ماذا تعني العودة للاتفاق النووي بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط؟
يرى محللون أن المشهد السياسي في المنطقة قد يشهد تغييرا، وأن الاعتماد سيكون بشكل أكبر على الدبلوماسية لحل الخلافات.
ميدل ايست نيوز: تقترب إيران من العودة لاتفاق 2015 النووي، إذ تحدثت واشنطن عن إحراز “تقدم كبير” في مفاوضات فيينا، مشيرة إلى إمكانية إبرام الاتفاق خلال أيام إذا أظهرت طهران “جدية” في هذا الشأن.
وبدأت قبل أشهر المباحثات إيران والقوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق “فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، وألمانيا”، لإحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة أحاديا في 2018.
ويتيح اتفاق 2015 رفع عقوبات كانت مفروضة على طهران، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
ويرى محللون أن المشهد السياسي في المنطقة قد يشهد تغييرا، وأن الاعتماد سيكون بشكل أكبر على الدبلوماسية لحل الخلافات، وقد نشهد إعادة تشكيل لخارطة التحالفات.
وتشدد طهران على أولوية رفع عقوبات، والتحقق من ذلك عمليا، وضمان عدم تكرار خروج واشنطن، كشرط للعودة إلى الالتزام ببنود اتفاق 2015.
في المقابل، تركز الولايات المتحدة والأطراف الغربية الأخرى على عودة إيران لاحترام كامل التزاماتها في الاتفاق.
المحلل السياسي، عامر سبايلة قال إن “التيار المتشدد والمحافظ في إيران يريد إرسال رسالة للعالم أنهم قادرين على إبرام الاتفاقيات الدولية مثلما فعل التيار الإصلاحي في 2015، وأنه قادر على تحقيق النجاح لطهران في مواجهة السياسيات الدولية التي كانت تمارس ضدهم”.
وأكد في حديث لموقع “الحرة” أنه “لن يكون هناك أي تغيير على المشهد السياسي في الشرق الأوسط بعودة طهران للاتفاق النووي، خاصة وأن إيران لم تقدم أية تنازلات تتعلق بنفوذها السياسي في دول بالمنطقة”.
من جانبه يرى المحلل السياسي الإيراني، حسين رويفران، أن ما سيحدث هو “عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، من خلال رفع العقوبات وبهذا ستعود إيران إلى التزاماتها السابقة تجاه البرنامج النووي”.
وأوضح في رد على استفسارات “الحرة” أن “المشهد السياسي للشرق الأوسط قد يشهد تغييرا بعودة الاتفاق النووي، حيث ستقل حدة الخلافات في المنطقة، وإمكانية التفاهمات ستكون أكبر وسنشهد انفراجات سياسية خاصة مع الدول الحليفة للولايات المتحدة”.
والسبت، قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، إن المملكة تتطلع إلى تحديد موعد لجولة خامسة من المحادثات المباشرة مع إيران على الرغم من “عدم إحراز تقدم جوهري” في الجولات السابقة، وحث طهران على تغيير سلوكها في المنطقة.
وبدأت السعودية وإيران، اللتان قطعتا العلاقات بينهما في عام 2016، محادثات العام الماضي، استضافها العراق في الوقت الذي سعت فيه القوى العالمية لإنقاذ اتفاق نووي مع طهران اعتبرته دول الخليج معيبا لعدم معالجته برنامج إيران للصواريخ وشبكة وكلائها.
وكان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب قد قرر سحب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، معيدا فرض عقوبات قاسية على طهران. وردت إيران بالتراجع تدريجيا عن العديد من التزاماتها بموجب الاتفاق.
المحلل السياسي، علي رجب أشار في رد على استفسارات “الحرة” إلى أن “عودة إيران للاتفاق النووي تعني التزام طهران بالمطالب الدولية حول سلمية برنامجها النووي، وعدم زيادة معدلات التخصيب وإبقاء البرنامج تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك رفع العقوبات الدولية عنها من أجل دعم الاقتصاد بمليارات الدولارات”.
وتابع أن المشهد في الشرق الأوسط “سيكون أقرب لما كان عليه بعد اتفاق 2015، حيث قد يزيد نفوذ إيران في المنطقة ودعمها لمحورها المعروف بمحور المقاومة، وهو ما قد يعني تأزم الأوضاع في دول تشهد صراعات مثل اليمن وسوريا وحتى لبنان، إذ إن الإفراج عن أموال إيران المجمدة يعني أن طهران ستزيد دعمها لأذرعها في المنطقة”.
ويرى سبايلة أننا سنشهد “إعادة حسابات من دول المنطقة، أكانت حليفة لإيران أو متضررة منها، وإعادة ترتيب الدول لملفاتها حيث سنشهد بناء علاقات مباشرة ومصالحات مع إيران، أو بناء تحالفات لمواجهة طهران في المنطقة خاصة في ظل تراجع الدور الأميركي في الشرق الأوسط”.
ويؤكد رويفران أن “عودة الاتفاق النووي تعني بالضرورة لجوء دول المنطقة لحل خلافاتها بدبلوماسية، خاصة في الملفات التي تتعلق على سبيل المثال بسوريا والعراق وغيرها من دول المنطقة”.
بدوره يرى المحلل السياسي رجب، أنه يمكن القول “إن عودة الاتفاق هو إخراج النظام الإيراني من الانعاش، وسيكون هناك مرحلة نقاهة لمعرفة مدى قدرة طهران على ضبط سياستها الخارجية مع جيرانها، وإذا تكرر مشهد ما بعد 2015 فإن الأوضاع ستشهد تأزما في المنطقة”.
وأشار إلى أن المعلومات تشير إلى وجود مفاوضات جارية بين السعودية وإيران بوساطة بغداد، إضافة إلى انفتاح إماراتي على إيران، ناهيك عن وجود علاقات جيدة مع عُمان وقطر والكويت.
وتؤكد طهران أنها تريد التحقق من إمكان عودتها لمواصلة نشاطها ضمن الاقتصاد العالمي، بما يتيح للشركات الاستثمار فيها والتعاون مع مصارفها، من دون أن تواجه خطر عقوبات أميركية.
وفي الوقت الذي أكد فيه الرئيس الأميركي، جو بايدن، عزمه على إعادة بلاده إلى الاتفاق مقابل عودة إيران لاحترام التزاماتها، تخشى طهران أن تعمد إدارة أميركية مقبلة، خصوصا إذا كانت من الحزب الجمهوري، للانسحاب مجددا من الاتفاق.
وأكد كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري عبر تويتر، اقتراب الأطراف من الاتفاق “أكثر من أي وقت مضى”، لكن “ما لم يتم الاتفاق على كل شيء، لن يتم الاتفاق على أي شيء”.
واعتبر أن الأمر يعود الآن إلى “شركاء المفاوضات” لاتخاذ “قرارات جدية”.
وكان المستشار الألماني، أولاف شولتس، قد حذر، السبت، من أن فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني تتضاءل، مؤكدا أن “لحظة الحقيقة” حانت للمسؤولين الإيرانيين.
وقال شولتس خلال مؤتمر ميونيخ للأمن “لدينا الآن فرصة للتوصل إلى اتفاق يسمح برفع العقوبات. لكن إذا لم ننجح بسرعة كبيرة، فإن المفاوضات قد تفشل. المسؤولون الإيرانيون لديهم خيار. الآن لحظة الحقيقة”.
بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال المؤتمر إن بلاده “مستعدة للتوصل إلى اتفاق جيد في أقرب وقت ممكن إذا اتخذ الطرف الآخر القرار السياسي اللازم”. وأضاف “نحن جادون للغاية”.