ما إمكانية عقد حوار إقليمي يجمع كبار دول المنطقة؟
تنذر حالة الفوضى والاضطرابات المتزايدة بصراعات أكثر دموية وأشد قسوة، وتُبقي أبواب المنطقة مشرعة أمام تدخلات أكثر حدة، على صعد مختلفة.

ميدل ايست نيوز: لا يزال الشرق الأوسط بعيداً عن الاستقرار السياسي والاقتصادي، حيث تنذر حالة الفوضى والاضطرابات المتزايدة بصراعات أكثر دموية وأشد قسوة، وتُبقي أبواب المنطقة مشرعة أمام تدخلات أكثر حدة، على صعد مختلفة.
وتعددت أسباب اندلاع الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وازدادت اتساعاً وتعقيداً، خاصة منذ مطلع القرن العشرين؛ وهو ما أدى إلى نشوب عديد من الحروب والنزاعات المسلحة والحروب الأهلية التي تتطلب حلولاً جذرية من قِبل أبرز الدول المؤثرة في المنطقة.
ولم تنجح منظمة الأمم المتحدة بدورها في فرض نفسها كلاعب فاعل في تسوية الصراعات الإقليمية، وهو ما يجعل الأنظار تتجه إلى الخيار الأخير لحل التوترات، من خلال اللجوء إلى حوار مباشر بين الدول الكبرى بالمنطقة؛ لتفادي مزيد من الصراعات، وصولاً إلى تهدئة التوترات فيما بينها.
مقترح إيراني
في تصريح بارز لإيران، قال وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، في 6 ديسمبر 2022، إن حوار بلاده مع السعودية “إيجابي وبنّاء”، مؤكداً ضرورة إقامة حوار إقليمي.
وأضاف عبد اللهيان، في حوار مع قناة “الجزيرة الإخبارية”، أن “حوارنا مع السعودية إيجابي وبنّاء، وخلال أيام سيعود ممثلونا لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة، وهذه خطوة إيجابية”.
وشدد على أن طهران تؤمن بأهمية أن يكون حواراً إقليمياً واسعاً يشمل السعودية ومصر وتركيا لحل مشاكل المنطقة.
وذكر الوزير الإيراني أن السعودية ترغب في الحوار مع طهران، لكنه حوار يركز على العلاقات الثنائية.
تصريحات متكررة
يرى الباحث في الشأن الإيراني، إسلام المنسي، أن هذه الدعوة ليست الأولى لإيران، مشيراً إلى أنها تنادي منذ فترة طويلة بإنشاء آليات حوار إقليمية من دول المنطقة وعدم التدخل الخارجي.
ويلفت إلى أن هدف هذه الآلية الإيرانية التي تحاول إنشاءها منذ فترات طويلة، ليس الحفاظ على استقلال المنطقة كما تزعم، “بل تريد أن تفرض هيمنتها على المنطقة من خلال آليات تعاون إقليمي”.
ويضيف “المنسي” خلال حديثه، أن الهدف من هذه الدعوة الإيرانية هو “ضمان أن تكون لطهران الكلمة العليا في منطقة الخليج”، مستدلاً بتصريح الدبلوماسي الإيراني محمد جواد لاريجاني حول رغبة بلاده في أن تكون الدولة الأكبر.
ويعتقد أنه “من الصعوبة حدوث حوار كهذا”، مشيراً إلى أن اختيار الوزير الإيراني هذه الدول لإجراء حوار بالمنطقة لرغبته في” فك عزلة إيران الإقليمية، ودخول بلاده إلى المنطقة”.
ويؤكد أن هذه المبادرة،ث تشبه إلى حدٍّ كبير، المبادرة التي طُرحت خلال أيام الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، لافتاً إلى أنه “طالما لم تتخذ إيران إجراءات حقيقية يمكن أن يتم البناء عليها للتعاون، فلا يمكن أن يتم التعويل على مثل هذه التصريحات”.
ويضيف: “في حال حدوث هذا الحوار ذات يوم، فمن المتوقع أن تطرح إيران الاعتراف بمناطق نفوذها داخل الدول العربية، وأن يتم إقرار ذلك الوضع والاعتراف بالدور الإيراني من قبل القوى في الشرق الأوسط وهي الدول الكبرى إن صح التعبير مثل مصر وتركيا، ولذلك هذه هي الأهداف الإيرانية التي تكمن وراء مثل هذا الحوار”.
حوار متوقع
في المقابل يرى المحلل السياسي المصري قطب العربي، أن الحوار “متوقع بالفعل، وتصريح الوزير مجاراة لهذا التوقع وتأكيد أن إيران لن تكون -ولو ظاهرياً- عقبة في طريق هذا الحوار”.
ويشير العربي، إلى الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي “أعلن قبل أيام، اعتزامه زيارة السعودية بعد الإمارات في فبراير المقبل، وهما الدولتان اللتان كانتا في حالة عداء شديد معه، كما أعلن عزمه تطوير العلاقات مع مصر و(إسرائيل)”.
