن مسؤولين، هذا الشهر.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين إسرائيليين مطلعين على المباحثات بين واشنطن وتل أبيب، أن الأخيرة أدركت أن بايدن عازم على المضي قدماً في التوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين، وأن المشكلة كلها تكمن في خلافات بين الطرفين (أمريكا وإيران).

وفي حين أكد مسؤولو تل أبيب أنهم مستعدون للتحرك منفردين لوقف التقدم النووي الإيراني ما لم تتحرك الولايات المتحدة في هذا الاتجاه، فإن الإيرانيين يقولون إن أي عمل عسكري إسرائيلي ضد بلادهم لا يمكن أن يتم دون ضوء أخضر أمريكي.

هذا الأمر عززته تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عندما قال لشبكة “سي إن بي سي”، أواخر أكتوبر 2021، إن بلاده تدرس الوضع الإيراني مع الحلفاء، وإن كل الخيارات، ومن ضمنها الخيار العسكري، مطروح في حال لم تعد طهران للاتفاق النووي.

مخاوف لدى الطرفين

وسط هذه الحالة الضبابية يقول محللون إن ما يحدث يعكس المخاوف التي يعانيها الجانبان الإيراني والإسرائيلي في تلك اللحظة، حيث تخشى “إسرائيل” أن الولايات المتحدة على وشك إبرام اتفاق لا يقيّد القوة الإيرانية وفق المطلوب، في حين تخشى طهران تصرفاً إسرائيلياً طائشاً، كما يقول المحلل السياسي أسامة أبو أرشيد.

وفي تصريح لـ”الخليج أونلاين“، قال أبو أرشيد إن الجانب الإسرائيلي يخشى فعلاً التوصل إلى اتفاق أمريكي إيراني لا يكبح جماح النشاط النووي الإيراني، خاصة أن طهران قطعت شوطاً كبيراً في مسألة التخصيب منذ انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018.

وأشار أبو أرشيد إلى أن المخاوف الإسرائيلية تنطلق من معرفتها بأن إيران أصبحت على بعد أسابيع من تصنيع سلاح نووي من الناحية النظرية، مشيراً إلى أن التخصيب ليس وحده وسيلة صنع السلاح، وإن كان هو الأساس.

وأوضح المحلل السياسي أن اعتراف الجانب الأمريكي بأن الانسحاب من الاتفاق كان خطأ كبيراً يزيد مخاوف تل أبيب من عودة واشنطن للاتفاق دون معالجة مخاوفها المتعلقة بالتطور النووي الإيراني.

على الجانب الآخر، يقول أبو أرشيد إن إيران تخشى هي الأخرى أن تقدم تل أبيب على ضربة متهورة تفقدها الكثير من قدراتها النووية من جهة، وتدفعها للرد من ناحية أخرى، لافتاً إلى أن تهديدات إيران في الوقت الراهن هدفها الحيلولة دون الوصول إلى هذه النقطة.

وأضاف أبو أرشيد: “إيران تعرف أن “إسرائيل” متورطة في عمليات التخريب التي طالت منشآتها النووية، وتعرف أيضاً أن أي عمل عسكري وإن كان موجعاً لـ”إسرائيل” فإنها ستكون كارثية لطهران، خصوصاً في حال تدخل الولايات المتحدة وتزويد الإسرائيليين بأسلحة أكثر تطوراً”.

وخلص المحلل السياسي إلى أن ما يجري حالياً هو ضغط إسرائيلي لدفع الولايات المتحدة نحو تشديد أي اتفاق محتمل مع إيران، ولدفع إيران بالقبول بشروط ربما هي لا تقبل بها حتى الآن، خشية الدخول في مواجهة عسكرية.

أما من جهة إيران، يقول أبو أرشيد، فإنها “لا تريد الدخول في حرب هي تعرف تبعاتها جيداً، لكنها تقول في الوقت نفسه إننا مستعدون لدفع أي أثمان لكننا أيضاً سنجعلكم تدفعون ثمناً ليس قليلاً في المقابل”.

على الرغم من ذلك فإن “إسرائيل” هي من يعيش الأزمة حالياً من وجهة نظر أبو أرشيد، لأنها تدرك تماماً أنها غير قادرة على التحرك عسكرياً أو على مواصلة التحرك على الأقل دون تأييد أمريكي يبدو أنه ليس متوفراً في الوقت الراهن.

وقال عدد من المسؤولين المطلعين لواشنطن بوست إن العديد من الاجتماعات الإسرائيلية الأمريكية التي جرت مؤخراً كشفت انقساماً واسعاً بين وجهتي نظر الطرفين.

وطلب بينيت، في مكالمة متوترة مع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في (10 ديسمبر 2021) قطع المحادثات، لكن دون جدوى. كما طلب وزير الخارجية يائير لابيد من نظيره الأمريكي هذا الشهر رفع العقوبات، وهو المطلب الأهم لطهران، من على الطاولة.

وقد رفضت الولايات المتحدة تسريع تسليم ناقلات التزود بالوقود في الجو التي طُلبت مؤخراً، والتي من شأنها تسهيل العملية، وفقاً لصحيفة يديعوت آحرونوت، مما دفع بعض النقاد إلى اتهام البيت الأبيض بمحاولة تقييد يدي “إسرائيل”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 + خمسة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى