مناورات إيرانية روسية صينية في خليج عُمان.. ما رسائلها ودلالاتها؟
تهدف المناورات إلى تعزيز القدرات والجهوزية القتالية، وتعزيز العلاقات العسكرية، وضمان الأمن المشترك، والتصدي للإرهاب البحري.

ميدل ايست نيوز: بينما تتصاعد التهديدات الأمريكية والإسرائيلية باللجوء إلى الخيار العسكري لوقف البرنامج النووي الإيراني، أجرت طهران مناورات عسكرية واسعة مع القوات الروسية والصينية، وهي مناورات يقول خبراء إنها تأتي في سياق محاولات روسيا والصين تقليص النفوذ الأمريكي في العالم.
وحسب تقرير لموقع “الخليج أونلاين” هذه المناورات هي الثالثة من نوعها بين الدول الثلاث؛ وقد بدأت يوم 18 يناير 2021، واستمرت حتى الـ21 من الشهر نفسه، على مساحة 17 ألف كم مربع في بحر عمان والجزء الشمالي من المحيط الهندي.
وجرت المناورات بالذخيرة الحية وتشمل محاكاة لتحرير سفن ورهائن، وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم الجمعة 21 يناير 2022، انتهاء الجزء الخاص بخليج عُمان.
وقال المتحدث باسم الجيش الإيراني، مصطفى تاج الدين (21 يناير 2022)، إن المناورات تأتي في إطار التعاون العسكري والأمني المهم (بين الدول الثلاث) للتصدي لتهديدات قائمة.
وقالت وكالة “إرنا” الإيرانية (رسمية)، إن المناورات جرت بمشاركة “وحدات سطحية وجوية من القوة البحرية الإيرانية والقوة البحرية للحرس الثوري ووحدات بحرية من روسيا والصين”.
وجاءت المناورات بعد زيارة رسمية أجراها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لموسكو (19 يناير 2022)، وقال خلالها إن بلاده لا تضع قيوداً على توسيع العلاقات مع روسيا.
كما جاءت المناورات على وقع محادثات في فيينا تهدف إلى إنقاذ الاتفاق النووي المبرم في 2015 بين إيران والقوى الكبرى ومن بينها روسيا والصين، والذي انسحبت منه أمريكا في عهد الإدارة السابقة بقيادة دونالد ترامب في 2018.
وتهدف المناورات إلى “تعزيز القدرات والجهوزية القتالية، وتعزيز العلاقات العسكرية بين البحرية الإيرانية والروسية والصينية، وضمان الأمن المشترك، والتصدي للإرهاب البحري”، بحسب بيانات الجيش الإيراني.
تعليق صيني
وكانت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية نقلت في (20 يناير 2022)، عن سونغ تشونغ بينغ، وهو متحدث باسم الجيش الصيني، أن الدول الثلاث “بحاجة إلى تعزيز التعاون في المجالات الأمنية غير التقليدية، خصوصاً في مجال الأمن البحري.
وقال تشونغ بينغ إن دولاً (لم يسمها) تواصل إحداث مشاكل بالبحر، في انتهاك للقانون الدولي، حسب قوله.
وشهدت الشهور القليلة الماضية عديداً من العمليات التي طالت سفناً في مياه البحر الأحمر، كما شهدت توقيف القوات الأمريكية شحنات أسلحة ونفط إيرانية في بحر العرب، قالت إنها كانت متجهة إلى الحوثيين اليمنيين وفنزويلا، وهو ما وصفته طهران بأنه “قرصنة بحرية”.
وقال المتحدث باسم الجيش الصيني إن الدول الثلاث تهتم بضمان سلامة الشحن الدولي، مشيراً إلى اعتماد روسيا وإيران بشكل كبير على البحر لنقل صادراتهما، فضلاً عن اعتماد بكين على السفن في نقل كثير من وارداتها من النفط والغاز..
رسائل ودلالات
تحمل كثيراً من الرسائل والأهداف على ما يبدو، فقد جاءت في وقت يتصاعد فيه الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، وبين واشنطن وبكين بسبب تايوان.
يقول الخبير في الشأن الخليجي، د. ميثاق خير الله جلود: إن مناورات “حزام الأمن البحري” جاءت في وقت شديد الحساسية بالنسبة للجانب الروسي الذي يواجه تصعيداً كبيراً من الغرب فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.
ولفت “جلود” إلى أن هذه المناورات جزء من سياسة الرئيس الروسي لتوسيع مناطق نفوذه على حساب النفوذ الأمريكي، مشيراً إلى أن قيادة بوتين تعتبر “تاريخية” بالنسبة لروسيا.
وأضاف أنه “بالنسبة للصين فقد باتت قوة اقتصادية كبيرة على مستوى العالم وباتت تبحث منذ نحو عقد، عن دور سياسي وعسكري يناسب وضعها الاقتصادي القوي”، مشيراً إلى أن الدبلوماسية الصينية النشطة تدعم هذه الفرضية.