ويقول: “من ثم سنشهد تغييرات سياسية كبرى عقب هذه الزيارة للسعودية والإمارات وربما إسرائيل، وفي حال حدوث هذا الاختراق الكبير في العلاقات التي ظلت في حالة انسداد خلال الفترة الماضية،رفمن المتوقع أن ينعكس ذلك من خلال تسريع المفاوضات التركية المصرية”.
وأوضح أنه في هذه الحالة “سنصبح أمام خارطة إقليمية جديدة تمثل خطراً على إيران نفسها، ولذلك سارع الوزير الايراني لتأكيد أن بلاده لا تخشى هذا التطور في حال حدوثه”.
ويستطرد حديثه قائلاً: “رغم تصريح الوزير الإيراني فإن هذا لا يعني أن نصدقه، فما يقال علناً في السياسة ليس بالضرورة أن يتطابق مع ما يتم خلف الجدران”.
وخلص إلى أنه “من المؤكد أن إيران ستتضرر من هذا التطور في حال حدوثه، ولن تقف مكتوفة الأيدي تجاه ما يحيط بها من أخطار”.
إيران ومصر
مع مرور نحو 40 عاماً على التوتر بين مصر وإيران، كان الجانبان على موعدٍ في أكتوبر الماضي، مع تصريحات أطلقها مسؤولون كبار ودبلوماسيون إيرانيون بشأن تحسين العلاقات الحالية وتطويرها.
ولعل أبرز تلك التصريحات جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية، سعيد خطيب زاده، الذي عدَّ في أكتوبر الماضي، أن “التقدم في العلاقات بين القاهرة وطهران إلى الأمام يصب في مصلحة المنطقة”، رابطاً تطورها بالمباحثات مع السعودية.
وفي الشهر ذاته، أعلن المدير العام للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الإيرانية، مير مسعود حسينيان، أن بلاده تعمل على تحسين العلاقات مع مصر، وأن “حل المشكلات بين إيران والسعودية قد يكون له تأثير على هذه القضية”.
والعلاقات بين القاهرة وطهران توترت عقب اندلاع الثورة في إيران عام 1979، إذ قرر قائد الثورة، آية الله الخميني، قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر رداً على توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع “إسرائيل”.
تركيا والمنطقة
أما تركيا، فهناك قضايا جوهرية خلافية بين أنقرة وطهران، حيث تظل تركيا حليفاً إستراتيجياً مُهماً للولايات المتحدة، العدو الأساسي لإيران، وعضواً فاعلاً في “الناتو” رغم أن أنقرة اتخذت مؤخراً موقفاً متحدياً للولايات المتحدة في عديد من القضايا، وضمن ذلك شراء أنظمة دفاع جوي من روسيا، وتنفيذ عمليات ميدانية في سوريا رغم التحفظات الأمريكية.
يبقى الخلاف في سوريا أحد أهم معالم العلاقة بين الجانبين في العقد الأخير، كما تعد مبادرات تركيا التصالحية مع دول إقليمية كمصر والإمارات و”إسرائيل” والسعودية مصدر تشكيك لإيران حول سياسات تركيا الإقليمية ومدى ثبات الموقف منها.
وفي ما يخص السياسة الإقليمية للبلدين بالشرق الأوسط، فإن طهران وأنقرة منخرطتان في منافسة كل من السعودية و”إسرائيل” على النفوذ بالمنطقة.
وبدا ذلك واضحاً للغاية في أثناء المقاطعة التي قادتها السعودية وحلفاؤها وضمنهم مصر، لقطر عام 2017، فيما دعمت أنقرة وطهران الدوحة في تجاوز آثار الحصار الذي فُرض عليها.
ومؤخراً انتهجت تركيا خطوات جديدة للتقارب مع الإمارات ومصر، فيما يستعد الرئيس التركي لزيارة السعودية في فبراير، في خطوة تبدو لإنهاء التوتر الذي عاشه البلدان خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول (أكتوبر 2018).
السعودية وإيران
في 3 يناير الجاري، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في مؤتمر صحفي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، بالعاصمة عمان: إن “أيادي العرب ممدودة” إلى إيران، بشرط تجاوب الأخيرة مع الهموم العربية المتعلقة بـ”أمن واستقرار المنطقة”.
وسبق أن قال وزير الخارجية الإيراني، في 7 أكتوبر 2021، إن المحادثات بين بلاده والسعودية قد “قطعت شوطاً جيداً”.
وانطلقت محادثات سعودية إيرانية في العراق قبل عدة أشهر، إذ عقد الطرفان حتى الآن 4 جولات تفاوضية، حسب تصريحات سابقة لمسؤولين من البلدين، وسط حديث عن جولة خامسة قريباً.
وكانت إيران قد دعت السعودية إلى فتح القنصليات وإعادة العلاقات الدبلوماسية، وفقاً لما نقلته وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، في أكتوبر الماضي، عن مصدرين على دراية بالمباحثات الأخيرة بين الرياض وطهران.