كيف توازن إيران مصالحها مع روسيا والغرب انطلاقا من الحرب الأوكرانية
أفرز الصراع بين موسكو والقوى الغربية 3 ثنائيات متضادة بالنسبة لإيران، تمثلت في "العداء والشراكة، الرفض والتناغم، الخصم والسوق الواعدة".
ميدل ايست نيوز: بعد مضي أكثر من شهر على الحرب الروسية على أوكرانيا، أفرز الصراع بين موسكو والقوى الغربية 3 ثنائيات متضادة بالنسبة لإيران، تمثلت في “العداء والشراكة، الرفض والتناغم، الخصم والسوق الواعدة”.
ويتطلب كل واحد من هذه الثنائيات صياغة سياسة خارجية دقيقة للموازنة بين مصالح طهران في التعامل مع حليفتها روسيا من جهة، والسوق الغربية الواعدة من جهة أخرى، إلى جانب السعي لإنجاح مفاوضات فيينا الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي من جهة ثالثة.
وتطور الموقف الإيراني من الهجوم الروسي على أوكرانيا شيئا فشيئا ليقترب من المنطقة الرمادية، بعد أن بدأ مؤيدا للهواجس التي انطلق منها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هجومه على أوكرانيا بسبب رغبتها في الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وشاطرت طهران بادئ الأمر موسكو قلقها حيال توسع حلف الناتو شرقا باعتباره تهديدا لأمنهما القومي، في ضوء التحليل القائل إن القبول بعضوية أوكرانيا سيمهد الطريق لانضمام عدد آخر من دول جوار إيران وروسيا إلى الحلف ذاته.
ثنائية العداء والشراكة
لكن جانبا من الرأي العام الإيراني انتقد الموقف الرسمي الذي جاء على لسان الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، من الأزمة في أوكرانيا، لأنه وجد فيه تأييدا ضمنيا للهجوم الروسي. إلا أن بعض المراقبين اعتبر أن موقف المرشد الأعلى، ومعارضته للحرب وتوسع الناتو نحو الشرق موضوعي يتناسب مع ما يجري هناك.
وعلى ضوء دخول مفاوضات فيينا النووية مرحلة حاسمة، شكّلت مطالبة روسيا بضمان استمرار تجارتها مع إيران وعدم تأثرها بالعقوبات التي فرضتها الدول الغربية عليها عقب اندلاع الحرب على أوكرانيا عاملا آخر لتذكير الإيرانيين بمحطات تاريخية بين بلادهم والروس.
ورغم العلاقات الثنائية الآخذة في التطور بين طهران وموسكو منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، فإن الذاكرة التاريخية للإيرانيين لاتزال تستحضر الحروب التي أدت إلى انتزاع أجزاء من أراضيهم الشمالية وضمها إلى الإقليم الروسي بموجب اتفاقيتي غلستان عام 1813 وتركمنجاي عام 1828، فضلا عن تدخل الروس لإجهاض الثورة الدستورية (1905-1911) واحتلال الأراضي الإيرانية في الحربين العالميتين.
وفي السياق، يرى الباحث في مؤسسة “التاريخ المعاصر” للدراسات رضا حجت أن الحكومة الإيرانية تمكنّت خلال الأسابيع الماضية من امتصاص الامتعاض الشعبي بشأن العلاقات الإيرانية الروسية، وتخفيف حدة الحملة التي استهدفت إيقاظ الذاكرة التاريخية على حساب المصالح المشتركة بينهما.
وأشار حجت إلى توقيع الحكومة الإيرانية معاهدات مع الصين وروسيا قبيل الأزمة الأوكرانية، مضيفا أن الحرب على أوكرانيا خففت إلى حد بعيد من الإعلان الإيراني الرسمي عزمه التوجه نحو الحلفاء الشرقيين.
الرفض والتناغم
ويوضح الباحث أن الخارجية الإيرانية تعتمد اللعبة الدبلوماسية أكثر من المصالح الاقتصادية إبان الأزمات، سعيا منها لعدم التفريط بمصالحها الوطنية على المدى البعيد، وهذا ما شهدناه في قضية ناغورني قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا، مضيفا أن طهران تفادت الوقوع في فخ الأزمة الأوكرانية عبر إلقاء اللوم على الدول الغربية باعتبارها العامل الرئيس للأزمة.
وعما إذا كان الموقف الإيراني داعما للحرب الروسية أم متناغما مع سياسة الرئيس بوتين في التصدي لتوسع الناتو نحو الشرق، يقول الباحث إنه لا يمكن لإيران أن تدعم طرفا في حربه على دولة مستقلة أخرى، وهذا ما أكده أكثر من مسؤول إيراني بأن طهران تعارض الحرب وقتل الأبرياء كما أنها تعارض توجه الناتو شرقا.
وأضاف الباحث في مؤسسة “التاريخ معاصر” أن بلاده ترى في المشروع الروسي لإيقاف الناتو بعيدا عن حدودها مصلحة وطنية، وقد يكون السبب وراء عدم إدانة طهران الهجوم الروسي على أوكرانيا، لكنها سعت حثيثا من أجل تبيين هواجسها من عسكرة حدودها من قبل الناتو.
الخصم والسوق الواعدة
وعلى وقع المفاوضات النووية مع الغرب، قد تكون الحرب في أوكرانيا ساهمت في تقريب وجهات النظر بين طهران والدول الأوروبية، وفق الباحث بالشؤون السياسية مهرداد نبوي، الذي دعا بلاده إلى الوقوف على مسافة واحدة من روسيا وأوروبا، رغم أن طهران “تصنف بعض الدول الأوروبية في عداد الخصوم بسبب مناصرتها السياسات الصهيوأميركية”.
وقال إنه لا توجد عداوات ولا صداقات دائمة، ولكن المصالح الوطنية هي التي تتحكم بعلاقات الدول، مؤكدا أن من شأن العقوبات الغربية على روسيا أن تمكن إيران من لعب دور أساسي في مد الدول الغربية بالطاقة التي ستفقدها بسبب وقف إمداداتها من موسكو.
وفي حال استمرار الحرب على أوكرانيا، يقول الباحث إن روسيا ستكون بحاجة إلى مساعدة إيران في الحصول على بعض احتياجاتها إلى جانب بيع بضاعتها، واصفا السياسة الإيرانية بالناجحة نسبيا حتى الآن في موازنة علاقاتها مع الشرق والغرب وفق مصالحها الوطنية.