لكن أكبر المستفيدين من هذه المناورات، بحسب جلود، هو الجانب الإيراني الذي يواجه عقوبات ويخوض في الوقت نفسه مفاوضات صعبة في فيينا بشان ملفه النووي.
كما أن طهران تعيش صراعاً إقليمياً في عدد من الدول، وتخوض مواجهة مع المملكة العربية السعودية، خصوصاً في اليمن، وهو ما ينعكس على الموقف الدولي منها، ومن ثم فهي تبعث برسائل، مفادها أن طهران لديها حلول وحلفاء آخرون.
لكن من الناحية العملية، فإن الصينيين والروس لا يمضون في الطريق حتى آخره مع حلفائهم، ومن ثم فإن كل هذه المناورات “لا تعني أن بكين وموسكو ربما تدعمان طهران عسكرياً في حال حدوث مواجهة، وأنها لا تتجاوز كونها رسائل”، كما يقول جلود.
ما دوافع المناورات؟
لم يعد ثمة شك في أن القوى العالمية الكبرى، بل القوى الإقليمية في كل مناطق العالم، باتت تعتمد بشكل أساسي على لعبة عض الأصابع وخلط الأوراق، بحيث بات نشاط دولة ما في ملف بعينه وسيلة لتحصيل مكاسب في ملف آخر.
الباحثة المتخصصة بالشؤون الروسية آنا بورشفسكايا، كتبت تحليلاً بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني في 11 يناير 2022، قالت فيه إن الرئيس الروسي بوتين، تحديداً، عمل طوال السنوات الماضية، على تحصيل مكاسب من الغرب عبر الملف الإيراني.
وبعيداً عن كثير من الأهداف التي يريدها بوتين من الغرب، فإن العلاقات التجارية والدفاعية بينه وبين إيران تطورت بشكل كبير، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، خصوصاً بعد الشراكة الكبيرة بينهما في سوريا، بحسب بورشفسكايا.
وقالت الكاتبة إن ثمة تقارير تؤكد أن موسكو تستعد لبيع 32 طائرة مقاتلة من نوع “سو-35″ لإيران، مما يعزز القوة الجوية لإيران بشكل كبير.
لكن الأمر، بحسب بورشفسكايا، يتعلق بما يريده بوتين من الغرب في ملفات أخرى مثل أوكرانيا، وربما يمتد الأمر إلى إعادة التفاهم حول شروط تفكيك الاتحاد السوفييتي، وفي سبيل ذلك فإن موسكو مستعدة لتقديم مساعدات كبيرة لطهران.
وفي حين لا يزال الغرب و”إسرائيل” ينظران إلى إيران بأنها تمثل خطراً هائلاً، يواصل بوتين العمل على تقويض النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، وهو يتعامل مع الملف الإيراني من هذا المنظور.
وخلصت الكاتبة إلى أن بوتين طلب من الولايات المتحدة التساهل معه في أوكرانيا مقابل تخفيف دعمه للإيرانيين، وهو ما يعني أنه مستعد للوصول بالتعاون العسكري مع إيران إلى درجات أكبر في حال لم يتفاهم معه الغرب في ملف كييف.
أما الصين، فقد وقّعت اتفاقاً تجارياً كبيراً مع إيران في مارس 2021، وهو اتفاق يقول خبراء غربيون إنه يهدف بالأساس إلى تعزيز الحضور الصيني العسكري في المنطقة.
ففي أكتوبر 2021، قالت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، إن بكين وموسكو لا توافقان الغرب على موقفه من إيران، وإنهما ربما تحتضنان طهران لتعزيز مصالحهما في الشرق الأوسط.
وقالت المجلة إن المرشد الإيراني الأعلى، قال بعد نهاية ولاية الرئيس السابق حسن روحاني، إن الرهان على الغرب يفشل دائماً، مضيفاً أن الإيرانيين يتجهون بقوة نحو تأسيس شراكة استراتيجية مع روسيا والصين لتجنب مزيد من الضغط الغربي.
وسبق أن قال موقع “ذا ديبلومات” الأمريكي إن هذه المناورات التي بدأت عام 2019، تعكس التوسع الكبير في العلاقات العسكرية بين الدول الثلاث، خصوصاً فيما يتعلق بـ”حروب المياه” التي بدأت تتصاعد بشكل كبير.
كما لفت الباحث بجامعة طهران فردين أفتخاري، في مقال نشره بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني في نوفمبر 2021، إلى أن الصين وروسيا تحاولان حماية مصالحهما الاقتصادية مع إيران، في ظل تصاعد التهديدات الإسرائيلية العلنية، فضلاً عن حرب المياه التي بدأتها “تل أبيب” قبل فترة.